د. مبروك عطية
د. مبروك عطية


يوميات الأخبار

شكر الناس على فضلهم

الأخبار

الخميس، 27 مايو 2021 - 07:41 م

رأيت بعض الأغنياء يعطون صاحب اللسان الحلو أكثر مما يعطون غيره من العجزة فى صناعة عبارات الشكر والثناء

السبت:

الناس ثلاثة صنوف

شكر الناس على ما يقدمون من فضل قبل أن يكون دينا؛ حيث دعا النبى صلى الله عليه وسلم - على شكر الناس، وجعله من شكر الله عز وجل، روى أحمد فى مسنده قول النبى -صلى الله عليه وسلم - من لا يشكر الناس لا يشكر الله «فقبل أن يكون دينا هو لصالح الشاكر؛ لأن الناس ثلاثة صنوف.

الأول: من يقدم الخير ابتغاء وجه الله، وحده، فلا ينتظر من الذين أحسن إليهم جزاء ولا شكورا، وهو بنص القرآن الكريم: «ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا. إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا، إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا، فوقاهم الله شر ذلك اليوم».

وبالبلدي: والصنف ده نجيبه منين؟

إن هذا الصنف نادر الوجود، فهو يمثل الأبرار، والأبرار قلة بينما الفجار كثرة، وكنا نود أن يكون هذا الصنف غالبا كثيرا؛ لأن الشاكرين قليلون؛ ألا ترى إلى قول الله تعالى: «وقليل من عبادى الشكور» كنا نود ذلك الصنف فى حياتنا حتى يأكل الجائع، ويسكن المتشرد، ويتعلم الجاهل برغم سوء سلوكه، بانعدام شكره، فهو مع هذا الصنف لن يحتاج إلى بذل جهد فى الشكر، فالذى ينعم عليه لا يحتاج إلى شكر منه، ولا إلى جزاء، ومكافأة؛ فقد احتسب عند الله ما قدم، ولا يرجو جزاء ولا شكرا إلا منه عز وجل، فشكر الذين أنعم عليهم من فضل هو وعدم شكرهم عنده سواء، فهنيئا لمن وقع فى طريق هؤلاء، وهؤلاء كما ذكرت لا ينتظرون.

والصنف الثانى: من يرجو شكر الله، ويرجو معه شكر الناس، ولا بأس بهذا، أى أنه غير مذموم شرعا، والدليل على ذلك أن رجلا جاء إلى النبى -صلى الله عليه وسلم، وقال له: يا رسول الله، إنى لأتصدق فى السر، فلما يكون الصباح يعلم الناس أنى صاحب الصدقة، فيتحدثون؛ فيسرنى ذلك، أو يضيع أجرى؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: لك أجر السر وأجر العلانية، فهذا دليل على أن من سره أن يشكره الناس على ما قدم من خير لا يضيع ذلك أجره، بل له أجران كما ثبت فى الحديث الشريف، ونحن نحرص كل الحرص على بقاء هذا الصنف، بل على كثرته؛ لأننا لن نتكلف الكثير من أجل إدخال السرور عليه بكلمة تسره، وتجعله يستمر فى عطائه الذى نحن فى حاجة إليه من غير شك، فالحياة تكاليفها باهظة ومرهقة، ومن يتحملها عنا، أو يتحمل جزءا منها يريح نفوسنا من الشعور بالعنت والشقة، ويدخل علينا البهجة، ومن يدخل علينا البهجة كان من حقه أن ندخل البهجة عليه، والسرور على قلبه.

والصنف الثالث: صنف يفعل الخير، وينفق المال ابتغاء ثناء الناس وحدهم، لا يعرف وجه الله، ولا يحتسب عنده تعالى شيئا، وهذا الصنف معروف بالمرائين، وقد توعدهم الله تعالى بذهاب أجرهم حين قال فى سورة البقرة: «فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدى القوم الكافرين»، أى مثل هذا المرائى مثل حجر ناعم عليه تراب، فأصابه مطر شديد؛ فتركه أملس ناعما، لم يبق عليه المطر الشديد ذرة من تراب، وكذلك المرائى الذى ينفق إن رأى الناس حتى يمدحوه، فإن لم ير أحدا منهم لم يضع يده فى جيبه ليخرج شيئا، وفى سورة الماعون يقول ربنا سبحانه: «فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون».

وقد ورد فى الحديث أن مثل هذا المرائى يأتى يوم القيامة، فيقول الله لملائكته: خذوه إلى النار، فيقول: يا رب، لقد أنفقت مالى على الفقراء والمساكين! فيقول الله عز وجل له: كنت تنفق؛ ليقال: كريم، وقد قيل، أى أنك لا أجر لك عندى ولا ثواب، لأن ثوابك قد حصل، وهو أن يقول الناس فيك: إنه كريم، أما وقد قالوا فلا أجر لك عندى، ولا ثواب؛ لأن الأجر والثواب عندى لمن أنفق لوجهى، لا لمن أنفق لوجه الناس.

ومع هذا الوعيد، وذاك المصير المخزى، وبغض الله سبحانه لأهل الرياء، لم يقل الله للفقراء: لا تأخذوا منه، بل إنهم يأخذون، ويسدون حاجتهم، ولا انشغال لهم بحال ريائه، ولا بسوء مصيره.

وما يعنينا هو أن نبين موقف المحتاج من الذين يريدون الشكر ممن يحسنون إليه، أنصح لهم بأن يشكروهم؛ وهم مؤمنون بأن ذلك من حقه، ولا يخالف الدين فى شيء، كما بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الأحد:

أحلام يسيرة دونها أهوال

وقد تفكرت فى هذا العنوان الذى هو أقرب إلى عنوان قصيدة من الشعر منه إلى عنوان موضوع دينى، وصنعت منه كتابا، ونشرته، ودعاتى بسببه العلامة الأستاذ الدكتور عبد المحسن القحطانى لإلقاء محاضرة حوله بنادى جدة الأدبى الذى هو رئيسه، وكانت أمسية طيبة، حضورها كثر من الرجال والنساء، والإعلام، ويطيب لى فى تلك اليوميات العزيزة أن أطوف حوله بمناسبة هذا الموضوع، فشكر المنعم من مقتضيات العقل، وهو شيء يسير، ولكن دونه أهوال من سواد فى النفس، وتوهم لمعنى الكرامة، وسوء فهم للدين، فمن الناس من يأخذ غير شاكر، لشيء فى نفسه عبرت عنه العوام بقولها: كأنه حق مكتسب، يعنى لماذا أشكره، وهذا من حقى عليه، وبعضهم يقول: لماذا أشكر فلانا، وهو مهما قدم فلن يرد لى بعض أفضالى عليه، أو بعض أفضال والدى رحمه الله عليه، وبعضهم لا يشكر لأنه يتوهم أن هذا الشكر منقص كرامته، كأنه يرى أن الشكر فيه نوع من المذلة، وفيه انتقاص من قدر سيادته، وهذا يكاد ينطبق عليه قول القائل: «فقر وعنطزة» ومنهم من لا يشكر تمسحا بالدين وسوء فقه له: لأنه يقول: إنما الشكر لله وحده، وكأنه لم يطلع على هذا الحديث النبوى الذى جعل فيه النبى صلى الله عليه وسلم شكر الناس من شكر الله، فمن شكرهم فقد شكر الله، ومن لم يشكرهم لم يشكر الله الذى وضع فى قلوبهم الشفقة به، وأخرجوا من أجله العزيز الغالى، ألا ترى إلى قول الله تعالى: «ويطعمون الطعام على حبه» وقوله عز وجل: «وآتى المال على حبه» فما الذى جعل هذا الحبيب الغالى يراق كما يراق الماء بسهولة وبلا عثرات بغض النظر عن صنف من اراقه، مطلوب من الذى أخذ أن يشكر، هذا منهج ربنا تعالى، جاء ذكره فى قصة سبأ حيث قال ربنا: «لقد كان لسبأ فى مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور» وقال تعالى فى قصة موسى عليه السلام فى سورة الأعراف :»فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين» فالذين يأخذون ولا يشكرون معرضون للحرمان؛ لأن جميع من يعطون ليسوا من الصنف الأول، الذين هم الأبرار، الذين يطعمون الطعام، ولا ينتظرون جزاء ولا شكورا من أحد ممن أعطوهم، وإنما فيهم من يسره الشكر، وفيهم من لا ينتظر سواه، وهوالمرائى، وقد بينت أن الشرع لم ينه المحروم والبائس والمسكين عن الأخذ منه، وحسابه على ربه تعالى، لكن ماذا نفعل أمام الجهل بالدين الذى تجسدت فيه شعارات، ظاهرها حق، لكن باطنها عين الضلال، ومن تلك الشعارات قولنا: الشكر لله وحده، وتلك العبارة بالمناسبة غير صحيحة؛ لأن الله عز وجل قال فى آية لقمان: «أن اشكر لى ولوالديك» فلو كان الشكر لله وحده لما قال سبحانه: «ولوالديك» وإنما العجيب أنه عدى الفعل باللام مع الوالدين كما عداه بها معه عز وجل، والعربية تعرف شكره وشكر له، وتعدى شكر باللام يفيد بذل أقصى الجهد فى الشكر، وهو سبحانه وتعالى أهل له، وبهذه الطريقة صار الوالدان أهلا له كذلك.

الاثنين:

سؤال وجواب

سألنى رجل كريم فقال: عندى خادمة أرملة، وتربى أيتاما، وهم فى حاجة، فهل يجوز أن أعطيها من زكاة مالى؟

وأجبته: يجوز لك أن تعطيها من زكاة مالك بشرط أن يكون الراتب الذى تعطيها إياه هو أجر مثلها الذى يمكن أن تتقاضاه من غيرك، أو تتقاضاه مثلها عند غيرك، وهى أولى بما تعطيها إذا كنت تعرفها جيدا، وتعرف صدقها فى شكواها، لكن لا يصح أن تنقصها راتبها الذى تستحقه فى مقابلة ما تقدمه لك من خدمة، على أن تكمل هذا الراتب من مال زكاتك، فهذا تدليس، وهو حرام بلا خلاف.

هذا وقد رأيت بعض الأغنياء يعطون صاحب اللسان الحلو أكثر مما يعطون غيره من العجزة فى صناعة عبارات الشكر والثناء، وهو مما ينبغى أن ننبه إليه، فلا تخدعنك عبارات المديح، فتعطى من لا يستحق، تاركا غيره المحتاج بالفعل لأنه مقصر فى شكرك، وهذا يجعلنا نقول له كن من أولئك الذين يعطون ولا ينتظرون جزاء ولا شكورا إلا ممن يملك الملك وحده، وانتبه إلى أن هؤلاء حين قالوا: «إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا «قال الله: فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا» أى أنه تعالى حقق لهم ما يريدون، وآتاهم ما سألوا، ووعد الله حق، ولا تبديل لكلماته، وهذا يدعونا جميعا أن نجتهد فى أن نكون منهم حتى يحقق الله لنا الخير فى الدنيا والآخرة.

ومن ثمرات الله لهذا الصنف فى الدنيا أنه يرفع عنهم ما يحمله غيرهم من عنت المفارقة بين حسن صنيعهم، وسوء صنيع من يحسنون إليه، فالناس تعانى عللا وأمراضا نفسية بسبب الجحود والإنكار من الطرف الآخر ألا تسمع قول الأخ الكبير فى أخيه الصغير، حيث يقول : ربيته بعد وفاة والدنا، وأنفقت عليه حتى تخرج، وحرمت نفسى من الزواج وزوجته، وكانت هذه هى النتيجة أساء إلى، وأهاننى، وقاطعنى، وأنكر كل ما قدمته له، لو كان هذا الأخ الكبير من الأبرار؛ ففعل كل ما فعل لوجه الله لما تأزم نفسيا من سوء ما فعل به أخوه، فوجه الله عز وجل دائما فيه الحل لكل معضلة، والخروج من كل ضيق.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة