عمرو الخياط
عمرو الخياط


نقطة فوق حرف ساخن

مصر هى القضية

عمرو الخياط

الجمعة، 21 مايو 2021 - 07:51 م

بينما يرزح الفلسطينيون العزل تحت نيران القصف الذى يمارسه العدوان الإسرائيلى، لازالت أطراف داخلية وأخرى إقليمية تنشغل بتقييم موقف مصر تجاه القضية الفلسطينية أكثر من انشغالهم بإنقاذ الشعب الفلسطينى، يبدو أن أصوات القذائف لم تصل إلى مسامعهم التى حاصرتها جلسات الثرثرة السياسية.

حالة العبث الذى تمارسه تلك الأطراف باتت مميزة بتفاصيل الابتزاز المزدوج الذى احترفته منذ سنوات، تارة تجاه الفلسطينيين لاستخدام دمائهم فى استقطاب الضحايا لصفوف تنظيمات الإسلام السياسى وفى مقدمتهم تنظيم الإخوان الإرهابى الذى احترف سرقة التبرعات التى تجمع لإغاثة الشعب الفلسطينى، وتارة أخرى من أجل حصار القاهرة وتصويرها طوال الوقت فى موقف المتخاذل عن دعم فلسطين من أجل الطعن فى وطنية الأنظمة المصرية المتعاقبة.
المنطق المعكوس يكشف عن أطراف ليس لها علاقة بالقضية الفلسطينية فقط تظل تحوم حولها لاقتناص فرصة تستخدم سياسياً، لكن أطراف العبث فقدت السيطرة على الحالة لأن مصر ليست طرفاً منافساً لهم فى القضية، بل ان مصر «هى القضية».

القضية قصة مأساة تلتف حولها أطراف تمارس أدواراً متعددة، منهم من يجاهر بالشجب والإدانة، وبعضها لم يتأخر عن قوافل الإغاثة، وآخرون يتحسرون على الضحايا، وثلة أصابها الملل ولم تعد أخبار فلسطين تشغلها، لكن مصر قدمت أوراق اعتمادها فى ملف القضية مسطرة بدماء الشهداء التى سالت منذ عام ١٩٤٨ حتى يومنا هذا على أرض سيناء الطاهرة.

أوراق الاعتماد المصرية ليست محل مزايدة أو تقييم من الجالسين على مقاهى السياسة أو المتسكعين على شواطئ أوروبا، الأوراق المصرية كتبت على أرض الجبهة، ومصر كلها جبهة.

بعد هزيمة ٦٧ ظن الكثيرون أن العملاق الجريح قد انتهى أمره، وأن الهزيمة باتت قدره ليبقى ملقى على ناصية التاريخ ينزف حتى الموت، ساعتها وقفت أم كلثوم قابضة على آلامها لتشدو: «وقف الخلق ينظرون كيف أبنى قواعد المجد وحدى»، كان صوتها بمثابة التيار الصاعق الذى سرى فى الدماء المصرية، فانتفض المارد المصرى منطلقا من مركزه على قواعد المجد المصرية نحو بناء قواعد الصواريخ بطول امتداد الجبهة.

بفعل الأسطورة المصرية أمسك المصريون عجلة الزمن وعبر المقاتلون إلى الضفة الشرقية، وفرضت مصر كلمتها العليا وحررت الأرض واستردت كرامة الوطن الجريح.

لم تلبث راية مصر ترفرف على كامل أراضيها حتى انطلقت مجموعات وظيفية فى الداخل والخارج لتسارع فى توصيف الانتصار زورا وبهتانا باعتباره تخلياً عن القضية الفلسطينية التى لم يحارب من أجلها إلا مصر، ومنذ تلك اللحظة لم تقدم تلك الأطراف تصورًا لاستكمال الحرب أو رؤية لإدارة السلام، وظلت القضية معلقة فى رقبة القاهرة وحدها فى إصرار مدهش لتحويلها إلى أثقال سياسية من أجل تقويض دور مصر التى رفضت الانتحار الإقليمى، كما رفضت المراهنة على مصير الشعب الفلسطينى.

لقد خاضت مصر حروباً حقيقية وقدمت دماءً حقيقية من أجل فلسطين، لم تكتف بدور المتصدق السياسى على الفلسطينيين، ولم تكتف بممارسة البروتوكولات الدبلوماسية، ولم يقتصر دورها على مشاعر الشفقة والتعاطف، أم أنكم تجعلون سقاية الحاج وعمارة المسجد كمن جاهد فى سبيل الله، لا يستوون عند الله.
مصر التى فرضت السلام لأنها عرفت معنى الحرب وذاقت دماءها، بينما كانت أطراف المزايدة تتابع أخبارها فى أجهزة الراديو أو على شاشات التلفاز.
مصر هى القضية، وفلسطين فى أعماق أمنها القومى والقضية بالنسبة لمصر ليست نوعا من الكماليات أو الإكسسوارات السياسية، إنما خيار وجودى كنهر النيل.

فإذا كان هناك من يمارس التنظير السياسى وهو جالس أعلى سطح يخته الثمين، أو وهو متمدد على شواطئ المالديف، من أجل تقييم العطاءات المختلفة للقضية الفلسطينية فإن عليه أن يكتسى بالخجل إذا ما اقترب من ملف مصر، لقد كتبت العبارات داخل هذا الملف بلسان مصرى مبين عصية لغته على فهم المتنطعين سياسيًا وإنسانيًا.

 بمداد الدماء المصرى الطاهر كتبت بنود العهد مع فلسطين، وبينما كان المنظرون يتمتعون بنسمات الهواء البارد المنبعث من فتحات أجهزة المكيفات، كان المقاتل المصرى يجاهد تحت لهيب الشمس الحارقة التى زادت حرارتها نيران الحرب المنبعثة من فوهات المدافع فى لحظة العبور المجيد.

هلك المتنطعون، وكذب المنظرون ولو صدقوا.

مصر هى القضية ولو كره المنظرون، مصر هى القضية طوعًا أو كرهًا، فإذا كان هناك من يتظاهر بدعم القضية خشية أن يقع فى مساحة من العيب السياسى، أو من قبيل الصدقة السياسية، أو باعتبارها أحد مصارف زكاة ماله، فان فلسطين بالنسبة لمصر هى فرض عين حال تفرضه مبادئ النخوة ومروءة الدولة المصرية، كما تفرضه مستهدفات الأمن القومى على الجانب الشرقى، ومن هذا الجانب يكون الطريق إلى القاهرة، والطريق إلى شرق مصر لا يكون إلا من خلال بوابة فلسطين.

إذا تجاوزنا حديث الإنسانية المصرية تجاه فلسطين، فإن حديث المصالح ومقتضيات الأمن القومى المصرى تفرض على مصر سلوكًا مسئولًا مستدامًا تجاه القضية نزولًا على فروض الواقع التى جعلت من فلسطين كتلة حرجة فى صلب الأمن القومى المصرى.

أى أنه التزامًا بالجانب الأخلاقى للسياسة المصرية، والتزامًا بفرضية إنسانيات الحضارة المصرية، والتزاما بثوابت وأهداف الأمن القومى، فإن مصر لا تملك التخلى عن القضية وإلا تكون قد تخلت عن نفسها، وقررت الانتحار سياسيا، ولذلك فان القول بأن مصر هى القضية هو حقيقة وليس شعارًا.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة