عبدلله البقالي - نقيب الصحفيين المغاربة
عبدلله البقالي - نقيب الصحفيين المغاربة


حديث الإسبوع

النظام العالمي يجتاز امتحانا عسيرا والنتيجة شبه محسومة

الأخبار

السبت، 22 مايو 2021 - 10:41 م

بقلم/ عبدلله البقالي - نقيب الصحفيين المغاربة

 

تصر جائحة كورونا على مواصلة إلقاء مزيد من الأحجار الكبيرة فى بركة العلاقات الدولية غير الراكدة أصلا، بأن تستمر فى طرح كثير من الإشكاليات المستعصية التي تضع العلاقات الدولية بين الشعوب والدول، ومن خلالها النظام الدولي السائد، فى مواجهة امتحانات عسيرة ترتبط بمصداقية منظومة قيم التضامن والتعايش والتعاون بين الدول.


الأمر يتعلق هذه المرة بالدعوة التى رفعتها بعض الدول إلى منظمة الصحة العالمية، والتى تقترح من خلالها إلغاء حقوق الملكية المتعلقة بصناعة اللقاحات المضادة لفيروس كوفيد 19 الذى دفعت البشرية ثمنه غاليا حتى الآن بوفاة مئات الآلاف من الأشخاص، وكانت تكلفته جد مرتفعة على الاقتصاد وعلى الأوضاع الاجتماعية لمئات الملايين من الأفراد فى مختلف أنحاء المعمور.


انطلقت المبادرة من عريضة وقعتها العشرات من الشخصيات العلمية والسياسية والأدبية الحاصلة على جائزة نوبل من مختلف فروعها، ومن مسؤولين سياسيين وحكوميين من رؤساء دول ورؤساء حكومات سابقين وحاليين تطالب منظمة الصحة العالمية بإلغاء حقوق الملكية وبراءات الاختراعات على جميع اللقاحات التى تم اكتشافها لحد اليوم للقضاء على وباء كورونا.


و يرى أصحاب المبادرة أن هذا الإلغاء سيمكن من تذويب الفوارق الشاسعة بين الدول والشعوب فيما يتعلق بالاستفادة من اللقاحات، ويجعل البشر فى جميع أنحاء العالم سواسية فى مواجهة خطر يهدد حياتهم. كما يرى أصحاب هذه المبادرة الإنسانية أنه من شأنها تذويب جليد التفاوتات والفوارق بين شعوب العالم فيما يتعلق بإنتاج اللقاحات، وهى الوسيلة الوحيدة الكفيلة بجعل اللقاحات في خدمة البشرية جمعاء، وتحريرها من قبضة الهاجس التجارى الذى يضع الأرباح المتحصلة من هذه الصناعة قبل أى هدف آخر، ولو كان هدفا إنسانيا سينقذ البشرية من خطر حقيقى يهددها. وتبرير هذه المبادرة يكمن فى أن اكتشاف هذه اللقاحات استفاد من مبالغ خيالية من المال العام، الذى وضعته الحكومات رهن إشارة المختبرات، وبالتالى فإن هذا المال العام يجب أن يعود بالنفع على البشر جميعهم على قدم المساواة، كما أن المنتجين لهذه اللقاحات استفادوا مما راكمته البشرية من خبرات وتجارب فى صناعة اللقاحات السابقة ولا يعقل أن تستغل المختبرات هذا الرصيد البشرى في الاستفراد باحتكار لقاحات اعتمدت على ما ادخرته هذه البشرية من تجارب.


طبعا، فإن الشركات المنتجة لهذه اللقاحات لا تشاطر هذه المبادرة الإنسانية أهميتها، وتحتمى بحقوق الملكية وبراءات الاختراع، لأنها تراها مناسبة من المناسبات التى تتيحها الأزمات الطارئة فى العالم، لمراكمة الأرباح المالية على حساب مآسى البشرية ومعاناتها، وتتستر فى صعوبة إشاعة حقوق الإنتاج بالقول إن هذه الصناعة تحتاج إلى الخبرة العلمية، و إلى الكفاءة والإلمام بتفاصيل الصناعة الدوائية المتخصصة والدراية بعالم الفيروسات والبيولوجية، كما أنها ترتهن إلى بنية صناعية جد متطورة، وبالتالى فإن إشاعة حقوق ملكية التلقيحات تعرض هذه التلقيحات إلى أخطار كثيرة جدا قد تكلف البشرية ثمنا باهظا. وبما أن المختبرات المنتجة للقاحات تنتمى للدول الكبرى، فإن حكومات هذه الدول هى التى عارضت هذه المبادرة لحد الآن، وإذا ظهر السبب بطل العجب، ذلك أن التوقعات تشير إلى أن شركة (فايزر) مثلا ستربح من عائدات بيعها للقاحها ما يتجاوز 21،6 مليار أورو فى سنة 2021 لوحدها، فى حين تصل أرباح شركة (موديرنا) ما يتجاوز 15 مليار دولار، وأن إشاعة حقوق الملكية سيضيع عليها، وعلى باقى الشركات ثروات مالية خيالية.


فريق آخر طرح للتداول طريقا ثالثا فى هذا النقاش الذى تزداد حدته مع مرور الأيام، حيث اقترح اعتماد اتفاقيات شراكة فيما يتعلق بالإنتاج، بما سيتيح لدول عديدة المساهمة الفعلية فى الإنتاج من خلال تشييد وحدات صناعية فيها، ويستدل على فعالية هذا الاختيار بالتوقيع على 300 اتفاقية شراكة للإنتاج لحد الآن. وهذه صيغة بقدر ما تبدو فى شكلها توافقية، فإنها فى العمق لا تلغى الاحتكار، وتطرح إشكاليات كبرى فيما يتعلق بانتقاء الدول المؤهلة لذلك، وطبيعة هذه الشراكات ومضامينها.


الأمر يبدو فى شكله خلافا عاديا بين حكومات دول تتمتع فيها شركات تجارية عملاقة بنفوذ كبير، ويمتلك المستثمرون فيها تأثيرات قوية على مراكز صناعة القرار، وبين أوساط مدنية وحقوقية تنظر إلى العلاقات الدولية من الجانب الإنساني، بحيث تكون كل الأنشطة الإنسانية فى خدمة البشرية جمعاء، ولكن من الصعب الإنكار بأن الخلاف ذو هوية قيمية ترتبط بالقيم والمبادئ التى يجب أن تحكم العلاقات الدولية فى زمن الأزمات الطارئة والكوارث الطبيعية، حيث تنتصر قيم التضامن والعدالة الاجتماعية والمساعدة والتكامل بين الدول والشعوب على حسابات الربح والخسارة.


هناك خلاف بين من يرهن حياة الإنسان بحجم الأرباح التى سيجنيها من توظيف المآسى الإنسانية، وبين من ينظر إلى المجتمع الدولى كمجتمع واحد متضامن ومتكامل، لأنه لا يوجد أى تبرير أو حتى تفسير لترك بشر فى منطقة ما من العالم يلقى مصيره المحتوم بسبب عجزه عن مواجهة أزمة صحية طارئة، بيد أن بشرا آخر فى منطقة أخرى من نفس العالم لا يجد صعوبة فى امتلاك أدوات وإمكانيات التصدى لتداعيات وآثار هذه الأزمة، بسبب لون بشرتهم أو بفضل انتمائهم الجغرافي، أولسبب ما يفاضل بين البشر فوق البسيطة.


إنها فعلا لحظة امتحان عسير يعيشها النظام العالمى السائد، وكل المؤشرات تؤكد لحد الآن حدوث نكسة أخرى، حيث سينتصر المال على كل القيم والمبادئ، لأن هذا العالم، الذى تملؤه القوى العظمى بالشعارات الرنانة، لا يقوى على الانتصار للقيم والمبادئ ولمختلف المراجع الإنسانية.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة