توماس فاجنر
بعد كتابه عن علاقة إريش فريد بالنازيين الجدد:
توماس فاجنر: كان إريش يلتمس العذر للنازيين
الثلاثاء، 11 مايو 2021 - 10:30 ص
حوار: كريستوفر شرودر - ترجمة: ياسمين يحيى
يثير الكثير من الجدل أي علاقة بين الكُتّاب والنازيين، سواء النازيين القدامى أو الجدد، إذ أولى أبجديات الثقافة هذا الرفض التام للنازية والفاشية باعتبار هذه الأيديولوجية مدمرة للآخر وقادرة على التخريب، خاصةً بعد أن مر العالم بالتجربة ورأى آثارها. لذلك كان ملفتًا بنفس الدرجة أن تنشأ علاقة صداقة بين الشاعر النمساوي اليهودي الشهير إريش فريد وأحد أعضاء النازيين الجدد ميشائيل كونين. ما دفع الكاتب والباحث توماس فاجنر لتقصي هذه العلاقة والخروج علينا بكتاب كاشف وشديد الأهمية هو «صداقة ألمانية».
هنا ترجمة لحوار مع فاجنر يكشف فيه كواليس الصداقة والكتاب.
• بدأت الصداقة الغريبة بين الكاتب النمساوي اليهودي إريش فريد وميشائيل كونين عندما استبعد برنامج التوك شو NDR الأخير وهو العضو النازى من حلقة البرنامج مؤقتًا. فكيف حدث ذلك؟
ـ يومها أُعلنت أسماء الضيوف، فاتجه الجمهور المناهض للنازية نحو المتاريس اعتراضًا على وجود كونين. كان موضوع الحلقة عن حركة النازيين الجدد الناشئة وقتها فى ألمانيا، ونتيجة لذلك اتخذ المسؤولون عن البرنامج قرارًا في غضون دقائق باستبعاد كونين من الحلقة. لم يكن هناك هواتف محمولة وقتها، ولم يكتشف كونين خبر استبعاده إلا عند وقوفه أمام باب الاستوديو واصطدامه بقرار منعه من الدخول. كان كونين قد سدد نفقات سفره، ومن ثم انتقل إلى إذاعة راديو بريمن المسؤولة عن بث البرنامج ليجد المشاركين في الحوار ما زالوا يأكلون وسنحت له الفرصة بلقاء إريش، مما خفف من حدة اللقاء الأول.
• وكيف نشأت بينهما صداقة فكرية؟
ـ كان إريش يعيش في انجلترا، لكنه كان يتردد على ألمانيا في جولات القراءة التي يقوم فيها بتوقيع كتبه.في تلك الفترة أحرز إريش نجاحًا عظيمًا، ثم أدين كونين بعدها وزُج به في السجن، ومنذ ذلك الحين بدأت صداقتهما الفكرية وبدآ يتبادلان الخطابات.
• يعد إريش فريد أيقونة لحركة السلام، فالاقتباسات التي تؤخذ من أشعاره لا تزال تتردد حتى الآن، حتى لو تضاءلت شعبيته قليلًا، أما كونين فأصبح نجمًا لامعًا في حركة النازيين الجدد في ثمانينيات القرن الماضي، كيف حقق هذه النجومية؟
ـ أصبح كونين منذ مطلع عام 1980 أحد نجوم الإعلام، فخلف الأبواب المغلقة كان بعض المواطنين لا يتورعون عن التأكيد على الجوانب الإيجابية المزعومة لهذا النظام، كانت هذه الأشياء شائعة جدًا في المجتمع بشكل حتى أكبر من اليوم، وفجأة يطل عليهم شاب يتحلى بشخصية جذابة كاريزمية، يرتدي حلة نازية مهندمة وقميصًا فاشيستيًا أسود ويقول لهم: أنا أقاتل وأصارع من أجل عودة الحزب النازي مرة أخرى.كان يتكلم ببلاغة وجاذبية لم تكن معتادة بين المتطرفين اليمينيين آنذاك، وعند الانجراف إلى حوارات الصحافة كان باستطاعة كونين طرح وجهة نظره الوحشية تجاه العالم بأسلوب أكثر واقعية وأقل توترًا، لقد كان قائدًا لبعض الفرق الصغيرة المشتتة والمتفرقة، ولم يكن ليعرفه أحد لو لم تلعب الصحافة دورًا فى إبرازه. كان كونين يعرف اللعبة جيدًا.
•تقترب في كتابك من جميع الجهات عند تناول أسئلتك الرئيسية، فما الشيء الذي يربط الرجلين ببعضهما؟ ما الأرضية التي يشترك فيها الاثنان؟ وهل كلاهما نموذج مثالي؟ هل حاولا مناهضة النظام البرجوازي؟ أم انصرفا إلى صراع المرض: إريش ومرض السرطان وكونين وفيروس نقص المناعة ؟
ـ الأمر معقد حقًا. كان الضوء مسلطًا على كونين في دوائر الإعلام، ورغم ذلك افتقر دائمًا إلى فرصة للاتصال بالمعارضين السياسيين؛ حيث رأهم من وجهة نظره قادرين على رد اعتباره، كان نجمًا ومنعزلًا في آن واحد، لكنه برغم كل شيء كان شديد الإيمان بأفكاره ويأخذها على محمل الجد، فكونين لم يكن معاديا للسامية بصورة عنصرية، ما جعل عرض التحدث إلى شاعر يهودي أمرًا مفيدًا جدًا، فاستعداده للاقتراب أمر مفهوم، وكذلك عدم تحفظه.
• وبالنسبة إلى إريش فريد؟
ـ الأسباب التي قدمتها في كتابي منطقية بعض الشيء، كان من الممكن أن يكون هذا التقارب ضرب من المستحيل لو لم يكن لإريش وضعه الخاص للغاية بشأن كونه كاتبًا وشاعرًا في المجتمع وله دوره الذي يعج بالنضال ضد الفاشية، ففي خطاب ألقاه إريش عام 1978 قام بتقييم وموازنة حركة النضال ضد الفاشية، وحث الناس على التخلي عما وصفه بالطريق المسدود، فخطابه كان مليئًا بعبارات تدل على أنه لم يكن يرى نفسه أفضل أخلاقيًا من أي شخص يفكر بطريقة مختلفة عنه فقط لأنه يناهض ضد الفاشية، ووصف «مَن يفكرون بطريقة مختلفة» لا تشمل الأطياف الديمقراطية فقط، ولكن الأعداء الحقيقيين أيضًا، فقد عارض بشدة الشعار الذي ساد آنذاك«دمر الفاشيين أينما تقابلهم» . كان رأى إريش أن هناك بعض المواقف تحتم عليك مساعدة هؤلاء الأشخاص والتحدث إليهم.
• لكن هذا التفكير سيقابل بهجوم وغضب شديدين في هذه الأيام، من أين جاء هذا الموقف؟
ـ فى الحقيقة كان أساس كل ذلك عملية تفكيرعميقة وطويلة الأمد منذ الأربعينيات، وهي عملية كانت في غاية الألم والعذاب. كتب فريد روايته الوحيدة «فتاة وجندي» في عام 1946 ولم ينشرها إلا في عام 1960، وتثير الرواية قضية مهمة عما ما إذا كان من العدل الحكم بموت شابة ظلت تعمل طوال حياتها حارسة في معسكر اعتقال ولم تعرف في حياتها سوى الحكم النازي؟ ففي مذكرات إريش فريد التي نشرت في عام 1986روى كيف كان على علاقة وطيدة بأصدقائه الذين انضموا إلى منظمة الشباب النازية في فيينا في الثلاثينيات من القرن المنصرم، وقد اهتدى لاحقًا إلى نتيجة مفادها أن هؤلاء الشباب لم يكونوا أقل ذكاء منه أو أكثر انحطاطاً وفساداً، وعند التفكير في الماضي يطرح دائمًا على نفسه السؤال ذاته: لو لم أكن يهودي الأصل، هل كان من الممكن أن أصبح اليوم نازيًا؟ هذا تحديدًا هو الخيط الذي يبين لنا السبب وراء رغبة إريش في التعرف إلى ميشائيل كونين وثبر أغوار فكره، وذلك طبعاً بخلاف فضوله الشديد. لقد أراد حقًا أن يعرف ما جنس هؤلاء البشر الذين خرجوا في ألمانيا عام 1980 مدعين استحالة أن يكون هناك شىء يسمى «معسكر أوشفيتس» على الإطلاق!
• لقد ذكرت في كتابك أن إريش كان مقتنعا بأنه لا يوجد إنسان يبقى كما خُلق وأن سمة الخلق جميعا التغيير.
ـ لطالما اعتقد إريش في أن الإنسان لا يبقى كما هو لفترة طويلة، إذ لابد له في يوم أن ينسلخ عن شخصيته تمامًا، قد يحدث ذلك عن طريق العادات أو الروتين أو حتى بسبب إصابات نفسية تنشأ معه من الطفولة، أو بطريقة أخرى، اعتقد فريد أن أكبر مجرم في التاريخ قد يتوب في أي لحظة، وقد كان فريد نفسه ملحداً في فترة من حياته، وكان ذلك التفكير نتيجة لانهماكه الشديد في فهم ودراسة الكتاب المقدس وكتب التحليل النفسي، ولذلك فإن الحكم على إريش بالجنون والتعجب من موقفه بسبب صداقته مع كونين حكم ظالم لا جدوى له، فقد كان إريش في غاية التصالح مع نفسه عند اتخاذ ذلك القرار.
• توفي إريش عام 1988 واستسلم كونين لمرض الإيدز عام 1991، وفي العديد من السير لفريد إريش يتم حجب كل ما له علاقة بتلك الرسائل، هل تعرف شيئًا عن رد فعل البيئة المحيطة بالصديقين على هذه العلاقة؟
ـ راجت بين النازيين الجدد صورا كاريكاتورية تشوه السجين الجريء، مستغلين مثليته الجنسية وفوق ذلك علاقته بعالم اليهود، وقد انقسم المشهد، فكلنا نعلم أن وقتها تلقى إريش ردود فعل غاضبة ولكنها بالتأكيد قلت اليوم، فقد شاهد الملايين البرنامج الحواري الذي احتج فيه إريش علنًا على إقصاء كونين من إحدى حلقاته، لكن النار التي اشتعلت في النفوس وقتها نُسيت بعد أسبوع واحد، والفضيحة التي تأججت كالنار في الهشيم، باتت اليوم رمادًا.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة