سلوكيات بعض المواطنين تهدد إنجاز التطوير
سلوكيات بعض المواطنين تهدد إنجاز التطوير


سلوكيات بعض المواطنين تهدد إنجاز التطوير

الترع والمصارف.. في مرمى القمامة!

أميرة شعبان

الخميس، 20 مايو 2021 - 07:03 م

مواقع التواصل الاجتماعى تنتفض للدفاع عنها عقب تطويرها بشكل حضارى
 

الخبراء: المفهوم الخاطئ عن الترع يحتاج لتوعية شديدة والعقوبة لابد أن تطبق بحزم
 

التلويث مرة أخرى يهدر ملايين الجنيهات والضرر يمتد لمياه الشرب والزراعات

عام فقط مر على مطالبة الرئيس عبد الفتاح السيسى بالبدء فى تنفيذ المشروع القومى لتأهيل وتبطين وتغطية البنية المائية التحتية، التى تشمل الترع والمصارف المتفرعة من نهر النيل خلال عامين بدلا من 10 سنوات، وكان ذلك خلال افتتاحه بعض المشروعات فى سيناء مارس 2020.

وبالرغم من الانتهاء من تأهيل ترع بأطوال تصل إلى 1150 كيلومترا تقريبا بمختلف محافظات الجمهورية، وإضفاء مظهر جديد لما كانت عليه هذه الترع من قبل، إلا أن هناك من أصر على تشويه ذلك المجهود لتعود «ريمة لعادتها القديمة» ويلقى المواطن القمامة بالترع الجديدة بعد تبطينها.. وهو الأمر الذى استدعى وقفة مع الجميع لمعرفة كيف يمكن تفادي تكرار هذا الأمر، للحفاظ على المليارات التى تم صرفها على هذا المشروع المثمر؟

البداية كانت بانتشار صورة لترعة العزيزية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث استفز مظهرها عددا من المواطنين الشرفاء، فبعد أن تم تبطينها وإضفاء مظهر جمالى عليها وشرع البعض فى إلقاء القمامة بها مرة أخرى فى مشهد مؤلم، وعلى الفور تحركت الدولة بأجهزتها لإزالة ما تم إلقاؤه.


وبالرغم من ذلك فقد استنكر المواطنون عملية تلويث الترع مرة أخرى وبدأت حملات عديدة فى الظهور على «الفيسبوك» تحت هاشتاج «عيب يا مصريين» تدعو المواطن المصرى للحفاظ على مجهود الدولة فى مشروع تبطين الترع والمصارف.


وبدأ المواطنون فى نشر العديد من «البوستات» التى تحفز الجميع على مناشدة الأهالى بعدم إلقاء القمامة مرة أخرى مثل ما نشره رشدى قنديل قائلا: «شوف الحكومة بتعمل إيه من المحافظة على نظافة المياه والحفاظ عليه بتبطين الترع، وشوف الأهالى وتصرفاتها بتعمل إيه... الوعى الوعى يا سادة.. حرام عليكم ليه كدا أنتم المتضررين».


أما مؤمنة مرسى فكتبت «ليه كدا يا مصريين عيب عليكم والله، بقالنا سنين بنقول عاوزين حياة كريمة وعيش زى بلاد برا ولما جت لحد عندنا نردع تانى لعادتنا السلبية»، ووافقتها الرأى دينا محمد فكتبت «يا ريت كل واحد يرمى زبالة فى ترعة يتحاكم.. لأ بجد حرام أنا ذنبى إيه أنا وولادى بعد ما الدنيا بقت نضيفة وزى الفل إننا نشوف المنظر دا تانى.. اللى بيرمى الزبالة فى الترع دا مجرم ولازم يتعاقب».


والجدير بالذكر أن أعمال التبطين تأتى ضمن المشروعات التى يتم تنفيذها لترشيد استخدام الموارد المائية كأحد محاور الاستراتيجية القومية للموارد المائية 2037 والتى تهدف إلى توفير الموارد المائية المطلوبة لكافة القطاعات المستفيدة من الموارد المائية.


وتسهم هذه الأعمال فى تعظيم الاستفادة من الموارد المائية من خلال ترشيد الاستخدامات المائية وحل مشاكل توصيل المياه فى نهايات الترع، والمساهمة فى ضمان وصول المياه لنهايات الترع فى أسرع وقت لتحقيق العدالة فى توزيع المياه وزيادة الإنتاجية الزراعية، كما يعمل ذلك على تقليل تكلفة الصيانة وإزالة الحشائش الدورية للترع بالإضافة إلى أن هذا المشروع يُعتبر من المشروعات كثيفة العمالة مما يساعد فى تحقيق أهداف الدولة فى القضاء على البطالة.


وفى تصريحات سابقة أكد المتحدث باسم وزارة الرى المصرية محمد غانم، أن الدولة تتحمل بالكامل تكلفة مشروع تبطين الترع الذى تبلغ تكلفة المرحلة الحالية 18 مليار جنيه مصرى، وبالرغم من تأكيد وزارة التنمية المحلية أن عقوبة إلقاء القمامة والمخلفات على جوانب الترع والمصارف تصل إلى دفع غرامة مالية ١٠ آلاف جنيه والإحالة للنيابة العامة للتحقيق، إلا أن المسئول عن هذا المشهد لم يتم معاقبته، فتوجهنا لعدد من الخبراء لمعرفة كيف يمكن للمخربين هذا الفعل.


مفهوم خاطئ


فى البداية أكد د. عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية جامعة القاهرة، أن العديد من المواطنين لديهم مفهوم خاطئ عن أن أى مجرى مائى سواء كان نهر النيل نفسه أو ترعة أو مصرف هو مكان لإلقاء القمامة والحيوانات النافقة، بل أنه فى بعض الأحيان تلقى القرى التى ليس لديها صرف صحى مخلفاتها العضوية فى المجارى المائية، ومن المعروف أن بعض سيارات الكسح تستغل الليل لإلقاء ما بها بهذه المصارف.


وأضاف أن هذا المفهوم يحتاج إلى نوع من التوعية المكثفة التى تشارك بها كل مؤسسات الدولة للمدارس، والمساجد، والكنائس، لكنه فى نفس الوقت لا نستطيع أن نلقى اللوم على المواطن فقط لأنه إذا وجد أمامه صناديق متعددة لن يلجأ إلى المجارى المائية.


وأشار إلى أنه ينبغى أن يتم رصد منظومة جمع القمامة فى المناطق التى تزداد بها عمليات الإلقاء فى النيل، فهذه أول خطوة لإصلاح الأمر، موضحا أن أزمة القمامة ليست فقط فى المجارى المائية بل بدأت تزحف للمدن الجديدة والمناطق الراقية أيضا.


مخاطر عديدة


أوضح د. عباس أن إلقاء القمامة بعد عمليات التبطين بهذه التكلفة العالية يعد إهدارا كبيرا، وأن القمامة تؤثر فى المياه بشكل خطير من أكثر من جهة، الأولى هى تلوث المياه نفسها لأنه يتم إلقاء كل أنواع القمامة، والتى تشمل المخلفات الصلبة وربما سوائل وربما يعنى الحيوانات النافقة، وكلها لها أضرار شديدة لأنها ليست مجرد أوراق ترمى، ومن هنا فإن التلوث عالى جدا خصوصاً إذا كانت الترعة تقع عليها محطة مياه الشرب التى بالطبع تنقى المياه من الشوائب لكن إذا وجد أى فيروس مثلا فمادة الكلور لا تستطيع القضاء عليه.


وأضاف أن الخطر يمتد أيضا للمحاصيل الزراعية فهناك زراعات تمتص العناصر السامة المضرة من المياه وخصوصاً الخضروات والفواكه لأن المواطن يأكل الساق والورقة وهى متشبعة بالمياه، فإذا وصلت نسبة من العناصر للنبات أضر الإنسان كذلك، ولهذا أوصينا أن يتم زراعة الأراضى التى تسقى بمياه معالجة بمحاصيل لا تؤكل كالأشجار.


وأشار إلى أن عملية التبطين تضمن أيضا سرعة وصول المياه إلى الأراضى والمحطات وكل تلك المخلفات تعوق حركة المياه بشكل كبير، موضحا أن مشروع التبطين أيضا نقل الترع إلى مرحلة أخرى من الناحية الجمالية وأضفى على العديد من المناطق مشهدا جميلا أشبه بكورنيش النيل، وكان من الممكن استغلاله بشكل حضارى بدلا من هذه السلوكيات التى نراها.


مسئولية مشتركة


من جانبه يرى د. حمدى عرفة، أستاذ الإدارة المحلية، أن ما حدث من تشويه للترع بعد تبطينها أمر صدم الجميع، وبالرغم من أن المواطن هو المتسبب المباشر عما حدث إلا أن المسئولية مشتركة بين أكثر من جهة، على رأسها مجلس النواب فخلال الست سنوات الماضية وحتى اليوم لا يوجد تشريع قوى حاسم بخصوص إلقاء المخلفات سواءً الصلبة أو السائلة أو العادية.


وأضاف عرفة أن هناك زاوية أخرى وهى أن وزارة البيئة تعد وزارة دولة ليس لها أى فروع فى أى محافظة، وهذا أمر يؤثر بالسلب على مشروع التبطين، موضحا أننا فى حاجة ماسة خلال الآونة الحالية لوزارة للقرية المصرية تعتنى بشؤنها دون تناثر المسئولية بين أكثر من جهة.


وأوضح أن مصر بها 4726 قرية وما يتبعها من كفور وعزب، لكن لا توجد إدارة تحت مسمى ادارة النضافة، بل تشرف عليها نحو 1411 وحدة محلية، أى أن كل وحدة محلية قروية مشرفة على خمس قرى ومعها 50 عزبة على سبيل المثال، وبالطبع لا تستطيع الوحدات المحلية الاهتمام بأزمة القمامة بمفردها.


وأكد أنه عند التعدى على عملية التبطين أو بجوار الترع فالبطبع وزارة إلى لها صلاحيات بتحرير محاضر إداية لكن مشكلة القمامة ليست من مسئوليتها، بل تابعة للمحليات التى بدورها ليس بهيكلها التنظيمى من هو متخصص بالقمامة.


توعية المواطن


أما د.عبلة البدرى أستاذ علم الاجتماع، فأوضحت أن هناك متهما كبيرا فى عملية تلويث الترع المصرية وهم «المجرمون أصحاب المصانع التى تستغل الليل لالقاء مخلفاتها فى المصارف والترع»، وأوضحت أن إلقاء القمامة من طرف أصحاب هذه المصانع أو عربات النقل التى تلقى «رتش» البناء أصبح أمرا مزعجا ويحدث فى ساعات محدودة، فنرى المكان نظيف نهارا ثم نستيقظ لنجد جبال من القمامة والمخلفات ملقاه.


وتضيف أنه لابد من تشديد الرقابة على هؤلاء وأن يتم محاسبة كل من تسول له نفسه بتلويث المصارف النظيفة أو الطرق الجديدة، ولا نريد جُملا مثل «سواق غلبان» لأنه هنا ليس سوى مجرد مهدر لمجهود شهور طويلة، وإذا تم تركه سيدمر مصر بأكملها.


وأضافت أن المواطن المصرى يحتاج فى المرتبة الأولى قبل البدء فى أى مشروع أن يتم توعيته بشكل مكثف، فهنا كان من الأفضل أن يتم التركيز على أهمية مشروع التبطين وأنه تم وضع ميزانية كبيرة جدا له، وأنه يصب أولا وأخيرا فى مصلحة كل مواطن، أما الخطوة الثانية فترى د.عبلة هى توفير البديل للمواطن من زيادة أعداد صناديق القمامة.


وتؤكد د.عبلة أن الأمر ليس على المستوى الداخلى فقط، بل من الممكن أن تكون هذه المياة تروى أراضى زراعية وبالتالى عند نقل هذه الملوثات لها، نجد زراعات غير مطابقة للمواصفات اذا أردنا التوسع فى عملية التوريد، ومن هنا فإن إلقاء القمامة تكبدنا خسائر من كافة الاتجاهات.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة