الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية
الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية


هل أجر الصلاة في البيت لعذر كأجرها بالمسجد ؟.. «الافتاء» تُجيب

كرم من الله السيد

الجمعة، 07 مايو 2021 - 05:56 م

أوضح الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية إنَّ الداعي إلى غلق المساجدِ في هذه الآونة من قِبل الجهات المختصة، ومنْع التجمُّعات للصلاة فيها وفي غيرها من الأماكنِ المعدَّة للصلاة: هو هذا المرض الوبائي المنتشر، والخوف من أذاه، والحد من انتشار عدواه، وهو أمرٌ اعتبره الشرع الشريف؛ حيث أسقط الجماعة عن المسلمين حالَ الخوف أو المرض أو ما كان في معناهما، وقرَّر في هذا الشأن أنَّ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِي، فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ، لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ تِلْكَ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّاهَا» قَالُوا: مَا عُذْرُهُ؟ قَالَ: «خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ» [وَمَا كَانَ مِنَ الْأَعْذَارِ فِي مَعْنَاهَا فَلَهُ حُكْمُهُمَا] اهـ.


وأشار المفتي إلى أنه وأما قوله في الحديث: «مِن غَيرِ عُذْرٍ»: فالعذر يتسع القولُ فيه، وجملته: كل مانعٍ حائلٍ بينه وبين الجمعة مما يتأذى به ويخاف عدوانه، أو يبطل بذلك فرضًا لا بدل منه، فمن ذلك السلطان الجائر يظلم، والمطر الوابل المتصل، والمرض الحابس، وما كان مثل ذلك] اهـ.

وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 300، ط. إحياء التراث العربي): [(ويُعذَر في ترك الجمعة والجماعة المريض) بلا نزاع، ويُعذَر أيضًا في تركهما لخوف حدوث المرض] اهـ، فيدخل ضمن الأعذار كل ما يسبب الضرر بالنفس أو بالغير، ونحن مأمورون بدفْع الضرر؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» رواه الدارقطني والبيهقي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك" وصحَّحه على شرط مسلم، والدينوري في "المجالسة".

والحالة التي تمرُّ بها البلاد جرَّاء فيروس كورونا الوبائي تدخلُ تحت هذه الأعذار، بل هي أبلغُ عذرًا وآكَدُ منعًا لاشتمالها على معنى الخوف الشديد والمرض المميت، ولتعلُّقها بالحفاظ على النفوس والأرواح؛ فإن العالم كلَّه أصبح يواجِهُ وباءً قاتلًا ذهب ضحيتَه آلافُ البشر، وانتشر في عشرات البلدان، وهو فيروس كورونا "كوفيد-19" (COVID-19).

ويجب على المؤمن أن يعلم أنَّ صبره على هذا البلاء وثباته والتزامَه بالتعليمات من قِبَل الجهات المختصة سيكون سببًا لتكفير سيئاته ورفْع درجاته، وقد جعل الشرع أجْرَ صلاة المسلم في البيت لعذرٍ كأجر صلاته في المسجد؛ لأن المعذور مأجور، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا كَانَ الْعَبْدُ يَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا، فَشَغَلَهُ عَنْهُ مَرَضٌ أَوْ سَفَرٌ، كُتِبَ لَهُ كَصَالِحِ مَا كَانَ يَعْمَلُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ» أخرجه أبو داود في "السنن"، وابن حبان في "الصحيح"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.
وفي رواية: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» أخرجه الإمام البخاري في "الصحيح"، وأحمد في "المسند".

اقرأأيضا||«علام»: العلماء اتفقوا على مشروعية صلاة التراويح للرجال والنساء في المنزل


قال الإمام ابن رشد المالكي في "البيان والتحصيل" (1/ 502، ط. دار الغرب الإسلامي): [والمشهور في المَرْضَى والمسجونين أنهم يجمعون؛ لأنهم مغلوبون على ترك الجمعة.. وقال ابن القاسم في المجموعة: إنهم لا يعيدون، وقاله أصبغ في المتخلفين من غير عذر، وهو الأظهر، إذ قد قيل: إنهم يجمعون؛ لأنهم وإن كانوا تعدَّوا في ترك الجمعة فلا يحرموا فضل الجماعة] اهـ.
وقال العلامة عميرة في "حاشيته" (1/ 260، ط. دار الفكر): [وصحح في شرح المهذب عدم حصول الثواب عند العذر، وخالف الإسنوي وغيره، ونقلوا الحصول عن الأحاديث وعن جَماعةٍ من الأصحاب، أقول: وقد يؤيد بأن من صلى قاعدًا لعجزٍ فله مثل أجر القائم، واختاره السبكي فيمن كان له عادة ثم حبسه العذر] اهـ.


وبناءً على ذلك: فأنت معذورٌ في ترْك الجمعة والجماعة في هذه الآونة العصيبة التي انتشر فيها وباء كورونا، وهو عذرٌ معتبرٌ شرعًا، ولذلك فأنت مأجورٌ في صلاتك في بيتك إن شاء الله تعالى، كما لو كنت تصليها في المسجد؛ لأنك كنت من المحافظين عليها، ويزداد أجرك ويعظم إذا نويت بذلك طاعة ولي الأمر الذي يعمل على مصلحة رعيته، وكذلك إذا نويت الحفاظ على نفسك وغيرك من الأمراض المعدية، غير أننا ننبهك على أن الجمعة لا تُصلى في البيت، وإنما تُصلَّى ظهرًا أربع ركعات، وتؤجر في ذلك أجْرَ مَنْ أدَّاها جمعة إن شاء الله.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة