رابعة‭ ‬العدوية‭
رابعة‭ ‬العدوية‭


البستان

رابعة العدوية بين الأسطورة والخيال

أخبار الأدب

الثلاثاء، 11 مايو 2021 - 10:17 ص

د‭. ‬أحمد‭ ‬حسن‭ ‬أنور

حظيت‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬بشهرة‭ ‬واسعة‭ ‬فى‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامى‭ ‬والإنسانى‭ ‬بصفة‭ ‬عامة،‭ ‬وفى‭ ‬تاريخ‭ ‬التصوف‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة،‭ ‬فينسب‭ ‬لها‭ ‬الفضل‭ ‬فى‭ ‬إحداث‭ ‬نقلة‭ ‬نوعية‭ ‬فى‭ ‬التصوف‭ ‬الإسلامي؛‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬التصوف‭ ‬قبلها‭ ‬قائمًا‭ ‬على‭ ‬مفهومى‭ (‬الخوف‭ ‬والمحاسبة‭)‬،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ابتداء‭ ‬مع‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬أصبح‭ ‬التصوف‭ ‬قائمًا‭ ‬على‭ ‬مفهوم‭ ‬جديد‭ ‬هو‭ ‬مفهوم‭ (‬الحب‭ ‬الإلهي‭) ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬أصبحت‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬مصدر‭ ‬إلهام‭ ‬لأغلب‭ ‬من‭ ‬ركزوا‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬الحب‭ ‬الإلهى‭ ‬أو‭ ‬العشق‭ ‬الإلهي‭. ‬

وبرغم‭ ‬هذه‭ ‬الشهرة‭ ‬الواسعة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الجدل‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬دائرًا‭ ‬بخصوص‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬ارتبط‭ ‬برابعة‭ ‬العدوية‭. ‬فهناك‭ ‬خلاف‭ ‬بين‭ ‬مؤرخى‭ ‬التصوف‭ ‬الإسلامى‭ ‬حول‭: ‬اسمها،‭ ‬وتاريخ‭ ‬ميلادها،‭ ‬وتاريخ‭ ‬وفاتها،‭ ‬وسيرتها‭ ‬الذاتية،‭ ‬وأقوالها،‭... ‬وهلم‭ ‬جرا‭ ‬من‭ ‬الآراء‭ ‬المختلفة‭ ‬بل‭ ‬والمتضاربة‭ ‬والمتناقضة‭ ‬فى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭. ‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬سنحاول‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المقالة‭ ‬اكتشاف‭ ‬الحقيقة‭ ‬التاريخية‭ ‬استنادًا‭ ‬على‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ (‬الصوفية‭ ‬وغير‭ ‬الصوفية‭) ‬كما‭ ‬سنحاول‭ ‬اكتشاف‭ ‬خبرتها‭ ‬الروحية‭ ‬عامة،‭ ‬وتجربتها‭ ‬العميقة‭ ‬فى‭ ‬الحب‭ ‬الإلهى‭ ‬خاصة،‭ ‬كما‭ ‬سنحاول‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الروحى‭ ‬والإبداعى‭ ‬العميق‭ ‬لديها‭ ‬بعد‭ ‬محاولتنا‭ ‬تنقيته‭ ‬من‭ ‬كافة‭ ‬الصور‭ ‬الأسطورية‭ ‬التى‭ ‬طغت‭ ‬وأخفت‭ ‬تجربته‭ ‬الروحية‭ ‬العميقة‭. ‬

رابعة‭ ‬العدوية‭- ‬اسمها‭ ‬وحياتها

يكتنف‭ ‬الغموض‭ ‬اسم‭ ‬أبيها‭ ‬واسم‭ ‬أسرتها،‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬ذكر‭ ‬اسمها‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬فى‭ ‬المصادر‭ ‬العربية‭- ‬حسب‭ ‬المصادر‭ ‬التى‭ ‬اطلعنا‭ ‬عليها‭- ‬عند‭ ‬الجاحظ‭ (‬ت‭:‬256هـ‭/‬869م‭) ‬فى‭ ‬كتاب‭: ‬‮«‬البيان‮«‬،‭ ‬وكتاب‭: ‬‮«‬الحيوان‮«‬،‭ ‬ومن‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬هذين‭ ‬الكتابين‭ ‬كتبا‭ ‬فى‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬الهجري،‭ ‬أى‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬فترة‭ ‬حياة‭ ‬رابعة‭. ‬وقد‭ ‬ذكر‭ ‬الجاحظ‭ ‬فى‭ ‬هذين‭ ‬الكتابين‭- ‬وهو‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬عنها‭- ‬أن‭ ‬اسمها‭ ‬‮«‬رابعة‭ ‬القيسية‮«‬،‭ ‬أما‭ ‬المصادر‭ ‬الصوفية‭ ‬التى‭ ‬دونت‭ ‬فى‭ ‬القرنين‭ ‬الرابع‭ ‬والخامس‭ ‬الهجريين‭ ‬فقد‭ ‬اتفقت‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬عند‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬السلمى‭ (‬ت‭:‬412هـ‭/‬1021م‭) ‬حينما‭ ‬ذكرها‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬البصرة،‭ ‬وكانت‭ ‬مولاة‭ ‬لآل‭ ‬عتيك‮«‬‭. ‬فى‭ ‬حين‭ ‬جاءت‭ ‬بعض‭ ‬المصادر‭ ‬المتأخرة‭- ‬كابن‭ ‬خلكان‭ (‬ت‭:‬681هـ‭/‬1282م‭) ‬لتضيف‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سبق‭- ‬لتقول‭: ‬‮«‬أم‭ ‬الخير‭ ‬بنت‭ ‬إسماعيل،‭ ‬العدوية‭ ‬البصرية،‭ ‬مولاة‭ ‬آل‭ ‬عتيك‮«‬‭.‬

أما‭ ‬حينما‭ ‬نتجه‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬وفاتها‭ ‬فإننا‭ ‬سنجد‭ ‬اختلافات‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬التضارب‭ ‬والتناقض،‭ ‬فقد‭ ‬ذكر‭ ‬ابن‭ ‬العماد‭ ‬فى‭ ‬الشذرات‭ ‬احتمال‭ ‬موتها‭ ‬سنة‭ ‬185هـ‭/ ‬801م،‭ ‬فى‭ ‬حين‭ ‬حدد‭ ‬ابن‭ ‬خلكان‭ ‬أن‭ ‬موتها‭ ‬كان‭ ‬سنة‭ ‬135هـ‭/‬752م،‭ ‬أما‭ ‬عبد‭ ‬الرءوف‭ ‬المناوى‭ ‬فقد‭ ‬ذكر‭ ‬أنها‭ ‬ماتت‭ ‬سنة‭ ‬180هـ‭/‬796م‭. ‬والغريب‭ ‬فى‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬المصادر‭ ‬السابقة‭ ‬وقعت‭ ‬فى‭ ‬تضارب‭ ‬بل‭ ‬تناقض‭ ‬واضح،‭ ‬فكيف‭ ‬يذكر‭ ‬ابن‭ ‬خلكان‭ ‬أن‭ ‬وفاتها‭ ‬كانت‭ ‬عام‭ ‬135هـ‭/‬752م‭ ‬وفى‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يذكر‭ ‬لقاءها‭ ‬بسفيان‭ ‬الثورى‭ (‬ت‭:‬161هـ‭/‬778م‭) ‬الذى‭ ‬أتى‭ ‬البصرة‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬155هـ‭/‬772م‭ ‬تقريبا؟‭! ‬وكيف‭ ‬يذكر‭ ‬ابن‭ ‬العماد‭ ‬أن‭ ‬وفاتها‭ ‬كانت‭ ‬عام‭ ‬185هـ‭ ‬وفى‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يذكر‭ ‬لقاءها‭ ‬وحوارها‭ ‬مع‭ ‬الحسن‭ ‬البصرى‭ (‬الذى‭ ‬توفى‭ ‬عام‭ ‬110هـ‭/ ‬728م‭)‬؟‭! ‬وهلم‭ ‬جرا‭ ‬من‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الآراء‭ ‬المتناقضة‭ ‬والمتضاربة‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭.‬

أما‭ ‬موقف‭ ‬دارسى‭ ‬التصوف‭ ‬الإسلامى‭ ‬فلقد‭ ‬ذهب‭ ‬لويس‭ ‬ماسينيون‭ (‬Louis Massignon‭) ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬توفيت‭ ‬سنة‭ ‬135هـ‭ ‬وقد‭ ‬ذكر‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬لتبرير‭ ‬الحكايات‭ ‬التى‭ ‬رويت‭ ‬عنها‭ ‬وعن‭ ‬الحسن‭ ‬البصرى‭ ‬المتوفى‭ ‬110هـ،‭ ‬فكيف‭ ‬يمكن‭ ‬التقاؤهما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬رابعة‭ ‬توفيت‭ ‬195هـ؟‭!‬،‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬عدل‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الرأى‭ ‬ليذكر‭ ‬أنها‭ ‬ماتت‭ ‬سنة‭ ‬195هـ‭. ‬فى‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الدكتور‭ ‬كامل‭ ‬الشيبى‭ ‬يذكر‭ ‬أنها‭ ‬توفيت‭ ‬عام‭ ‬155هـ،‭ ‬ويتوسط‭ ‬الدكتور‭ ‬قاسم‭ ‬غنى‭ ‬بينهما‭ ‬فيختار‭ ‬سنة‭ ‬185هـ‭ ‬لوفاتها،‭ ‬أما‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬بدوى‭ ‬فيرجح‭ ‬أنها‭ ‬توفيت‭ ‬سنة‭ ‬180هـ‭ ‬أو‭ ‬185هـ‭. ‬فى‭ ‬حين‭ ‬تذكر‭ ‬الموسوعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬أنها‭ ‬توفيت‭ ‬سنة‭ ‬185هـ،‭ ‬والملاحظ‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬السابقة‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تقدم‭ ‬المبرر‭ ‬التاريخى‭ ‬الكافى‭ ‬والمؤيد‭ ‬لهذا‭ ‬التاريخ‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الدراسات‭ ‬اكتفى‭ ‬بسرد‭ ‬تاريخ‭ ‬ما‭ ‬دون‭ ‬مناقشة‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭! ‬فأين‭ ‬الحقيقة‭ ‬التاريخية؟‭. ‬

وبصفة‭ ‬عامة‭ ‬لا‭ ‬نكاد‭ ‬نعلم‭ ‬وفقا‭ ‬لما‭ ‬بين‭ ‬أيدينا‭ ‬من‭ ‬وثائق‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬رابعة‭ ‬الأولى‭ ‬ونشأتها‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬رواه‭ ‬فريد‭ ‬الدين‭ ‬العطار‭ (‬ت‭: ‬586هـ‭/ ‬1190م‭) ‬فى‭ ‬كتابه‭: ‬‮«‬تذكرة‭ ‬الأولياء‮«‬،‭ ‬والعطار‭ ‬رجل‭ ‬جامح‭ ‬الخيال‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُطمأن‭ ‬إلى‭ ‬أقواله‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نتثبت‭ ‬من‭ ‬صدقها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬الأخرى،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ ‬الخوارق‭ ‬والكرامات‭ ‬التى‭ ‬رواها‭ ‬العطار‭ ‬عنها‭. ‬فلا‭ ‬نعرف‭ ‬كيف‭ ‬عاشت‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬حياتها‭ ‬الأولى،‭ ‬وكيف‭ ‬وقعت‭ ‬فى‭ ‬الرق؟‭ ‬وكيف‭ ‬تحررت‭ ‬من‭ ‬رقها؟‭ ‬وإلى‭ ‬أين‭ ‬اتجهت‭ ‬وماذا‭ ‬عملت‭ ‬بعد‭ ‬تحررها؟‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬قد‭ ‬حدث‭ ‬بالفعل‭. ‬وما‭ ‬الظروف‭ ‬التى‭ ‬دفعتها‭ ‬إلى‭ ‬حياة‭ ‬الزهد؟‭ (‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مباحة‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬الوثوق‭ ‬فيما‭ ‬رواه‭ ‬فريد‭ ‬الدين‭ ‬العطار‭)‬،‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬صدقنا‭ ‬ما‭ ‬رواه‭ ‬العطار‭ ‬عنها،‭ ‬فسنكون‭ ‬أمام‭ ‬اضطرار‭ ‬للإجابة‭ ‬عن‭ ‬التساؤل‭ ‬الآتي‭: ‬كيف‭ ‬وصلت‭ ‬هذه‭ ‬الأخبار‭ ‬إلى‭ ‬فريد‭ ‬الدين‭ ‬العطار‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مدونة‭ ‬ومذكورة‭ ‬فى‭ ‬المصادر‭ ‬السابقة‭ ‬عليه؟‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬سنطرح‭ ‬التساؤل‭ ‬المركزى‭ ‬لهذه‭ ‬الدراسة‭: ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬من‭ ‬شخصيات‭ ‬القرن‭ ‬الثانى‭ ‬الهجرى‭ ‬فكيف‭ ‬وصلت‭ ‬أقوالها‭ ‬إلى‭ ‬شخصيات‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬الهجرى‭ ‬وما‭ ‬تلاه‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭- ‬هذه‭ ‬الأقوال‭- ‬مدونة‭ ‬فى‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬السابقة‭ ‬على‭ ‬القرن‭ ‬السادس؟‭ ‬ومع‭ ‬الأسف‭ ‬الشديد‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬تقديم‭ ‬إجابات‭ ‬واضحة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭ ‬ولم‭ ‬يجد‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬بدوى‭ ‬فى‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬التى‭ ‬اعتمد‭ ‬عليها‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬شهيدة‭ ‬العشق‭ ‬الإلهي‮«‬‭ ‬حلولا‭ ‬لهذه‭ ‬الإشكاليات‭ ‬التاريخية‭. ‬ونتيجة‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬تقديم‭ ‬إجابات‭ ‬واضحة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭. ‬

ولم‭ ‬تتوقف‭ ‬الإشكاليات‭ ‬التاريخية‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬حدث‭ ‬خلط‭ ‬وقع‭ ‬فيه‭ ‬المؤرخون‭ ‬وجاراهم‭ ‬فيه‭ ‬بعض‭ ‬المحدثين‭ ‬الذين‭ ‬كتبوا‭ ‬عن‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية،‭ ‬وبخاصة‭ ‬المستشرقة‭ ‬مارجريت‭ ‬سميث‭ ‬Margaret Smith‭ ‬فى‭ ‬كتابها‭: ‬Rabiat the Mystic‭ ‬and her fellow‭- ‬saints in Islam‭ (‬رابعة‭ ‬وزميلاتها‭ ‬المتصوفات‭ ‬فى‭ ‬الإسلام‭) ‬ذلك‭ ‬الخلط‭ ‬بين‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬البصرية‭ (‬ت‭:‬185هـ‭/‬801م؟‭)‬،‭ ‬ورابعة‭ ‬الأزدية‭ (‬معاصرة‭ ‬عبد‭ ‬الواحد‭ ‬بن‭ ‬زيد‭ ‬ت‭: ‬177هـ‭/‬793م‭ ‬تقريبا‭)‬،‭ ‬ورابعة‭ ‬الشامية‭ (‬ت‭:‬235هـ‭/‬852م‭ ‬تقريبا‭). ‬والغريب‭ ‬أننا‭ ‬نجد‭ ‬تحذيرًا‭ ‬تاريخيًا‭ ‬قديمًا‭ ‬لهذا‭ ‬الخلط‭ ‬بين‭ ‬الرابعات‭ ‬فى‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامى‭ ‬لدى‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬السلمى‭ (‬ت‭:‬412هـ‭/‬1021م‭) ‬حينما‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية،‭ ‬ورابعة‭ ‬الأزدية‭ ‬ورابعة‭ ‬الشامية‭ ‬زوجة‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬أبى‭ ‬الحوارى‭ (‬ت‭:‬230هـ‭/‬848م‭).‬

شخصية‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬بين

‭ ‬الأسطورة‭ ‬والحقيقة

لعبت‭ ‬الأسطورة‭ ‬التاريخية‭ ‬دورًا‭ ‬مرموق‭ ‬الأهمية‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬‮«‬رابعة‭ ‬العدوية‮«‬‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬المصادر‭ ‬التى‭ ‬أمدتنا‭ ‬بتراجم‭ ‬لرابعة‭ ‬لا‭ ‬يعول‭ ‬عليها،‭ ‬لأن‭ ‬أغلب‭ ‬الذين‭ ‬ترجموا‭ ‬لها‭ ‬عاشوا‭ ‬بعيدًا‭ ‬عنها‭. ‬فقد‭ ‬لحق‭ ‬برابعة‭ ‬العدوية‭ ‬مجموعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الأساطير‭ ‬غير‭ ‬القابلة‭ ‬للتصديق،‭ ‬والتى‭ ‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬لمنطق‭ ‬ولا‭ ‬يصدقها‭ ‬عقل،‭ ‬ولا‭ ‬تضيف‭ ‬إليها‭ ‬شيئا‭. ‬فليس‭ ‬من‭ ‬المنطقى‭ ‬مثلا‭ ‬أن‭ ‬تذهب‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الله‭ ‬الحرام‭ ‬متقلبة‭ ‬على‭ ‬جنبها‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬الكعبة‭ ‬بعد‭ ‬ثمانى‭ ‬سنوات‭ (‬اللهم‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬سرد‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المجاز‭)‬،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬المعقول‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬يذهب‭ ‬إبراهيم‭ ‬بن‭ ‬أدهم‭ (‬ت‭:‬161هـ‭/‬778م‭) ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الله‭ ‬الحرام‭ ‬فلم‭ ‬يجد‭ ‬الكعبة‭ ‬فيهتف‭ ‬به‭ ‬هاتف‭: ‬إن‭ ‬الكعبة‭ ‬قد‭ ‬ذهبت‭ ‬لاستقبال‭ ‬رابعة‭. ‬ويعلق‭ ‬الباحث‭ ‬الأمريكى‭ ‬الكسندر‭ ‬كنيش‭ ‬Alexander Knysh‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأساطير‭ ‬قائلا‭: ‬إن‭ ‬صمت‭ ‬الجاحظ‭ (‬ت‭:‬256هـ‭/‬869م‭) ‬الكاتب‭ ‬العربى‭ ‬الأصيل‭ ‬الذى‭ ‬يعد‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬سجل‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬صورتها‭ ‬الأسطورية‭ ‬كانت‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬فى‭ ‬طور‭ ‬الإعداد‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬الهجري‭. ‬

إن‭ ‬معظم‭ ‬ما‭ ‬ينسب‭ ‬إلى‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬من‭ ‬أخبار‭ ‬وأقوال‭ ‬يفتقر‭ ‬إلى‭ ‬التحقيق‭ ‬العلمي،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬خليط‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬أسطورية‭ ‬وعناصر‭ ‬تنسب‭ ‬إلى‭ ‬آخرين‭ ‬غيرها،‭ ‬ومن‭ ‬العسير‭ ‬على‭ ‬الباحث‭ ‬أن‭ ‬يقتنع‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬منسوب‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭ ‬صادر‭ ‬عنها‭ ‬بالفعل‭. ‬فقد‭ ‬روى‭ ‬عنها‭ ‬أنها‭ ‬حجت‭ ‬فقالت‭: ‬هذا‭ (‬أى‭ ‬البيت‭ ‬الحرام‭) ‬الصنم‭ ‬المعبود‭ ‬فى‭ ‬الأرض،‭ ‬وإنه‭ ‬ما‭ ‬وَلَجَهُ‭ ‬الله‭ ‬ولا‭ ‬خلا‭ ‬منه‭. ‬ونحن‭ ‬على‭ ‬رأى‭ ‬المشككين‭ ‬فى‭ ‬مدى‭ ‬انتساب‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية،‭ ‬فإن‭ ‬تلك‭ ‬الأقوال‭ ‬تعد‭ ‬بحق‭ ‬بدايات‭ ‬الشطح‭ ‬الأولى،‭ ‬ونعتقد‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬قد‭ ‬نشأت‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬أبى‭ ‬يزيد‭ ‬البسطامى‭ (‬ت‭:‬261هـ‭/‬874م‭ ‬أو‭ ‬264هـ‭/‬878م‭) ‬وظهرت‭ ‬فى‭ ‬صورتها‭ ‬الكاملة‭ ‬عند‭ ‬المتصوف‭ ‬الحسين‭ ‬بن‭ ‬منصور‭ ‬الحلاج‭ (‬ت‭:‬309هـ‭/‬922م‭). ‬

ورغم‭ ‬كثرة‭ ‬الأساطير‭ ‬المرتبطة‭ ‬بشخصية‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬مبررًا‭ ‬لأن‭ ‬نتفق‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ ‬الدكتور‭ ‬حسين‭ ‬مروة‭ ‬من‭ ‬تحليل‭ ‬لشخصية‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬ماركسى‭ ‬حين‭ ‬قال‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الفقر‭ ‬الوحشى‭ ‬أدى‭ ‬برابعة‭ ‬إلى‭ ‬الكهف‭ ‬الداخلى‭ ‬العميق‭ ‬الذى‭ ‬أصبح‭ ‬عوضا‭ ‬وهميا‭ ‬لها‭ ‬عن‭ ‬الحرمان‭ ‬المادى‭ ‬الذى‭ ‬افترس‭ ‬شبابها‮«‬‭. ‬فالمصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تؤيد‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬النص‭ ‬السابق،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬فمهما‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬هذه‭ ‬الأساطير‭ ‬فإنها‭ ‬أصبحت‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬المتحدثات‭ ‬عن‭ ‬الحب‭ ‬الإلهى‭ ‬فى‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي‭. ‬

مصادر‭ ‬أقوال‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية

‭ (‬رؤية‭ ‬نقدية‭)‬

يعتبر‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬النقاط‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬حركة‭ ‬الزهد‭ ‬وظهور‭ ‬التصوف،‭ ‬ونظرا‭ ‬لذلك‭ ‬نرى‭ ‬أهمية‭ ‬لتحديد‭ ‬دورها‭ ‬فى‭ ‬نشأة‭ ‬المصطلحات‭ ‬والأفكار‭ ‬الصوفية‭ ‬فى‭ ‬النصف‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الثانى‭ ‬الهجري،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬يتطلب‭ ‬بداية‭ ‬التحقق‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬أقوالها،‭ ‬فلو‭ ‬صدقت‭ ‬بعض‭ ‬المصادر‭ ‬قليلة‭ ‬الثقة‭ ‬فيما‭ ‬نقلته‭ ‬من‭ ‬أقوال‭ ‬عن‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬لنتج‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬إسقاط‭ ‬لبعض‭ ‬المعانى‭ ‬الصوفية‭ ‬التى‭ ‬ربما‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬أى‭ ‬صلة‭ ‬برابعة‭ ‬العدوية،‭ ‬وليس‭ ‬لها‭ ‬أى‭ ‬صلة‭ ‬بالنصف‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الثانى‭ ‬الهجري‭. ‬ولو‭ ‬صدقنا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬أنها‭ ‬وصفت‭ ‬الكعبة‭ ‬قائلة‭: (‬أنها‭ ‬الصنم‭ ‬المعبود‭ ‬فى‭ ‬الأرض‭) ‬لربما‭ ‬لزم‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬القول‭ ‬بأنها‭ ‬قد‭ ‬سبقت‭ ‬البسطامى‭ (‬ت‭:‬261هـ‭/‬874م‭ ‬أو‭ ‬264هـ‭/‬878م‭) ‬والحسين‭ ‬بن‭ ‬منصور‭ ‬الحلاج‭ (‬ت‭:‬309هـ‭/‬922م‭) ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬الأقوال‭ ‬التى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ندخلها‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬الشطح،‭ ‬وربما‭ ‬أدخلها‭ ‬البعض‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬الأقوال‭ ‬المبكرة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بوحدة‭ ‬الوجود‭. ‬لذلك‭ ‬نرى‭ ‬أهمية‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬فى‭ ‬مصادر‭ ‬أقوالها‭ ‬التى‭ ‬جاءت‭ ‬حسب‭ ‬الترتيب‭ ‬التاريخى‭ ‬التالي‭: ‬

الجاحظ‭ (‬ت‭:‬256هـ‭/‬869م‭): ‬يُعد‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬أرخ‭ ‬لرابعة،‭ ‬عاش‭ ‬فى‭ ‬البصرة‭ ‬فى‭ ‬زمن‭ ‬قريب‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬زمن‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية،‭ ‬ومن‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عرفها‭ ‬فى‭ ‬طفولته‭ ‬المبكرة،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬عرف‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬عرفوها‭ ‬شخصيًا‭ ‬من‭ ‬مريديها‭. ‬وقد‭ ‬ذكرها‭ ‬فى‭ ‬كتاب‭: ‬‮«‬البيان‭ ‬والتبيين‮«‬،‭ ‬وكتاب‭: ‬‮«‬الحيوان‮«‬‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يذكر‭ ‬عنها‭ ‬إلا‭ ‬عبارتين‭ ‬فقط،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬ذكر‭ ‬نسبها،‭ ‬حيث‭ ‬ذكر‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬عشيرة‭ ‬رابعة‭ ‬هم‭ ‬‮«‬القيسيون‮«‬،‭ ‬ومنهم‭: ‬‮«‬رياح‭ ‬القيسي‮«‬،‭ ‬و«حيان‭ ‬القيسي‮«‬‭. ‬

أبو‭ ‬بكر‭ ‬الكلاباذى‭ (‬380هـ‭/‬990م‭ ‬أو‭ ‬384هـ‭/‬994م‭): ‬فى‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬التعرف‭ ‬لمذهب‭ ‬أهل‭ ‬التصوف‮«‬‭ ‬يذكر‭ ‬لرابعة‭ ‬ثلاث‭ ‬عبارات‭ ‬فقط،‭ ‬ولم‭ ‬يذكر‭ ‬نسبها‭. ‬

أبو‭ ‬طالب‭ ‬المكى‭ (‬ت‭:‬386هـ‭/‬996م‭): ‬فى‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬قوت‭ ‬القلوب‮«‬‭ ‬يذكر‭ ‬ثمانى‭ ‬عبارات‭ ‬فقط‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية،‭ ‬كما‭ ‬فرق‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬رابعة‭ ‬بنت‭ ‬إسماعيل‭ ‬زوجة‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬أبى‭ ‬الحواري‭. ‬ومن‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬ذكره‭ ‬أبو‭ ‬طالب‭ ‬المكى‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭: ‬

أحبُّك‭ ‬حبين‭: ‬حب‭ ‬الهوى

وحبًّا‭ ‬لأنك‭ ‬أهل‭ ‬لذاكا

فأما‭ ‬الذى‭ ‬هو‭ ‬حب‭ ‬الهوى

فشغلى‭ ‬بذكرك‭ ‬عمن‭ ‬سواكا

وأما‭ ‬الذى‭ ‬أنت‭ ‬أهل‭ ‬له

فكشفك‭ ‬للحجب‭ ‬حتى‭ ‬أراكا

فلا‭ ‬الحمد‭ ‬فى‭ ‬ذا‭ ‬ولا‭ ‬ذاك‭ ‬لي

ولكن‭ ‬لك‭ ‬الحمد‭ ‬فى‭ ‬ذا‭ ‬وذاكا

ولم‭ ‬يكتف‭ ‬صاحب‭ ‬القوت‭ ‬بذكر‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬لقد‭ ‬شرح‭ ‬وعلق‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات،‭ ‬كما‭ ‬شرح‭ ‬بوضوح‭ ‬تفرقتها‭ ‬بين‭ ‬الحبين‭ ‬وما‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬تفصيل‭ ‬حتى‭ ‬يقف‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭. ‬والغريب‭ ‬فى‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬الأبيات‭ ‬السابقة‭ ‬المنسوبة‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭ ‬لا‭ ‬نجدها‭ ‬فى‭ ‬مصادر‭ ‬القرنين‭ ‬الرابع‭ ‬والخامس‭ ‬الهجريين‭ (‬حسب‭ ‬ما‭ ‬اطلعنا‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬مصادر‭) ‬إلا‭ ‬فى‭ ‬كتاب‭: ‬‮«‬قوت‭ ‬القلوب‮«‬‭ ‬لأبى‭ ‬طالب‭ ‬المكى‭ ‬فقط‭. ‬وهذا‭ ‬يجعلنا‭ ‬نتساءل‭ ‬هل‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬حقًا‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية؟‭ ‬وربما‭ ‬نكتشف‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬الصفحات‭ ‬القادمة‭. ‬

عبد‭ ‬الملك‭ ‬الخركوشى‭ (‬ت‭:‬406هـ‭/‬1015م‭): ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬تهذيب‭ ‬الأسرار‮«‬‭ ‬يذكر‭ ‬تسعة‭ ‬أقوال‭ ‬لرابعة‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أمرًا‭ ‬فى‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية،‭ ‬حيث‭ ‬يذكر‭ ‬الخركوشى‭ ‬عن‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬أبى‭ ‬الحوارى‭ ‬قال‭: ‬كان‭ ‬لرابعة‭ ‬أحوال‭ ‬شتى،‭ ‬فمرة‭ ‬غلب‭ ‬عليها‭ ‬حال‭ ‬الأنس‭ ‬فقالت‭: ‬

لقد‭ ‬جعلت‭ ‬فى‭ ‬الفؤاد‭ ‬محدثي

وأبحت‭ ‬جسمى‭ ‬من‭ ‬أراد‭ ‬جلوسي

فالجسم‭ ‬منى‭ ‬للجليس‭ ‬مؤانس

وحبيب‭ ‬قلبى‭ ‬فى‭ ‬الفؤاد‭ ‬أنيسي

وإذا‭ ‬كان‭ ‬الراوى‭ ‬هو‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬أبى‭ ‬الحوارى‭ (‬ت‭:‬230هـ‭/‬848م‭) ‬زوج‭ ‬رابعة‭ ‬الشامية‭ (‬ت‭:‬235هـ‭/‬852م‭ ‬تقريبا‭) ‬فربما‭ ‬يعنى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬قد‭ ‬نسبت‭ ‬إلى‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ (‬ت‭:‬185هـ‭/‬801م‭) ‬نتيجة‭ ‬الخلط‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬رابعة‭ ‬الشامية‭. ‬كما‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬منسوبة‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭ (‬ت‭:‬185هـ‭/‬801م‭) ‬فى‭ ‬المصادر‭ ‬الأخرى‭ ‬للقرنين‭ ‬الرابع‭ ‬والخامس‭ ‬الهجريين،‭ ‬بل‭ ‬نجدها‭ ‬فى‭ ‬المصادر‭ ‬المتأخرة‭. ‬ويرفض‭ ‬الذهبى‭ ‬نسبة‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭ ‬مستندا‭ ‬إلى‭ ‬قول‭ ‬أبى‭ ‬سعيد‭ ‬بن‭ ‬الأعرابى‭ (‬ت‭:‬341هـ‭/‬952م‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬صنف‭ ‬فى‭ ‬طبقات‭ ‬الصوفية‭): ‬أما‭ ‬رابعة،‭ ‬فقد‭ ‬حمل‭ ‬الناس‭ ‬عنها‭ ‬حكمة‭ ‬كثيرة،‭ ‬وحكى‭ ‬عنها‭ ‬سفيان‭ ‬وشعبة‭ ‬وغيرهما‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬بطلان‭ ‬ما‭ ‬قيل‭ ‬عنها‭ (‬أى‭ ‬الأبيات‭ ‬السابقة‭). ‬وإذا‭ ‬ذهبنا‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬المصادر‭ ‬المتأخرة‭ ‬سنجد‭ ‬أن‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬روض‭ ‬الرياحين‭ ‬فى‭ ‬حكايات‭ ‬الصالحين‮«‬‭ ‬تأليف‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬أسعد‭ ‬اليافى‭ (‬ت‭:‬768هـ‭/‬1367م‭) ‬قد‭ ‬ذكر‭ ‬ما‭ ‬ذكره‭ ‬الخركوشى‭ ‬بالحرف‭ ‬بخصوص‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭. (‬أى‭ ‬نسبها‭ ‬لرابعة‭ ‬الشامية‭ ‬وليس‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭) ‬ولنا‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬أن‭ ‬الخركوشى‭ ‬وقتها‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬المجهولة،‭ ‬أى‭ ‬أن‭ ‬النص‭ ‬الذى‭ ‬أورده‭ ‬الخركوشى‭ (‬ت‭:‬406هـ‭/‬1015م‭) ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬معروفًا‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬المصادر‭ ‬الأخرى‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬أسعد‭ ‬اليافى‭ (‬ت‭:‬768هـ‭/‬1367م‭). ‬

عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬السلمى‭ (‬ت‭:‬412هـ‭/‬1021م‭): ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬ذكر‭ ‬النسوة‭ ‬المتعبدات‭ ‬الصوفيات‮«‬‭ ‬يذكر‭ ‬ثمانية‭ ‬أقوال‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية،‭ ‬كما‭ ‬فرق‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ (‬رابعة‭ ‬الأزدية‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬البصرة‭) ‬و‭(‬رابعة‭ ‬بنت‭ ‬إسماعيل‭ ‬الشامية‭).‬

أبو‭ ‬نعيم‭ ‬الأصفهانى‭ (‬ت‭:‬430هـ‭/‬1038م‭): ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬الشهير‭ ‬‮«‬حلية‭ ‬الأولياء‮«‬،‭ ‬قد‭ ‬ذكر‭ ‬عبارتين‭ ‬فقط‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭. ‬

عبد‭ ‬الكريم‭ ‬القشيرى‭ (‬ت‭:‬465هـ‭/‬1073م‭): ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬الشهير‭ ‬‮«‬الرسالة‭ ‬القشيرية‮«‬‭ ‬ذكر‭ ‬ست‭ ‬عبارات‭ ‬فقط‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يفرق‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬رابعة‭ ‬الشامية‭.‬

أبو‭ ‬حامد‭ ‬الغزالى‭ (‬ت‭:‬505هـ‭/‬1111م‭): ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬الشهير‭ ‬‮«‬إحياء‭ ‬علوم‭ ‬الدين‮«‬‭ ‬ذكر‭ ‬ست‭ ‬عبارات‭ ‬فقط‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬فرق‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬رابعة‭ ‬الشامية،‭ ‬حين‭ ‬قال‭: ‬وكانت‭ ‬رابعة‭ [‬زوجة‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬أبى‭ ‬الحواري‭] ‬هذه‭ ‬تُشبه‭ ‬فى‭ ‬أهل‭ ‬الشام‭ ‬برابعة‭ ‬العدوية‭ ‬بالبصرة‭.  ‬

ويمكننا‭ ‬أن‭ ‬نستنتج‭ ‬مما‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬الأقوال‭ ‬التى‭ ‬نسبت‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الثانى‭ ‬الهجرى‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬الهجرى‭ ‬عددها‭ (‬31‭) ‬قولا‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬تجمع‭ ‬فى‭ ‬ثلاث‭ ‬صفحات‭ ‬فقط،‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الأقوال‭ ‬تم‭ ‬تكراره‭ ‬فى‭ ‬عدة‭ ‬مصادر‭ ‬صوفية‭ ‬وغير‭ ‬صوفية‭ ‬بذات‭ ‬الرواية‭ ‬أو‭ ‬بروايات‭ ‬مختلفة،‭ ‬وبعض‭ ‬هذه‭ ‬الأقوال‭ ‬انفردت‭ ‬به‭ ‬بعض‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭. ‬

والغريب‭ ‬فى‭ ‬الأمر‭ ‬واللافت‭ ‬للنظر‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬الهجرى‭ ‬سنجد‭ ‬أقوالا‭ ‬عديدة‭ ‬تنسب‭ ‬إلى‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬بعد‭ ‬وفاتها‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬300‭ ‬سنه،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الأقوال‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭ ‬بالفعل‭! ‬فسيكون‭ ‬التساؤل‭ ‬المنطقي‭: ‬كيف‭ ‬وصلت‭ ‬هذه‭ ‬الأقوال‭ ‬إلى‭ ‬كُتاب‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬الهجرى‭ ‬وما‭ ‬تلاه‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مدونة‭ ‬فى‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ (‬الصوفية‭ ‬وغير‭ ‬الصوفية‭) ‬على‭ ‬مدار‭ ‬ثلاثة‭ ‬قرون‭ ‬كاملة؟‭!!!. ‬

ومما‭ ‬يزيد‭ ‬الموقف‭ ‬غرابة‭ ‬وتعقيدا‭ ‬أن‭ ‬الأقوال‭ ‬التى‭ ‬نسبت‭ ‬إلى‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬الهجرى‭ ‬تعادل‭ ‬15‭ ‬ضعف‭ ‬الأقوال‭ ‬التى‭ ‬دونت‭ ‬فى‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬فى‭ ‬القرون‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الإسلام‭. ‬

أقوال‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ (‬مرتبة‭ ‬حسب‭ ‬ظهورها‭ ‬فى‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي‭) ‬التى‭ ‬دونت‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬الهجرى‭ ‬

‮١‬ــ‭ ‬واللَّه‭ ‬إنى‭ ‬لأستحى‭ ‬أن‭ ‬أسأل‭ ‬الدُّنيا‭ ‬مَن‭ ‬يملك‭ ‬الدنيا‭ ‬فكيف‭ ‬أسألها‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يملكُها؟‭ [‬كتاب‭ ‬البيان‭ ‬والتبيين‭/ ‬كتاب‭ ‬الحيوان‭ ‬للجاحظ‭]  ‬بزيادة‭: ‬هذا‭ ‬جوابا‭ ‬لأنه‭ ‬قيل‭ ‬لها‭: ‬اذكرى‭ ‬لى‭ ‬حوائجك‭ ‬حتى‭ ‬أقضيها،‭ ‬وخطبها‭ ‬عبد‭ ‬الواحد‭ ‬بن‭ ‬زيد‭ ‬فقالت‭: ‬يا‭ ‬شهوانى‭ ‬اطلب‭ ‬شهوانية‭ ‬مثلك‭ [‬المكي،‭ ‬قوت،2‭/‬112‭].‬

‮٢‬‭ ‬ــ‭  ‬وقيل‭ ‬لرابعة‭ ‬القيسية‭: ‬هل‭ ‬عملتِ‭ ‬عملاً‭ ‬قطُّ‭ ‬تَرَيْنَ‭ ‬أنَّه‭ ‬يُقْبَلُ‭ ‬منك؟‭ ‬قالت‭: ‬إنْ‭ ‬كان‭ ‬شيءٌ‭ ‬فخوفى‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يُرَدَّ‭ ‬عليَّ‭ [‬الجاحظ،‭ ‬البيان‭].‬

‮٣‬‭ ‬ــ‭  ‬قالت‭ ‬رابعة‭: ‬أستغفر‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬قلة‭ ‬صدقى‭ ‬فى‭ ‬قولى‭ ‬أستغفر‭ ‬الله‭. [‬الكلاباذي،‭ ‬التعرف،ص108‭].‬

‮٤‬‭ ‬ــ‭  ‬قال‭ ‬سفيان‭ ‬عن‭ ‬رابعة‭: ‬اللهم‭ ‬ارض‭ ‬عني،‭ ‬فقالت‭ ‬له‭: ‬أما‭ ‬تستحى‭ ‬أن‭ ‬تطلب‭ ‬رضا‭ ‬من‭ ‬لست‭ ‬عنه‭ ‬براض؟‭ [‬الكلاباذي،التعرف،‭ ‬ص120‭/ ‬المكي،قوت،ج2،‭ ‬80‭/ ‬الغزالي،‭ ‬إحياء،ج5،‭ ‬244‭].‬

‮٥‬‭ ‬ــ‭  ‬دخل‭ ‬جماعة‭ ‬على‭ ‬رابعة‭ ‬يعودونها‭ ‬من‭ ‬شكوى،‭ ‬فقالوا‭: ‬ما‭ ‬حالك؟‭ ‬قالت‭: ‬والله‭ ‬ما‭ ‬أعرف‭ ‬لعلتى‭ ‬سببا‭ ‬غير‭ ‬أنى‭ ‬عُرِضَت‭ ‬عليَّ‭ ‬الجنة،‭ ‬فملت‭ ‬بقلبى‭ ‬إليها،‭ ‬فأحسب‭ ‬أن‭ ‬مولاى‭ ‬غار‭ ‬على‭ ‬فعاتبني،‭ ‬فله‭ ‬العتبى‮«‬‭. [‬الكلاباذي،‭ ‬التعرف،‭ ‬ص172‭/ ‬القشيري،‭ ‬الرسالة،516‭].‬

‮٦‬‭ ‬ــ‭  ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬رحمها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬تقول‭ ‬للثورى‭ ‬رضى‭ ‬اللّه‭ ‬عنه‭: ‬نعم‭ ‬الرجل‭ ‬سفيان‭ ‬لولا‭ ‬أنك‭ ‬تحب‭ ‬الحديث‭. [‬المكي،‭ ‬قوت،جـ1‭ ‬ص320‭/ ‬الغزالي،‭ ‬الإحياء،جـ2،ص340‭].‬

‮٧‬‭ ‬ــ‭  ‬وكانت‭ ‬رابعة‭ ‬تقول‭: ‬استغفارنا‭ ‬هذا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬استغفار‭ ‬فكم‭ ‬من‭ ‬توبة‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬توبة‭. [‬المكي،‭ ‬قوت،جـ1‭ ‬ص381‭-‬382‭]‬،‭ ‬والشطر‭ ‬الثانى‭ ‬فقط‭  ‬بنص‭: ‬توبتنا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬توبة‭ [‬الخركوشي،‭ ‬تهذيب،‭ ‬ص77‭]‬،‭ ‬والشطر‭ ‬الأول‭ ‬فقط‭: ‬استغفارنا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬استغفار‭ ‬كثير‭ [‬الغزالي،‭ ‬إحياء،‭ ‬جـ1،‭ ‬ص415‭].‬

‮٨‬‭ ‬ــ‭  ‬سئلت‭: ‬متى‭ ‬يكون‭ ‬العبد‭ ‬راضياً‭ ‬عن‭ ‬اللّه‭ ‬تعالى؟‭ ‬فقالت‭: ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬سروره‭ ‬بالمصيبة‭ ‬مثل‭ ‬سروره‭ ‬بالنعمة‭. [‬المكي،‭ ‬قوت،‭ ‬جـ2‭ ‬ص80‭/ ‬القشيري،‭ ‬ص424‭/ ‬الغزالي،‭ ‬إحياء،جـ5،ص244‭].‬

‮٩‬‭ ‬ــ‭  ‬قال‭ ‬لها‭ ‬الثورى‭ ‬يوماً‭: ‬لكل‭ ‬عبد‭ ‬شريطة‭ ‬ولكل‭ ‬إيمان‭ ‬حقيقة،‭ ‬فما‭ ‬حقيقة‭ ‬إيمانك؟‭ ‬فقالت‭: ‬ماعبدت‭ ‬اللّه‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬اللّه،‭ ‬فأكون‭ ‬كالأمة‭ ‬السوء‭ ‬إن‭ ‬خافت‭ ‬عملت،‭ ‬ولا‭ ‬حبًّا‭ ‬للجنة‭ ‬فأكون‭ ‬كأمة‭ ‬السوء‭ ‬إن‭ ‬أعطيت‭ ‬عملت،‭ ‬ولكنى‭ ‬عبدته‭ ‬حبًّا‭ ‬له‭ ‬وشوقاً‭ ‬إليه‭. [‬المكي،‭ ‬قوت،‭ ‬جـ2‭ ‬ص112‭].‬

‮١٠‬‭ ‬ــ‭  ‬وخطبها‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سليمان‭ ‬أمير‭ ‬البصرة‭ ‬على‭ ‬مائة‭ ‬ألف‭ ‬وقال‭ ‬لي‭: ‬غلة‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬شهر‭ ‬أدفعها‭ ‬إليك،‭ ‬فكتبت‭ ‬إليه‭: ‬ما‭ ‬يسرنى‭ ‬أنك‭ ‬لى‭ ‬عبد‭ ‬وأنّ‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تملكه‭ ‬لى‭ ‬وأنك‭ ‬شغلتنى‭ ‬عن‭ ‬اللهّ‭ ‬طرفة‭ ‬عين‭. [‬المكي،‭ ‬قوت،‭ ‬جـ2‭ ‬ص112‭].‬

‮١١‬‭ ‬ــ‭  ‬قالت‭ ‬رابعة‭: [‬المكي،‭ ‬قوت،جـ2‭ ‬ص113‭]: ‬

أحبُّك‭ ‬حبين‭: ‬حب‭ ‬الهوى‭ ... ‬وحبُّا‭ ‬لأنك‭ ‬أهل‭ ‬لذاكا

فأما‭ ‬الذى‭ ‬هو‭ ‬حب‭ ‬الهوى‭ ... ‬فشغلى‭ ‬بذكرك‭ ‬عمن‭ ‬سواكا‭ ‬

‮١٢‬‭ ‬ــ‭  ‬ثمرة‭ ‬المعرفة‭ ‬الإقبال‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭. [‬الخركوشى،‭ ‬تهذيب،ص32‭/ ‬السلمي،‭ ‬ذكر‭ ‬النسوة،‭ ‬ص29‭].‬

‮١٣‬‭ ‬ــ‭  ‬إن‭ ‬العارف‭ ‬قد‭ ‬استوهب‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬قلبه‭ ‬فوهبه‭ ‬منه،‭ ‬فلما‭ ‬ملك‭ ‬القلب‭ ‬دفعه‭ ‬إلى‭ ‬مولاه‭ ‬ليكون‭ ‬فى‭ ‬قبضته‭ ‬محفوظا،‭ ‬وفى‭ ‬ستره‭ ‬عن‭ ‬الخلق‭ ‬محجوبا‭. [‬الخركوشى،‭ ‬تهذيب،‭ ‬ص35‭].‬

‮١٤‬‭ ‬ــ‭  ‬وقالت‭ ‬رابعة‭ ‬يومًا‭: ‬من‭ ‬يدلنا‭ ‬على‭ ‬حبيبنا؟‭ ‬فقالت‭ ‬خادمة‭ ‬لها‭: ‬حبيبنا‭ ‬معنا،‭ ‬ولكن‭ ‬الدنيا‭ ‬قطعت‭ ‬بيننا‭ ‬وبينه‭. [‬الخركوشى،‭ ‬تهذيب،ص40‭/ ‬الغزالي،‭ ‬إحياء،ج5،‭ ‬ص261‭].‬

‮١٥‬‭ ‬ــ‭  ‬قيل‭ ‬لرابعة‭: ‬كيف‭ ‬حبك‭ ‬للرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم؟‭ ‬فقالت‭: ‬والله‭ ‬إنى‭ ‬لأحبه‭ ‬حبا‭ ‬شديدا،‭ ‬ولكن‭ ‬حب‭ ‬الخالق‭ ‬شغلنى‭ ‬عن‭ ‬حب‭ ‬المخلوقين‭. [‬الخركوشى،‭ ‬تهذيب،‭ ‬ص42‭/ ‬السلمي،‭ ‬ذكر‭ ‬النسوة،‭ ‬ص29‭].‬

‮١٦‬‭ ‬ــ‭  ‬يا‭ ‬مدعى‭ ‬الحب‭ ‬لمولاه‭ *** ‬من‭ ‬ادعى‭ ‬صحح‭ ‬معناه‭ ‬ ‭[‬الخركوشي،‭ ‬تهذيب،‭ ‬ص42‭].‬

‮١٧‬‭ ‬ــ‭  ‬عن‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬أبى‭ ‬الحوارى‭ (‬وهو‭ ‬زوج‭ ‬رابعة‭ ‬الشامية‭) ‬قال‭: ‬كان‭ ‬لرابعة‭ ‬أحوال‭ ‬شتى،‭ ‬فمرة‭ ‬غلب‭ ‬عليها‭ ‬حال‭ ‬الأنس‭ ‬فقالت‭: ‬

لقد‭ ‬جعلت‭ ‬فى‭ ‬الفؤاد‭ ‬محدثى‭ ‬

‭ ‬وأبحت‭ ‬جسمى‭ ‬من‭ ‬أراد‭ ‬جلوسي

فالجسم‭ ‬منى‭ ‬للجليس‭ ‬مؤانس‭  ‬

‭ ‬وحبيب‭ ‬قلبى‭ ‬فى‭ ‬الفؤاد‭ ‬أنيسي

نسبت‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬لرابعة‭ ‬الشامية‭ [‬الخركوشي،‭ ‬تهذيب،‭ ‬ص61‭-‬62‭]‬

‮١٨‬‭ ‬ــ‭  ‬قيل‭ ‬لرابعة‭: ‬بم‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المنزلة؟‭ ‬فقالت‭: ‬بتركى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يعنيني،‭ ‬وأنسى‭ ‬بمن‭ ‬لم‭ ‬يزل‭. [‬الخركوشي،‭ ‬تهذيب،‭ ‬ص62‭].‬

‮١٩‬‭ ‬ــ‭  ‬قال‭ ‬رجل‭ ‬لرابعة‭: ‬إنى‭ ‬قد‭ ‬أكثرت‭ ‬من‭ ‬الذنوب‭ ‬والمعاصي،‭ ‬فترانى‭ ‬إن‭ ‬تبت‭ ‬يتوب‭ ‬الله‭ ‬علي؟‭ ‬فقالت‭: ‬لا‭ ‬إن‭ ‬تاب‭ ‬عليك‭ ‬تبت‭.  [‬الخركوشي،‭ ‬تهذيب،‭ ‬79‭/ ‬القشيري،‭ ‬الرسالة،‭ ‬ص286‭].‬

‮٢٠‬‭ ‬ــ‭  ‬رفع‭ ‬سفيان‭ ‬يده‭ ‬وقال‭: ‬اللهم‭ ‬إنى‭ ‬أسألك‭ ‬السلامة،‭ ‬فبكت‭ ‬رابعة‭. ‬فقال‭ ‬لها‭: ‬ما‭ ‬يبكيك؟‭ ‬قالت‭: ‬أنت‭ ‬عرضتنى‭ ‬للبكاء‭. ‬فقال‭: ‬وكيف؟‭ ‬قالت‭: ‬أما‭ ‬علمت‭ ‬أن‭ ‬السلامة‭ ‬من‭ ‬الدنيا‭ ‬ترك‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬فكيف‭ ‬وأنت‭ ‬متلطخ‭ ‬بها؟‭ [‬السلمي،‭ ‬ذكر‭ ‬النسوة،‭ ‬ص28‭].‬

‮٢١‬‭ ‬ــ‭  ‬رأت‭ ‬رابعة‭ ‬يوما‭ ‬رياحا‭ ‬وهو‭ ‬يقبل‭ ‬صبياً‭ ‬صغيرا‭. ‬فقالت‭: ‬أتحبه؟‭ ‬قال‭: ‬نعم،‭ ‬قالت‭: ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أحسب‭ ‬أن‭ ‬فى‭ ‬قلبك‭ ‬موضع‭ ‬محبة‭ ‬لغير‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭. [‬السلمي،‭ ‬ذكر‭ ‬النسوة،‭ ‬ص29‭-‬30‭/ ‬الأصبهاني،‭ ‬جـ6،‭ ‬ص193‭].‬

‮٢٢‬‭ ‬ــ‭  ‬دخل‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬واسع‭ ‬على‭ ‬رابعة‭ ‬وهى‭ ‬تتمايل،‭ ‬فقال‭ ‬لها‭: ‬مم‭ ‬تمايلك؟‭ ‬فقالت‭: ‬سكرت‭ ‬من‭ ‬حب‭ ‬ربى‭ ‬الليلة،‭ ‬فأصبحت‭ ‬وأنا‭ ‬مخمورة‭. [‬السلمي،‭ ‬ذكر‭ ‬النسوة،‭ ‬ص30‭].‬

‮٢٣‬‭ ‬ــ‭  ‬قال‭ ‬لها‭ ‬سفيان‭ ‬الثوري‭: ‬ما‭ ‬أقرب‭ ‬ما‭ ‬تقرب‭ ‬به‭ ‬العبد‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل؟‭ ‬فبكت‭ ‬وقالت‭: ‬مثلى‭ ‬يُسأل‭ ‬عن‭ ‬هذا؟‭ ‬أقرب‭ ‬ما‭ ‬تقرب‭ ‬العبد‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أن‭ ‬يعلم‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬من‭ ‬الدنيا‭ ‬والآخرة‭ ‬غيره‭. [‬السلمي،‭ ‬ذكر‭ ‬النسوة،‭ ‬ص30‭].‬

‮٢٤‬‭ ‬ــ‭  ‬قال‭ ‬الثورى‭ ‬بين‭ ‬يدى‭ ‬رابعة‭: ‬واحزناه‭! ‬فقالت‭: ‬لا‭ ‬تكذب،‭ ‬قل‭: ‬واقلة‭ ‬حزناه،‭ ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬محزونا‭ ‬ما‭ ‬هناك‭ ‬العيش‭. [‬السلمي،‭ ‬ذكر‭ ‬النسوة،‭  ‬ص30‭/ ‬القشيري،‭ ‬الرسالة،‭ ‬ص369‭].‬

‮٢٥‬‭ ‬ــ‭  ‬ما‭ ‬حزنى‭ ‬أنى‭ ‬حزنت،‭ ‬ولكن‭ ‬حزنى‭ ‬أنى‭ ‬لم‭ ‬أحزن‭. [‬السلمي،‭ ‬ذكر‭ ‬النسوة،‭ ‬ص31‭].‬

‮٢٦‬‭ ‬ــ‭  ‬هل‭ ‬طالت‭ ‬بك‭ ‬الأيام‭ ‬والليالى‭ ‬بالشوق‭ ‬إلى‭ ‬لقاء‭ ‬الله،‭ ‬قالت‭ ‬لي‭: ‬رابعة،‭ ‬فقلت‭: ‬ماذا‭. ‬قلت‭: ‬لم‭ ‬أقل‭ ‬نعم‭ ‬فأكذب،‭ ‬ولم‭ ‬أقل‭ ‬لا‭ ‬فاهجن‭ ‬نفسي،‭ ‬لكن‭ ‬نعم‭. [‬الأصبهاني،‭ ‬الحلية،‭ ‬جـ6،ص193‭].‬

‮٢٧‬‭ ‬ــ‭  ‬وقيل‭: ‬خاطت‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬شقاً‭ ‬فى‭ ‬قميصها‭ ‬فى‭ ‬ضوء‭ ‬مشعلة‭ ‬سلطان،‭ ‬ففقدت‭ ‬قلبها‭ ‬زماناً،‭ ‬حتى‭ ‬تذكرت،‭ ‬فشقت‭ ‬قميصها،‭ ‬فوجدت‭ ‬قلبها‭. [‬القشيري،‭ ‬الرسالة،‭ ‬ص322‭].‬

‮٢٨‬‭ ‬ــ‭  ‬وقيل‭: ‬قالت‭ ‬رابعة‭ ‬فى‭ ‬مناجاتها‭: ‬إلهي،‭ ‬أتحرق‭ ‬بالنار‭ ‬قلباً‭ ‬يحبك؟‭ ‬فهتف‭ ‬بها‭ ‬هاتف‭: ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬نفعل‭ ‬هكذا،‭ ‬فلا‭ ‬تظنى‭ ‬بنا‭ ‬ظن‭ ‬السوء‭!! [‬القشيري،‭ ‬الرسالة،‭ ‬ص‭ ‬624‭].‬

‮٢٩‬‭ ‬ــ‭  ‬وكانت‭ ‬رابعة‭ [‬زوجة‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬أبى‭ ‬الحواري‭] ‬هذه‭ ‬تشبه‭ ‬فى‭ ‬أهل‭ ‬الشام‭ ‬برابعة‭ ‬العدوية‭ ‬بالبصرة‭. [‬الغزالي،‭ ‬إحياء،‭ ‬جـ2،‭ ‬ص119‭].‬

‮٣٠‬‭ ‬ــ‭  ‬روى‭ ‬أن‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سليمان‭ ‬الهاشمى‭ ‬كان‭ ‬يملك‭ ‬من‭ ‬غلة‭ ‬الدنيا‭ ‬ثمانين‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬فكتب‭ ‬إلى‭ ‬أهل‭ ‬البصرة‭ ‬وعلمائها‭ ‬فى‭ ‬امرأة‭ ‬يتزوجها‭ ‬فأجمعوا‭ ‬كلهم‭ ‬على‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬رحمها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬فكتب‭ ‬إليها‭: ‬بسم‭ ‬الله‭ ‬الرحمن‭ ‬الرحيم‭ ‬أما‭ ‬بعد،‭ ‬فإن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬قد‭ ‬ملكنى‭ ‬من‭ ‬غلة‭ ‬الدنيا‭ ‬ثمانين‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬وليس‭ ‬تمضى‭ ‬الأيام‭ ‬والليالى‭ ‬حتى‭ ‬أتمها‭ ‬مائة‭ ‬ألف‭ ‬وأنا‭ ‬أصير‭ ‬لك‭ ‬مثلها‭ ‬ومثلها‭ ‬فأجيبيني‭. ‬فكتبت‭ ‬إليه‭: ‬بسم‭ ‬الله‭ ‬الرحمن‭ ‬الرحيم‭ ‬أما‭ ‬بعد،‭ ‬فإن‭ ‬الزهد‭ ‬فى‭ ‬الدنيا‭ ‬راحة‭ ‬القلب‭ ‬والبدن‭ ‬والرغبة‭ ‬فيها‭ ‬تورث‭ ‬الهم‭ ‬والحزن،‭ ‬فإذا‭ ‬أتاك‭ ‬كتابى‭ ‬هذا‭ ‬فهيئ‭ ‬زادك‭ ‬وقدم‭ ‬لمعادك‭ ‬وكن‭ ‬وصى‭ ‬نفسك‭ ‬ولا‭ ‬تجعل‭ ‬الرجال‭ ‬أوصياءك‭ ‬ليقتسموا‭ ‬تراثك؛‭ ‬فصم‭ ‬الدهر‭ ‬وليكن‭ ‬فطرك‭ ‬الموت‭. ‬وأما‭ ‬أنا‭ ‬فلو‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬خولنى‭ ‬أمثال‭ ‬الذى‭ ‬خولك‭ ‬وأضعافه‭ ‬ما‭ ‬سرنى‭ ‬أن‭ ‬أشتغل‭ ‬عن‭ ‬الله‭ ‬طرفة‭ ‬عين‭. [‬الغزالي،‭ ‬الإحياء،‭ ‬ج3،‭ ‬ص241‭].‬

‮٣١‬‭ ‬ــ‭  ‬وزار‭ ‬رابعة‭ ‬أصحابها،‭ ‬فذكروا‭ ‬الدنيا‭ ‬فأقبلوا‭ ‬على‭ ‬ذمها،‭ ‬فقالت‭: ‬اسكتوا‭ ‬عن‭ ‬ذكرها‭ ‬فلولا‭ ‬موقعها‭ ‬من‭ ‬قلوبكم‭ ‬ما‭ ‬أكثرتم‭ ‬من‭ ‬ذكرها‭. ‬ألا‭ ‬من‭ ‬أحب‭ ‬شيئاً‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذكره‭. [‬الغزالي،‭ ‬الإحياء،‭ ‬ج3،‭ ‬ص373‭].‬

ويمكننا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأقوال

‭ ‬السابقة‭ ‬أن‭ ‬نلاحظ‭ ‬ما‭ ‬يلي‭ ‬

ــ‭  ‬يتضح‭ ‬أننا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نثق‭ ‬فى‭ ‬الأقوال‭ ‬أرقام‭ (‬4‭ + ‬7‭ + ‬8‭) ‬بنسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬جدا،‭ ‬نظرا‭ ‬لتكرر‭ ‬هذه‭ ‬الأقوال‭ ‬فى‭ ‬ثلاثة‭ ‬مصادر‭ ‬تاريخية‭ ‬مختلفة‭. ‬

ــ‭  ‬الأقوال‭ ‬أرقام‭ (‬1+5+6+12+14+15+19+21+24‭) ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نثق‭ ‬بها‭ ‬بنسبة‭ ‬كبيرة،‭ ‬نظرا‭ ‬لتكررها‭ ‬فى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مصدر‭ ‬تاريخى‭ ‬مختلف‭. ‬

ــ‭ ‬أما‭ ‬الأقوال‭ ‬الأخرى،‭ ‬فيمكن‭ ‬أن‭ ‬يختلف‭ ‬مدى‭ ‬ثقتنا‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬حسب‭ ‬ظهورها‭ ‬التاريخي‭. ‬فالقول‭ ‬المنسوب‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭ ‬والمشار‭ ‬إليه‭ ‬برقم‭ (‬2‭) ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نثق‭ ‬فيه‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬القول‭ ‬المشار‭ ‬إليه‭ ‬برقم‭ (‬27‭) ‬و‭(‬28‭). ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬القول‭ ‬رقم‭ (‬2‭) ‬وصل‭ ‬إلينا‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الجاحظ‭ (‬ت‭:‬256هـ‭) ‬وهو‭ ‬قريب‭ ‬لزمن‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭. ‬أما‭ ‬القول‭ ‬رقم‭ (‬27‭) ‬و‭(‬28‭) ‬فقد‭ ‬وصل‭ ‬إلينا‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬أبو‭ ‬حامد‭ ‬الغزالى‭ (‬ت‭:‬505ه‭/‬1111م‭)‬،‭ ‬ونظرا‭ ‬للمسافة‭ ‬التاريخية،‭ ‬وعدم‭ ‬تكرار‭ ‬هذا‭ ‬القول‭ ‬فى‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬السابقة‭ ‬على‭ ‬الغزالي،‭ ‬فلا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نثق‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‭ ‬القول‭ ‬بالقدر‭ ‬الكافى‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬ثبت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬الأقدم،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يثبت‭ ‬فيبقى‭ ‬هذا‭ ‬القول‭ ‬موضع‭ ‬الشك‭. ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬طريق‭ ‬آخر‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأقوال،‭ ‬وذلك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬رؤية‭ ‬مدى‭ ‬اتساق‭ ‬مفردات‭ ‬ومصطلحات‭ ‬هذه‭ ‬الأقوال‭ ‬مع‭ ‬مفردات‭ ‬ومصطلحات‭ ‬الأقوال‭ ‬الموثوق‭ ‬بنسبتها‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭.  ‬

ــ‭ ‬وجدنا‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬التى‭ ‬تم‭ ‬كتابتها‭ ‬فى‭ ‬القرنين‭ ‬السادس‭ ‬والسابع‭ ‬الهجريين‭ ‬وما‭ ‬تلاهما‭ ‬بعض‭ ‬الأقوال‭ ‬المنسوبة‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭. ‬ويمكننا‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬أى‭ ‬قول‭ ‬ورد‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المصادر‭ ‬المتأخرة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تصديقه‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬التأكد‭ ‬منه‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬الأقدم،‭ ‬وإلا‭ ‬فلا‭ ‬يمكننا‭ ‬تصديق‭ ‬نسبة‭ ‬هذه‭ ‬الأقوال‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭. ‬فكيف‭ ‬وصلت‭ ‬هذه‭ ‬الأقوال‭ ‬إلى‭ ‬مؤلفى‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬الهجرى‭ ‬وما‭ ‬تلاه‭ ‬رغم‭ ‬عدم‭ ‬وجودها‭ ‬فى‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬السابقة‭ ‬لذلك؟‭!.‬

ــ‭  ‬من‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬حتى‭ ‬القرن‭ ‬العاشر‭ ‬الهجرى‭ ‬وجدنا‭ ‬العبارات‭ ‬من‭ ‬رقم‭ (‬32‭) ‬حتى‭ ‬رقم‭ (‬450‭) ‬أى‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬420‭ ‬عبارة،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مدونة‭ ‬فيما‭ ‬قبل‭ ‬عصر‭ ‬الغزالي‭- ‬حسب‭ ‬المصادر‭ ‬التى‭ ‬اطلعنا‭ ‬عليها‭- ‬فكيف‭ ‬انتقلت‭ ‬هذه‭ ‬الأقوال‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الثانى‭ ‬الهجرى‭ ‬عصر‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬الهجرى‭ ‬وما‭ ‬تلاه‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مدونة‭ ‬فى‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬السابقة؟‭ ‬وكيف‭ ‬وصلت‭ ‬هذه‭ ‬الأقوال‭ ‬إلى‭ ‬مؤلفى‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬الهجرى‭ ‬وما‭ ‬تلاه‭ ‬رغم‭ ‬عدم‭ ‬وجودها‭ ‬فى‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬السابقة‭ ‬لذلك؟‭!. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬السؤال‭ ‬الجوهري،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬إجابة‭ ‬واضحة‭ ‬عليه‭ ‬سوى‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬الأقوال‭ ‬قد‭ ‬نسبت‭ ‬إلى‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬لأسباب‭ ‬تاريخية‭ ‬وسياسية‭ ‬واجتماعية‭ ‬متعددة‭. ‬

ــ‭  ‬بعد‭ ‬حصر‭ ‬أقوال‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭- ‬الـ‭ (‬31‭) ‬عبارة‭ ‬المدونة‭ ‬من‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬الهجرى‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬الهجري‭- ‬نعتقد‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬جمع‭ ‬المصطلحات‭ ‬المركزية‭ ‬الواردة‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الأقوال،‭ ‬ونعتقد‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬يساعد‭ ‬فى‭ ‬تحديد‭ ‬الأبعاد‭ ‬الصوفية‭ ‬لديها‭. ‬وقد‭ ‬وجدنا‭ ‬أن‭ ‬مصطلح‭ (‬المحبة‭) ‬هو‭ ‬المصطلح‭ ‬المركزى‭ ‬فى‭ ‬أقوال‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬حيث‭ ‬ورد‭ (‬15‭) ‬مرة‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد،‭ ‬كما‭ ‬ارتبط‭ ‬بمصطلحات‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ (‬القلب‭- ‬القرب‭- ‬السكر‭- ‬الأنس‭- ‬الشوق‭). ‬وبناءً‭ ‬عليه‭ ‬سنبدأ‭ ‬فى‭ ‬دراسة‭ ‬مفهوم‭ ‬المحبة‭ ‬عند‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية،‭ ‬وربما‭ ‬ساعدنا‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬كشف‭ ‬البنية‭ ‬اللغوية‭ ‬والفكرية‭ ‬لأقوالها‭.‬

مفهوم‭ ‬المحبة‭ ‬عند‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية

‭ ‬‮«‬رؤية‭ ‬تاريخية‭ ‬تحليلية‮«‬‭ ‬

اختلفت‭ ‬وتضاربت‭ ‬الآراء‭ ‬والاتجاهات‭ ‬حول‭ ‬دور‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬فى‭ ‬صياغة‭ ‬مفهوم‭ ‬الحب‭ ‬الإلهي‭. ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬قام‭ ‬بتأكيد‭ ‬ذلك،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬اعتبر‭ ‬ذلك‭ ‬مبالغة‭ ‬تؤدى‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأخطاء‭ ‬التاريخية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بحركة‭ ‬الزهد‭. ‬إذن‭ ‬نحن‭ ‬بصدد‭ ‬اتجاهين‭: ‬

‭ ‬الاتجاه‭ ‬الأول‭: ‬يشير‭ ‬أصحاب‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المصادر‭ ‬والمراجع‭ ‬العربية‭ ‬التى‭ ‬تقدم‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬باعتبارها‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬فتحت‭ ‬بأقوالها‭ ‬المنظومة‭ ‬والمنثورة‭ ‬فتحًا‭ ‬جديدًا‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬الحياة‭ ‬الروحية‭ ‬الإسلامية‭. ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬المستشرقة‭ ‬الألمانية‭ ‬مارجريت‭ ‬سميث‭ ‬Margaret Smith‭ ‬قد‭ ‬اجتهدت‭ ‬فى‭ ‬جمع‭ ‬المعلومات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بحياة‭ ‬بعض‭ ‬المعاصرات‭ ‬لرابعة‭ ‬من‭ ‬الصالحات‭ ‬العابدات‭ ‬الزاهدات‭ ‬اللاتى‭ ‬عشن‭ ‬فى‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬الثانى‭ ‬للهجرة‭ ‬ممن‭ ‬كن‭ ‬يعرفن‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬بكاءات‭ ‬الدهر‮«‬‭. ‬فإن‭ ‬هؤلاء‭ ‬جميعًا‭ ‬لم‭ ‬يبلغن‭ ‬فى‭ ‬الشهرة‭ ‬مبلغ‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬التى‭ ‬نسب‭ ‬إليها‭ ‬الفضل‭ ‬فى‭ ‬إدخال‭ ‬مفهوم‭ ‬الحب‭ ‬الإلهى‭ ‬الخالص‭ ‬فى‭ ‬التصوف‭ ‬الإسلامى‭ ‬فى‭ ‬مرحلته‭ ‬الزهدية،‭ ‬وفى‭ ‬عهد‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬للحديث‭ ‬فى‭ ‬أمر‭ ‬المحبة‭ ‬الصوفية‭ ‬طريقًا‭ ‬ممهدًا‭. ‬هنالك‭ ‬استعملت‭ ‬فى‭ ‬غير‭ ‬تهيّب‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬الحب‮«‬‭ ‬فى‭ ‬العلاقة‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الله،‭ ‬فكانت‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬من‭ ‬تغنى‭ ‬بنغمة‭ ‬‮«‬الحب‭ ‬الإلهي‮«‬‭. ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬المؤيدين‭ ‬لهذا‭ ‬الرأى‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬بدوي،‭ ‬والدكتور‭ ‬أبو‭ ‬الوفا‭ ‬التفتازاني،‭ ‬والدكتور‭ ‬محمد‭ ‬مصطفى‭ ‬حلمي،‭ ‬والدكتور‭ ‬محمد‭ ‬الراشد‭ ‬والمستشرق‭ ‬الروسى‭ ‬أرثور‭ ‬سعدييف‭ ‬والمستشرقة‭ ‬الألمانية‭ ‬مارجريت‭ ‬سميث،‭ ‬والمستشرقة‭ ‬الألمانية‭ ‬آنا‭ ‬مارى‭ ‬شيمل‭ ‬وغيرهم‭.  ‬

‭ ‬الاتجاه‭ ‬الثاني‭: ‬يذهب‭ ‬أصحاب‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬إلى‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ ‬أصحاب‭ ‬الاتجاه‭ ‬الأول‭. ‬حيث‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬فريد‭ ‬الدين‭ ‬العطار‭ ‬عن‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬يضع‭ ‬الباحثين‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬غير‭ ‬دقيق‭.. ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬وضعنا‭ ‬الشواهد‭ ‬المهمة‭ ‬التى‭ ‬ذكرها‭ ‬الكلاباذى‭ ‬حول‭ ‬مذهب‭ ‬رابعة‭ ‬فى‭ ‬الحب‭ ‬والذى‭ ‬يتضمن‭ ‬أبياتها‭ ‬المشهورة‭ ‬التى‭ ‬تبدأ‭ ‬بقولها‭ (‬أحبك‭ ‬حبين‭). ‬فقد‭ ‬ذكر‭ ‬الكلاباذى‭ (‬ت‭:‬380هـ‭/‬994م‭) ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يذكر‭ ‬أنها‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية،‭ ‬بل‭ ‬قال‭: (‬قال‭ ‬بعضهم‭:..) ‬هذا‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬ثانية‭ ‬عدم‭ ‬التفات‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الطوسى‭ ‬والقشيرى‭ ‬والخركوشى‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭. ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬ثالثة‭: ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬أبو‭ ‬طالب‭ ‬المكى‭ (‬ت‭:‬386هـ‭/‬996م‭) ‬قد‭ ‬نسب‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭ ‬وحاول‭ ‬شرحها،‭ ‬فلا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬الكلاباذى‭ ‬معاصره‭ ‬صاحب‭ ‬كتاب‭: ‬التعرف‭ ‬لمذهب‭ ‬أهل‭ ‬التصوف‭ (‬الذى‭ ‬وصف‭ ‬بالعبارة‭ ‬الشهيرة‭: ‬لولا‭ ‬كتاب‭ ‬التعرف‭ ‬لما‭ ‬عرف‭ ‬التصوف‭) ‬والذى‭ ‬أرخ‭ ‬فيه‭ ‬للتصوف‭ ‬ورجاله،‭ ‬مما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬معرفته‭ ‬الجيدة‭ ‬بتاريخ‭ ‬التصوف‭ ‬الإسلامى‭ ‬فى‭ ‬القرنين‭ ‬الثانى‭ ‬والثالث‭ ‬الهجريين‭ ‬ذكر‭ ‬أبياتها‭ ‬قائلا‭ (‬قال‭ ‬بعضهم‭).. ‬وفى‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬أورد‭ ‬ثلاث‭ ‬عبارات‭ ‬أخرى‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭.. ‬مما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬معرفة‭ ‬بها‭. ‬ونعتقد‭ ‬أن‭ ‬أبى‭ ‬طالب‭ ‬المكى‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نعتمد‭ ‬عليه‭ ‬كمؤرخ‭ ‬للصوفية‭ ‬السابقين‭ ‬عليه‭ ‬مثلما‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نعتمد‭ ‬ونثق‭ ‬فى‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬الكلاباذى‭ ‬الذى‭ ‬يُظهر‭ ‬إلمامه‭ ‬الكبير‭ ‬بتاريخ‭ ‬التصوف‭ ‬السابق‭ ‬عليه‭. ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الأصبهانى‭ ‬فى‭ ‬حلية‭ ‬الأولياء‭ ‬ينسب‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬الشعرية‭ ‬لسيدة‭ ‬تتحدث‭ ‬مع‭ ‬ذى‭ ‬النون‭ ‬المصرى‭ (‬ت‭:‬245هـ‭/‬859م‭) ‬فى‭ ‬الشام،‭ ‬فربما‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬لرابعة‭ ‬الشامية‭. ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬المشككين‭ ‬فى‭ ‬مدى‭ ‬انتساب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأقوال‭ (‬المرتبطة‭ ‬بالمحبة‭) ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭ ‬الشيخ‭ ‬مصطفى‭ ‬عبد‭ ‬الرازق‭ ‬الذى‭ ‬قال‭: ‬إنه‭ ‬من‭ ‬التعسف‭ ‬أن‭ ‬ينسب‭ ‬إلى‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬التصدى‭ ‬لمعالجة‭ ‬دقائق‭ ‬المسائل‭ ‬الصوفية‭. ‬والدكتور‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬محمود‭ ‬الذى‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬القول‭: ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬الدكتور‭ ‬بدوى‭ ‬قد‭ ‬أسرف‭ ‬فى‭ ‬حكمه‭ (‬أى‭ ‬وصفه‭ ‬لها‭: ‬شهيدة‭ ‬العشق‭ ‬الإلهي‭) ‬وأعطى‭ ‬مكانًا‭ ‬لرابعة‭ ‬ليست‭ ‬له‭.. ‬فلا‭ ‬شك‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬ولدينا‭ ‬شك‭ ‬فى‭ ‬صحة‭ ‬أغلب‭ ‬ما‭ ‬نسب‭ ‬إليها‭. ‬أما‭ ‬الدكتور‭ ‬كامل‭ ‬الشيبى‭ ‬فينتقد‭ ‬ما‭ ‬نسب‭ ‬إليها‭ ‬قائلا‭: ‬ويبدو‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ (‬أحبك‭ ‬حبين‭) ‬التأخر‭ ‬أولاً،‭ ‬وضعفها‭ ‬باد‭ ‬فى‭ ‬التعبير‭ ‬والسبك،‭ ‬وعليها‭ ‬مسحة‭ ‬الشعر‭ ‬التعليمى‭ ‬الذى‭ ‬يقصد‭ ‬به‭ ‬ضغط‭ ‬تفاصيل‭ ‬العلوم‭ ‬فى‭ ‬أبيات‭ ‬تحفظ‭ ‬عن‭ ‬ظهر‭ ‬قلب‭. ‬ونحله‭- ‬لذلك‭- ‬بينِّ،‭ ‬وإن‭ ‬يكن‭ ‬الاتصال‭ ‬بين‭ ‬عبارة‭ ‬عامر‭ ‬‮«‬لو‭ ‬كشف‭ ‬الغطاء‭ ‬ما‭ ‬ازددت‭ ‬يقينًا‮«‬،‭ ‬ويوضح‭ ‬هذا‭ ‬النحل‭ ‬خبر‭ ‬ينسب‭ ‬إلى‭ ‬الكندى‭ ‬الفيلسوف‭ (‬ت‭:‬185‭-‬252هـ‭) ‬حين‭ ‬عرض‭ ‬عليه‭ ‬شعر‭ ‬شبيه‭ ‬بهذا،‭ ‬فقال‭: ‬والله‭ ‬لقد‭ ‬قسمتها‭ ‬تقسيمًا‭ ‬فلسفيًا،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬التعداد‭ ‬الجميل‭ ‬يدخل‭ ‬فى‭ ‬باب‭ ‬التقسيم‭ ‬الفلسفى‭ ‬فما‭ ‬أخلق‭ ‬أبيات‭ ‬رابعة‭- ‬والمفروض‭ ‬أنها‭ ‬سابقة‭ ‬عليه،‭ ‬والرأى‭ ‬عندنا‭ ‬أن‭ ‬الذى‭ ‬قال‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬السابقة‭- ‬للمرة‭ ‬الأولى‭- ‬هو‭ ‬ذو‭ ‬النون‭ ‬المصرى‭ (‬ت‭:‬245هـ‭/‬859م‭) ‬وإليه‭ ‬نسبت‭ ‬فى‭ ‬المخطوط‭: (‬رقم‭ ‬75–‭ ‬تاريخ‭- ‬بدار‭ ‬الكتب‭ ‬المصرية،‭ ‬ورقة‭ ‬60‭ ‬ب‭). ‬وكذلك‭ ‬الدكتور‭ ‬حسين‭ ‬مروه‭ ‬عندما‭ ‬قال‭: ‬ينبغى‭ ‬أولا‭ ‬أن‭ ‬نسقط‭ ‬من‭ ‬حسابنا‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬تنسبه‭ ‬إليهما‭ (‬يقصد‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬ومعروف‭ ‬الكرخي‭) ‬كتب‭ ‬الصوفية‭ ‬من‭ ‬أخبار‭ ‬مصنوعة‭ ‬فى‭ ‬عصر‭ ‬متأخر‭ ‬عن‭ ‬عصرهما‭ ‬لإحاطتهما‭ ‬بهالة‭ ‬أسطورية‭. ‬ويقول‭ ‬فى‭ ‬موضع‭ ‬آخر‭: ‬وأجروا‭ ‬على‭ ‬لسانها‭ ‬أقوالا‭ ‬هى‭ ‬جميعًا‭ ‬أقرب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬السلوك‭ ‬ومن‭ ‬الأقوال‭ ‬التى‭ ‬عرفها‭ ‬عصر‭ ‬التصوف‭ ‬الحقيقى‭ ‬لا‭ ‬عصر‭ ‬الزهد‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬سابقا‭ ‬لمرحلة‭ ‬النضج‭ ‬والتحول‭. ‬أما‭ ‬العلامة‭ ‬على‭ ‬سامى‭ ‬النشار‭ ‬فيذهب‭ ‬إلى‭ ‬القول‭: ‬ثم‭ ‬يُنسب‭ ‬إليها‭ ‬رباعيتها‭ ‬المشهورة‭ ‬والتى‭ ‬ترجح‭ ‬نسبتها‭ ‬لذى‭ ‬النون‭ ‬المصرى‭ (‬أحبك‭ ‬حبين‭).. ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الرباعية‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬ذى‭ ‬النون‭ ‬المصري‭... ‬ثم‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الأبيات‭ ‬تنسب‭ ‬له‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬الروحى‭ ‬أو‭ ‬هذه‭ ‬المناجاة‭ ‬مع‭ ‬امرأة‭ ‬على‭ ‬الساحل،‭ ‬فلا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الأبيات‭ ‬له‭. ‬

‭ ‬تعليق‭ ‬وتقييم‭ ‬على‭ ‬آراء‭ ‬أصحاب‭ ‬الاتجاهين‭: ‬لم‭ ‬يقدم‭ ‬أصحاب‭ ‬الاتجاه‭ ‬الأول‭ ‬الأدلة‭ ‬التاريخية‭ ‬الكافية‭ ‬لإثبات‭ ‬موقف‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬فى‭ ‬المحبة،‭ ‬مما‭ ‬جعلهم‭ ‬محل‭ ‬النقد‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الاتجاه‭ ‬الثاني‭. ‬وفى‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬بالغ‭ ‬بعض‭ ‬أصحاب‭ ‬الاتجاه‭ ‬الثانى‭ ‬فى‭ ‬إخراج‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬المحبة‭. ‬فلا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬شك‭ ‬بعضهم‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬تصورها‭ ‬مجرد‭ ‬خليط‭ ‬جامع‭ ‬من‭ ‬مدرسة‭ ‬الإمام‭ ‬جعفر‭ ‬الصادق‭ (‬ت‭:‬148هـ‭/‬765م‭) ‬شيئًا‭ ‬ومن‭ ‬النصوص‭ ‬الدينية‭ ‬السابقة‭ ‬على‭ ‬الإسلام‭ ‬شيئًا‭ ‬آخر‭. ‬

وتثبت‭ ‬الأقوال‭ ‬التى‭ ‬قمنا‭ ‬بجمعها‭ ‬من‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬المختلفة‭ ‬أن‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭ ‬موقفًا‭ ‬فى‭ ‬‮«‬المحبة‮«‬،‭ ‬فقد‭ ‬ورد‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬المحبة‮«‬‭ ‬لديها‭ ‬خمس‭ ‬عشرة‭ ‬مرة،‭ ‬ومصطلح‭ ‬‮«‬القلب‮«‬‭ ‬خمس‭ ‬مرات،‭ ‬ومصطلح‭ ‬‮«‬الشوق‮«‬‭ ‬مرتين،‭ ‬ومصطلح‭ ‬‮«‬الأنس‮«‬‭ ‬مرة‭ ‬واحده‭ ‬فقط‭. ‬فكما‭ ‬ذكرنا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭ ‬موقف‭ ‬فى‭ ‬المحبة‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬أشبه‭ ‬بالجدار‭ ‬الذى‭ ‬ظل‭ ‬يرتفع‭ ‬بمر‭ ‬السنين‭ ‬فتاهت‭ ‬أحجاره‭ ‬وسط‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬بين‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬واللاحقين‭ ‬عليها،‭ ‬ممن‭ ‬وضعوا‭ ‬أحجارًا‭ ‬فوق‭ ‬أحجارها‭ ‬ونسبوا‭ ‬بناء‭ ‬الجدار‭ ‬بالكامل‭ ‬إليها،‭ ‬ونعتقد‭ ‬أن‭ ‬التعامل‭ ‬التاريخى‭ ‬والنقدى‭ ‬مع‭ ‬أقوالها‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬هذه‭ ‬الإشكالية‭. ‬

وفى‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬أن‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬القديمة‭ ‬تقدم‭ ‬لنا‭ ‬أقوالا‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭ (‬يصعب‭ ‬الشك‭ ‬فى‭ ‬مدى‭ ‬نسبها‭ ‬إليها‭- ‬بخلاف‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬الأقوال‭ ‬التى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نشك‭ ‬فيها‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬نرفضها‭) ‬تعبر‭ ‬بحق‭ ‬عن‭ ‬عمق‭ ‬تجربتها‭ ‬فى‭ ‬المحبة‭ ‬فى‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬من‭ ‬نشأة‭ ‬وتطور‭ ‬التصوف،‭ ‬وسنرى‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬السطور‭ ‬التالية‭. ‬

أشعار‭ ‬منسوبة‭ ‬لرابعة‭ ‬فى‭ ‬المحبة‭ ‬

أما‭ ‬بخصوص‭ ‬الأشعار‭ ‬التى‭ ‬اختلف‭ ‬الباحثون‭ ‬حول‭ ‬مدى‭ ‬انتسابها‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭ ‬من‭ ‬عدمه،‭ ‬فنحن‭ ‬لا‭ ‬نعتقد‭ ‬بانتساب‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭ ‬للأسباب‭ ‬التى‭ ‬عرضناها‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬مثل‭: ‬

ــ‭  ‬ذكر‭ ‬الكلاباذى‭ ‬لهذه‭ ‬الأبيات‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬قال‭ ‬بعضهم‮«‬،‭ ‬ولم‭ ‬يقل‭: ‬قالت‭ ‬رابعة‭. ‬

ــ‭ ‬نسبها‭ ‬صاحب‭ ‬الحلية‭ ‬لسيدة‭ ‬أوردتها‭ ‬فى‭ ‬حوار‭ ‬مع‭ ‬ذى‭ ‬النون‭ ‬المصرى‭ ‬بالشام‭. ‬

ــ‭ ‬لو‭ ‬قرأنا‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬وأدخلناها‭ ‬فى‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬أشعار‭ ‬ذى‭ ‬النون‭ ‬المصرى‭ ‬الواردة‭ ‬فى‭ ‬المصادر‭ ‬المختلفة‭ ‬لظهر‭ ‬مدى‭ ‬التشابه‭ ‬الكبير‭ ‬فى‭ ‬الشكل‭ ‬والأسلوب‭ ‬والمضمون‭ ‬مما‭ ‬يجعلنا‭ ‬نرجح‭ ‬أنها‭ ‬لذى‭ ‬النون‭ ‬المصري،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬نسبت‭ ‬إليه‭ ‬فى‭ ‬مخطوط‭ ‬من‭ ‬أقدم‭ ‬المخطوطات،‭ ‬كما‭ ‬أشرنا‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬سلفا‭. ‬

ــ‭ ‬توقف‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الصوفية‭ ‬من‭ ‬أمثال‭: ‬الطوسى‭ ‬والخركوشى‭ ‬والسلمى‭ ‬والقشيرى‭ ‬وغيرهم‭ ‬عن‭ ‬تقديم‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭. ‬

ــ‭ ‬شكوك‭ ‬بعض‭ ‬المؤرخين‭ ‬المسلمين‭ ‬كالذهبى‭ ‬وغيره‭ ‬فى‭ ‬نسبة‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭. ‬

ــ‭ ‬حينما‭ ‬أورد‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬بدوى‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬لم‭ ‬يعتمد‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬أبو‭ ‬طالب‭ ‬المكى‭ (‬كمصدر‭ ‬أول‭ ‬لهذه‭ ‬الأبيات‭) ‬وبعدها‭ ‬اعتمد‭ ‬على‭ ‬المصادر‭ ‬التى‭ ‬كتبت‭ ‬فى‭ ‬القرنين‭ ‬السابع‭ ‬والثامن‭ ‬الهجريين‭. ‬

ــ‭ ‬ربما‭ ‬كانت‭ ‬تجربتها‭ ‬الذاتية‭ ‬فى‭ ‬حصر‭ ‬المحبة‭ ‬فى‭ ‬محبوبها‭ ‬الإلهى‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬دافع‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬الاستئناس‭ ‬بهذه‭ ‬الأبيات‭ ‬لتأكيد‭ ‬عمق‭ ‬تجربتها‭ ‬فى‭ ‬المحبة‭. ‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬تجعلنا‭ ‬نتشكك‭ ‬فى‭ ‬نسبة‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية،‭ ‬ولا‭ ‬تجعلنا‭ ‬نشك‭ ‬فى‭ ‬أنها‭ ‬صاحبة‭ ‬تجربة‭ ‬روحية‭ ‬عميقة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬المحبة‭ ‬لله‭ ‬وحده‭ (‬حسب‭ ‬ما‭ ‬يظهر‭ ‬فى‭ ‬الـ‭ ‬31‭ ‬عبارة‭ ‬المتكررة‭ ‬فى‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭). ‬وعلى‭ ‬أية‭ ‬حال‭ ‬تبقى‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬مجالا‭ ‬مفتوحا‭ ‬للبحث‭ ‬والمناقشة،‭ ‬وربما‭ ‬ظهرت‭ ‬بعض‭ ‬الأدلة‭ ‬التاريخية‭ ‬التى‭ ‬ترجح‭ ‬موقفًا‭ ‬دون‭ ‬آخر‭. ‬

ورغم‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬فإننا‭ ‬نعتقد‭ ‬بأن‭ ‬الهدف‭ ‬النهائى‭ ‬للتجربة‭ ‬الصوفية‭ ‬عند‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬هو‭ ‬المحبة‭. ‬ففى‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬يظهر‭ ‬من‭ ‬أقوالها‭ ‬في‭: ‬التوبة،‭ ‬والرضا،‭ ‬والزهد،‭ ‬والمعرفة‭. ‬فإن‭ ‬المحطة‭ ‬الأخيرة‭ ‬للمصطلحات‭ ‬السابقة‭ ‬عند‭ ‬رابعة‭ ‬هى‭ ‬المحبة‭. ‬وربما‭ ‬يمكن‭ ‬فهم‭ ‬تجربتها‭ ‬فى‭ ‬المحبة‭ ‬حسب‭ ‬المراحل‭ ‬التالية‭: ‬

الحب‭ ‬لله‭ ‬وحده‭:‬‭ ‬

حيث‭ ‬رأت‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يجدر‭ ‬بها‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تتفرغ‭ ‬بقلبها‭ ‬وفكرها‭ ‬لذكر‭ ‬الله‭ ‬وحده‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬سواه‭.. ‬فكانت‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬إلا‭ ‬نسيان‭ ‬الدنيا‭ ‬نسيانا‭ ‬كليًا‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يدخل‭ ‬قلبها‭ ‬إلا‭ ‬ذكر‭ ‬الله‭ ‬وحده‭. ‬ويمكننا‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأقوال‭ ‬التى‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬مثل‭: ‬قال‭ ‬لها‭ ‬سفيان‭ ‬الثوري‭: ‬ما‭ ‬أقرب‭ ‬ما‭ ‬تقرب‭ ‬به‭ ‬العبد‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل؟‭ ‬فبكت‭ ‬وقالت‭: ‬مثلى‭ ‬يُسأل‭ ‬عن‭ ‬هذا؟‭ ‬أقرب‭ ‬ما‭ ‬تقرب‭ ‬العبد‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أن‭ ‬يعلم‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬من‭ ‬الدنيا‭ ‬والآخرة‭ ‬غيره‭. ‬وأيضا‭ ‬فى‭ ‬ردها‭ ‬على‭ ‬أمير‭ ‬البصرة‭: ‬ما‭ ‬يسرنى‭ ‬أنك‭ ‬لى‭ ‬عبد‭ ‬وأنّ‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تملكه‭ ‬لى‭ ‬وأنك‭ ‬شغلتنى‭ ‬عن‭ ‬اللهّ‭ ‬طرفة‭ ‬عين‭.‬

الحب‭ ‬لله‭ ‬والشوق‭ ‬لمشاهدته‭:‬‭ ‬

حيث‭ ‬اشتد‭ ‬شوقها‭ ‬إلى‭ ‬لقاء‭ ‬ربها‭ ‬فملأها‭ ‬ذلك‭ ‬الشوق‭ ‬شعورًا‭ ‬عميقًا‭ ‬بالغربة‭ ‬والحزن،‭ ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬كثرة‭ ‬أقوالها‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالحزن‭. ‬ومن‭ ‬الأقوال‭ ‬التى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ندخلها‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬قولها‭: ‬من‭ ‬يدلنا‭ ‬على‭ ‬حبيبنا؟‭ ‬فقالت‭ ‬خادمة‭ ‬لها‭: ‬حبيبنا‭ ‬معنا،‭ ‬ولكن‭ ‬الدنيا‭ ‬قطعت‭ ‬بيننا‭ ‬وبينه‭. ‬وأيضا‭: ‬هل‭ ‬طالت‭ ‬بك‭ ‬الأيام‭ ‬والليالى‭ ‬بالشوق‭ ‬إلى‭ ‬لقاء‭ ‬الله،‭ ‬فقالت‭: ‬نعم‭.‬

الحب‭ ‬لله‭ ‬وحده‭ ‬المنزه‭ ‬عن‭ ‬أمل‭ ‬الجزاء‭ ‬وخوف‭ ‬العقاب‭: ‬نجد‭ ‬عند‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬لونا‭ ‬أخر‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬أكثر‭ ‬عمقا‭ ‬وأشد‭ ‬غرابة‭ ‬مما‭ ‬نعرفه‭ ‬عند‭ ‬عامة‭ ‬الناس‭ ‬لم‭ ‬يُفتح‭ ‬بابه‭ ‬لغيرها‭ ‬من‭ ‬قبل‭- ‬ربما‭ ‬باستثناء‭ ‬إبراهيم‭ ‬بن‭ ‬أدهم‭ ‬فى‭ ‬عبارته‭ ‬الشهيرة‭: ‬‮«‬اللهم‭ ‬إنك‭ ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬الجنة‭ ‬لا‭ ‬تزن‭ ‬عندى‭ ‬جناح‭ ‬بعوضة،‭ ‬إذا‭ ‬أنت‭ ‬آنستنى‭ ‬بذكرك،‭ ‬ورزقتنى‭ ‬حبك،‭ ‬وسهلت‭ ‬على‭ ‬طاعتك،‭ ‬فأعط‭ ‬الجنة‭ ‬لمن‭ ‬شئت‮«‬‭- ‬من‭ ‬الحب‭ ‬لله‭ ‬وحده‭ ‬دون‭ ‬ما‭ ‬سواه،‭ ‬ومن‭ ‬الحب‭ ‬لله‭ ‬الذى‭ ‬يملأ‭ ‬القلب‭ ‬شوقًا‭ ‬ورغبه‭ ‬فى‭ ‬لقائه‭ ‬فى‭ ‬الآخرة‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الثواب‭ ‬والعقاب،‭ ‬والجنة‭ ‬والنار،‭ ‬ولعل‭ ‬عبارتها‭ ‬الشهيرة‭: ‬ما‭ ‬عبدت‭ ‬الله‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬الله،‭ ‬فأكون‭ ‬كالأمة‭ ‬السوء‭ ‬إن‭ ‬خافت‭ ‬عملت،‭ ‬ولا‭ ‬حبا‭ ‬للجنة‭ ‬فأكون‭ ‬كأمة‭ ‬السوء‭ ‬إن‭ ‬أعطيت‭ ‬عملت،‭ ‬ولكن‭ ‬عبدته‭ ‬حبًا‭ ‬له‭ ‬وشوقًا‭ ‬إليه‭. ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬الله‭ ‬وحده‭ ‬دون‭ ‬غيره‭ ‬هو‭ ‬الحبيب‭ ‬والمحبوب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذاته‭ ‬فحسب،‭ ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬يفسر‭ ‬قولها‭ ‬لرباح‭ ‬بن‭ ‬عمرو‭ ‬القيسى‭ (‬ت‭:‬180هـ‭/‬796م‭) ‬عندما‭ ‬رأته‭ ‬يقبل‭ ‬صبيًا‭ ‬صغيرًا،‭ ‬فقالت‭: ‬أتحبه؟‭ ‬قال‭: ‬نعم،‭ ‬قالت‭: ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أحسب‭ ‬أن‭ ‬فى‭ ‬قلبك‭ ‬موضع‭ ‬لمحبة‭ ‬غير‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭. ‬ويتطور‭ ‬الأمر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قالت‭ ‬حين‭ ‬سئلت‭ ‬عن‭ ‬حبها‭ ‬للرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم؟‭ ‬فقالت‭: ‬والله‭ ‬إنى‭ ‬لأحبه‭ ‬حبًا‭ ‬شديدًا،‭ ‬ولكن‭ ‬حب‭ ‬الخالق‭ ‬شغلنى‭ ‬عن‭ ‬حب‭ ‬المخلوقين‭. ‬

النتائج‭ ‬العامة‭ ‬

ــ‭ ‬يظهر‭ ‬من‭ ‬المصنفات‭ ‬الصوفية‭ ‬المدونة‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬الهجرى‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬منسوب‭ ‬تاريخيًا‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬يساوى‭ (‬7%‭ ‬تقريبا‭) ‬فقط‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نُسب‭ ‬إليها‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬العاشر‭ ‬الهجري‭- ‬حسب‭ ‬المصادر‭ ‬التى‭ ‬اطلعنا‭ ‬عليها‭- ‬وهذا‭ ‬يستدعى‭ ‬عدة‭ ‬تساؤلات‭ ‬منها‭: ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الأقوال‭ ‬المنسوبة‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭ (‬ت185هـ؟‭) ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬الهجرى‭ ‬هى‭ (‬31‭) ‬عبارة‭ ‬فقط،‭ ‬فهل‭ ‬باقى‭ ‬العبارات‭ ‬التى‭ ‬دونت‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬وحتى‭ ‬القرن‭ ‬العاشر‭ ‬الهجرى‭ ‬هى‭ ‬فعلا‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية؟‮ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الإجابة‭ ‬بنعم‭: ‬فكيف‭ ‬وصلت‭ ‬هذه‭ ‬الأقوال‭ ‬إلى‭ ‬كُتاب‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬وما‭ ‬تلاه‭ ‬وصولا‭ ‬للقرن‭ ‬العاشر‭ ‬الهجرى‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مدونة‭ ‬فى‭ ‬القرون‭ ‬السابقة؟ وإلى‭ ‬أى‭ ‬مدى‭ ‬تدخلت‭ ‬الصور‭ ‬الأسطورية‭ ‬فى‭ ‬عملية‭ ‬بناء‭ ‬وتشكيل‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬والأقوال؟‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المقالة‭ ‬الحالية‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬تقديم‭ ‬إجابات‭ ‬واضحة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭- ‬فيكفينا‭ ‬طرح‭ ‬التساؤل‭- ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭ ‬تستدعى‭ ‬أهمية‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬فى‭ ‬تراث‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭. ‬

ــ‭ ‬نعتقد‭ ‬بأهمية‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬فى‭ ‬مراجعة‭ ‬بعض‭ ‬الأحكام‭ ‬المرتبطة‭ ‬برابعة‭ ‬العدوية‭- ‬خاصة‭ ‬الأحكام‭ ‬التى‭ ‬اعتمدت‭ ‬على‭ ‬الأقوال‭ ‬والنصوص‭ ‬المدونة‭ ‬فى‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬المتأخرة‭- ‬نظرًا‭ ‬لأن‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأقوال‭ ‬قد‭ ‬يؤدى‭ ‬بدارسى‭ ‬التصوف‭ ‬وقرائه‭ ‬إلى‭ ‬إسقاط‭ ‬أفكار‭ ‬ونظريات‭ ‬ومعانى‭ ‬لا‭ ‬تتحملها‭ ‬البيئة‭ ‬الروحية‭ ‬أو‭ ‬الصوفية‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬الثانى‭ ‬الهجري،‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يؤدى‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المغالطات‭ ‬التاريخية‭.‬

ــ‭ ‬غطى‭ ‬الجانب‭ ‬الأسطورى‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الإبداعى‭ ‬لدى‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬نتيجة‭ ‬إلصاق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأقوال‭ ‬والقصص‭ ‬الخرافية‭ ‬والأسطورية‭ ‬بشخصيتها،‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬سببًا‭ ‬للشك‭ ‬فيما‭ ‬قدمته‭ ‬كافة‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭- ‬خاصة‭ ‬المتأخرة‭ ‬منها‭- ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬العبارات‭ ‬التى‭ ‬نسبت‭ ‬إلى‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬فى‭ ‬الفترات‭ ‬التاريخية‭ ‬المختلفة‭ ‬يدور‭ ‬معظمها‭ ‬فى‭ ‬فلك‭ ‬المحبة،‭ ‬وربما‭ ‬دل‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تجربتها‭ ‬فى‭ ‬المحبة‭ ‬دفعت‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬الاستئناس‭ ‬بنسب‭ ‬عدة‭ ‬أقوال‭ ‬وعبارات‭ ‬إليها‭. ‬

ــ‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬تثبت‭ ‬الأقوال‭ ‬المنسوبة‭ ‬لرابعة‭ ‬العدوية‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬الهجرى‭ ‬أن‭ ‬لديها‭ ‬تجربة‭ ‬فى‭ ‬المحبة‭ ‬الإلهية،‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬دليل‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬المحبة‮«‬‭ ‬هو‭ ‬المصطلح‭ ‬المركزى‭ ‬فى‭ ‬أقوال‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭. ‬وبناءً‭ ‬عليه‭ ‬نستطيع‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬المصطلح‭ ‬ظهر‭ ‬فى‭ ‬فترة‭ ‬تاريخية‭ ‬مبكرة‭- ‬القرن‭ ‬الثانى‭ ‬الهجري‭- ‬الذى‭ ‬شهد‭ ‬فترة‭ ‬النشأة‭ ‬والتكوين‭ ‬لما‭ ‬سمى‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬اصطلاحيا‭ ‬بــ‭ (‬التصوف‭).‬

ــ‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬موقف‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬فى‭ ‬المحبة‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬الجديدة‭ ‬فى‭ ‬الحياة‭ ‬الروحية‭ ‬فى‭ ‬الإسلام،‭ ‬وربما‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬إليها‭ ‬أحد‭ ‬قبل‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الدرجة‭ ‬الرفيعة‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬التفلسف‭ ‬أو‭ ‬التعلم‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬قلبها‭ ‬المولع‭ ‬بحب‭ ‬الله،‭ ‬المفعم‭ ‬بشعور‭ ‬وعواطف‭ ‬لا‭ ‬يعرفها‭ ‬إلا‭ ‬المحب‭ ‬المخلص‭ ‬وحده‭. ‬وبذلك‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبارها‭ ‬بهذه‭ ‬التجربة‭ ‬الفريدة‭ ‬فتحت‭ ‬بابًا‭ ‬جديدًا‭ ‬فى‭ ‬التصوف‭ ‬الإسلامى‭ ‬سوف‭ ‬يتبعها‭ ‬فيه‭ ‬الصوفية‭ ‬اللاحقون‭ ‬لها،‭ ‬وأصبح‭ ‬الصوفية‭ ‬يعتبرونها‭ ‬صاحبة‭ ‬الفضل‭ ‬فى‭ ‬فتح‭ ‬باب‭ ‬الحب‭ ‬الإلهى‭ ‬فى‭ ‬التصوف‭ ‬الإسلامي،‭ ‬ذلك‭ ‬الباب‭- ‬المحبة‭- ‬الذى‭ ‬ستظهر‭ ‬آثاره‭ ‬أكثر‭ ‬لدى‭ ‬صوفية‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬الهجرى‭ ‬مثل‭: ‬البسطامى‭ (‬ت‭: ‬ت‭:‬261هـ‭/‬874م‭ ‬أو‭ ‬264هـ‭/‬878م‭)‬،‭ ‬وأبى‭ ‬الحسين‭ ‬النورى‭ (‬ت‭: ‬295هـ‭/‬907م‭)‬،‭ ‬وسمنون‭ ‬المحب‭ (‬ت‭:‬298هـ‭/‬910م‭)‬،‭ ‬ليتطور‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬لدى‭ ‬صوفية‭ ‬القرنين‭ ‬الرابع‭ ‬والخامس‭ ‬الهجريين‭ ‬من‭ ‬أمثال‭: ‬الحسين‭ ‬بن‭ ‬منصور‭ ‬الحلاج‭ (‬ت‭:‬309هـ‭/‬922م‭)‬،‭ ‬وأبى‭ ‬الحسن‭ ‬الديلمى‭ (‬ت‭: ‬أوائل‭ ‬الخامس‭ ‬الهجري‭- ‬مجهول‭)‬،‭ ‬والغزالى‭ (‬ت‭:‬505هـ‭/‬1111م‭). ‬وصولا‭ ‬لقمته‭ ‬لدى‭ ‬صوفية‭ ‬القرنين‭ ‬السادس‭ ‬والسابع‭ ‬الهجريين‭ ‬من‭ ‬أمثال‭: ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الفارض‭ (‬ت‭:‬632هـ‭/‬1235م‭) ‬الذى‭ ‬اشتهر‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬سلطان‭ ‬العاشقين‮«‬،‭ ‬ومحيى‭ ‬الدين‭ ‬بن‭ ‬العربى‭ (‬ت‭:‬638هـ‭/‬1240م‭) ‬الذى‭ ‬سمى‭ ‬بــ‭ ‬‮«‬الشيخ‭ ‬الأكبر‮«‬‭.‬

ــ‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التطور‭ ‬الوجداني،‭ ‬وقد‭ ‬تجلى‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬فى‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬‮«‬الخوف‮«‬‭ ‬باعتباره‭ ‬باعثًا‭ ‬ومحركًا‭ ‬للزهد‭- ‬لدى‭ ‬الزهاد‭ ‬الأوائل‭- ‬إلى‭ ‬‮«‬الحب‭ ‬الإلهي‮«‬‭. ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬أقوال‭ ‬الزهاد‭ ‬الأوائل‭ ‬قد‭ ‬عبرت‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬خوفهم‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬أشد‭ ‬من‭ ‬حبهم‭ ‬إيّاه‭- ‬مثل‭ ‬أقوال‭ ‬الإمام‭ ‬الحسن‭ ‬البصرى‭ (‬ت‭:‬110هـ‭/‬728م‭) ‬فى‭ ‬الخوف‭- ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬النظرة‭ ‬قد‭ ‬تطورت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خبرة‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬فى‭ ‬المحبة‭. ‬

ــ‭ ‬من‭ ‬الملاحظ‭ ‬بشكل‭ ‬مبدئى‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يظهر‭ ‬مع‭ ‬أقوال‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية،‭ ‬يظهر‭ ‬أيضا‭ ‬مع‭ ‬شخصيات‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬شخصيات‭ ‬القرنين‭ ‬الأول‭ ‬والثانى‭ ‬الهجريين،‭ ‬مثل‭: ‬مالك‭ ‬بن‭ ‬دينار‭ (‬ت‭:‬130هـ‭/‬47‭-‬748م‭)‬،‭ ‬وعبد‭ ‬الواحد‭ ‬بن‭ ‬زيد‭ (‬ت177هـ‭/‬793م‭)‬،‭ ‬وإبراهيم‭ ‬بن‭ ‬أدهم‭ (‬ت‭:‬161هـ‭/ ‬77-‭ ‬778م‭)‬،‭ ‬وداود‭ ‬الطائى‭ (‬ت‭:‬165هـ‭/‬781م‭)‬،‭ ‬والفضيل‭ ‬بن‭ ‬عياض‭ (‬ت‭:‬187هـ‭/‬803م‭)‬،‭ ‬وشقيق‭ ‬البلخى‭ (‬ت‭:‬195هـ‭/ ‬810م‭)‬،‭ ‬ومعروف‭ ‬الكرخى‭ (‬ت‭:‬200هـ‭/‬15‭- ‬816م‭) ‬وغيرهم‭. ‬حيث‭ ‬نجد‭ ‬نصوصا‭ ‬منسوبة‭ ‬لهؤلاء‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬الهجرى‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مدونة‭ ‬فى‭ ‬المصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬عامة‭ ‬والصوفية‭ ‬خاصة‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬الهجري‭. ‬والتساؤلات‭ ‬التى‭ ‬تنطبق‭ ‬على‭ ‬أقوال‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬تصلح‭ ‬لأن‭ ‬تنطبق‭ ‬على‭ ‬أقوال‭ ‬أغلب‭ ‬شخصيات‭ ‬حركة‭ ‬الزهد‭- ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬كلها‭- ‬فى‭ ‬القرنين‭ ‬الأول‭ ‬والثانى‭ ‬الهجريين‭: ‬فكيف‭ ‬وصلت‭ ‬هذه‭ ‬الأقوال‭ ‬إلى‭ ‬كُتاب‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬وما‭ ‬تلاه‭ ‬وصولا‭ ‬للقرن‭ ‬العاشر‭ ‬الهجرى‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مدونة‭ ‬فى‭ ‬القرون‭ ‬السابقة؟‮ ‬‭ ‬وإلى‭ ‬أى‭ ‬مدى‭ ‬تدخلت‭ ‬الصور‭ ‬الأسطورية‭ ‬فى‭ ‬عملية‭ ‬بناء‭ ‬وتشكيل‭ ‬هذه‭ ‬النصوص‭ ‬والأقوال؟‭ ‬ومثل‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭- ‬نعتقد‭ ‬أنها‭- ‬كفيلة‭ ‬بإعادة‭ ‬النظر‭ ‬فى‭ ‬التراث‭ ‬الروحى‭ ‬لشخصيات‭ ‬‮«‬حركة‭ ‬الزهد‭ ‬فى‭ ‬الإسلام‮«‬‭..‬

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة