زكريا عبدالجواد
زكريا عبدالجواد


رٌكن الحواديت

حكاية الشيخ «عيد»

زكريا عبدالجواد

الجمعة، 07 مايو 2021 - 07:08 م

كنت أظن العيد شيخًا بلحيةٍ طويلةٍ، بيضاء، يجلس أعلى تلة فى قريتنا، ويرتدى جلبابًا بلون السحاب. وحين يقوم من جلسته.. يترجل على مهلٍ ويتوكأ على عصا هامتها ملساء، ويمسك بوقًا طويلًا ينفخ فيه إيذانًا ببدء لحظات الفرح، فنهرول إليه ويوزع علينا الحلوى، وعملات ورقية جديدة، فى لحظة تليق بسعادة لا تتكرر سوى مرتين كل عام. 
كانت جلابيب كستور القطن المصرى متعة سنوية، يحيك بهجتها «رءوف الخياط» ويسهر على تفصيلها بكلوب يعمل بالكيروسين، يكشف بضوئه عيونًا لامعة فارقها النعاس، وكان يضغط برجله بالساعات المتواصلة على ماكينة تعمل بالقدم قبل دخول الكهرباء لقريتنا. 
ويوم العيد.. كنا نلف قصاصات القماش الزائدة على بالونة، ونخيطها بقطعة كبيرة فنصنع منها كرة قدم، أو نشكل بها دائرة نقف وسطها ثم نرتص فى طابور طويل، نتخيله عربة، بإطارات ومقاعد لا وجود لها، يقودها أولنا، ونزاحم بها المارة فى شوارع القرية.
كنت شاهدًا على كرم الحاج أحمد صاحب محل الخياطة الوحيد فى قريتنا، والذى كان قبيل العيد يبدأ يومه مبكرًا، ليُفصّل الآمال على أكتاف الرجل، وفى يده قلم يدون به مقاسات الفرح فى عيون رواد دكانه الصغير، وبمقصه الفخم يقتطع لحظات يحكى فيها للزبائن عن سيرة الصالحين وكرامات الأولياء وكواليس التاريخ، ويبهرهم - كمثقف نادر- بطرائف عظام المقرئين ومشاهير السياسة، والأدب والفن.
وكان يحتفظ بدفتر كبير مليء بتواريخ الأحداث المهمة، والحسابات لعشرات المدينين من بسطاء القرية، يشطب أغلبها بقلم العطف على أحوالهم، ويدس العيدية لليتامى فى جيوب الجلابيات الجديدة، التى كان يتبرع بقماشها وأجرة تفصيلها.
كانت مراسم العيد تبدأ فى التلاشى قبل الظهر بساعة، وتخيم على القرية طقوس الكد العادية، فنستغل وقت اللعب بعمل غيطان علي هيئة مربعات بالتراب على الأرض، ونسقيها بماكينات رى نخترعها بمواسير بكرات الخيط الفارغة، قبل أن تتحول تلك الغيطان بغضب أحدنا لكومة من الطين، فتغيب الفرحة، ونظل بانتظارها حتى عيد جديد. 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة