دوستويفسكى
دوستويفسكى


بمناسبة المئوية الثانية لميلاده

كيف ظهرت المرأة فى أدب دوستويفسكى؟

أخبار الأدب

الثلاثاء، 11 مايو 2021 - 10:35 ص

د‭.‬دينا‭ ‬محمد‭ ‬عبده

لا‭ ‬يخلو‭ ‬أدب‭ ‬دوستويفسكى‭ ‬من‭ ‬نماذج‭ ‬نسائية‭ ‬جديرة‭ ‬بلفت‭ ‬الانتباه‭ ‬والتوقف‭ ‬أمامها،‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬باكورة‭ ‬أعماله‭ ‬‮«‬الفقراء‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬ظهرت‭ ‬المرأة‭ ‬المعدمة‭ ‬المستضعفة،وهى‭ ‬فارفارا‭ ‬دوبروسيلوفا،‭ ‬التى‭ ‬يستغلها‭ ‬السيد‭ ‬بيكوف‭ ‬ويغرر‭ ‬بها‭ ‬ثم‭ ‬يتزوجها‭. ‬

يشير‭ ‬النقاد‭ ‬إلى‭ ‬التشابه‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬البطلة‭ ‬وبين‭ ‬فارفارا‭ ‬دوستويفسكايا،‭ ‬الأخت‭ ‬الصغرى‭ ‬للكاتب،‭ ‬إذ‭ ‬تزوجت‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬يكبرها‭ ‬بكثير‭ ‬وأساء‭ ‬معاملتها‭. ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬دوستويفسكى‭ ‬يتعاطف‭ ‬مع‭ ‬بطلته‭ ‬فى‭ ‬‮«‬الفقراء‮»‬‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يتعاطف‭ ‬أبدًا‭ ‬مع‭ ‬كاترينا‭ ‬بطلة«صاحبة‭ ‬البيت‮»‬،‭ ‬فهى‭ ‬المرأة‭ ‬الآثمة‭ ‬الجاهلة،‭ ‬وبالتالى‭ ‬اعتبرها‭ ‬الكاتب‭ ‬رمزًا‭ ‬للشر‭ ‬عند‭ ‬الاختيار‭ ‬الحر‭ ‬للإنسان،‭ ‬فهى‭ ‬تصلى‭ ‬وتصلى‭ ‬طلبا‭ ‬للعفو‭ ‬والغفران،‭ ‬ولكنها‭ ‬تستمر‭ ‬فى‭ ‬الإثم،‭ ‬وتعيش‭ ‬مع‭ ‬مورينى‭ ‬الذى‭ ‬يعد‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬زوجًا‭ ‬غير‭ ‬شرعى،‭ ‬وإنما‭ ‬قاتل‭ ‬والديها‭ ‬وخطيبها‭.‬

لكن،‭ ‬كم‭ ‬امرأة‭ ‬معذبة‭ ‬كانت‭ ‬بطلة‭ ‬أعماله؟‭ ‬يظهر‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬فى‭ ‬صورة‭ ‬ألكسندرا‭ ‬ميخايلوفنا‭ ‬بطلة‭ ‬‮«‬نيتوتشكا‭ ‬نيزفانوفا‮»‬،‭ ‬التى‭ ‬ربت‭ ‬نيتوتشكا‭ ‬فى‭ ‬بيتها‭ ‬لمدة‭ ‬ثمان‭ ‬سنوات‭ ‬وكانت‭ ‬تعيش‭ ‬فى‭ ‬وحدة‭ ‬وعزلة‭ ‬كالراهبات‭ ‬فى‭ ‬المعبد،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬السر‭ ‬الذى‭ ‬يضنى‭ ‬روحها‭ ‬هى‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬كانت‭ ‬تعيشها‭ ‬مع‭ ‬أحد‭ ‬الأشخاص‭ ‬وتتبادل‭ ‬معه‭ ‬الخطابات‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تخون‭ ‬زوجها‭ ‬جسديًا‭. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬علم‭ ‬زوجها‭ ‬حتى‭ ‬أخذ‭ ‬يعذبها‭ ‬بمعاملته‭ ‬القاسية‭ ‬الجافة‭ ‬التى‭ ‬تسببت‭ ‬فى‭ ‬مرضها‭ ‬مرضًا‭ ‬شديدًا‭ ‬لتبدو‭ ‬أيامها‭ ‬معدودة‭ ‬فى‭ ‬نهاية‭ ‬الرواية‭. ‬

كما‭ ‬تظهر‭ ‬المرأة‭ ‬الأنانية‭ ‬التى‭ ‬تقودها‭ ‬الأغراض‭ ‬والأهواء‭ ‬دون‭ ‬وعى،‭ ‬هى‭ ‬فاريا‭ ‬بطلة‭ ‬‮«‬الليالى‭ ‬البيضاء‮»‬‭.‬كذلك‭ ‬المرأة‭ ‬القاسية‭ ‬الشريرة‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬شفقة‭ ‬ولا‭ ‬رحمة،‭ ‬مثل‭ ‬الأميرة‭ ‬فى‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬نيتوتشكا‭ ‬نيزفانوفا‮»‬‭. ‬وبشكل‭ ‬عام‭ ‬فدوستويفسكى‭ ‬لا‭ ‬يتدنى‭ ‬بصورة‭ ‬المرأة‭ ‬ولا‭ ‬يجعلها‭ ‬مثالية،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تعدد‭ ‬النماذج‭ ‬النسائية‭ ‬لديه‭ ‬هناك‭ ‬شىء‭ ‬واحد‭ ‬يجمعهن‭ ‬وهو‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬امرأة‭ ‬واحدة‭ ‬سعيدة‭ ‬بين‭ ‬بطلات‭ ‬أعماله،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬رجل‭ ‬سعيد‭ ‬ولا‭ ‬أسرة‭ ‬سعيدة‭. ‬ويبدو‭ ‬فى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أعماله‭ ‬أنه‭ ‬كلما‭ ‬زاد‭ ‬نقاء‭ ‬الشخص‭ ‬زادت‭ ‬تعاسته‭. ‬

وعلى‭ ‬العموم‭ ‬يمكن‭ ‬تقسيم‭ ‬بطلات‭ ‬دوستويفسكى‭ ‬إلى‭ ‬نموذجين،‭ ‬الأول‭ ‬نساء‭ ‬العقل‭ ‬والحسابات،‭ ‬والثانى‭ ‬نساء‭ ‬العاطفة‭ ‬والوجدانيات‭. ‬فلو‭ ‬تطرقنا‭ ‬إلى‭ ‬رائعته‭ ‬‮«‬الجريمة‭ ‬والعقاب‮»‬‭ ‬نجد‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬بطلته‭ ‬العاهرة‭ ‬سونيا‭ ‬من‭ ‬منظورين‭. ‬فى‭ ‬الأول‭ ‬نجد‭ ‬البطلة‭ ‬تجسد‭ ‬قيم‭ ‬المسيحية‭ ‬ومبادئها،‭ ‬والثانى‭ ‬تحمل‭ ‬الموروثات‭ ‬الأخلاقية‭ ‬الشعبية‭ ‬منذ‭ ‬الطفولة،‭ ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬بدأ‭ ‬يتغير‭ ‬ويتبدل‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الظروف‭ ‬وظلم‭ ‬المجتمع‭ ‬ومسيرة‭ ‬العناء‭.  ‬ورغم‭ ‬المعاناة‭ ‬والإذلال‭ ‬الذى‭ ‬يمكن‭ ‬تخيله‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬تخيله‭ ‬خلال‭ ‬حياتها‭ ‬القصيرة‭ ‬فقد‭ ‬احتفظت‭ ‬بالنقاء‭ ‬الروحى‭ ‬وصفاء‭ ‬العقل‭ ‬والقلب،‭ ‬فلا‭ ‬عجب‭ ‬أن‭ ‬ينحنى‭ ‬لها‭ ‬راسكولنيكوف‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬إننى‭ ‬أنحنى‭ ‬لكل‭ ‬حزن‭ ‬ومعاناة‭ ‬البشرية‮»‬‭ ‬فهى‭ ‬رمز‭ ‬الظلم‭ ‬والقهر‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬فقد‭ ‬اختارها‭ ‬دوستويفسكى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إنقاذ‭ ‬وتطهير‭ ‬راسكولنيكوف‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬رأى‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬اليقين‭ ‬فى‭ ‬الله،‭ ‬واليقين‭ ‬فى‭ ‬الخير‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬له،‭ ‬وجعل‭ ‬البطل‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬يفكر‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬جانبًا‭ ‬روحيًا‭ ‬وأخلاقيًا‭ ‬لكل‭ ‬أفكاره‭ ‬وسلوكياته‭. ‬

فى‭ ‬‮«‬الأبله‮»‬‭ ‬يظهر‭ ‬نموذج‭ ‬المرأة‭ ‬العقلانية‭ ‬التى‭ ‬تعيش‭ ‬وفقا‭ ‬لحسابات‭ ‬وأغراض‭ ‬معينة،وهى‭ ‬فاريا‭ ‬إيفولجى،‭ ‬ولكن‭ ‬انصب‭ ‬اهتمام‭ ‬الكاتب‭ ‬على‭ ‬امرأتين‭ ‬أخريين،‭ ‬وهما‭ ‬أجليا‭ ‬وناستاسيا‭ ‬فيليبوفنا‭. ‬كان‭ ‬ميشكين‭ ‬بطل‭ ‬الرواية‭ ‬يرى‭ ‬الصفات‭ ‬الحميدة‭ ‬فى‭ ‬المرأتين،‭ ‬ويرى‭ ‬أنهما‭ ‬متشابهتان‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬الحدود‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬اختلاف‭ ‬الشكل،‭ ‬فأجليا‭ ‬جميلة‭ ‬ذكية‭ ‬معتزة‭ ‬بنفسها،‭ ‬لا‭ ‬تأبه‭ ‬كثيرا‭ ‬برأى‭ ‬المحيطين،‭ ‬غير‭ ‬راضية‭ ‬عن‭ ‬أسلوب‭ ‬حياة‭ ‬أسرتها،‭ ‬أما‭ ‬ناستاسيا‭ ‬على‭ ‬النقيض‭ ‬تماما،‭ ‬فهى‭ ‬امرأة‭ ‬مضطربة‭ ‬مندفعة‭ ‬متسرعة،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فهى‭ ‬خاضعة‭ ‬تماما‭ ‬لقدرها‭ ‬غير‭ ‬العادل،‭ ‬وكانت‭ ‬مقتنعة‭ ‬بداخلها‭ ‬أنها‭ ‬امرأة‭ ‬ساقطة‭ ‬وضيعة‭ ‬وكانت‭ ‬أسيرة‭ ‬للمعايير‭ ‬الأخلاقية‭ ‬المحيطة‭ ‬بها،‭ ‬وكانت‭ ‬تطلق‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬فتاة‭ ‬شوارع‭ ‬وتريد‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬أسوأ‭ ‬مما‭ ‬هى‭ ‬عليه،‭ ‬وتتصرف‭ ‬بشكل‭ ‬غريب‭ ‬الأطوار‭.‬

كانت‭ ‬ناستاسيا‭ ‬فيليبوفنا‭ ‬امرأة‭ ‬عاطفية‭ ‬ولكن‭ ‬أصبحت‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الحب،‭ ‬كانت‭ ‬المشاعر‭ ‬تحترق‭ ‬بداخلها‭ ‬ولكنها‭ ‬كانت‭ ‬تحب‭ ‬عارها‭ ‬فقط‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬تمتلك‭ ‬جمالاً‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يقلب‭ ‬العالم‭ ‬رأسًا‭ ‬على‭ ‬عقب،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬أن‭ ‬الرجال‭ ‬كانوا‭ ‬يلاحقونها‭ ‬وكان‭ ‬روجوجين‭ ‬يتنافس‭ ‬مع‭ ‬الأمير‭ ‬ميشكين‭ ‬على‭ ‬حبها‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬ترفض‭ ‬العالم‭ ‬بأسره،‭ ‬وقد‭ ‬التقت‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬الراقى‭ ‬منهم‭ ‬والوضيع،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬مع‭ ‬أولئك‭ ‬أو‭ ‬هؤلاء‭.‬فكانت‭ ‬ترى‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تستحق‭ ‬أخيار‭ ‬الناس،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يستحقها‭ ‬أرذلهم‭. ‬رفضت‭ ‬ميشكين‭ ‬وذهبت‭ ‬مع‭ ‬روجوجين،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬آخر‭ ‬المطاف‭ ‬فقد‭ ‬ظلت‭ ‬متأرجحة‭ ‬بين‭ ‬الاثنين‭ ‬حتى‭ ‬قتل‭ ‬الأخير‭. ‬لم‭ ‬يقلب‭ ‬جمالها‭ ‬العالم‭ ‬بل‭ ‬أهلك‭ ‬العالم‭ ‬جمالها‭.‬

أما‭ ‬بطلة‭  ‬‮«‬المراهق‮»‬‭  ‬فهى‭ ‬صوفيا‭ ‬أندرييفنا‭ ‬دولجوروكايا،‭ ‬زوجة‭ ‬فيرسيلوف‭ ‬الشرعية،‭ ‬وأم‭ ‬أبنائه‭. ‬وتعتبر‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬النماذج‭ ‬النسائية‭ ‬الإيجابية‭ ‬فى‭ ‬إبداع‭ ‬دوستويفسكى،‭ ‬فهى‭ ‬تتسم‭ ‬بالوداعة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وبالتالى‭ ‬عدم‭ ‬التوانى‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬الالتزامات‭ ‬المطلوبة‭ ‬منها،‭ ‬فقد‭ ‬كرست‭ ‬كل‭ ‬حياتها‭ ‬لخدمة‭ ‬زوجها‭ ‬وأبنائها‭. ‬لم‭ ‬يخطر‭ ‬ببالها‭ ‬أن‭ ‬تدافع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬ضد‭ ‬قسوة‭ ‬الزوج‭ ‬والأبناء‭ ‬وكثرة‭ ‬مطالبهم‭ ‬وظلمهم‭ ‬وجحودهم‭ ‬الشديد‭ ‬وعدم‭ ‬النظر‭ ‬بأى‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭ ‬لاهتماماتها‭ ‬أو‭ ‬راحتها‭. ‬وكان‭ ‬يرى‭ ‬زوجها‭ ‬أن‭ ‬التواضع‭ ‬والطاعة‭ ‬يرجعان‭ ‬إلى‭ ‬أصلها‭ ‬المتواضع‭ ‬البسيط‭. ‬وتكمن‭ ‬القوة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للبطلة‭ ‬فى‭ ‬إيمانها‭ ‬الراسخ‭ ‬بالله‭ ‬وتعلقها‭ ‬الثابت‭ ‬الخالى‭ ‬من‭ ‬الأغراض‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬أسمى‭ ‬وأرقى‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭. ‬ورغم‭ ‬حياتها‭ ‬التى‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬القداسة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬ذنبا‭ ‬لا‭ ‬يمحى‭ ‬قد‭ ‬اقترفته،‭ ‬فبعد‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬زفافها‭ ‬من‭ ‬مكار‭ ‬دولجوروكى،انجذبت‭ ‬لفيرسيلوف‭ ‬وسلمت‭ ‬نفسها‭ ‬له‭ ‬وأصبحت‭ ‬زوجته‭ ‬فى‭ ‬القانون‭. ‬سيظل‭ ‬الذنب‭ ‬ذنبا‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تم‭ ‬تبرير‭ ‬الظروف‭. ‬تزوجت‭ ‬الفتاة‭ ‬ذات‭ ‬الثمانية‭ ‬عشر‭ ‬وهى‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬معنى‭ ‬الحب،‭ ‬ونفذت‭ ‬وصايا‭ ‬والدها‭ ‬ورضخت‭ ‬للواقع‭ ‬رضوخا‭ ‬تاما‭.  ‬

قد‭ ‬نلتقى‭ ‬فى‭ ‬حياتنا‭ ‬بأناس‭ ‬يقتربون‭ ‬من‭ ‬القداسة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تلاحظهم‭ ‬أعين‭ ‬الغرباء‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬نقدرهم‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬الكفاية،‭ ‬لكن‭ ‬تظل‭ ‬الحياة‭ ‬بدونهم‭ ‬صعبة‭ ‬مفككة،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬بطلة‭ ‬دوستويفسكى‭ ‬صوفيا‭ ‬أندرييفنا‭.‬

فى‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬الشياطين‮»‬‭ ‬تظهر‭ ‬البطلة‭ ‬داشا‭ ‬شاتوفا‭ ‬المستعدة‭ ‬دائمًا‭ ‬للتضحية‭ ‬بنفسها،‭ ‬كما‭ ‬تظهر‭ ‬البطلة‭ ‬ليزا‭ ‬توشينا‭ ‬الفخورة‭ ‬بنفسها‭ ‬والباردة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما،‭ ‬كما‭ ‬تظهر‭ ‬ماريا‭ ‬ليبيدكينا‭ ‬الهادئة‭ ‬اللطيفة‭ ‬والحالمة‭ ‬ولكنه‭ ‬تبدو‭ ‬مجنونة‭ ‬أو‭ ‬نصف‭ ‬مجنونة،‭ ‬ولكن‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬يظهر‭ ‬نموذج‭ ‬البطلة‭ ‬المعادية‭ ‬للمرأة‭ ‬وهى‭ ‬ماى‭ ‬شاتوفا‭ ‬العائدة‭ ‬من‭ ‬الغرب‭ ‬وتستطيع‭ ‬أن‭ ‬تنمق‭ ‬الكلمات‭ ‬جيداً‭ ‬ولكنها‭ ‬تنسى‭ ‬أن‭ ‬الدور‭ ‬الأساسى‭ ‬للمرأة‭ ‬هو‭ ‬الأمومة‭ ‬وتحاول‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بأى‭ ‬عمل‭ ‬غريب‭ ‬يبعد‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬المرأة‭. ‬وقبل‭ ‬الولادة‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬ينزل‭ ‬جنينها‭ ‬إلى‭ ‬الدنيا‭ ‬ظلت‭ ‬تصرخ‭ ‬وتقول‭ ‬اللعنة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شىء‭ ‬مقدمًا‭. ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬تربية‭ ‬الأطفال‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتم‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬أى‭ ‬شخص‭ ‬وليس‭ ‬الأم‭ ‬فقط،‭ ‬وقررت‭ ‬إرسال‭ ‬وليدها‭ ‬إلى‭ ‬الملجأ‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬القرية‭ ‬ليتلقى‭ ‬تربيته‭ ‬هناك،‭ ‬لكى‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬أكثر‭ ‬عقلانية‭ ‬يجعلها‭ ‬تستعيد‭ ‬صحتها‭. ‬أما‭ ‬النموذج‭ ‬الآخر‭ ‬المعادى‭ ‬للمرأة‭ ‬فهى‭ ‬القابلة‭ ‬أرينا‭ ‬فيرجنسكايا‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬ولادة‭ ‬الانسان‭ ‬هى‭ ‬تطور‭ ‬مستمر‭ ‬للكائن‭ ‬الحى،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يمت‭ ‬تمامًا‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬أنثوى‭ ‬فيها،‭ ‬فبعد‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬حياتها‭ ‬مع‭ ‬زوجها‭ ‬سلمت‭ ‬نفسها‭ ‬للكابتن‭ ‬ليبيادكين‭.‬

صوّر‭ ‬دوستويفسكى‭ ‬بعبقرية‭ ‬شديدة‭ ‬نماذج‭ ‬متعددة‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬هن‭ ‬بطلات‭ ‬أعماله‭ ‬وقد‭ ‬يتشابهن‭ ‬فى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬لكن‭ ‬لكل‭ ‬شخصية‭ ‬منهن‭ ‬تفردها‭ ‬وتميزها‭ ‬عن‭ ‬غيرها،‭ ‬مما‭ ‬أكسب‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬قوة‭ ‬خاصة‭ ‬تميزت‭ ‬بها‭ ‬كبطلة‭ ‬من‭ ‬بطلات‭ ‬دوستويفسكى‭.‬

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة