صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


«سد النهضة».. سيناريوهات الحل بين «مفاوضات النفس الطويل» والوساطة الأمريكية

آية سمير

الأربعاء، 05 مايو 2021 - 05:38 م

 

عندما جاءت دعوة الولايات المتحدة الأمريكية نهاية عام 2019 للدول الأطراف في سد النهضة لعقد مباحثات بهدف التوصل لاتفاقٍ قانوني ملزم ومُرضٍ للثلاثة دول المعنية، أعتقد المجتمع الدولي أن الأزمة التي استمرت مفاوضتها عشرة سنوات أوشكت على الانتهاء، إلا إن هذا لم يحدث في النهاية عندما قررت إثيوبيا الامتناع عن حضور الجولة الأخيرة من المفاوضات التي شارك فيها وزير الخزانة الأمريكي ومندوبون من البنك الدولي.

اقرأ أيضًا: السيسي للمبعوث الأمريكي: مصر لن تقبل الإضرار بمصالحها المائية أو المساس بمقدرات شعبها

وقعت مصر على الاتفاق وقتها بالأحرف الأولى، أما أثيوبيا فقد أصدرت بيانًا قالت فيه إنها "ترفض الضغط الأمريكي من أجل التوصل لاتفاق يتعلق بسد النهضة"، وعلى الرغم من صعوبة الموقف، إلا إن تلك لم تكن نهاية المفاوضات التي بدأت قبل تلك الدعوة بكثير.

سد النهضة المشروع الذي تروج له الحكومة الحالية - والتي ستخوض الانتخابات العامة في إثيوبيا شهر يونيو القادم - على أنه مشروع قومي سينقذ البلاد من العطش وينتج الكمية الكافية من الطاقة والكهرباء لنهضة المجتمع، وأنها عازمة على فعل ذلك رغم التحديات.

اقرأ أيضًا: السيسي للمبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي: سد النهضة قضية وجودية بالنسبة لمصر

وفي تصريحات أخيرة لرئيس الوزراء آبي أحمد مهنئًا الشعب بعيد الفصح، قال: "سد النهضة الذي طال انتظاره منذ سنوات يقترب من الاكتمال ونتطلع إلى الملء الثاني في يوليو المقبل".

كما وصف رئيس الوزراء الإثيوبي في خطابه دولا أخرى بـ"المنافسين"، قائلا إنهم "يسعون لعرقلة أديس أبابا عن نهضتها".

في المقابل، خاضت مصر والسودان مفاوضات طويل الأجل مع إثيوبيا من أجل التوصل لاتفاق قانوني ملزم يتعلق بملء وتشغيل السد، يمكن بموجبه أن تحقق أديس ابابا نهضتها دون الإضرار بالمصالح المائية لدولتي المصب.

اقرأ أيضًا: سفير مصر بواشنطن: إثيوبيا تَتاجر بأزمة سد النهضة.. ولن نسمح بالخطوات الأحادية

بدأت جولة من المفاوضات برعاية جنوب السودان كرئيس للاتحاد الأفريقي عام 2020، لكنها فشلت، ثم تبنت الكونغو الديمقراطية – الرئيس الحالي للاتحاد- جولة أخرى من المفاوضات طالبت بعقدها في العاصمة كينساشا مطلع أبريل الماضي.

وافقت الخارجية المصرية على المشاركة في المفاوضات ووصفتها بأنها "مباحثات الفرصة الأخيرة"، وعقدت المباحثات على مدار ثلاثة أيام، لكنها انتهت أيضًا بالفشل.

وفي بيان صدر عن الخارجية المصرية في ذلك الوقت قالت إن إثيوبيا رفضت المقترح الذي قدمه السودان وأيدته مصر، بتشكيل رباعية دولية تقودها الكونجو التي ترأس الاتحاد الإفريقي للتوسط بين الدول الثلاث، ورفضت إثيوبيا كذلك خلال الاجتماع كافة المقترحات والبدائل الأخرى التي طرحتها مصر وأيدتها السودان، من أجل تطوير العملية التفاوضية لتمكين الدول والأطراف المشاركة في المفاوضات كمراقبين من الانخراط بنشاط في المباحثات والمشاركة في تسيير المفاوضات، وطرح حلول للقضايا الفنية والقانونية الخلافية.

كما رفضت إثيوبيا مقترحاً مصرياً تم تقديمه خلال الجلسة الختامية للاجتماع الوزاري ودعمته السودان بهدف استئناف المفاوضات بقيادة الرئيس الكونجولي وبمشاركة المراقبين.

أما السودان فقد أكد وزير الري بها ياسر عباس في مؤتمر صحفي على رفض أثيوبيا لكل المقترحات، بالإضافة لرفضها كذلك لمبدأ الوساطة الرباعية بذريعة عدم تقديمه رسميا.

ومع كل هذا الرفض لكل سبل التفاوض، تصر إثيوبيا في الوقت نفسه على تنفيذ الملء الثاني للسد في موسم الأمطار المتوقع شهر يوليو القادم، حيث تنوي أديس أبابا من خلاله تخزين 13 مليار متر مكعب من المياه.

الأمر الذي دفع القاهرة والخرطوم للجوء للمجتمع الدولي من أجل التوصل إلى حل، والتعريف بخطر الملء الثاني الذي تنوي أثيوبيا تنفيذه ضد رغبة الجميع، وبشكل أحادي مما قد يضر بمصالح دولتي المصب، مصر والسودان.

ماهي أضرار الملء الثاني لسد النهضة؟

يقول د. حسام المغازي وزير الموارد المائية والري الأسبق لبوابة أخبار اليوم إن السودان هو المتضرر الأكبر من الملء الثاني لأنها تملك سدودًا "سنوية" تكفي لتخزين الماء للعام الواحد، على عكس مصر التي تملك السد العالي والذي يخزن الماء بشكل "قرني" أي لعشرات السنوات.

وأوضح الوزير السابق أن مصر سيكون من الممكن بالنسبة لها استيعاب هذا الملء بضرر أقل مع الأخذ في الاعتبار عدد من العوامل مثل مشروعات تبطين الترع، تقليل مساحات الأرز المزروعة، بالإضافة لإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي لتحويل أي عجز محتمل. 

وأشار الوزير إلى أنه لولا وجود السد العالي في مصر لكان التأثير على مصر ليصبح أكثر بكثير. 

من جانبه، يرى الدكتور عباس شراقي، أستاذ المياه والموارد المائية والشئون الأفريقية بجامعة القاهرة، أن مصر صحيح يمكنها استيعاب الملء الثاني إلا إن ذلك سيكون بتكلفة كبيرة على الدولة.

وأضاف: "المواطن المصري لن يشعر بضرر مباشر حين يتم الملء وتقل واردات المياه، لكن ذلك سيكون بسبب التعويض من المياه المخزنة في السد."

وأشار شراقي إلى أن تخزين أثيوبيا 13 مليار متر مكعب من السد، هي كمية من المياه تقابل ما تحتاجه مصر لزراعة 3 مليون فدان من الأرز بتكلفة 10 مليار دولار، إلا إن هذا لن يحدث بسبب إثيوبيا، وهي أيضًا خسارة كبيرة.

ليس هذا فقط، إلا إن إصرار إثيوبيا على عدم التوصل لاتفاق حتى هذه المرحلة وضع السودان تحديدًا في حالة من التخبط الشديد حول ما يجب فعله للحفاظ على موارد مياهها قبل موعد الملء، فبحسب شراقي، السودان يعاني حاليا من التخبط حول ما يجب فعله خاصة في تفريغ وملء السدود الخاصة به، فإن اختار الطريق الخاطئ وقررت أثيوبيا تنفيذ الملء، لأصبح السودان بلا ماء للعام القادم.

سياق آخر موازٍ للأخطار المائية التي ستتحملها دولتي مصر والسودان كدول مصب للنيل الأزرق حال تنفيذ أثيوبيا تهديدها بالملء الثاني هو "فرض سياسة الأمر الواقع".

في هذا الشأن يشير الدكتور سيد فليفل، الرئيس السابق للجنة الشئون الإفريقية بمجلس النواب، لبوابة أخبار اليوم أن تنفيذ إثيوبيا لمشروع سد النهضة بتلك الطريقة ودون استئذان الدول المتشاطئة يعني أن اثيوبيا ستكون حرة في انشاء عدد آخر من السدود والمشاريع على النيل دون مشورةأو تفاوض وهو ما قد يسبب "مشكلة أبدية للمصريين".


وأوضح فليفل، وهو أستاذ تاريخ، والعميد الأسبق لمعهد الدراسات الأفريقية، أنه يجب النظر لسد النهضة كمشروع في إطار سياسي، لأن بموجبه ستكون لإثيوبيا القدرة على إعطاء المياه أو منعها.

ولفت الرئيس السابق للجنة الشئون الإفريقية بمجلس النواب أن هذه لن تكون المرة الأول بالنسبة للسياسة الاثيوبية التي منعت المياه عن عمد من قبل عن كل من الصومال وكينيا.

ففي كينيا، أقامت إثيوبيا عددًا من السدود على نهر أومو دون استئذان، كما عمدت على إنشاء ثلاثة سدود على نهر شيبيل مما أضر الصومال. وتساءل فليفل: "ما الذي يمنع أثيوبيا عن فعل الأمر ذاته مع مصر؟".

وأشار فليفل إلى أن إثيوبيا تروج للمشروع بهذا الشكل كمحاولة للتغطية على الصراعات الداخلية والنزاعات العرقية المسلحة التي تشهدها البلاد في أقاليم مثل تيجراي وبني شنقول، وهو الإقليم ذاته الذي تبني فيه أثيوبيا السد.

وفند الرئيس السابق للجنة الشئون الإفريقية بمجلس النواب ما وصفه بادعاءات إثيوبيا حول استخدام السد لتوليد الكهرباء، واصفًا ذلك بأنه "كذبة كبيرة لن ينال الشعب الإثيوبي منها شيئًا".

ومضى قائلا إن توليد الكهرباء يمكن أن يحدث من المياه الجارية أو من خلال مباني خرسانية لكن إثيوبيا لم تفعل هذا، ولفت إلى وقوع إثيوبيا جغرافيًا في منطقة انكسارات حادة من البحيرات الشمالية حتى البحر الأحمر باطنها مليء بكميات ضخمة من الطاقة الحرارية في جوف الأرض وكان يمكن استخدامها في توليد أضعاف الكهرباء التي يمكن أن تأخذها من سد النهضة، لكنها أيضًا لم تفكر في استخدامها.

بعد فشل المفاوضات.. ماهي الحلول الأخرى؟

بعد أن فشلت مفاوضات "الفرصة الأخيرة" في كينساشا، ورفضت إثيوبيا مقترحات الوساطة الدولية، وصلت مفاوضات سد النهضة إلى طريق مسدود، ومع إصرار أديس أبابا على ملء السد في موعده دون اتفاق لصالح أي من الأطراف، يصبح الأمر أكثر تعقيدًا. ما يدفع للتساؤل: ما هي الحلول الأخرى لحلحلة ازمة سد النهضة؟.

تقول السفيرة منى عمر، مساعدة وزير الخارجية الأسبق أن مصر والسودان بدأوا بالفعل فيما وصفته بـ"المسار البديل"، وهو شرح مخاطر سد النهضة للرأي العام الدولي في الغرب والقارة الأفريقية ومن ثم عرضه من خلال الجمعية العامة ثم مجلس الأمن.

هذا يمكن أن يؤدي لفرض عقوبات على إثيوبيا باعتبارها دولة "مارقة" لا تعتد بالاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها، ولا تراعي مبادئ حقوق الإنسان والتي تنص أولى موادها على "مبدأ الحق في الحياة" الذي تحاول أثيوبيا انتهاكه من خلال منع المياه عن دول بعينها.

كما يوضح وزير الري السابق حسام المغازي أن السيناريوهات البديل لابد وان تتعلق بالتحركات على المستويين الإقليمي والدولي.

وتابع:" هناك عدد من الزيارات لمجوعة من الدول الأفريقية، بالإضافة لعدد من التحركات العربية، أما على المستوى الدولي فيجب أن يتم ذلك من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة".

وردًا على سؤال الرفض الإثيوبي الشديد للوساطات الدولية، قالت مساعدة وزير الخارجية الأسبق أن هذا الرفض يتعلق بضعف موقف أديس أبابا القانوني، بالإضافة لضعفه كذلك من الجانب الإنساني والسياسي.

وتابعت: "إثيوبيا غير قادرة على مواجهة المجتمع الدولي لأنه سيثبت تعنتها مع دول المصب."

ومضت قائلة إن الحل الحقيقي هو بيد إثيوبيا، فعليها أن تغير من موقفها وتبدي مرونة أكثر بهدف التوصل لحل حقيقي فيما يتعلق بعملية الملء والتشغيل الخاصة بالسد.

وفي تصريحات للرئيس عبد الفتاح السيسي مطلع أبريل الماضي قال إنه يحترم رغبة الشعوب في أن يكون لها شكل من أشكال التنمية، دون المساس بحصة مصر في مياه نهر النيل، مؤكدًا أن هذا هو موقف الدولة منذ بداية أزمة سد النهضة، ولم يتغير بمرور الوقت وبإجراء العديد من المفاوضات.

كما لفت الرئيس في حديثة إلى أن التعاون والاتفاق أفضل بكثير من أي حل آخر قائلا "وأقول لكم ولأشقائنا في إثيوبيا ليس هناك داعٍ لأن نصل لمرحلة المساس بنقطة مياه من مصر، لأن الخيارات كلها مفتوحة ومطروحة، وتعاوننا أفضل، والبناء أفضل بكثير من التصارع".

هل يمكن للنفوذ الأمريكي أن يحسم قضية السد؟

100 يوما مرت منذ قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة التي انشغلت تمامَا في مشكلاتها الداخلية، وعلى رأسها جائحة كورونا، فلم تكن السياسة الخارجية مطروحة للنقاش بشكل كبير مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بداية من الفترة الأولى لترشحه للرئاسة، وحتى نهاية الـ100 يومًا الأولى من حكمه.

ولكن، في 23 إبريل، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، تعيين جيفري فيلتمان مبعوثا خاصا لمنطقة القرن الأفريقي.
وأوضحت الخارجية الأمريكية في بيان تعيين فيلتمان أن مبعوث القرن الأفريقي سيعمل على قضايا إقليم تيجراي والخلاف بين السودان وإثيوبيا وملف سد النهضة.

ويرى وزير الري الأسبق حسام مغازي أن إعلان أمريكا تعيين منسقًا للقرن الأفريقي للتواصل مع الجهات الثلاثة لتقريب وجهات النظر قد يكون هو المفتاح اللازم لتحريك الأمور والجلوس مرة أخرى على طاولة التفاوض، كما يشير إلى السعي الأمريكي متمثلا في الإدارة الجديدة لنزع فتيل التوتر في القارة الأفريقية.

أما السفيرة مي عمر فأشارت إلى المفاوضات التي تبتها الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة الرئيس دونالد ترامب عام 2019، قائلة إنه وإن كانت تملك واشنطن الحل فيمكن لأثيوبيا بسهولة التنصل منه كما فعلت من قبل.

أما الإدارة الجديدة نفسها فقد كانت منشغلة إلى حد كبير في شئونها الداخلية ولذلك، قبل أن يكون الحل أمريكيًا، عليه أن يكون في الموقف الأثيوبي ذاته.

وفي تصريحات لتوضيح نوايا الموقف الأمريكي تجاه سد النهضة، قال المجلس الأمن القومي الأمريكي التابع للبيت الأبيض في تصريحات لبوابة أخبار اليوم: "تواصل الولايات المتحدة دعم الجهود البناءة من جانب إثيوبيا ومصر والسودان لحل خلافهم بشأن سد النهضة" مضيفًا إنه يشجع كل الأطراف المتعلقة باستئناف الحوار المثمر بينهم.

وقال مجلس الأمن القومي في تصريحاته: "بالنسبة لنا لكي نساعد في تحقيق نتائج بناءة والتخفيف من التوترات في المنطقة، فإننا نعمل على ضمان نهج متوازن تجاه كل ما يتعلق بقضية سد النهضة".

بينما لم يرد المجلس الأمريكي على إن كان ينوي التدخل في مفاوضات جديدة أو دعوته أي من الأطراف للحديث مرة أخرى فيما يخص مفاوضات السد.

قامت إثيوبيا بالملء الأول لسد النهضة في يوليو الماضي بسعة 5 مليار متر مكعب من الماء، وأعلنت أن الملء الثاني سيكون يوليو المقبل بسعة 13 مليار متر مكعب من الماء، على أن يتم ملءالسعة الإجمالية للسد والتي تقدر بحوالي 74 مليار متر مكعب على مدار عدة سنوات، - ما يزال عددها هو أحد نقاط الخلاف بين الدول الثلاثة.

تبلغ تكلفة مشروع سد النهضة حوالي 4 مليارات دولار، وهو مشروع أعربت كل من مصر والسودان عن قلقهم تجاهه بسبب تأثيره على حصتهم المائية والتي تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب لمصر و 18.5 مليار متر مكعب للسودان.

في عام 2015، وقعت الدول الثلاث إعلان المبادئ، والذي بموجبه يجب ألا تتأثر دولتي المصب [مصر والسودان] سلبًا من بناء السد. 

كما يضمن هذا الاتفاق إطارا لالتزامات وتعهدات تضمن التوصل إلى اتفاق كامل بين الدول الثلاث حول أسلوب وقواعد ملء خزان السد وتشغيله السنوي.

شمل الاتفاق عشرة مبادئ أساسية تتسق مع القواعد العامة في مبادئ القانون الدولي الحاكمة للتعامل مع الأنهار الدولية.


 

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة