عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

زيادة الإنفاق العسكرى فى زمن الجائحة.. أو حينما ينتصر هاجس الدمار

الأخبار

السبت، 08 مايو 2021 - 08:41 م

لم تحل الأزمة الصحية العالمية الطارئة، التى هزت أركان العالم لمدة تجاوزت سنة ونصف دون انتعاشة أسواق الأسلحة فى العالم، ولم تكن تدابير الحجر والإغلاق والعزل والطوارئ ومنع التجول قادرة على أن تلجم تلهف كثير من الدول نحو تكديس آخر ما أبدعته مصانع السلاح فى العالم. ولم تتمكن تداعيات هذا الوباء الخطير التى وصلت حد الاكتظاظ الشديد فى غرف الإنعاش المركز لمئات الآلاف من المصابين كانوا فى تماس مباشر مع الموت، وفى أحايين أخرى لم تستطع البنيات الصحية فى العديد من الأقطار تحمل الضغط الرهيب الذى تعرضت له بسبب أعداد المصابين بالفيروس اللعين، لم تتمكن كل هذه التداعيات المباشرة الخطيرة من إقناع أصحاب القرار فى العديد من البلدان بضرورة إعطاء الأولوية فى هذه الظروف الصعبة لما يمكن أن يساعد على التخفيف من آثار هذه التداعيات، وحماية الإنسان، قبل التفكير فيما يمكن أن يدمر هذا الإنسان نفسه. وقبل هذا وذاك، فإن ظروف الخوف والهلع والرعب التى اجتازها العالم، ولا يزال، لم تكن قادرة على تحرير الساسة وأصحاب القرار والقادة من هاجس التسلح والاستعداد للحرب.
لا غرابة فى التذكير اليوم بأن جميع اقتصاديات العالم تكبدت خسائر فادحة غير مسبوقة بحكم حجم ووزن وقيمة الاقتصاد العالمى الحالي، ولا غرو فى القول إن جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تضررت بشكل كبير من تداعيات انتشار فيروس لعين، وبأن جميع حكومات العالم وجدت نفسها مضطرة ومجبرة على إعادة النظر فى استثماراتها العمومية، التى كانت تهم تحسين عيش السكان، وأن عددا هائلا من المستثمرين فى القطاع الخاص سارعوا إلى تعديل فى حجم استثماراتهم، أو إلغائها بسبب الجائحة، إلا أن قطاعا واحدا من القطاعات التى كانت مرشحة بالضرورة، وبسبب طبيعة الظروف الانسانية والاجتماعية إلى التراجع، انفلت من قبضة الأزمة الخانقة التى جثمت على أنفاس العالم، وعرف نمواً وتطوراً غير متوقع، ويتعلق الأمر بطبيعة الحال بقطاع التسلح.
ففى بيانات حديثة نشرها قبل أيام قليلة من اليوم، معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام (سيبرى)، تأكد أن الإنفاق العسكرى العالمى ارتفع فى سنة 2020 إلى ما قيمته حوالى تريليونين دولار أمريكى (يعنى ألفى مليار دولار)، بزيادة وصلت نسبتها إلى 2.6 بالمائة عما كانت عليه سنة 2019. وكشفت هذه البيانات عن أن الولايات المتحدة الأمريكية والصين والهند وروسيا وبريطانيا كانوا خلال السنة الفارطة الأكثر إنفاقا على السلاح، واستحوذوا على نسبة 62 بالمائة من إجمالى الإنفاق العسكرى خلال تلك السنة. ومهم أن نذكر بأن هذه البيانات تؤكد أن الإنفاق العسكرى خلال السنة الفارطة بلغ كحصة من الناتج المحلى الإجمالى العالمى متوسطا قدره 2.4 بالمائة، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 2.2 بالمائة عما كان عليه الأمر فى السنة السابقة، ومهم أكثر أن نذكر موازاة مع ذلك بأن نمو الاقتصاد العالمى عرف انخفاضا فى سنة 2020 بنسبة وصلت إلى 4.4 بالمائة عن السنة التى سبقتها، بمعنى أنه رغم سيادة مظاهر أزمة اقتصادية عالمية بسبب الجائحة والتى تتضح من خلال تراجع معدل النمو لما لذلك من انعكاسات مباشرة على مستويات عيش السكان فى مختلف إرجاء المعمور، ومن ارتفاع لمعدلات البطالة والفقر والمجاعة والهشاشة الاجتماعية، إلا أن سوق الأسلحة عرف انتعاشة على حساب آلام ومعاناة الناس. فمثير حقا أن يرتفع حجم الإنفاق العسكرى فى خضم التراجع الاقتصادى فى العالم بأسره، وهى ظاهرة تستحق من الباحثين فى عوالم فهم الظواهر الاقتصادية كثيرا من الاهتمام بالدراسة والتحليل، لعلهم يفلحون فى تفسير هذا الذى يحدث فى عالم تنخره التناقضات.
الأكيد أن العالم فى هذه المرحلة الصعبة والخطيرة التى يجتازها، كان ولا يزال، فى حاجة إلى كثير من السيولة المالية لتمويل مشاريع تهم البنية الصحية بصفة خاصة، وتضمن التلقيح السريع لجميع سكان العالم بالعدل وبالمساواة، وهذا العالم كان ولا يزال، فى حاجة ملحة إلى إخراج الاقتصاد العالمى من غرفة الإنعاش المركز، التى دخلها على وجه الاستعجال بسبب تداعيات الوباء، من خلال ضخ الكميات المناسبة والكافية فى جسد العديد من القطاعات الاقتصادية، التى توجد فى وضعية التنفس الاختراقى، وعبر برامج واستثمارات اقتصادية واجتماعية تضمن، على الأقل، عودة الحياة إلى ما كانت عليه قبل الجائحة، إذ لم يعد البسطاء فى العالم يطلبون غير هذا الحد الأدنى الذى لم يكونوا يقبلون به قبل انطلاق الشرارة الأولى من هذا الوباء الخطير، لكن صناعات الأسلحة وتسويقها وترويجها كان لها منطقها الخاص بها، وفرضت نفسها أولوية الأولويات فى الظروف الصعبة التى لا يزال العالم يجتازها، لتكشف بذلك عن حقيقة مذهلة مفادها أن الساسة والقادة والحكام الذين تظاهروا بإعطاء حياة الإنسان أهمية استثنائية فى مواجهة وباء كورونا عبر الاجتهاد فى ضمان شروط الاستشفاء والعلاج لإنقاذه من الموت، هم نفس الساسة والقادة والحكام الذين زادوا من ميزانية التسلح تحسبا لظروف تستوجب قتل نفس الإنسان وتدمير الحضارات. ولنتصور ميزانية ضخمة وخيالية بلغت قيمتها ألفى مليار دولار للتزود بالأسلحة كم كان بمقدورها أن تشيد من مستشفيات عملاقة ومصانع ومعاهد وكليات ومدارس وغيرها من المنشآت التى تبنى الإنسان وتحميه من شرور الطوارئ والأزمات فى العالم بأسره؟
لقد تفوقت إذن شبكات ومافيات تجارة الأسلحة فى العالم على كل القيم والمبادئ والمثل، وأكدت قوتها ونفوذها المطلق وتحكمها الكامل فى تحديد وصياغة السياسات العمومية، فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية فى العالم، لأنها فعلت ما فعلته فى زمن الأزمة الصحية والاجتماعية العنيفة التى هزت العالم، فماذا عن قوتها فى الزمن العادي؟ ذلك سؤال آخر من الأسئلة التى لا أحد يملك جوابا مقنعا لها.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة