د. سارة الذهبي
د. سارة الذهبي


يوميات الأخبار

جيل الغلابة

الأخبار

السبت، 22 مايو 2021 - 07:22 م

بقلم/ د. سارة الذهبى

احنا جيل بقى الفيس بوك عندنا معظمه (إنا لله وإنا إليه راجعون) أو طلب بالدعاء لفُلان عشان حالته حرجة..


أنا من الجيل المُدلل - زى ما بنتوصف من الأجيال الأكبر مننا - جيل لم يواجه من صعوبات الحياة ما واجهته الأجيال السابقة، جيل اتولد فى بؤه معلقة دهب، جيل اتولد ولقى كل حاجة على الجاهز..
والحقيقة ان الحُكم ده بحسه قاسي لدرجة كبيرة علينا..

لما الشباب بيشتكوا ان الحياة بقت قاسية وتنافسية بشكل مرعب ورتمها سريع جداً وظروف المعيشة بتتعقد يوم عن يوم لإن المنافسة فى مجال الشغل بقت أشرس وفرص العمل مش كفاية لكل الشباب وان الشهادة الجامعية دلوقتى مش كفاية لوحدها زى زمان، لازم معاها دراسات عليا وكورسات وأكتر من لغة، مش بتلاقى تعاطف من الأجيال الأكبر مننا الا قليل.. مش بتلاقى حد حاسس بالأزمة اللى بيحس بيها الشباب دلوقتي..

الشاب بتلاقى معاه ماچستير ومحضّر دكتوراة وبرضه مش لاقى الوظيفة المناسبة لمؤهلاته بسهولة عشان المنافسة على صفيح ساخن.. وحتى السفر للخارج مبقاش متاح زى الأجيال اللى سبقتنا، زمان كان اللى بيتخرج بيحضّر شنطته ويسافر بشهادته وكان فى تعطش واحتياج كبير ليه فى سوق العمل فى الخارج، لكن دلوقتى أغلب الدول تشبّعت وزودت القيود على الهجرة وصعّبت شروط الاقامة وحتى المرتبات مبقتش مُجزية زى زمان عشان كل حاجة غليت هنا وبره والضرايب ورسوم الاقامة بقت عالية جداً فى كل الدول.... فالمحصلة ان اللى جاى بيكون على قد اللى رايح ومش بينوب الشباب الا الغربة وانهم بيعيشوا حياة كريمة وبس... لكن مادياً مبقتش جايبة همها زى زمان...

ومع كل هذه التحديات بتلاقى كم هجوم رهيب من كل من هم أكبر سناً ان ازاى على المرتبات دى وبتشتكوا.. وازاى بالشهادة اللى معاكم دى ومش لاقيين شغلانة مناسبة وان البيت زمان كان بيمشى بخمسة جنية والكل بيكون مبسوط ومرضي.. فالنتيجة النهائية ان العيب فى الشباب مش فى ان الحياة بقت صعبة وأكثر تعقيداً..

لما البنات بتتكلم عن صعوبات الحياة وان حتى فرص الجواز المناسبة بقت قليلة وان المجتمع بيلقى اللوم عليها وبيلقبها بالعانس رغم ان الظروف مش بإيديها، بتلاقى هجوم كبير من الستات الفُضليات الأكبر سِناً بيلوموا على جيلنا اننا بنتبطر على النعمة عشان نفسنا نلاقى زوج مناسب ومتكافئ معانا فكرياً ودينياً واجتماعياً، أو هتلاقى هجوم على اللى اتجوزت وبتقول ان الحياة صعبة وان التربية فى الزمن ده مُجهدة لمجرد ان عندها غسالة فُل اتوماتيك وتلاجة وبدل التلفزيون اتنين وبتتقال المقولة الشهيرة ان الستات زمان كانت بتِعزق فى الأرض وهى لسه والدة وان البنت زمان كانت بتتجوز أول واحد يخبط على بابها من غير ما تتبطر على النعمة وكانت بتعيش تحت أى ظرف وبتستحمل عشان كل الستات لازم تستحمل، فبالتالى احنا جيل متدلع على الآخر.. وانا لا أُنكر أبداً المجهود البدنى الرهيب اللى كانت بتقوم بيه الستات زمان وان فعلاً دلوقتى بقى فى أجهزة كتير تسهّل علينا مهمات حياتنا بس أنا شايفة الجيل ده تعبان فى نقطة غير دى خالص...

الجيل ده مُستنفذ نفسياً.. الجيل ده التفكير بينهش فى راحته وسلامه النفسي.. لإن المدارس مبقتش بالساهل زى زمان، مصاريف الأكل والشرب مبقتش زى زمان، حتى الأدوية والمستشفيات بقت مُكلفة ولازم يتعملها ألف حساب...

فحبيت أكون حلقة الوصل بين الجيلين..
الجيل اللى شايفنا متدلعين ومُرفهين..
وجيلي.. اللى حاسس ان فى حِمل تقيل على كتافه ومحدش حاسس بيه..
كلامى لتقريب وجهات النظر وليس للشكوى لمجرد الشكوى..
من وجهة نظرى المتواضعة انا كنت اتمنى أعيش زمن أجدادى وزمن أبويا وأمى الله يرحمهم..

زمن كان فيه راحة بال وهدوء وسلام نفسى أكتر بكتير من دلوقتي، اه مكنش عندهم كل الرفاهيات اللى عندنا بس كان عندهم كل ما هو أغلى...

أبويا وأمى الله يرحمهم كانوا علطول يقولولى ربنا يعينكم على أيامكم احنا أيامنا كانت أبسط وأجمل من كده بكتير..

يعنى حتى لمة العيلة اللى كانت موجودة زمان مبقناش بنطولها غير فى الأعياد والمناسبات وغالباً بيكون كل واحد من المتجمعين وشه فى الموبايل من كبير العيلة لصغيرها...

فين الدفا؟ فين المشاركة؟ فين العيلة؟ كله ملهى فى حياته وداير فى ساقيته عشان يعرف يعيش..

سامحونى لو كنت بدافع عن جيلى بس احنا جيل عايش على التوتر والضغط النفسى وأحياناً المهدئات بسبب الانفتاح اللى بقينا فيه على العالم..لإن مش كل الانفتاح حلو زى ما ناس كتير متوهمة، فى انفتاح بيجيب معاه المرض وقلة الراحة وكُتر التفكير اللى بيفرض عليك احساس اليأس وقلة الحيلة وفى أحيان كتير عدم الرضا لإن السوشيال ميديا بترسم للشباب عالم مثالى وهمى وكتير بيصدّق الوهم ده وبيجرى وراه ومش بيرضى بحياته ولا بالنعم اللى عنده ومش بيلاقى فى الآخر غير سراب..

الحياة دلوقتى بقى فيها تحديات أكتر من زمان بكتير؛ تحديات مادية ونفسية وعصبية...

مثال بسيط على كلامي، الجيل ده من بدايات أزمة الكورونا وهو متضرر نفسياً قبل ما يكون متضرر مادياً..
فجأة حياته وقفت تماماً.. اتشلّت..
فجأة شغله بقى على كف عفريت..
فجأة انعزل عن حياته الاجتماعية..

اتعرض لضغوط أكبر من سنه، ضغط انه فى لحظة بقى مُهدد فى لقمة عيشه، مُهدد فى سلامته وسلامة حبايبه، مُهدد فى استقراره انه مش عارف ايه اللى ممكن يحصل بكرة..انه مش عارف السيناريو اللى عايشه ده هيستمر كام سنة وعواقبه ايه؟

جيل اتظلم انه عاش فى زمن الانفتاح والسوشيال ميديا اللى خلته يعيش ويتعايش مع كل أحداث العالم بلمسة بسيطة من على موبايله..

احنا جيل نفسيته بقت تحت الأرض عشان منغمس فى مشاكل غيره ومش قادر يفصل..

جيل متنكد وهو عايش دلوقتى معاناة اخواته فى فلسطين وتهجيرهم من أرضهم بالصوت والصورة..

بنشوف كل حاجة بتحصل فى بث حى وواقفين متكتفين ومش فى ايدينا غير اننا نتجرّع الاحساس بالعجز فى كل لحظة بنشوف فيها ڤيديو للصهاينة وهما بيطردوا اخواتنا من بيوتهم وبيسحلوهم وبيقصفوهم من آخر شهر رمضان بلا رحمة..

جيل بيشهد تشييع جنازات اخواته وبيشهد مظاهر خوف أطفال وهما جوه بيوتهم وبيسدّوا ودانهم عشان ميسمعوش صوت الصواريخ، جيل شايف الشهيد وهو بيستشهد قدام عينه عشان كله بقى بيصور لايف وبيتذاع فى لحظتها!

جيل عايش معاناة غيره قبل ما يعيش معاناته..

انا بكتبلكم دلوقتى بعد ما عدّى عليا العيد وانا مهمومة بأحوال فلسطين وفى زيى ملايين قلبهم موجوع..

موجوعين على أحياء بتتقصف بالفسفور الأبيض المُحرم دولياً وبتستهدف عائلات بأطفالها وشيوخها ونسائها..

احنا جيل مش بنقرأ الكلام ده فى الجرنال وبس ومش بنشوفه مكتوب فى شريط نشرة الأخبار وبس، احنا جيل بنعيش اللحظات دى فى بث حى مباشر من خلال مواقع التواصل الاجتماعى اللى اتفرضت على حياتنا وبقت جزء لا يتجزأ مننا..

بنشوف ناس بنتابعهم بيصوروا لايف وبيستشهدوا قدام عنينا فى نفس الثانية...

للأسف الجيل ده شايل فوق طاقته نفسياً، روحه بيتم استنفاذها بكم الأخبار اللى بتوجع القلب وبنسمعها فى كل ثانية..
جيل بيعزّى فى صحابه اللى فى سنه..
جيل ربنا كتب عليه يعرف معنى الموت الفجأة، انا زمان وانا طفلة مكنتش بسمع عن حالات الوفاة الا فى كبار السن اللى حالتهم الصحية متأخرة جداً لكن دلوقتى سبحان الله بقينا فى زمن الموت الفجأة وانتشر بيننا موت الشباب.. وبقينا بنعزّى أكتر ما بنجامل بعض فى مناسباتنا السعيدة..
جيل عاش فى زمن الكورونا اللى حصدت - بأمر الله - أرواح أقرب المقربين وفى مننا كتير أوى فقدوا أبوهم وأمهم ورا بعض والفرق بين وفاتهم كان مجرد أيام...و المفروض انه يتجاوز كل ده ويقدر يكمل ويعيش..

احنا جيل بقى الفيس بوك عندنا معظمه (إنا لله وإنا إليه راجعون) أو طلب بالدعاء لفُلان عشان حالته حرجة..

احنا جيل انتشرت فيه أمراض مناعية وكتير من جيلنا عنده ابتلاءات فى أولاده وفى صحته وهو لسه فى عز شبابه، وده عمره ما كان اعتراض على أمر ربنا بالعكس، كل دى ابتلاءات ويا بخت اللى يصبر ويتكتبله أجر الصابرين وينجح فى امتحانه لإن الدنيا ما هى الا دار ابتلاء..

كلامى مش هدفه الشكوى أو عدم الحمد، بالعكس احنا فى زحام من النعم بس حبيت انقلكم احساس الجيل ده وقد ايه هو حاسس بحِمل كاتم على صدره وتُقل فوق كتافه عشان معظمنا بقى مُحاط بأخبار سلبية من كل اتجاه..

انا مش بنكر ان الأجيال اللى سبقتنا عاشت أحداث صعبة ومرّت عليهم حروب وأحداث قاسية بس فعلاً كانوا ميعرفوش الا أخبارهم وبس، مكانوش شايلين هم غيرهم..

لو قفلوا التلفزيون اللى كانت قنواته محلّية وتتعد على صوابع الإيد الواحدة كانوا هيفصلوا تماماً عن العالم..

مكانش عندهم بدل القناة ألف وبدل الفيس بوك انستجرام وتويتر..

مكانوش يعرفوا ان فُلان وفُلان ماتوا أو ان علان تعبان وأهله موجوعين عليه الا بالصدفة لو قابلوا حد من قرايبه...

احنا بقينا بنعيش الوجع مع الشخص الموجوع حتى لو منعرفوش..

حتى لو كان كل اللى يربطنا بيه بوست عملناله شير على الفيس بوك..

جيل حتى لما بيشوف المسلسلات المحترمة قلبه بيوجعه على شهدائنا وعلى أهاليهم وبنفضل متأثرين بالأحداث ومش بنعرف نخرج منها بسهولة..

كذا مرة اتكلمت مع أصدقائى من الدكاترة النفسيين وأكدولى ان جيلنا ده كله محتاج يروح لدكاترة ومختصين لإن أغلب العيادات شباب لسه مدخلوش كليات وعندهم اكتئاب حاد وتعددت أسبابه..

كل جيل عنده حِمل غير التاني..
كل جيل تعبه غير التاني..
إحنا مش جيل المتدلّعين، احنا جيل شايل كتير جواه وساكت... إحنا جيل الغلابة.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة