مسجد شنقيط
 مسجد شنقيط


«مجاهد شنقيط».. ملاذ الجائعين والخائفين في موريتانيا

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 06 مايو 2021 - 03:16 ص

محمد الشماع

إذا ذكر أحدهم اسم مولانا ماء العينين أو سيدي المصطفى، فاطمئن أن الأسمين لشخص واحد، أو بالأدق لإمام واحد، وهو أهم وأعظم أئمة بلاد شنقيط، أو موريتانيا، وهما أيضاً اسمان لبلد واحد، رغم أن شنقيط اسم مدينة هناك.

دخل الدين الإسلامي إلى موريتانيا منذ القرن الثامن الميلادي بفضل التجار المسلمين الذين قدموا إليها، لذا فإن الغالبية العظمى من شعب موريتانيا هم من معتنقي الإسلام السني حسب المذهب المالكي، ولكن مع فقه متأثر بالصوفية. وعندما تولي المرابطون الحكم، في القرن 11، وطردوا إمبراطورية غانا من موريتانيا بعد حرب دامت 4 سنوات، نشروا الدين وقاموا بتوحيد موريتانيا بشكل كامل.

اقرأ أيضا| مسجد شنقيط.. أقدم المساجد في موريتانيا عمره ٨ قرون 

الشيخ «ماء العينين القلقمي»، شيخ محدث، مولود في منتصف القرن الـ 19 الميلادي، ومات في 1910 ودفن في المدينة التي أسسها وأطلق عليها اسم السمارة، بعد حياة مليئة بالأحداث، فهو قد أخذ عن والده القرآن والعلوم الشرعية واللغوية كما تأثر به في جانب التصوف، كما ارتبط اسمه بمقاومة الاستعمار الإسباني والفرنسي، إذ يقال إن فرنسا وإسبانيا وجدتا صعوبة كبيرة في اختراق موريتانيا والصحراء بفضل مساندة الشيخ ماء العينين للمقاومة.
 لقد بدأ الهجوم الفرنسي على موريتانيا، والشيخ ماء العينين في الحج، وعندما عاد نظم القبائل الصحراوية والموريتانية للدفاع لمقاومة المستعمر، وسافر مراراً إلى السلطان المغربي ليسلح المقاومة، وقد بلغ عدد زياراته سبعا: أربع لمراكش وثلاث لفاس.  ولأن الفرنسيين كانوا ملمين بنوايا الشيخ ماء العينين فقد أوعز إليه السلطان وقتها بالرجوع من حيث أتى تحت ضغط الفرنسيين وخوفا من وقوعه بأيدي جنودهم. وقد استطاعت المقاومة أن تلحق بالفرنسيين خسائر، إلا أن عدم استجابة العرش لمطالب الشيخ تحت ضغط الفرنسيين دفع به إلى الاستقرار بتزنيت بجنوب المغرب فأقام بها سنوات قبيل وفاته.
عن أصل تسميته سيدي المصطفى، فمن أطلق عليه هذا الاسم، أبوه، وفقا لكتاب (الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي) لأخيار بن الشيخ مامينا، أما تسميته بمحمد المصطفى أو بمصطفى خطأ شائع، ويقال إن نسبه يعود إلى الإمام الحسن بن علي، وابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
أشهر ما كان يميز الشيخ ماء العينين، أن الخائفين والجائعين والمخطئين كانوا يلجأون إليه، وكانت مدينة السمارة التي أسسها الشيخ عام 1898 محط أنظار طلاب العلم، إذ أسس الشيخ فيها مكتبة من أعظم مكتبات إفريقيا وأكثرها مراجع، كما شمل تأثيره كثيراً من الطلاب ممن أصبح لهم شأن ومكانة. وقد بلغ مريدوه أكثر من 10 آلاف مريد، بل أسسوا له الطريقة «المعينية»، التي كان شيخها، ولكنه كان أيضاً يدرس «القادرية والتيجانية»، وهي طرق صوفية شهيرة، أتباعها الآن بالملايين.
 ويقال إن له عدداً من الكرامات منها أنه يوم كان هو وزيجاته وأبنائه في قافلة وعندما توقفوا لكي يستريحوا ذهب إلى خلوته كعادته فهجم بعض قطاع الطرق على القافلة، ووصلوا إليه وحلقوا حوله، وقالوا له: «أعطنا ما في القافلة»، فقال: «يا أيتها الأرض امسكيهم»، فبدأت الأرض فعلاً في جرهم، ومن هول الموقف استسلم قطاع الطرق، فعفا عنهم الشيخ وأطلقهم، وقال لهم: «اذهبوا يصلحكم الله»، قالوا: «وأين نذهب ونحن لا نعرف أحداً، ولا نعرف من العمل إلا السرقة!»، فطمأنهم ناصحاً إياهم بالذهاب، وبالفعل فتح الله عليهم أبواب الخير، وأصبحوا إما فقهاء أو عاملون يأخذون رزقهم بالحلال.
ترك الشيخ ماء العينين مؤلفات كثيرة، من بينها «دليل الرفاق على شمس الاتفاق»، و«سهل المرتقى في الحث على التقى»، و«نعت البدايات وتوصيف النهايات»، و «نظم الحكم العطائية»، و«المقاصد النورانية»، و«مفيد الحاضرة والبادية»، ولكن تم حرق الكثير منها في الهجوم الذي شنته القوات الفرنسية والإسبانية للسمارة. للشيخ ماء العينين، حفيد اسمه على اسمه، ماء العينين، وهو أحد الذين كتبوا عنه، إضافة إلى ابنه الشيخ مربيه في كتاب «قرة العينين في كرامات الشيخ ماء العينين»، وكذلك الشيخ أحمد الشمس الحاجي في خاتمة كتابه «النفحة الأحمدية»، وأحمد بن الأمين الشنقيطي في «الوسيط في تراجم أدباء شنقيط». 
 يقول الشيخ محمد العاقب بن مايابى في كتابه «مجمع البحرين»: «قد شاهدنا فيه من الأدب وحسن الخلق ما لم نشاهده في أحد قط، فلا يتكلم أحد وهو يتكلم إلا قطع حديثه وأصغى أذنه إلى المتكلم، ولا يريد أحد مناجاته إلا أراد القيام إليه من مجلسه، فقد ناداه يوماً أعرابي غليظ الطبع، فناداه بأن يقوم إليه فقام إليه تلميذ ضعيف مجذوب ولطمه في الوجه فولى الأعرابي فقال شيخنا للتلميذ ألحقه وقل له: يقتص منك فأبى الأعرابي، فقال شيخنا للتلميذ: اجلس فإنا لا نخاف إلا الله. فالأولى من عدله ورفقه، والثانية من صدق توكله على الله، واعتزازه به».

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة