الإمام محمد عبده
الإمام محمد عبده


الإمام محمد عبده.. هل كان صديقاً للإنجليز فعلاً؟

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 10 مايو 2021 - 03:52 ص

كتب- محمد الشماع

«محمد عمارة هذا، تبلغ به الصفاقة والإدعاء والجهل مبلغاً، يجعله يصف كتاب محمد عبده (رسالة التوحيد) بأنه من أهم ما كتب في التراث الإسلامي في علم الكلام. لا يا شيخ!، هل قرأت يا سيد عمارة كل ما كتب في التراث الإسلامي في علم الكلام ثم وصلت إلى اقتناع بأن هذا الكلام الهزيل الحقير الغث لمؤلفه ضحل الثقافة من أهم الكتب في الموضوع؟!، ما هذا العبث وهذا الاستغلال لجهل الناس؟!، إنها مؤامرة تستهدف تمجيد رجلين من أخطر عملاء الاستعمار في تاريخ أمة الإسلام، جمال الدين الأفغاني الماسوني، ومحمد عبده الصديق الصدوق لكرومر». 

مؤسسة ليلة القدر «حتى لا تنام أسرة من غير عشاء».. شارك معانا 

الفقرة الماضية صادمة بالطبع، وقصتها متشابكة إلى حد كبير، و»مُعنعنة» كذلك، هي قد وردت في مقال كتبه المفكر الكبير حسين أحمد أمين، في جريدة «الجيل»، بتاريخ 8 نوفمبر 1998، وينسبها أمين لصاحب مكتبة بمنطقة عابدين دار بينهما حوار عن المفكر والمحقق العلامة محمود شاكر، حيث كان صاحب المكتبة - كما روى له - زميل زنزانة واحدة مع شاكر، وهذا الكلام منسوب للأخير، كدليل على صدامية شاكر الكبيرة مع كل رموز الفكر الإسلامي في القرن العشرين، وآرائه الفظة في الجميع تقريباً.


الفقرة تحمل اتهاماً واضحاً للشيخ الإمام محمد عبده، وهو كما رواه شاكر «الصديق الصدوق لكرومر»، وكرومر هو اللورد الإنجليزي الذي عمل أول مرة في مصر مندوبًا لصندوق الدين المصري 1877، ثم ما لبث أن عُين مندوبًا ساميًا، ومعتمدًا لبريطانيا. ويتفق الكثيرون أن تقاريره التي كان يكتبها بشكل سنوي عن مصر، وكتابه الذي عنونه بـ «مصر الحديثة»، كانت تحمل خطة عمل كاملة وأيديولوجيا شاملة للقضاء على مقومات الفكر العربي الإسلامي وتمزيق وحدة العالم الإسلامي، ومقاومة القيم والمفاهيم العربية والإسلامية.


وقف بعض المفكرين المصريين أمام أفكار كرومر، ومنهم فريد وجدي ومصطفى الغلاييني والشيخ رشيد رضا، ونشرت جريدتا «اللواء» و»المؤيد» ردودًا تفصيلية على كتاب كرومر الصادر في 1908، وقالا مما قالا «لم يكن اللورد كرومر من رجال العلم والفلسفة ولا من رجال التأليف، إنما كان جنديًا يؤمن بمجد الإمبراطورية، تعود بحكم وظيفته أن يكتب، ونظرته استعمارية تنبع من وجهة نظر سيطرة بريطانيا، وهي قائمة على كراهية الشرق والعرب والمسلمين واحتقارهم والإيمان بأن الرجل الأبيض له حق تمدينهم».


لكن ما قصة صداقته مع الشيخ محمد عبده، التي يزعمها شاكر؟
الإمام محمد عبده مولود في العام 1849 لأب تركماني الأصل، وأم مصرية تنتمي إلى قبيلة «بني عدي» العربية، ونشأ في قرية محلة نصر بمحافظة البحيرة، وقام والده بإرساله إلى كتاب القرية، حيث تلقى دروسه الأولى، ثم بعد ذلك وفي سن الخامسة عشرة تقريباً، التحق بالجامع الأحمدي (السيد البدوي) بطنطا، حيث تلقى علوم الفقه واللغة العربية كما حفظ القرآن وجوده. انتقل بعد ذلك الشيخ محمد عبده إلى الدراسة في الأزهر، وتلقى فيه علومه المختلفة، فدرس الفقه والحديث والتفسير واللغة والنحو والبلاغة، وغير ذلك من العلوم الشرعية واللغوية، استمر في الدراسة في الأزهر حتى حصل على شهادة العالمية منه عام 1877.
قام رياض باشا (رئيس النظار في عهد الخديوي توفيق) بتعيين الإمام محمد عبده في جريدة «الوقائع» المصرية، وهناك تعرف على سعد زغلول، التقى الرجلان على مستوى العمل ومستوى الفكر كذلك، حيث كان الإمام محمد عبده ينتمي في تيار حركة الإصلاح إلى المحافظين الذين يرون أن الإصلاح يكون من خلال نشر التعليم بين أفراد الشعب والتدرج في الحكم النيابي، وكان سعد زغلول أيضاً من مؤيدي هذا التيار، وهو عكس التيار الذي يدعو للحرية الشخصية والسياسية مثل المنهج الذي تتبعه الدول الأوروبية.


الرجلان صارا صديقين، وربما تكون تلك الصداقة هي التي جعلت شاكر يتهم عبده بهذا الاتهام، لأن سعد زغلول في بداية حياته النضالية كان صديقاً لكرومر، بل أن كرومر هو من عيَّنه وزيراً في الحكومة، بل تناول زعيم ثورة 1919 في مذكراته حادث عزل اللورد كرومر، فقال إنه عندما سمع بالخبر كان «كمن تقع ضربة شديدة على رأسه.. فلم يستشعر بألمها لشدة هولها»، فسارع لزيارة كرومر وتوديعه قائلا: «إني لا أفكر في شخصي لكن في بلدي ومنفعتها التي سوف تخسر بعدك خسارة لا تعوض»، فرد عليه كرومر: «لا خوف عليها من ذلك فإن خلفي قادر، وقد تربى على مبادئي».

 

>لكن بالتأكيد ليس شرطاً أن تكون صديقاً لصديق آخر، حتى يتم اتهامك بذلك. لكن الحكاية لها بقية، إذ أنه عندما قامت الثورة العرابية في عام 1882 وكان محمد عبده من مؤيديها، تم القبض عليه وحكم عليه بالنفي لمدة ثلاث سنوات، حيث انتقل إلى بيروت ومكث بها قرابة العام، ثم انتقل بعدها إلى باريس ليكون بالقرب من أستاذه وصديقه السيد جمال الدين حيث قاموا معاً بتأسيس جريدة «العروة الوثقى» لكن للأسف هذه الجريدة لم تستمر كثيراً حيث أثارت المقالات التي كانت تكتب بها حفيظة الإنجليز والفرنسيين خاصة أنها كانت تتضمن مقالات تندد بالاستعمار وتدعو للتحرر من الاحتلال الأجنبي بجميع أشكاله، فتم إيقاف إصدارها.


عاد مرة أخرى لبيروت حيث قام بتأليف عدد من الكتب، والتدريس في بعض مساجدها، ثم انتقل للتدريس في «المدرسة السلطانية» في بيروت حيث عمل على الارتقاء بها وتطويرها، كما شارك بكتابة بعض المقالات في جريدة «ثمرات الفنون»، وقام بشرح «نهج البلاغة» و»مقامات بديع الزمان الهمذاني».
عاد عبده من المنفى رغم أنف الخديو توفيق، وكل ما استطاعه الخديو أن رفض رجوع الإمام للتدريس بالأزهر، فنقله إلى القضاء الشرعي، وأصبح عبده بعدها واحدا من رواد صالون نازلي فاضل (المكان الذي تعرف فيه سعد زغلول على كرومر في البداية)، ومع الوقت توثقت علاقة الإمام محمد عبده واللورد كرومر.


ويذكر كتاب «الإسلام والحضارة الغربية» لمحمد محمد حسين أنه عندما عاد عبده إلى مصر، قال كرومر عنه في تقريره السنوي لعام 1905: «كان لمعرفته العميقة بالشريعة الإسلامية ولآرائه المتحررة المستنيرة أثرها في جعل مشورته والتعاون معه عظيم الجدوى. لا ريب عندي في أن السبيل القويم الذي أرشد إليه الشيخ محمد عبده هو السبيل الذي يؤمل رجال الإصلاح من المسلمين الخير منه لنبي ملتهم إذا ساروا فيه فأتباع الشيخ حقيقيون بكل ميل وعطف وتنشيط من الأوروبيين».


وقال أيضاً «إن أهميته السياسية ترجع إلى أنه يقوم بتقريب الهوة التي تفصل بين الغرب وبين المسلمين، وأنه تلاميذ مدرسته خليقون بأن يقدم لهم كل ما يمكن من العون والتشجيع فهم الحلفاء الطبيعيون للمصلح الأوروبي»، كما صرح اللورد كرومر بنفسه «بأن الشيخ محمد عبده يظل مفتياً في مصر ما ظلت بريطانية العظمى محتلة لها».


بعض قامات الثقافة في مصر، ومنهم أحمد لطفي السيد، لم يروا أن كرومر لم يكن معتنقاً الفكر الاستعماري، بل يعتنق فكراً متحرراً داعياً إلى الاستنارة، وهو أيضاً ما كان يدعو له الإمام محمد عبده. 
ربما يكون العلامة المحقق محمود شاكر صادقاً في رواية صداقة الرجلين، لكنه بالتأكيد ينطلق من أيديولوجية تميل كثيراً إلى «التشدد» وضرورة العودة للماضي التليد! 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة