رجائى عطية
رجائى عطية


مدارات

بين التدين والتصنع !

رجائي عطية

الجمعة، 28 مايو 2021 - 06:38 م

فارق بين التدين، وبين اصطناعه أواصطناع العلم بالدين ! لا تدهش من التعبير، فقد يغلب على رجل الدين مفهوم الصناعة، كصناعة الخزّاف أوالزجّاج أوالنجّار حين يفقد إحساسه الداخلى العميق بالدين، ويتعامل معه على أنه محض مادة علمية للدراسة أوللتفقه أوللاتشاح بها طلباً لمكانة العلماء، أو صيت وقبول الدعاة، أوكرامة الأولياء ! لفتنى الاقتراب من المتدينين البسطاء بلا تصنع، ومن متصنعى العلم بالدين ومن مسيّسى الدين، أن بين بسطاء المتدينين صفاء وسماحة وامتزاجًا بالدين وتخلقًا بشمائله وسجاياه، لم أجده فى بعض من يدعون العلم بالدين أوالساسة الذين يتخذونه « قنطرة » إلى منصة الحكم .. يتترسون بالدين، وقد لا تنطبع به نفوسهم ولا تلتزم به مسالكهم وتصرفاتهم ! شتّان بين شخص استقر الدين فى أعماق نفسه فملأ حناياه وصفحة وجدانه وضميره، وبين احتراف علم أوتفقه فاقد للروح مشغول بالتقعيد والتنظير، وبالتفاصح والتفلسف، وربما باصطناع الحكمة والموعظة، دون أن يحس بروح ما يشغل حياته ومسالكه ودروبه به، لأنه مصروف بالمظهر عن الإمساك بالجوهر، وبمكانة امتلاك العلم عن جمال تمثل روح الدين والتطبع به وبخصاله وأخلاقه وسجاياه وشمائله ! المسلم الحقيقى، هو آية ورسالة الإسلام إلى الدنيا . هذا المسلم هوالمسلم البسيط المتغلغل الإيمان .. قد لا يتسع علمه، ولكن يتسع فهمه لنقاء العقيدة والإحساس الصافى بمعنى وروح وجوهر الدين . آيته سماحته وبساطته وصدقه وإخلاصه وأمانته وتواضعه وعمله وتفانيه ووقاره .  صادفنى فى الحياة من يدعون العلم بالدين، بينما هم من أكثر الناس بعدًا عن تمثل معانيه والتخلق بسماحته، وأكثرهم إغراقًا فى النفاق والرياء والوصولية والانتهازية والحقد والغل والحسد وسواد القلب والضمير ! ظنى أن المظهرية قد شغلت معظم الناس عن المضمون والجوهر، فغرقت فى ذلك سلوكياتنا، مثلما غرقت أساليب الدعوة فى القضايا الشكلية المثارة .. فى هذا الزقاق انحسرت وتوارت دون أن ندرى صورة الإسلام الصحيحة، وغابت عن باطن الناس فتعلقت تصرفاتهم بالمظاهر والأشكال والأزياء .. وانصرفت أوانشغلت بها عن عمار النفوس وتعميق الداخل بقيم وجوهر الدين . لوتمثلنا الدين فى داخلنا وطبعْنا به نسيجنا والتزمناه حقيقةً لا شكلاً، لحسنت أحوالنا، ولما شابت صورة المسلمين فى نظر العالم ما علق بها من شطحات المتطرفين أو أوشاب المتنطعين . المسلم الحقيقى يفزع من قطرة دماء تسيل بغير حق، ويأسى لترويع الناس، ويتذوق الحياة فى لمسة وفاء أونفحة عطاء أوتسرية رحيمة أوتعاطف حنون أوعمل طيب يساهم به فى عمار الحياة ! الشطحات الشاذة التى نراها من التطرفين، أومن الإرهابيين ودعاة الإرهاب، لا تأتى من الفهم البسيط الحقيقى للدين، فبين البساطة والحقيقة قرابة وامتزاج، فالحقيقة بسيطة أبسط ما تكون، والبساطة تلتقى بالحقيقة حالة كونها مستقيمة متجردة من الأغراض التى تأخذ الناس إلى حيث تريد هذه الأغراض . الضلال هوحصاد الافتعال والتصنع، والغلو سوالمغالاة والتنطع .. فى حياتنا مسلمون بسطاء، وأيضًا علماء بسطاء .. تبلور علمهم العريض، إلى شحنة وهّاجة معطاءة بذاتها من النورانيات، ومن البساطة، لمستُ هذا بقوة فى المرحوم الشيخ أحمد حسن الباقورى وأحاديثة العميقة الطلية، ولمستُه بقوة فى الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوى هذا العبد الربانى الذى يفيض تواضعًا ورقة إنسانية، يلمسها منه البسطاء قبل العظماء، مثلما لمستُه فى الشيخ الدكتور محمود حمدى رزق المجدول بالدماثة والعمق والبساطة، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، الإمام المجدد، صاحب النظر العميق، والصفاء الصوفى، الذى حمل مسئوليات الأزهر فى بساطة ودماثة تقطران حكمة ورشادًا .. تزداد معرفةً بهم، وحبًّا لهم، كلما اقتربت، فتطالعك السماحة والصفاء، وعمق الإيمان الممتزج بالدين، وفى التخلق بشمائله، امتلكوا العلم، مجدولاً فيه جمال تمثل روح الدين والتطبع به وبسجاياه وأخلاقه . وشمائله، فعاشوا فى قلوب الناس . 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة