نساء الشرق المنعمات فى عيون المستشرقين
نساء الشرق المنعمات فى عيون المستشرقين


مضيافات.. متطرفات فى الحب.. قاسيات فى الانتقام

المصريات فى عيون المستشرقين

آخر ساعة

الأحد، 23 مايو 2021 - 12:54 م

رشيد غمرى

تنوعــت كــتابات المستشــرقـين عـــن المــــرأة المصرية، خصوصا مع تحول الشرق إلى شغف غربى بعد ترجمة «ألف ليلة وليلة»، والتى صبغت منطقتنا بالغموض والإثارة. وسواء كان دافعهم هو الفضول المعرفى، أو خدمة الأهداف الاستعمارية، فقد قدموا لها صورا متباينة، تتراوح بين الخـــيال والرومانســية، وحـــتى الاستعلاء والعنصرية. وهو ما يستدعى إعادة قراءتها، لفهم وضع المرأة، فى تلك الفترات. وأيضا لتحليل الخطاب الاستشراقي، وفهم دوافعه.

لا يمكن فهم مجتمع إلا بمعرفة وضع المرأة فيه. ونظرا لقلة ما كتب محليا عن تفاصيل الحياة الاجتماعية خلال قرون خلت، تبرز أهمية ما رصده المستشرقون. وإن كان إنتاجهم يحتاج إلى فحص، لاعتبارات عديدة، منها صعوبة تقصى أحوال النساء فى مجتمع شرقى مغلق. فضلا عن الصورة الذهنية المسبقة التى كان من الصعب التحرر منها حتى لدى المستشرق المنصف.

غرام وانتقام

فى كتابه "رسائل عن مصر" تحدث الرحالة الفرنسى "كلود إيتان سافاري" عن المصريات وأحوالهن. كان قد زار مصر عام 1776، وقدم دراسة لمختلف جوانب الطبيعة والحياة. وعبر عن إعجابه بالحياة البسيطة للفلاحات، وذهابهن إلى شواطئ النهر لملء الجرار والاستحمام، حيث تطفو ضفائرهن على سطح الماء، بعد أن يكن قد فركن أجسادهن بالطمي. ووصفهن بالرشيقات والجميلات. كما رصد جوانب من الحياة الخاصة للنساء، وأشار إلى النأى بهن عن الحياة العامة، وأن أكبر أمانيهن هى إنجاب الأطفال. كما وصف انعزالهن داخل عالم الحريم فى المدن، حيث لا يظهرن بصحبة الرجال، ولا حتى يتناولن الطعام معهم إلا فى مناسبات خاصة. لكن كان يسمح لهن بالذهاب إلى الحمام مرة أو مرتين فى الأسبوع. وهى فرصة للتزين والنميمة والاستماع لقصص الحب. ووصف المرأة المصرية بأنها مضيافة، تستقبل زائراتها بالترحاب، حيث تحمل الجوارى القهوة، ثم يدور الحديث والسمر، وتقدم الفواكه. وبعد ذلك تحمل الجوارى ماء الورد ليغسلن أيديهن. ويحرقن البخور، وتبدأ الجوارى بالعزف والرقص. وقال إن الحرملك يتمتع بالخصوصية، حيث يمنع على رجال البيت دخوله فى وجود زائرات. وأشار إلى أن هذه الخصوصية، كانت تسمح لبعض العشاق بالمغامرة، والتنكر فى هيئة امرأة والتسلل إليه، فإما فاز ببغيته فى لقاء محبوبته، أو اكتشف أمره، وحكم عليه بالموت. ووصف المصريات بأنهن مفرطات فى العشق والغرام، ولكنهن متطرفات أيضا فى البغض والانتقام. وأن الكثير من قصص الحب، كانت تنتهى نهايات مروعة. 

حرمان

الرحالة والمستشرق "قسطنطين فولني" عارض الكثير مما جاء عند "سافاري". وفى كتابه "رحلة إلى مصر وسوريا"، تهكم عليه قائلا: إنه لا يمكن النظر للنساء المصريات على أنهن جميلات، ورشيقات إلا إذ كان الشخص يعانى من الحرمان. كان هذا الرحالة والسياسى قد أتى إلى مصر بتكليف لاستطلاع أحوال البلاد، قبل الحملة الفرنسية بأكثر من عشر سنوات. وقد وصفه "إدوار البستاني" مترجم كتابه، بأنه توغل داخل المجتمع، مستعينا بنساء فرنجيات لاستطلاع شئون المصريات، فى محاولة لتقديم صورة دقيقة عن الأحوال والطبائع. ومن ضمن ما وصفهن به أنهن أشباح يرتدين زيا واحدا، ولا يبرز من شكلهن الإنسانى سوى عينى امرأة. كما أشار إلى تعرض النساء للعقاب الوحشى لأدنى إخلال بالعفاف، حيث يذبحن عند أقل شبهة.

ورغم أن الرحلتين كانتا متقاربتين، لكنهما عكستا نظرتين مختلفتين. كان الأول رومانسيا أما الثانى فقد وصفه المؤرخ "جون مارى كارييه" بأنه متشائم، ويميل إلى الشعور بخيبة الأمل. وبشكل عام رأى "فولني" فى مصر مكانا مضجرا قبيحا تصعب الحياة فيه. 

وشم

حاولت الحملة الفرنسية تقديم دراسة واقعية عن مصر مزودة بالرسوم من خلال كتاب وصف مصر. وقد تحدث الكتاب عن نساء الطبقة العليا بقوله إنهن يقضين أوقاتهن راقدات فى الفراش أو جالسات على وسائد رخوة، ومحاطات بعدد من الجواري، واللاتى يتنافسن لتلبية احتياجات سيدتهن بمجرد النظر، ودون حاجة لكلام، وهو ما يؤدى مع الوقت إلى نوع من البدانة المفرطة. أما نساء الطبقات الفقيرة خصوصا فى الريف، فهن يعملن مع أزواجهن فى الحقول، ويربين الأطفال.

أما العالم شامبليون فقد تحدث عن زينة المرأة فى الريف، وقال إنها تتزين بالوشم، حيث تقوم بعمل بعض النقوش على الذقن أو اليد، وهى تتكلف خمسة بارات فقط، وتستخدم فيها عدة إبر مربوطة مع بعضها بخيط، لتغمس فى حبر أو محلول من الماء والفحم، وتغرس فى البشرة حتى تدمى.

تصحيح

الرحالة والأديب "جيرار دى نيرفال" زار مصر عام 1843 بصحبة صديقه الأديب "جوستاف فلوبير". وهو معروف بنظرته المتعاطفة مع الشرق المسلم. وقد فند مزاعم "مونتسيكيو" التى أوردها فى كتابه "رسائل فارسية" عن نساء الشرق. وأفرد فصلا كاملا عن نساء القاهرة بالذات، ووصف ما يتمتعن به من كرامة، وعن المكانة التى يعطيها الزوج لزوجته، حيث يخصص لها جناحا فى البيت لتستقبل فيه زائراتها.

الرحالة والمستشرق الإنجليزى "إدوارد وليام لين" زار مصر عام 1833، ووصف بدقة انقسام البيوت إلى السلاملك والحرملك، وأن الأخير ليس مكانا للمتع والشهوات، ففيه تدبر شئون البيت، ويربى الصغار، وتدرب الفتيات على الطهى والتطريز، وترتب شتى مناحى الحياة. وقد ساعده على تقديم صورة واقعية اصطحابه لشقيقته "صوفيا" والتى استطاعت ولوج حرملك القصور وبيوت الطبقة المتوسطة، ونقلت له الوضع على الطبيعة، حيث حظيت النساء بحياة اجتماعية ثرية، يتنقلن خلالها فى تبادل شبه يومى للزيارات من حرملك إلى آخر. وهو ما يوضح أن المستشرقين الأوائل كانوا يسقطون خيالاتهم الخاصة على الصور التى يقدمونها رسما أو كتابة عن الحرملك بوصفه سجنا، تحبس فيه المرأة كمحظية.

صور من الخيال

الكثير من لوحات المستشرقين رسمها فنانون لم يزوروا الشرق، ولكن سمعوا أو قرأوا عنه. وقد وجدوا فى ذلك العالم متنفسا لإبداعهم وخيالهم، بعيدا عن تكرار استلهام الفنون الإغريقية والرومانية، كما يرى "لين ثورستون" فى كتابه "النساء فى لوحات المستشرقين". وحتى من زار الشرق منهم، لم يكن بوسعه دخول عالم النساء لتصويره، إلا فيما ندر. وقد بالغ بعضهم فى خياله، وقام برسم لوحات للنساء فى الحمامات، كما عند "دومينيك إنجر". ولكن تغيرت النظرة للشرق بعد معاينته. وظهرت النساء خارج نطاق الحريم. وعلى سبيل المثال، شاهدناهن يزرن الأضرحة فى لوحات "كارل فريدريك" من القرن التاسع عشر. ورأينا حاملات الجرار لدى الفرنسى "ليون بيللي". وصورت بعض اللوحات النساء، يقمن بالنسيج والحياكة والفلاحة وغسل الثياب والبيع والشراء فى الأسواق. وحتى من أعادوا تصوير الحرملك، قدموه بشكل مختلف. وظهر لدى الإنجليزى "جون فريدريك لويس" كمكان، رأى فيه الأوروبيون شبيها بمجتمع بيوت وقصور العصر الفيكتورى لديهم. وهى الأعمال التى أحدثت ضجة فى باريس منتصف القرن التاسع عشر. هذا التوجه استمر فى أعمال فنانين آخرين من أمثال "فريدريك جودول" و"آرثر بريدج مان". 

فى كتابه "الاستشراق.. المعرفة" يطرح إدوارد سعيد فكرة أن الاستشراق ليس مجرد خيال الغرب عن الشرق، ولكنه مؤسسة لها بنيتها النظرية والعملية، وقد أنفق عليها ببذخ لتحقيق أهداف استعمارية فى الأساس. وقد عكست كتابات نخبة من الكتاب الاستشراقيين نظرة عنصرية وإمبريالية تجاه الشرق، تبرر فكرة الاستعمار، وخلقت لوحات نساء الشرق نوعا من تأنيث هذه البلدان، فى مقابل قوة الغرب وفحولته تبريرا لغزوه.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة