طارق فراج
طارق فراج


أديب الواحات الفائز بجائزة الطيب صالح: انبهرت بنجيب محفوظ والقطار الانجليزى!

سمر نور

الإثنين، 17 مايو 2021 - 07:40 م

 

تبدو إقامة مبدع فى محافظة بعيدة أمرًا ليس سهلا، ومع ذلك تبزغ كل يوم أسماء لمبدعين من أقاليم مصر كتب لهم الحضور والتواجد دون حاجتهم إلى الإقامة فى القاهرة، ولعل الجوائز الأدبية وسيلة من وسائل اختصار المسافات لأى مبدع، ومؤخرًا أعلنت جائزة الطيب صالح عن فوز الروائى طارق فراج بالمركز الثانى فى فرع الرواية، وهى جائزة عالمية لها مصداقيتها فى العالم العربى، فكان منحها لابن محافظة الوادى الجديد، الذى عاش حياته، ومازال، فى إحدى قرى واحة الخارجة، أمرًا يستحق إلقاء الضوء على مبدع له إنجاز منذ عام 2003 حين صدرت روايته الأولى «الشقوق» لتتوالى أعماله الروائية الست إلى جانب ديوانى شعر، وترجمات، ودراسات فى مجال التراث.. «عبر الصحراء، نحو البيت» عبارة لافتة استخدمها فراج للتعريف بنفسه على صفحته فى إحدى وسائل التواصل الاجتماعى التى تربطه بالحياة خارج الواحة، يحكى فى بداية حوارنا معه عن العزلة والكتابة قائلا:

 أدباء الواحات يواجهون عائقاً جغرافياً وعزلة مكانية، فأنا من قرية صغيرة لا تقع على أية خريطة تدعى «عين القضاة»، ولدت فيها ومازلت أعيش فيها. مكان هادئ ومستقر بلا ضغوط نفسية فلن يحالفنى الصواب لو غادرته إلى مكان آخر حتى لو كانت القاهرة. واحة الداخلة عبارة عن مجموعة متناثرة من الواحات، كل مكان فيه كتلة سكانية تحيطها مساحة من النخيل ثم مساحة من الكثبان الرملية ثم قرية أخرى، والآن هناك طرق أسفلتية، زمان كان فيه مدقات للحمير والدواب، الأمر تغير. عاصرت فى طفولتى هذه الأجواء، التى خرجت منها رواية «الشقوق»، فالرواية الأولى فى الغالب فيها جانب كبير من الفضفضة الذاتية أو «الاوتوجرافى» فتأتى أشبه بالسيرة الذاتية.
تجربة نشر روايته الأولى تعكس الواقع فى المحافظات البعيدة عن المركز حيث يقول: فى 2003 طبعت «الشقوق» فى طبعة محدودة، كنا نجمع مبالغ زهيدة من بعضنا البعض، نحن أدباء الواحة الشباب، ونطبع كتاباً كل عام، وفى أول سنة طبعنا ديوان شعر لأحمد دياب، فى السنة الثانية طبعنا روايتى، والسنة الثالثة طبعنا مجموعة قصصية لأحمد عميرة، ثم كتاب آخر للشاعر طه على محمود، ثم توقف المشروع بعد أربع سنوات.
رحلة إلى «بولاق أبو العلا»
وكيف بدأت علاقتك مع الثقافة خارج إطار الواحة؟
لم تتوفر الجرائد فى القرية إلا فى التسعينات عن طريق شخص كان يجلبها من المدينة وحين توفى اختفت من جديد آنذاك، وأقرب مكان يوفر الكتب كان فى أسيوط، فى المرحلة الابتدائية كان هناك زميل يرافق والده إلى القاهرة سنويا ويعود ومعه مجلات ميكى وسمير وكنت أقضى معه الإجازة عاكفًا على تلك المجلات، حتى سافرت إلى القاهرة فى المرحلة الإعدادية بصحبة جواب أرسله معى والدى لأحد الأقارب لعدم وجود وسائل اتصال، كان هذا عام 1984، وصلت أثناء الليل لاستيقظ صباحًا وأجد نفسى فى كوكب آخر، فى بولاق أبو العلا، حيث ارتفاع العمارات والضوضاء، لا شىء يشبه قريتى. وبدأت فى شراء المجلات وأصبح النزول للقاهرة شبه منتظم، ووصلت إلى سور الأزبكية، ومن هناك عرفت عالماً آخر.
ما مدى تأثرك بالثقافة الشعبية فى واحة الداخلة؟
دخلت الكهرباء والمصابيح فى التمانينات، قبل ذلك كانت الحياة البدائية مع وجود فقر مدقع، فلا أسواق ولا مواصلات، فكنا فى الشتاء مع البرد، فى كل بيوت الواحات، نشعل الحطب، وحول النار كنا نسمع الحواديت من الجدات، بعد أن كبرت اهتممت بالتراث وجمع الأمثال الشعبية فى كتاب صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، هناك أمثال شعبية، وهنا لا يعرفها أحد، مرتبطة بالبيئة والفلاحة والصحرا، ولو لم نهتم بها لاندثرت، كتبت «الشقوق» فى محاولة للتعبير عن مجتمع كل العادات التى فيه كانت فى طريقها إلى الانقراض، الشباب لم يروا الطاحونة ولا الساقية ولا دق الرز ولا العجين، كل التراث سواء المادى أو المعنوى من تراث شفاهى لم يعد موجوداً، كل أعمالى كتبتها بهذا الوعى، فى مشروع الرواية كله لم أخرج عن مجتمع الواحات إلا فى رواية «الهبوط لأسفل ببطء» حيث تناولت فترة حياتى فى بولاق أبو العلا.
    بدأت شاعراً
رغم الاحتفاء بروايتك الأولى إلا أن روايتك الثانية «باب للخروج» صدرت بعدها بسبع سنوات، لماذا؟
بدأت رحلتى بكتابة الشعر، ولم أكن محددا لون الكتابة التى أريد الاستمرار فيها، الشعر أم الرواية، فنشرت ديواناً بالعامية «ريحة الحزن»، وكذلك عملت على الترجمة بسبب ارتباطى المبكر باللغة الانجليزية، كان الكتابة كمعنى هى التى تحدد الوسيط الذى استخدمه وليس أنا، فبعد «باب للخروج» ألحت علىّ فكرة ديوان «صحراء العابرين»، لكن كل مشروعى لم يخرج عن عالم الواحات.
هل تعتقد أن الكتابة الروائية وسيط أنسب لتسجيل التراث؟
كان هدفى الأول هو إحياء هذا التراث، لكنى لم أوثق التراث فى الروايات، بل كتبت مجتمعاً حياً، قطعة من الوجود الإنسانى بكل ما تلتقطه الحواس وتفرضه مظاهر الطبيعة، وهذا يختلف عن فكرة تسجيل التراث، جمع التراث مطلوب، والكتابة الأدبية عن تلك المجتمعات مطلوبة، ساهمت فى مشروع جمع تراث الواحات الداخلة وهو ما يعمل عليه الشاعر فارس خضر ابن واحتى أيضًا، فمن الخطورة بمكان أن تصعد أجيال لا تعرف تاريخها وتراثها.
حكاية لص!
ما النقلة التى قدمتها فى روايتك «لعبة سفر» التى لم تصدر بعد والتى فازت بجائزة الطيب صالح؟
 الشركة الانجليزية عملت خط سكة حديد بين شمال أسيوط وواحة الخارجة عام 1907، وكان هدفها البحث عن البترول، وجدوا آباراً ولكنهم لم يجدوا «بترول»، الرواية تحكى عن النتائج المترتبة على مجىء هذا القطار، لأن قبله كانت الواحات منفى من أيام الرومان. ومازالت النظرة لها هكذا، رغم أنى أراها كانت جنة مفقودة رغم التغير الذى حدث، مجتمع مترابط ولا يوجد غرباء، فى كل العصور، حين كان يأتى غرباء من خلال أى مشروع من أسيوط فكنا نجرى ونغلق الأبواب علينا، لرؤية هؤلاء الغرباء المختلفين عن ملامحنا، أصبح الآن مجتمع الواحات مختلطاً مع توفر وسائل المواصلات، فالرواية تتناول رحلة متخيلة من بداية رحلة القطار من خلال حكاية لص من الغرباء الوافدين للواحة.
 ومن من الأدباء الذين ارتبط مشروعهم بالمكان تشعر بتأثرك به؟
 ارتبطت بمشروع نجيب محفوظ ونحته لأدب من لحم المكان أو البيئة، وكيفية تعامل الناس مع المكان، حتى أصبح المكان عنده كائناً حياً.
هل يمكن القول إنك تأثرت بدراستك بالجغرافيا مثلما ارتبط نجيب محفوظ بدراسته للتاريخ؟
 الجغرافيا ربما وضحت لى البون الشاسع بين ارتباط المكان بالحضارة وبين العزلة التى تؤثر فى تركيبة الأشخاص، ونفسياتهم، فلم نسمع عن جرائم فى الواحات إلا مع انفتاح المكان على المناطق المجاورة، الجغرافيا تتجلى فى كل التفاصيل.
هل تعتقد أن انفتاحك على الجوائز قد يلقى الضوء على أدب الواحات؟
 افتكر مضى عهد معاناتنا مع كتابة الخطابات وإرسالها عبر البريد إلى القاهرة لنشر قصيدة أو قصة ومحاولة إقناع أهلنا بأهمية ذلك، الارتباط بالتكنولوجيا أنهى هذا العهد وجعلنا على المحك وعلى معرفة بما يحدث وقدرتنا على أن نكون جزءا من عملية النشر والمنح والجوائز دون أن ننتقل من مكاننا، فانفتح باب مهم لمن يريد تحقيق مشروع ما. أما أنا فسعيد بحصولى على جائزة كبرى مثل الطيب صالح، فروايتى السابقة لم تحصل على حظها، والجائزة فتحت أمامى مجالاً، وأرجو أن تلقى الضوء على أدباء المناطق البعيدة.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة