رابعة العدوية
البستان
رابعة العدوية بين الأسطورة والخيال
الثلاثاء، 11 مايو 2021 - 10:17 ص
د. أحمد حسن أنور
حظيت رابعة العدوية بشهرة واسعة فى التاريخ الإسلامى والإنسانى بصفة عامة، وفى تاريخ التصوف بصفة خاصة، فينسب لها الفضل فى إحداث نقلة نوعية فى التصوف الإسلامي؛ حيث كان التصوف قبلها قائمًا على مفهومى (الخوف والمحاسبة)، إلا أنه ابتداء مع رابعة العدوية أصبح التصوف قائمًا على مفهوم جديد هو مفهوم (الحب الإلهي) ومن هذا المنطلق أصبحت رابعة العدوية مصدر إلهام لأغلب من ركزوا على فكرة الحب الإلهى أو العشق الإلهي.
وبرغم هذه الشهرة الواسعة، إلا أن الجدل ما زال دائرًا بخصوص كل ما ارتبط برابعة العدوية. فهناك خلاف بين مؤرخى التصوف الإسلامى حول: اسمها، وتاريخ ميلادها، وتاريخ وفاتها، وسيرتها الذاتية، وأقوالها،... وهلم جرا من الآراء المختلفة بل والمتضاربة والمتناقضة فى الكثير من الأحيان.
ومن هذا المنطلق سنحاول فى هذه المقالة اكتشاف الحقيقة التاريخية استنادًا على المصادر التاريخية (الصوفية وغير الصوفية) كما سنحاول اكتشاف خبرتها الروحية عامة، وتجربتها العميقة فى الحب الإلهى خاصة، كما سنحاول التركيز على الجانب الروحى والإبداعى العميق لديها بعد محاولتنا تنقيته من كافة الصور الأسطورية التى طغت وأخفت تجربته الروحية العميقة.
رابعة العدوية- اسمها وحياتها
يكتنف الغموض اسم أبيها واسم أسرتها، وقد جاء ذكر اسمها لأول مرة فى المصادر العربية- حسب المصادر التى اطلعنا عليها- عند الجاحظ (ت:256هـ/869م) فى كتاب: «البيان«، وكتاب: «الحيوان«، ومن المعروف أن هذين الكتابين كتبا فى النصف الأول من القرن الثالث الهجري، أى فى تاريخ قريب من فترة حياة رابعة. وقد ذكر الجاحظ فى هذين الكتابين- وهو أول من كتب عنها- أن اسمها «رابعة القيسية«، أما المصادر الصوفية التى دونت فى القرنين الرابع والخامس الهجريين فقد اتفقت مع ما جاء عند عبد الرحمن السلمى (ت:412هـ/1021م) حينما ذكرها قائلا: «رابعة العدوية من أهل البصرة، وكانت مولاة لآل عتيك«. فى حين جاءت بعض المصادر المتأخرة- كابن خلكان (ت:681هـ/1282م) لتضيف على ما سبق- لتقول: «أم الخير بنت إسماعيل، العدوية البصرية، مولاة آل عتيك«.
أما حينما نتجه إلى تاريخ وفاتها فإننا سنجد اختلافات قد تصل إلى حد التضارب والتناقض، فقد ذكر ابن العماد فى الشذرات احتمال موتها سنة 185هـ/ 801م، فى حين حدد ابن خلكان أن موتها كان سنة 135هـ/752م، أما عبد الرءوف المناوى فقد ذكر أنها ماتت سنة 180هـ/796م. والغريب فى الأمر أن أغلب المصادر السابقة وقعت فى تضارب بل تناقض واضح، فكيف يذكر ابن خلكان أن وفاتها كانت عام 135هـ/752م وفى الوقت نفسه يذكر لقاءها بسفيان الثورى (ت:161هـ/778م) الذى أتى البصرة بعد عام 155هـ/772م تقريبا؟! وكيف يذكر ابن العماد أن وفاتها كانت عام 185هـ وفى الوقت نفسه يذكر لقاءها وحوارها مع الحسن البصرى (الذى توفى عام 110هـ/ 728م)؟! وهلم جرا من مثل هذه الآراء المتناقضة والمتضاربة فى الوقت نفسه.
أما موقف دارسى التصوف الإسلامى فلقد ذهب لويس ماسينيون (Louis Massignon) إلى أنها توفيت سنة 135هـ وقد ذكر هذا التاريخ لتبرير الحكايات التى رويت عنها وعن الحسن البصرى المتوفى 110هـ، فكيف يمكن التقاؤهما لو كانت رابعة توفيت 195هـ؟!، ولكن بعد ذلك عدل عن هذا الرأى ليذكر أنها ماتت سنة 195هـ. فى حين أن الدكتور كامل الشيبى يذكر أنها توفيت عام 155هـ، ويتوسط الدكتور قاسم غنى بينهما فيختار سنة 185هـ لوفاتها، أما الدكتور عبد الرحمن بدوى فيرجح أنها توفيت سنة 180هـ أو 185هـ. فى حين تذكر الموسوعة الإسلامية أنها توفيت سنة 185هـ، والملاحظ من الدراسات السابقة أنها لم تقدم المبرر التاريخى الكافى والمؤيد لهذا التاريخ أو ذاك، بل إن بعض هذه الدراسات اكتفى بسرد تاريخ ما دون مناقشة الأمر على الإطلاق! فأين الحقيقة التاريخية؟.
وبصفة عامة لا نكاد نعلم وفقا لما بين أيدينا من وثائق عن حياة رابعة الأولى ونشأتها إلا ما رواه فريد الدين العطار (ت: 586هـ/ 1190م) فى كتابه: «تذكرة الأولياء«، والعطار رجل جامح الخيال لا يمكن أن يُطمأن إلى أقواله إلا بعد أن نتثبت من صدقها عن طريق المصادر التاريخية الأخرى، بالإضافة إلى مجموعة الخوارق والكرامات التى رواها العطار عنها. فلا نعرف كيف عاشت رابعة العدوية حياتها الأولى، وكيف وقعت فى الرق؟ وكيف تحررت من رقها؟ وإلى أين اتجهت وماذا عملت بعد تحررها؟ إن كان كل هذا قد حدث بالفعل. وما الظروف التى دفعتها إلى حياة الزهد؟ (كل هذه التساؤلات قد تكون مباحة فى حالة الوثوق فيما رواه فريد الدين العطار)، وحتى لو صدقنا ما رواه العطار عنها، فسنكون أمام اضطرار للإجابة عن التساؤل الآتي: كيف وصلت هذه الأخبار إلى فريد الدين العطار دون أن تكون مدونة ومذكورة فى المصادر السابقة عليه؟ ومن هنا سنطرح التساؤل المركزى لهذه الدراسة: إن كانت رابعة العدوية من شخصيات القرن الثانى الهجرى فكيف وصلت أقوالها إلى شخصيات القرن السادس الهجرى وما تلاه دون أن تكون- هذه الأقوال- مدونة فى المصادر التاريخية السابقة على القرن السادس؟ ومع الأسف الشديد لا تستطيع المصادر التاريخية تقديم إجابات واضحة عن هذه التساؤلات ولم يجد الدكتور عبد الرحمن بدوى فى المصادر التاريخية التى اعتمد عليها فى كتابه «شهيدة العشق الإلهي« حلولا لهذه الإشكاليات التاريخية. ونتيجة ذلك لا نستطيع من خلال المصادر التاريخية تقديم إجابات واضحة عن هذه التساؤلات.
ولم تتوقف الإشكاليات التاريخية عند هذا الحد فقط، بل حدث خلط وقع فيه المؤرخون وجاراهم فيه بعض المحدثين الذين كتبوا عن رابعة العدوية، وبخاصة المستشرقة مارجريت سميث Margaret Smith فى كتابها: Rabiat the Mystic and her fellow- saints in Islam (رابعة وزميلاتها المتصوفات فى الإسلام) ذلك الخلط بين رابعة العدوية البصرية (ت:185هـ/801م؟)، ورابعة الأزدية (معاصرة عبد الواحد بن زيد ت: 177هـ/793م تقريبا)، ورابعة الشامية (ت:235هـ/852م تقريبا). والغريب أننا نجد تحذيرًا تاريخيًا قديمًا لهذا الخلط بين الرابعات فى التاريخ الإسلامى لدى عبد الرحمن السلمى (ت:412هـ/1021م) حينما فرق بين رابعة العدوية، ورابعة الأزدية ورابعة الشامية زوجة أحمد بن أبى الحوارى (ت:230هـ/848م).
شخصية رابعة العدوية بين
الأسطورة والحقيقة
لعبت الأسطورة التاريخية دورًا مرموق الأهمية فى تاريخ «رابعة العدوية« ذلك لأن كثيرًا من المصادر التى أمدتنا بتراجم لرابعة لا يعول عليها، لأن أغلب الذين ترجموا لها عاشوا بعيدًا عنها. فقد لحق برابعة العدوية مجموعة كبيرة من الأساطير غير القابلة للتصديق، والتى لا تخضع لمنطق ولا يصدقها عقل، ولا تضيف إليها شيئا. فليس من المنطقى مثلا أن تذهب حاجة إلى بيت الله الحرام متقلبة على جنبها لتصل إلى الكعبة بعد ثمانى سنوات (اللهم إلا إذا كان سرد مثل هذه العبارة على سبيل المجاز)، وليس من المعقول أنه عندما يذهب إبراهيم بن أدهم (ت:161هـ/778م) إلى بيت الله الحرام فلم يجد الكعبة فيهتف به هاتف: إن الكعبة قد ذهبت لاستقبال رابعة. ويعلق الباحث الأمريكى الكسندر كنيش Alexander Knysh على هذه الأساطير قائلا: إن صمت الجاحظ (ت:256هـ/869م) الكاتب العربى الأصيل الذى يعد أول من سجل لرابعة العدوية يشير إلى أن صورتها الأسطورية كانت ما تزال فى طور الإعداد فى القرن الثالث الهجري.
إن معظم ما ينسب إلى رابعة العدوية من أخبار وأقوال يفتقر إلى التحقيق العلمي، كما أنه خليط من عناصر أسطورية وعناصر تنسب إلى آخرين غيرها، ومن العسير على الباحث أن يقتنع بأن كل ما هو منسوب لرابعة العدوية صادر عنها بالفعل. فقد روى عنها أنها حجت فقالت: هذا (أى البيت الحرام) الصنم المعبود فى الأرض، وإنه ما وَلَجَهُ الله ولا خلا منه. ونحن على رأى المشككين فى مدى انتساب هذه العبارة لرابعة العدوية، فإن تلك الأقوال تعد بحق بدايات الشطح الأولى، ونعتقد أن مثل هذه الأفكار قد نشأت فيما بعد على يد أبى يزيد البسطامى (ت:261هـ/874م أو 264هـ/878م) وظهرت فى صورتها الكاملة عند المتصوف الحسين بن منصور الحلاج (ت:309هـ/922م).
ورغم كثرة الأساطير المرتبطة بشخصية رابعة العدوية فإن ذلك ليس مبررًا لأن نتفق مع ما ذهب إليه الدكتور حسين مروة من تحليل لشخصية رابعة العدوية من منظور ماركسى حين قال: «إن الفقر الوحشى أدى برابعة إلى الكهف الداخلى العميق الذى أصبح عوضا وهميا لها عن الحرمان المادى الذى افترس شبابها«. فالمصادر التاريخية لا تستطيع أن تؤيد ما قدمه النص السابق، علاوة على ذلك فمهما يكن من أمر هذه الأساطير فإنها أصبحت من أشهر المتحدثات عن الحب الإلهى فى التاريخ الإسلامي.
مصادر أقوال رابعة العدوية
(رؤية نقدية)
يعتبر البعض أن رابعة العدوية تعد من النقاط الفاصلة بين حركة الزهد وظهور التصوف، ونظرا لذلك نرى أهمية لتحديد دورها فى نشأة المصطلحات والأفكار الصوفية فى النصف الأخير من القرن الثانى الهجري، وهذا الأمر يتطلب بداية التحقق من مصادر أقوالها، فلو صدقت بعض المصادر قليلة الثقة فيما نقلته من أقوال عن رابعة العدوية لنتج عن ذلك إسقاط لبعض المعانى الصوفية التى ربما ليس لها أى صلة برابعة العدوية، وليس لها أى صلة بالنصف الأخير من القرن الثانى الهجري. ولو صدقنا على سبيل المثال أنها وصفت الكعبة قائلة: (أنها الصنم المعبود فى الأرض) لربما لزم عن ذلك القول بأنها قد سبقت البسطامى (ت:261هـ/874م أو 264هـ/878م) والحسين بن منصور الحلاج (ت:309هـ/922م) فى بعض الأقوال التى يمكن أن ندخلها فى إطار الشطح، وربما أدخلها البعض فى إطار الأقوال المبكرة المرتبطة بوحدة الوجود. لذلك نرى أهمية إعادة النظر فى مصادر أقوالها التى جاءت حسب الترتيب التاريخى التالي:
الجاحظ (ت:256هـ/869م): يُعد أول من أرخ لرابعة، عاش فى البصرة فى زمن قريب جدا من زمن رابعة العدوية، ومن المحتمل أن يكون عرفها فى طفولته المبكرة، أو على الأقل عرف هؤلاء الذين عرفوها شخصيًا من مريديها. وقد ذكرها فى كتاب: «البيان والتبيين«، وكتاب: «الحيوان«. ومع ذلك لم يذكر عنها إلا عبارتين فقط، بالإضافة إلى أنه ذكر نسبها، حيث ذكر لنا أن عشيرة رابعة هم «القيسيون«، ومنهم: «رياح القيسي«، و«حيان القيسي«.
أبو بكر الكلاباذى (380هـ/990م أو 384هـ/994م): فى كتاب «التعرف لمذهب أهل التصوف« يذكر لرابعة ثلاث عبارات فقط، ولم يذكر نسبها.
أبو طالب المكى (ت:386هـ/996م): فى كتاب «قوت القلوب« يذكر ثمانى عبارات فقط لرابعة العدوية، كما فرق بينها وبين رابعة بنت إسماعيل زوجة أحمد بن أبى الحواري. ومن ضمن ما ذكره أبو طالب المكى لرابعة العدوية:
أحبُّك حبين: حب الهوى
وحبًّا لأنك أهل لذاكا
فأما الذى هو حب الهوى
فشغلى بذكرك عمن سواكا
وأما الذى أنت أهل له
فكشفك للحجب حتى أراكا
فلا الحمد فى ذا ولا ذاك لي
ولكن لك الحمد فى ذا وذاكا
ولم يكتف صاحب القوت بذكر هذه الأبيات فحسب، بل لقد شرح وعلق على هذه الأبيات، كما شرح بوضوح تفرقتها بين الحبين وما يحتاج إليه من تفصيل حتى يقف عليه من لا يعرفه. والغريب فى الأمر أن الأبيات السابقة المنسوبة لرابعة العدوية لا نجدها فى مصادر القرنين الرابع والخامس الهجريين (حسب ما اطلعنا عليه من مصادر) إلا فى كتاب: «قوت القلوب« لأبى طالب المكى فقط. وهذا يجعلنا نتساءل هل هذه الأبيات حقًا لرابعة العدوية؟ وربما نكتشف ذلك فى الصفحات القادمة.
عبد الملك الخركوشى (ت:406هـ/1015م): فى كتابه «تهذيب الأسرار« يذكر تسعة أقوال لرابعة. إلا أن هناك أمرًا فى غاية الأهمية، حيث يذكر الخركوشى عن أحمد بن أبى الحوارى قال: كان لرابعة أحوال شتى، فمرة غلب عليها حال الأنس فقالت:
لقد جعلت فى الفؤاد محدثي
وأبحت جسمى من أراد جلوسي
فالجسم منى للجليس مؤانس
وحبيب قلبى فى الفؤاد أنيسي
وإذا كان الراوى هو أحمد بن أبى الحوارى (ت:230هـ/848م) زوج رابعة الشامية (ت:235هـ/852م تقريبا) فربما يعنى ذلك أن هذه الأبيات قد نسبت إلى رابعة العدوية (ت:185هـ/801م) نتيجة الخلط بينها وبين رابعة الشامية. كما أننا لا نجد هذه الأبيات منسوبة لرابعة العدوية (ت:185هـ/801م) فى المصادر الأخرى للقرنين الرابع والخامس الهجريين، بل نجدها فى المصادر المتأخرة. ويرفض الذهبى نسبة هذه الأبيات لرابعة العدوية مستندا إلى قول أبى سعيد بن الأعرابى (ت:341هـ/952م أول من صنف فى طبقات الصوفية): أما رابعة، فقد حمل الناس عنها حكمة كثيرة، وحكى عنها سفيان وشعبة وغيرهما ما يدل على بطلان ما قيل عنها (أى الأبيات السابقة). وإذا ذهبنا إلى بعض المصادر المتأخرة سنجد أن كتاب «روض الرياحين فى حكايات الصالحين« تأليف محمد بن أسعد اليافى (ت:768هـ/1367م) قد ذكر ما ذكره الخركوشى بالحرف بخصوص هذه الأبيات. (أى نسبها لرابعة الشامية وليس لرابعة العدوية) ولنا أن نتذكر أن الخركوشى وقتها كان من الشخصيات المجهولة، أى أن النص الذى أورده الخركوشى (ت:406هـ/1015م) ربما كان معروفًا فى بعض المصادر الأخرى حتى وصل إلى أسعد اليافى (ت:768هـ/1367م).
عبد الرحمن السلمى (ت:412هـ/1021م): فى كتابه «ذكر النسوة المتعبدات الصوفيات« يذكر ثمانية أقوال لرابعة العدوية، كما فرق بينها وبين (رابعة الأزدية من أهل البصرة) و(رابعة بنت إسماعيل الشامية).
أبو نعيم الأصفهانى (ت:430هـ/1038م): فى كتابه الشهير «حلية الأولياء«، قد ذكر عبارتين فقط لرابعة العدوية.
عبد الكريم القشيرى (ت:465هـ/1073م): فى كتابه الشهير «الرسالة القشيرية« ذكر ست عبارات فقط لرابعة العدوية، دون أن يفرق بينها وبين رابعة الشامية.
أبو حامد الغزالى (ت:505هـ/1111م): فى كتابه الشهير «إحياء علوم الدين« ذكر ست عبارات فقط لرابعة العدوية، كما أنه فرق بينها وبين رابعة الشامية، حين قال: وكانت رابعة [زوجة أحمد بن أبى الحواري] هذه تُشبه فى أهل الشام برابعة العدوية بالبصرة.
ويمكننا أن نستنتج مما سبق أن الأقوال التى نسبت لرابعة العدوية من القرن الثانى الهجرى حتى نهاية القرن الخامس الهجرى عددها (31) قولا على وجه التحديد تجمع فى ثلاث صفحات فقط، بعض هذه الأقوال تم تكراره فى عدة مصادر صوفية وغير صوفية بذات الرواية أو بروايات مختلفة، وبعض هذه الأقوال انفردت به بعض المصادر التاريخية.
والغريب فى الأمر واللافت للنظر أنه من القرن السادس الهجرى سنجد أقوالا عديدة تنسب إلى رابعة العدوية بعد وفاتها بأكثر من 300 سنه، وإن كانت هذه الأقوال لرابعة العدوية بالفعل! فسيكون التساؤل المنطقي: كيف وصلت هذه الأقوال إلى كُتاب القرن السادس الهجرى وما تلاه دون أن تكون مدونة فى المصادر التاريخية (الصوفية وغير الصوفية) على مدار ثلاثة قرون كاملة؟!!!.
ومما يزيد الموقف غرابة وتعقيدا أن الأقوال التى نسبت إلى رابعة العدوية بداية من القرن السادس الهجرى تعادل 15 ضعف الأقوال التى دونت فى المصادر التاريخية فى القرون الثلاثة الأولى من الإسلام.
أقوال رابعة العدوية (مرتبة حسب ظهورها فى التاريخ الإسلامي) التى دونت حتى نهاية القرن الخامس الهجرى
١ــ واللَّه إنى لأستحى أن أسأل الدُّنيا مَن يملك الدنيا فكيف أسألها من لا يملكُها؟ [كتاب البيان والتبيين/ كتاب الحيوان للجاحظ] بزيادة: هذا جوابا لأنه قيل لها: اذكرى لى حوائجك حتى أقضيها، وخطبها عبد الواحد بن زيد فقالت: يا شهوانى اطلب شهوانية مثلك [المكي، قوت،2/112].
٢ ــ وقيل لرابعة القيسية: هل عملتِ عملاً قطُّ تَرَيْنَ أنَّه يُقْبَلُ منك؟ قالت: إنْ كان شيءٌ فخوفى من أن يُرَدَّ عليَّ [الجاحظ، البيان].
٣ ــ قالت رابعة: أستغفر الله من قلة صدقى فى قولى أستغفر الله. [الكلاباذي، التعرف،ص108].
٤ ــ قال سفيان عن رابعة: اللهم ارض عني، فقالت له: أما تستحى أن تطلب رضا من لست عنه براض؟ [الكلاباذي،التعرف، ص120/ المكي،قوت،ج2، 80/ الغزالي، إحياء،ج5، 244].
٥ ــ دخل جماعة على رابعة يعودونها من شكوى، فقالوا: ما حالك؟ قالت: والله ما أعرف لعلتى سببا غير أنى عُرِضَت عليَّ الجنة، فملت بقلبى إليها، فأحسب أن مولاى غار على فعاتبني، فله العتبى«. [الكلاباذي، التعرف، ص172/ القشيري، الرسالة،516].
٦ ــ وقد كانت رابعة العدوية رحمها الله تعالى تقول للثورى رضى اللّه عنه: نعم الرجل سفيان لولا أنك تحب الحديث. [المكي، قوت،جـ1 ص320/ الغزالي، الإحياء،جـ2،ص340].
٧ ــ وكانت رابعة تقول: استغفارنا هذا يحتاج إلى استغفار فكم من توبة تحتاج إلى توبة. [المكي، قوت،جـ1 ص381-382]، والشطر الثانى فقط بنص: توبتنا تحتاج إلى توبة [الخركوشي، تهذيب، ص77]، والشطر الأول فقط: استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير [الغزالي، إحياء، جـ1، ص415].
٨ ــ سئلت: متى يكون العبد راضياً عن اللّه تعالى؟ فقالت: إذا كان سروره بالمصيبة مثل سروره بالنعمة. [المكي، قوت، جـ2 ص80/ القشيري، ص424/ الغزالي، إحياء،جـ5،ص244].
٩ ــ قال لها الثورى يوماً: لكل عبد شريطة ولكل إيمان حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ فقالت: ماعبدت اللّه خوفاً من اللّه، فأكون كالأمة السوء إن خافت عملت، ولا حبًّا للجنة فأكون كأمة السوء إن أعطيت عملت، ولكنى عبدته حبًّا له وشوقاً إليه. [المكي، قوت، جـ2 ص112].
١٠ ــ وخطبها محمد بن سليمان أمير البصرة على مائة ألف وقال لي: غلة عشرة آلاف فى كل شهر أدفعها إليك، فكتبت إليه: ما يسرنى أنك لى عبد وأنّ كل ما تملكه لى وأنك شغلتنى عن اللهّ طرفة عين. [المكي، قوت، جـ2 ص112].
١١ ــ قالت رابعة: [المكي، قوت،جـ2 ص113]:
أحبُّك حبين: حب الهوى ... وحبُّا لأنك أهل لذاكا
فأما الذى هو حب الهوى ... فشغلى بذكرك عمن سواكا
١٢ ــ ثمرة المعرفة الإقبال على الله عز وجل. [الخركوشى، تهذيب،ص32/ السلمي، ذكر النسوة، ص29].
١٣ ــ إن العارف قد استوهب من الله تعالى قلبه فوهبه منه، فلما ملك القلب دفعه إلى مولاه ليكون فى قبضته محفوظا، وفى ستره عن الخلق محجوبا. [الخركوشى، تهذيب، ص35].
١٤ ــ وقالت رابعة يومًا: من يدلنا على حبيبنا؟ فقالت خادمة لها: حبيبنا معنا، ولكن الدنيا قطعت بيننا وبينه. [الخركوشى، تهذيب،ص40/ الغزالي، إحياء،ج5، ص261].
١٥ ــ قيل لرابعة: كيف حبك للرسول صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: والله إنى لأحبه حبا شديدا، ولكن حب الخالق شغلنى عن حب المخلوقين. [الخركوشى، تهذيب، ص42/ السلمي، ذكر النسوة، ص29].
١٦ ــ يا مدعى الحب لمولاه *** من ادعى صحح معناه [الخركوشي، تهذيب، ص42].
١٧ ــ عن أحمد بن أبى الحوارى (وهو زوج رابعة الشامية) قال: كان لرابعة أحوال شتى، فمرة غلب عليها حال الأنس فقالت:
لقد جعلت فى الفؤاد محدثى
وأبحت جسمى من أراد جلوسي
فالجسم منى للجليس مؤانس
وحبيب قلبى فى الفؤاد أنيسي
نسبت هذه الأبيات لرابعة الشامية [الخركوشي، تهذيب، ص61-62]
١٨ ــ قيل لرابعة: بم وصلت إلى هذه المنزلة؟ فقالت: بتركى ما لا يعنيني، وأنسى بمن لم يزل. [الخركوشي، تهذيب، ص62].
١٩ ــ قال رجل لرابعة: إنى قد أكثرت من الذنوب والمعاصي، فترانى إن تبت يتوب الله علي؟ فقالت: لا إن تاب عليك تبت. [الخركوشي، تهذيب، 79/ القشيري، الرسالة، ص286].
٢٠ ــ رفع سفيان يده وقال: اللهم إنى أسألك السلامة، فبكت رابعة. فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: أنت عرضتنى للبكاء. فقال: وكيف؟ قالت: أما علمت أن السلامة من الدنيا ترك ما فيها فكيف وأنت متلطخ بها؟ [السلمي، ذكر النسوة، ص28].
٢١ ــ رأت رابعة يوما رياحا وهو يقبل صبياً صغيرا. فقالت: أتحبه؟ قال: نعم، قالت: ما كنت أحسب أن فى قلبك موضع محبة لغير الله عز وجل. [السلمي، ذكر النسوة، ص29-30/ الأصبهاني، جـ6، ص193].
٢٢ ــ دخل محمد بن واسع على رابعة وهى تتمايل، فقال لها: مم تمايلك؟ فقالت: سكرت من حب ربى الليلة، فأصبحت وأنا مخمورة. [السلمي، ذكر النسوة، ص30].
٢٣ ــ قال لها سفيان الثوري: ما أقرب ما تقرب به العبد إلى الله عز وجل؟ فبكت وقالت: مثلى يُسأل عن هذا؟ أقرب ما تقرب العبد به إلى الله تعالى أن يعلم أنه لا يحب من الدنيا والآخرة غيره. [السلمي، ذكر النسوة، ص30].
٢٤ ــ قال الثورى بين يدى رابعة: واحزناه! فقالت: لا تكذب، قل: واقلة حزناه، لو كنت محزونا ما هناك العيش. [السلمي، ذكر النسوة، ص30/ القشيري، الرسالة، ص369].
٢٥ ــ ما حزنى أنى حزنت، ولكن حزنى أنى لم أحزن. [السلمي، ذكر النسوة، ص31].
٢٦ ــ هل طالت بك الأيام والليالى بالشوق إلى لقاء الله، قالت لي: رابعة، فقلت: ماذا. قلت: لم أقل نعم فأكذب، ولم أقل لا فاهجن نفسي، لكن نعم. [الأصبهاني، الحلية، جـ6،ص193].
٢٧ ــ وقيل: خاطت رابعة العدوية شقاً فى قميصها فى ضوء مشعلة سلطان، ففقدت قلبها زماناً، حتى تذكرت، فشقت قميصها، فوجدت قلبها. [القشيري، الرسالة، ص322].
٢٨ ــ وقيل: قالت رابعة فى مناجاتها: إلهي، أتحرق بالنار قلباً يحبك؟ فهتف بها هاتف: ما كنا نفعل هكذا، فلا تظنى بنا ظن السوء!! [القشيري، الرسالة، ص 624].
٢٩ ــ وكانت رابعة [زوجة أحمد بن أبى الحواري] هذه تشبه فى أهل الشام برابعة العدوية بالبصرة. [الغزالي، إحياء، جـ2، ص119].
٣٠ ــ روى أن محمد بن سليمان الهاشمى كان يملك من غلة الدنيا ثمانين ألف درهم فى كل يوم، فكتب إلى أهل البصرة وعلمائها فى امرأة يتزوجها فأجمعوا كلهم على رابعة العدوية رحمها الله تعالى فكتب إليها: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، فإن الله تعالى قد ملكنى من غلة الدنيا ثمانين ألف درهم فى كل يوم، وليس تمضى الأيام والليالى حتى أتمها مائة ألف وأنا أصير لك مثلها ومثلها فأجيبيني. فكتبت إليه: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، فإن الزهد فى الدنيا راحة القلب والبدن والرغبة فيها تورث الهم والحزن، فإذا أتاك كتابى هذا فهيئ زادك وقدم لمعادك وكن وصى نفسك ولا تجعل الرجال أوصياءك ليقتسموا تراثك؛ فصم الدهر وليكن فطرك الموت. وأما أنا فلو أن الله تعالى خولنى أمثال الذى خولك وأضعافه ما سرنى أن أشتغل عن الله طرفة عين. [الغزالي، الإحياء، ج3، ص241].
٣١ ــ وزار رابعة أصحابها، فذكروا الدنيا فأقبلوا على ذمها، فقالت: اسكتوا عن ذكرها فلولا موقعها من قلوبكم ما أكثرتم من ذكرها. ألا من أحب شيئاً أكثر من ذكره. [الغزالي، الإحياء، ج3، ص373].
ويمكننا من خلال الأقوال
السابقة أن نلاحظ ما يلي
ــ يتضح أننا يمكن أن نثق فى الأقوال أرقام (4 + 7 + 8) بنسبة كبيرة جدا، نظرا لتكرر هذه الأقوال فى ثلاثة مصادر تاريخية مختلفة.
ــ الأقوال أرقام (1+5+6+12+14+15+19+21+24) يمكن أن نثق بها بنسبة كبيرة، نظرا لتكررها فى أكثر من مصدر تاريخى مختلف.
ــ أما الأقوال الأخرى، فيمكن أن يختلف مدى ثقتنا فيها على حسب ظهورها التاريخي. فالقول المنسوب لرابعة العدوية والمشار إليه برقم (2) يمكن أن نثق فيه بشكل أكبر من القول المشار إليه برقم (27) و(28). حيث إن القول رقم (2) وصل إلينا عن طريق الجاحظ (ت:256هـ) وهو قريب لزمن رابعة العدوية. أما القول رقم (27) و(28) فقد وصل إلينا عن طريق أبو حامد الغزالى (ت:505ه/1111م)، ونظرا للمسافة التاريخية، وعدم تكرار هذا القول فى المصادر التاريخية السابقة على الغزالي، فلا نستطيع أن نثق بمثل هذا القول بالقدر الكافى إلا إذا ثبت من خلال المصادر التاريخية الأقدم، وإن لم يثبت فيبقى هذا القول موضع الشك. وقد يكون هناك طريق آخر للتأكد من هذه الأقوال، وذلك عن طريق رؤية مدى اتساق مفردات ومصطلحات هذه الأقوال مع مفردات ومصطلحات الأقوال الموثوق بنسبتها لرابعة العدوية بشكل أكبر.
ــ وجدنا فى بعض المصادر التاريخية التى تم كتابتها فى القرنين السادس والسابع الهجريين وما تلاهما بعض الأقوال المنسوبة لرابعة العدوية. ويمكننا القول بأن أى قول ورد فى هذه المصادر المتأخرة لا يمكن تصديقه إلا إذا تم التأكد منه عن طريق المصادر التاريخية الأقدم، وإلا فلا يمكننا تصديق نسبة هذه الأقوال لرابعة العدوية. فكيف وصلت هذه الأقوال إلى مؤلفى القرن السادس الهجرى وما تلاه رغم عدم وجودها فى المصادر التاريخية السابقة لذلك؟!.
ــ من القرن السادس حتى القرن العاشر الهجرى وجدنا العبارات من رقم (32) حتى رقم (450) أى ما يقرب من 420 عبارة، لم تكن مدونة فيما قبل عصر الغزالي- حسب المصادر التى اطلعنا عليها- فكيف انتقلت هذه الأقوال من القرن الثانى الهجرى عصر رابعة العدوية إلى القرن السادس الهجرى وما تلاه دون أن تكون مدونة فى المصادر التاريخية السابقة؟ وكيف وصلت هذه الأقوال إلى مؤلفى القرن السادس الهجرى وما تلاه رغم عدم وجودها فى المصادر التاريخية السابقة لذلك؟!. هذا هو السؤال الجوهري، بالرغم من أننا لا نملك إجابة واضحة عليه سوى الاعتقاد بأن هذه الأقوال قد نسبت إلى رابعة العدوية لأسباب تاريخية وسياسية واجتماعية متعددة.
ــ بعد حصر أقوال رابعة العدوية- الـ (31) عبارة المدونة من المصادر التاريخية من القرن الثالث الهجرى حتى نهاية القرن الخامس الهجري- نعتقد أنه قد يكون من المفيد جمع المصطلحات المركزية الواردة فى هذه الأقوال، ونعتقد أن ذلك قد يساعد فى تحديد الأبعاد الصوفية لديها. وقد وجدنا أن مصطلح (المحبة) هو المصطلح المركزى فى أقوال رابعة العدوية حيث ورد (15) مرة على وجه التحديد، كما ارتبط بمصطلحات أخرى مثل (القلب- القرب- السكر- الأنس- الشوق). وبناءً عليه سنبدأ فى دراسة مفهوم المحبة عند رابعة العدوية، وربما ساعدنا ذلك على كشف البنية اللغوية والفكرية لأقوالها.
مفهوم المحبة عند رابعة العدوية
«رؤية تاريخية تحليلية«
اختلفت وتضاربت الآراء والاتجاهات حول دور رابعة العدوية فى صياغة مفهوم الحب الإلهي. فهناك من قام بتأكيد ذلك، وهناك من اعتبر ذلك مبالغة تؤدى إلى الكثير من الأخطاء التاريخية المرتبطة بحركة الزهد. إذن نحن بصدد اتجاهين:
الاتجاه الأول: يشير أصحاب هذا الاتجاه إلى أن هناك العديد من المصادر والمراجع العربية التى تقدم رابعة العدوية باعتبارها أول من فتحت بأقوالها المنظومة والمنثورة فتحًا جديدًا فى تاريخ الحياة الروحية الإسلامية. وإذا كانت المستشرقة الألمانية مارجريت سميث Margaret Smith قد اجتهدت فى جمع المعلومات المتعلقة بحياة بعض المعاصرات لرابعة من الصالحات العابدات الزاهدات اللاتى عشن فى أواخر القرن الثانى للهجرة ممن كن يعرفن بـ «بكاءات الدهر«. فإن هؤلاء جميعًا لم يبلغن فى الشهرة مبلغ رابعة العدوية التى نسب إليها الفضل فى إدخال مفهوم الحب الإلهى الخالص فى التصوف الإسلامى فى مرحلته الزهدية، وفى عهد لم يكن للحديث فى أمر المحبة الصوفية طريقًا ممهدًا. هنالك استعملت فى غير تهيّب كلمة «الحب« فى العلاقة بينها وبين الله، فكانت من أوائل من تغنى بنغمة «الحب الإلهي«. ومن أبرز المؤيدين لهذا الرأى الدكتور عبد الرحمن بدوي، والدكتور أبو الوفا التفتازاني، والدكتور محمد مصطفى حلمي، والدكتور محمد الراشد والمستشرق الروسى أرثور سعدييف والمستشرقة الألمانية مارجريت سميث، والمستشرقة الألمانية آنا مارى شيمل وغيرهم.
الاتجاه الثاني: يذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى عكس ما ذهب إليه أصحاب الاتجاه الأول. حيث يرون أن معظم ما قدمه فريد الدين العطار عن رابعة العدوية يضع الباحثين فى مجال غير دقيق.. خاصة إذا وضعنا الشواهد المهمة التى ذكرها الكلاباذى حول مذهب رابعة فى الحب والذى يتضمن أبياتها المشهورة التى تبدأ بقولها (أحبك حبين). فقد ذكر الكلاباذى (ت:380هـ/994م) هذه الأبيات ولكنه لم يذكر أنها لرابعة العدوية، بل قال: (قال بعضهم:..) هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية عدم التفات كل من الطوسى والقشيرى والخركوشى إلى هذه الأبيات. ومن ناحية ثالثة: أنه إذا كان أبو طالب المكى (ت:386هـ/996م) قد نسب هذه الأبيات لرابعة العدوية وحاول شرحها، فلا ننسى أن الكلاباذى معاصره صاحب كتاب: التعرف لمذهب أهل التصوف (الذى وصف بالعبارة الشهيرة: لولا كتاب التعرف لما عرف التصوف) والذى أرخ فيه للتصوف ورجاله، مما يدل على معرفته الجيدة بتاريخ التصوف الإسلامى فى القرنين الثانى والثالث الهجريين ذكر أبياتها قائلا (قال بعضهم).. وفى الوقت نفسه أورد ثلاث عبارات أخرى لرابعة العدوية.. مما يدل على أنه كان على معرفة بها. ونعتقد أن أبى طالب المكى لا نستطيع أن نعتمد عليه كمؤرخ للصوفية السابقين عليه مثلما نستطيع أن نعتمد ونثق فى أبو بكر الكلاباذى الذى يُظهر إلمامه الكبير بتاريخ التصوف السابق عليه. ليس هذا فحسب بل إن الأصبهانى فى حلية الأولياء ينسب هذه الأبيات الشعرية لسيدة تتحدث مع ذى النون المصرى (ت:245هـ/859م) فى الشام، فربما تكون هذه الأبيات لرابعة الشامية. ومن أبرز المشككين فى مدى انتساب العديد من الأقوال (المرتبطة بالمحبة) لرابعة العدوية الشيخ مصطفى عبد الرازق الذى قال: إنه من التعسف أن ينسب إلى رابعة العدوية التصدى لمعالجة دقائق المسائل الصوفية. والدكتور عبد القادر محمود الذى ذهب إلى القول: أرى أن الدكتور بدوى قد أسرف فى حكمه (أى وصفه لها: شهيدة العشق الإلهي) وأعطى مكانًا لرابعة ليست له.. فلا شك أنها لم تصل إلى هذا المستوى ولدينا شك فى صحة أغلب ما نسب إليها. أما الدكتور كامل الشيبى فينتقد ما نسب إليها قائلا: ويبدو من هذه الأبيات (أحبك حبين) التأخر أولاً، وضعفها باد فى التعبير والسبك، وعليها مسحة الشعر التعليمى الذى يقصد به ضغط تفاصيل العلوم فى أبيات تحفظ عن ظهر قلب. ونحله- لذلك- بينِّ، وإن يكن الاتصال بين عبارة عامر «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينًا«، ويوضح هذا النحل خبر ينسب إلى الكندى الفيلسوف (ت:185-252هـ) حين عرض عليه شعر شبيه بهذا، فقال: والله لقد قسمتها تقسيمًا فلسفيًا، وإذا كان هذا التعداد الجميل يدخل فى باب التقسيم الفلسفى فما أخلق أبيات رابعة- والمفروض أنها سابقة عليه، والرأى عندنا أن الذى قال هذه الأبيات السابقة- للمرة الأولى- هو ذو النون المصرى (ت:245هـ/859م) وإليه نسبت فى المخطوط: (رقم 75– تاريخ- بدار الكتب المصرية، ورقة 60 ب). وكذلك الدكتور حسين مروه عندما قال: ينبغى أولا أن نسقط من حسابنا الكثير مما تنسبه إليهما (يقصد رابعة العدوية ومعروف الكرخي) كتب الصوفية من أخبار مصنوعة فى عصر متأخر عن عصرهما لإحاطتهما بهالة أسطورية. ويقول فى موضع آخر: وأجروا على لسانها أقوالا هى جميعًا أقرب أن تكون من صور السلوك ومن الأقوال التى عرفها عصر التصوف الحقيقى لا عصر الزهد الذى لا يزال سابقا لمرحلة النضج والتحول. أما العلامة على سامى النشار فيذهب إلى القول: ثم يُنسب إليها رباعيتها المشهورة والتى ترجح نسبتها لذى النون المصرى (أحبك حبين).. إن هذه الرباعية من روح ذى النون المصري... ثم إذا كانت الأبيات تنسب له فى هذا اللقاء الروحى أو هذه المناجاة مع امرأة على الساحل، فلا شك أن الأبيات له.
تعليق وتقييم على آراء أصحاب الاتجاهين: لم يقدم أصحاب الاتجاه الأول الأدلة التاريخية الكافية لإثبات موقف رابعة العدوية فى المحبة، مما جعلهم محل النقد من أصحاب الاتجاه الثاني. وفى نفس الوقت بالغ بعض أصحاب الاتجاه الثانى فى إخراج رابعة العدوية من دائرة الحديث عن المحبة. فلا يجب أن يصل شك بعضهم إلى درجة تصورها مجرد خليط جامع من مدرسة الإمام جعفر الصادق (ت:148هـ/765م) شيئًا ومن النصوص الدينية السابقة على الإسلام شيئًا آخر.
وتثبت الأقوال التى قمنا بجمعها من المصادر التاريخية المختلفة أن لرابعة العدوية موقفًا فى «المحبة«، فقد ورد مصطلح «المحبة« لديها خمس عشرة مرة، ومصطلح «القلب« خمس مرات، ومصطلح «الشوق« مرتين، ومصطلح «الأنس« مرة واحده فقط. فكما ذكرنا يبدو أن لرابعة العدوية موقف فى المحبة ويبدو أن هذا الموقف أشبه بالجدار الذى ظل يرتفع بمر السنين فتاهت أحجاره وسط بعضها البعض بين رابعة العدوية واللاحقين عليها، ممن وضعوا أحجارًا فوق أحجارها ونسبوا بناء الجدار بالكامل إليها، ونعتقد أن التعامل التاريخى والنقدى مع أقوالها هو ما قد يساعد على حل هذه الإشكالية.
وفى جميع الأحوال يجب أن نتذكر أن المصادر التاريخية القديمة تقدم لنا أقوالا لرابعة العدوية (يصعب الشك فى مدى نسبها إليها- بخلاف العشرات من الأقوال التى يمكن أن نشك فيها أو حتى نرفضها) تعبر بحق عن عمق تجربتها فى المحبة فى وقت مبكر من نشأة وتطور التصوف، وسنرى ذلك فى السطور التالية.
أشعار منسوبة لرابعة فى المحبة
أما بخصوص الأشعار التى اختلف الباحثون حول مدى انتسابها لرابعة العدوية من عدمه، فنحن لا نعتقد بانتساب هذه الأبيات لرابعة العدوية للأسباب التى عرضناها من قبل. مثل:
ــ ذكر الكلاباذى لهذه الأبيات قائلا: «قال بعضهم«، ولم يقل: قالت رابعة.
ــ نسبها صاحب الحلية لسيدة أوردتها فى حوار مع ذى النون المصرى بالشام.
ــ لو قرأنا هذه الأبيات وأدخلناها فى مقارنة مع أشعار ذى النون المصرى الواردة فى المصادر المختلفة لظهر مدى التشابه الكبير فى الشكل والأسلوب والمضمون مما يجعلنا نرجح أنها لذى النون المصري، علاوة على أن هذه الأبيات نسبت إليه فى مخطوط من أقدم المخطوطات، كما أشرنا إلى ذلك سلفا.
ــ توقف العديد من الصوفية من أمثال: الطوسى والخركوشى والسلمى والقشيرى وغيرهم عن تقديم هذه الأبيات.
ــ شكوك بعض المؤرخين المسلمين كالذهبى وغيره فى نسبة هذه الأبيات لرابعة العدوية.
ــ حينما أورد الدكتور عبد الرحمن بدوى هذه الأبيات لم يعتمد إلا على أبو طالب المكى (كمصدر أول لهذه الأبيات) وبعدها اعتمد على المصادر التى كتبت فى القرنين السابع والثامن الهجريين.
ــ ربما كانت تجربتها الذاتية فى حصر المحبة فى محبوبها الإلهى تحول إلى دافع لدى البعض من الاستئناس بهذه الأبيات لتأكيد عمق تجربتها فى المحبة.
كل هذه الأسباب تجعلنا نتشكك فى نسبة هذه الأبيات لرابعة العدوية، ولا تجعلنا نشك فى أنها صاحبة تجربة روحية عميقة قائمة على المحبة لله وحده (حسب ما يظهر فى الـ 31 عبارة المتكررة فى المصادر التاريخية). وعلى أية حال تبقى هذه النقطة مجالا مفتوحا للبحث والمناقشة، وربما ظهرت بعض الأدلة التاريخية التى ترجح موقفًا دون آخر.
ورغم كل ذلك فإننا نعتقد بأن الهدف النهائى للتجربة الصوفية عند رابعة العدوية هو المحبة. ففى ضوء ما يظهر من أقوالها في: التوبة، والرضا، والزهد، والمعرفة. فإن المحطة الأخيرة للمصطلحات السابقة عند رابعة هى المحبة. وربما يمكن فهم تجربتها فى المحبة حسب المراحل التالية:
الحب لله وحده:
حيث رأت أنه لا يجدر بها إلا أن تتفرغ بقلبها وفكرها لذكر الله وحده ولا شيء سواه.. فكانت لا تملك إلا نسيان الدنيا نسيانا كليًا حتى لا يدخل قلبها إلا ذكر الله وحده. ويمكننا أن نجد العديد من الأقوال التى تعبر عن هذه المرحلة مثل: قال لها سفيان الثوري: ما أقرب ما تقرب به العبد إلى الله عز وجل؟ فبكت وقالت: مثلى يُسأل عن هذا؟ أقرب ما تقرب العبد به إلى الله تعالى أن يعلم أنه لا يحب من الدنيا والآخرة غيره. وأيضا فى ردها على أمير البصرة: ما يسرنى أنك لى عبد وأنّ كل ما تملكه لى وأنك شغلتنى عن اللهّ طرفة عين.
الحب لله والشوق لمشاهدته:
حيث اشتد شوقها إلى لقاء ربها فملأها ذلك الشوق شعورًا عميقًا بالغربة والحزن، ولعل هذا ما يفسر كثرة أقوالها المرتبطة بالحزن. ومن الأقوال التى يمكن أن ندخلها فى إطار هذه المرحلة، قولها: من يدلنا على حبيبنا؟ فقالت خادمة لها: حبيبنا معنا، ولكن الدنيا قطعت بيننا وبينه. وأيضا: هل طالت بك الأيام والليالى بالشوق إلى لقاء الله، فقالت: نعم.
الحب لله وحده المنزه عن أمل الجزاء وخوف العقاب: نجد عند رابعة العدوية لونا أخر من الحب أكثر عمقا وأشد غرابة مما نعرفه عند عامة الناس لم يُفتح بابه لغيرها من قبل- ربما باستثناء إبراهيم بن أدهم فى عبارته الشهيرة: «اللهم إنك تعلم أن الجنة لا تزن عندى جناح بعوضة، إذا أنت آنستنى بذكرك، ورزقتنى حبك، وسهلت على طاعتك، فأعط الجنة لمن شئت«- من الحب لله وحده دون ما سواه، ومن الحب لله الذى يملأ القلب شوقًا ورغبه فى لقائه فى الآخرة بصرف النظر عن الثواب والعقاب، والجنة والنار، ولعل عبارتها الشهيرة: ما عبدت الله خوفا من الله، فأكون كالأمة السوء إن خافت عملت، ولا حبا للجنة فأكون كأمة السوء إن أعطيت عملت، ولكن عبدته حبًا له وشوقًا إليه. ليس هذا فحسب بل أصبح الله وحده دون غيره هو الحبيب والمحبوب من أجل ذاته فحسب، ولعل هذا يفسر قولها لرباح بن عمرو القيسى (ت:180هـ/796م) عندما رأته يقبل صبيًا صغيرًا، فقالت: أتحبه؟ قال: نعم، قالت: ما كنت أحسب أن فى قلبك موضع لمحبة غير الله عز وجل. ويتطور الأمر أكثر من ذلك إلى أن قالت حين سئلت عن حبها للرسول صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: والله إنى لأحبه حبًا شديدًا، ولكن حب الخالق شغلنى عن حب المخلوقين.
النتائج العامة
ــ يظهر من المصنفات الصوفية المدونة حتى نهاية القرن الخامس الهجرى أن ما هو منسوب تاريخيًا لرابعة العدوية فى هذه الفترة يساوى (7% تقريبا) فقط من كل ما نُسب إليها حتى نهاية القرن العاشر الهجري- حسب المصادر التى اطلعنا عليها- وهذا يستدعى عدة تساؤلات منها: إذا كانت الأقوال المنسوبة لرابعة العدوية (ت185هـ؟) حتى نهاية القرن الخامس الهجرى هى (31) عبارة فقط، فهل باقى العبارات التى دونت من القرن السادس وحتى القرن العاشر الهجرى هى فعلا لرابعة العدوية؟ وإذا كانت الإجابة بنعم: فكيف وصلت هذه الأقوال إلى كُتاب القرن السادس وما تلاه وصولا للقرن العاشر الهجرى دون أن تكون مدونة فى القرون السابقة؟ وإلى أى مدى تدخلت الصور الأسطورية فى عملية بناء وتشكيل هذه النصوص والأقوال؟ وبالرغم من أن المقالة الحالية لا تستطيع تقديم إجابات واضحة على هذه التساؤلات- فيكفينا طرح التساؤل- إلا أن مثل هذه التساؤلات تستدعى أهمية إعادة النظر فى تراث رابعة العدوية.
ــ نعتقد بأهمية إعادة النظر فى مراجعة بعض الأحكام المرتبطة برابعة العدوية- خاصة الأحكام التى اعتمدت على الأقوال والنصوص المدونة فى المصادر التاريخية المتأخرة- نظرًا لأن الاعتماد على مثل هذه الأقوال قد يؤدى بدارسى التصوف وقرائه إلى إسقاط أفكار ونظريات ومعانى لا تتحملها البيئة الروحية أو الصوفية فى القرن الثانى الهجري، مما قد يؤدى إلى الكثير من المغالطات التاريخية.
ــ غطى الجانب الأسطورى على الجانب الإبداعى لدى رابعة العدوية نتيجة إلصاق العديد من الأقوال والقصص الخرافية والأسطورية بشخصيتها، وربما كان ذلك سببًا للشك فيما قدمته كافة المصادر التاريخية- خاصة المتأخرة منها- علاوة على أن أغلب العبارات التى نسبت إلى رابعة العدوية فى الفترات التاريخية المختلفة يدور معظمها فى فلك المحبة، وربما دل ذلك على أن تجربتها فى المحبة دفعت البعض إلى الاستئناس بنسب عدة أقوال وعبارات إليها.
ــ بالرغم من كل ما سبق تثبت الأقوال المنسوبة لرابعة العدوية حتى نهاية القرن الخامس الهجرى أن لديها تجربة فى المحبة الإلهية، وليس هناك دليل أقوى من أن مصطلح «المحبة« هو المصطلح المركزى فى أقوال رابعة العدوية. وبناءً عليه نستطيع القول بأن هذه المصطلح ظهر فى فترة تاريخية مبكرة- القرن الثانى الهجري- الذى شهد فترة النشأة والتكوين لما سمى بعد ذلك اصطلاحيا بــ (التصوف).
ــ يبدو أن موقف رابعة العدوية فى المحبة من المواقف الجديدة فى الحياة الروحية فى الإسلام، وربما لم يسبق إليها أحد قبل رابعة العدوية. علاوة على أنها وصلت إلى تلك الدرجة الرفيعة من الحب ليس من باب التفلسف أو التعلم من العلماء لكن من باب قلبها المولع بحب الله، المفعم بشعور وعواطف لا يعرفها إلا المحب المخلص وحده. وبذلك يمكن اعتبارها بهذه التجربة الفريدة فتحت بابًا جديدًا فى التصوف الإسلامى سوف يتبعها فيه الصوفية اللاحقون لها، وأصبح الصوفية يعتبرونها صاحبة الفضل فى فتح باب الحب الإلهى فى التصوف الإسلامي، ذلك الباب- المحبة- الذى ستظهر آثاره أكثر لدى صوفية القرن الثالث الهجرى مثل: البسطامى (ت: ت:261هـ/874م أو 264هـ/878م)، وأبى الحسين النورى (ت: 295هـ/907م)، وسمنون المحب (ت:298هـ/910م)، ليتطور بعد ذلك لدى صوفية القرنين الرابع والخامس الهجريين من أمثال: الحسين بن منصور الحلاج (ت:309هـ/922م)، وأبى الحسن الديلمى (ت: أوائل الخامس الهجري- مجهول)، والغزالى (ت:505هـ/1111م). وصولا لقمته لدى صوفية القرنين السادس والسابع الهجريين من أمثال: عمر بن الفارض (ت:632هـ/1235م) الذى اشتهر باسم «سلطان العاشقين«، ومحيى الدين بن العربى (ت:638هـ/1240م) الذى سمى بــ «الشيخ الأكبر«.
ــ حدث مع رابعة العدوية نوع من التطور الوجداني، وقد تجلى هذا التطور فى الانتقال من «الخوف« باعتباره باعثًا ومحركًا للزهد- لدى الزهاد الأوائل- إلى «الحب الإلهي«. فإذا كانت أقوال الزهاد الأوائل قد عبرت عن أن خوفهم من الله أشد من حبهم إيّاه- مثل أقوال الإمام الحسن البصرى (ت:110هـ/728م) فى الخوف- فإن هذه النظرة قد تطورت من خلال خبرة رابعة العدوية فى المحبة.
ــ من الملاحظ بشكل مبدئى أن ما يظهر مع أقوال رابعة العدوية، يظهر أيضا مع شخصيات أخرى من شخصيات القرنين الأول والثانى الهجريين، مثل: مالك بن دينار (ت:130هـ/47-748م)، وعبد الواحد بن زيد (ت177هـ/793م)، وإبراهيم بن أدهم (ت:161هـ/ 77- 778م)، وداود الطائى (ت:165هـ/781م)، والفضيل بن عياض (ت:187هـ/803م)، وشقيق البلخى (ت:195هـ/ 810م)، ومعروف الكرخى (ت:200هـ/15- 816م) وغيرهم. حيث نجد نصوصا منسوبة لهؤلاء ابتداء من القرن السادس الهجرى لم تكن مدونة فى المصادر التاريخية عامة والصوفية خاصة حتى نهاية القرن الخامس الهجري. والتساؤلات التى تنطبق على أقوال رابعة العدوية تصلح لأن تنطبق على أقوال أغلب شخصيات حركة الزهد- إن لم يكن كلها- فى القرنين الأول والثانى الهجريين: فكيف وصلت هذه الأقوال إلى كُتاب القرن السادس وما تلاه وصولا للقرن العاشر الهجرى دون أن تكون مدونة فى القرون السابقة؟ وإلى أى مدى تدخلت الصور الأسطورية فى عملية بناء وتشكيل هذه النصوص والأقوال؟ ومثل هذه التساؤلات- نعتقد أنها- كفيلة بإعادة النظر فى التراث الروحى لشخصيات «حركة الزهد فى الإسلام«..
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة