محمد متولي الشعراوي
محمد متولي الشعراوي


رمضان | قصص القرآن.. حوار بين سليمان وبلقيس

الأخبار

الثلاثاء، 04 مايو 2021 - 09:02 م

يقول الحق تعالى فى سورة النمل: «قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِى مَاذَا تَأْمُرِينَ» يعني: نحن أصحاب قوة فى أجسامنا، وأصحاب شجاعة وبأس أى جيوش فيها عَدَد وعُدة.

«والأمر إِلَيْكِ» أي: إنْ رأيتِ الحرب، فنحن على أُهْبة الاستعداد، فهم يعرضون عليها رأيهم دون أنْ يُلزموها به، فهو رَأْى سياسى لا رأى حربي، فهى صاحبة قرار الحرب إنْ أرادتْ .

«فانظرى مَاذَا تَأْمُرِينَ» يعني: نحن على استعداد للسِّلْم وللحرب، وننتظر أمرك.

ثم يقول الحق سبحانه:«قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ».

وتعرض بلقيس رأيها «إِنَّ الملوك إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا»، ذلك لأنهم يريدون مُلْكاً، فينهبون كل ما يمرُّون به بل ويُخربون ويفسدون لماذا؟ لأنهم ساعةَ يصل الملِك المغير لا يضمن النصر؛ لذلك يُخرِّب كل شيء، حتى إذا ما عرف أنه انتصر، وأن الأمور قد استقرتْ له يحافظ على الأشياء ولا يُخربها.


«وجعلوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً» لأن الملْك يقوم على أنقاض مُلْك قديم، فيكون أصحاب العزة والسيادة هم أول مَنْ يُبدأ بهم؛ لأن الأمر أُخِذ من أيديهم، وسوف يسعَوْن لاستعادته، ولابد أنْ يكون عندهم غَيْظ ولَدَد فى الخصومة.


أما قوله تعالى: «وكذلك يَفْعَلُونَ» فللعلماء فيه كلام: قالوا إنه من كلام بلقيس، وكأنه تذييل لكلامها السابق، لكن ماذا يضيف «وكذلك يَفْعَلُونَ» بعد أن قالت «إِنَّ الملوك إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وجعلوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً». فالرأى الصواب أن هذه العبارة من الحق سبحانه وتعالى ليُصدِّق على كلامها، وأنها أصابت فى رأيها، فكذلك يفعل الملوك إذا دخلوا قرية، مما يدل على أن الحق سبحانه رب الخلْق أجمعين، إذا سمع من عبد من عبيده كلمة حق يؤيده فيها، لا يتعصب ضده، ولا يهضمه حقه.

«وَإِنِّى مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ» بعد أنْ ترك لها المستشارون الأمر والتدبير أخذتْ تُعمِل عقلها، وتستخدم فطنتها وخبرتها بحياة الملوك، فقالت: إنْ كان سليمان مَلِكاً فسوف يطمع فى خيرنا، وإنْ كان نبياً فلن يهتم بشيء منه، فقررتْ أنْ تُرسل له هدية تناسب مكانته كملك ومكانتها هى أيضاً، لتثبت له أنها على جانب كبير من الثراء والغنى.ولا بد أنها كانت ثمينة لتستميل الملك، فإنْ كان ملكاً قَبِلها، وعرفنا أن علاجه فى بعض الخراج والأموال تُسَاق إليه كل عام، وإنْ كان نبياً فلن يقبل منها شيئاً، وهذا رَأْى جميل من بلقيس يدل على فِطْنتها وذكائها وحصافتها، حيث جنَّبتْ قومها ويلات الحرب والمواجهة.

«فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ» أي: فلما جاء رسول بلقيس إلى سليمان بالهدية «قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ آتَانِيَ الله خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ» أيُّ هدية هذه، وأنا أملك مُلْكاً لا ينبغى لأحد من بعدي؟ ثم يقول الحق:»ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ».


نذكر أن الملكة قالت «فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المرسلون» فكأنه يستشعر نصَّ ما قالت، وينطق عن إشراقات النبوة فيه، فيقول: «ارجع إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا». وهكذا دخلتْ المسألة فى طَوْر المواجهة؛ لأن كلامنا كلامُ النبوة التى لا تقبل المساومة، لا كلام الملك الذى يسعى لحطام الدنيا.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة