د. عالية المهدى  أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة
د. عالية المهدى أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة


التعافي الاقتصادي العالمي من جائحة كورونا يشعل أسعار الصلب في العالم

أخبار اليوم

الجمعة، 28 مايو 2021 - 09:49 م

فى ذروة جائحة كورونا العام الماضي، ومع توقف الأنشطة الاقتصادية فى معظم دول العالم توقفت مصانع كثيرة عن الإنتاج، إما كليا أو جزئيا، لعدم وجود طلب استهلاكى كافى، وانعكس ذلك على أسعار المواد والسلع الأساسية التى انهارت تحت ضغط تراكم المخزون الضخم وشح الطلب، وكذلك أسعار الطاقة من غاز وبترول، التى وصلت أسعارها الى أقل مستوى لها منذ عشرات السنين، حيث سجل سعر الغاز المسال فى الأسواق الفورية أقل من 2 دولار للمليون وحدة حرارية مقارنة ب 18.5 دولار قبل الجائحة، ووصل سعر البترول الى 11 دولارا للبرميل، بعد ان كان 60 دولارا. 

وفى ظل هذه الظروف التى لم تشهدها الأسواق العالمية منذ الكساد الكبير الذى ضرب الولايات المتحدة فى الفترة من 1929 −1933 توقف العديد من مصانع الصلب عن الإنتاج، وذلك لموازنة العرض مع الطلب المحدود، وخاصة مع الانخفاض الحاد فى نشاط بناء المساكن، وفى مبيعات السيارات والسلع المنزلية، وهى أهم القطاعات التى تخلق طلبا على منتجات الصلب.

ولكن مع استئناف النشاط الاقتصادى والتجارى فى النصف الثانى من عام 2020 والذى كان مصحوبا باتخاذ إجراءات احترازية مشددة للسيطرة على الجائحة بدأ الطلب فى العودة تدريجيا، وهو ما أدى الى ارتفاع الأسعار تدريجيا وبصورة ملحوظة بدءا من بداية الربع الرابع من عام 2020..

واستمرت ظاهرة ارتفاع أسعار الخامات فى العام الحالي، مع وجود تذبذب طفيف من فترة لأخري، مدفوعة بوجود شواهد للسيطرة على الجائحة، بعد ان بدأت الدول الكبرى فى تلقيح سكانها ضد فيروس كورونا، وقطع شوط كبير فيما يسمى بمناعة القطيع، وخاصة فى أوروبا وأمريكا، أما الصين والتى كانت من أوائل الدول التى استأنفت نشاطها الاقتصادى وبقوة غير مسبوقة مما أدى إلى تسجيل معدل نمو بلغ 18.2% فى الربع الأول من العام الحالي، مقارنة ب 2.9% لإجمالى عام 2020، هذا علما بأن الصين تمثل حوالى 60% من إجمالى الإنتاج والاستهلاك العالمى من الصلب..

وتشير تنبؤات صندوق النقد الدولى عن توقعات النمو الاقتصادى العالمى بأن معدل النمو متوقع له 6% هذا العام بعد أن كان سالب 4.9% العام الماضي، وهو ما يعطى دلالة على قوة التحول الاقتصادى العالمى فى أقل من عام، وما يمثله من ضغوطات على استهلاك الخامات والمواد الأساسية، مما يؤدى الى ارتفاع أسعارها بصورة كبيرة، وهو ما نراه الآن فى قطاع المعادن بصفة عامة والصلب بصفة خاصة، فعلى سبيل المثال ارتفع سعر النحاس بمعدل 103% عن أقل سعر له العام الماضى وهو 4476 دولار للطن حيث وصل الأن 9076 دولار للطن−كما ارتفع سعر الألمونيوم بنسبة 69% من 1406 دولار إلى 2383 دولار للطن وارتفع سعر الزنك من 1800 دولار الى 2955 دولار للطن بنسبة زيادة 64%   بينما ارتفع سعر خام الحديد بأعلى معدل فى مجموعة المعادن حيث زاد من 95 دولارا فى فبراير 2020 الى 224 دولارا فى مايو  2021بنسبة زيادة 136% وفقا لمؤشرات الأسعار العالمية المنشورة من "فاست ماركتس" وهى من أكبر مؤسسات أبحاث الصلب فى العالم، ومركزها لندن، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على أن النمو الاقتصادى يكون مصحوبا دائما بالطلب القوى على منتجات الصلب (وبالتالى زيارة أسعارها) حيث استهلاك الصلب أحد المؤشرات الرئيسية للدلالة على النمو الاقتصادى لأى دولة طبقا لمعايير الأمم المتحدة، بالإضافة الى مؤشرات أخرى مثل استهلاك الطاقة وغيرها..

ولفت الارتفاع الحاد فى أسعار الصلب نظر وسائل الاعلام العالمية، حيث أشارت جريدة النيويورك تايمز فى مقال لها بتاريخ 21 مايو الجارى الى أن السبب الرئيسى فى ارتفاع أسعار الصلب العالمية الى مستويات قياسية يرجع الى الانتعاش الاقتصادي، الذى يصاحبه زيادة الإنتاج الصناعى على خلفية تخفيف القيود، التى فرضت أثناء انتشار الجائحة.. وكانت صحيفة الفاينينشيال تايمز قد نشرت بتاريخ 10 مايو تحت عنوان "أسعار خام الحديد تقفز 10% على آمال التعافى الاقتصادى العالمي" أن أسعار الخام ارتفعت 10% خلال شهر أبريل فقط ليتعدى السعر 226 دولارا للطن، وهو مستوى قياسى طبقا للجريدة، أما "سى إن"  إن فأشارت فى تقرير لها بتاريخ 10 مايو وتحت عنوان "أسعار خام الحديد تصعد بسرعة الصاروخ مدفوعة بجنون الطلب على المعادن خاصة فى الصين" حيث أوضحت أن بورصة الخام فى الصين صعدت بمعدل 10% إلى أعلى مستوياتها عل الاطلاق..

وجدير بالذكر أن هناك علاقة ارتباط قوية بين صناعة الصلب المصرية والسوق العالمية، حيث تستورد مصر جميع مدخلات انتاجها من الخارج بصورة شبه كاملة سواء خام الحديد أو الخردة − المتوفر محليا لا يغطى غير 10% من الاحتياجات − والسبائك المعدنية، وبالتالى فان تحركات الأسعار العالمية فى الخامات لها تأثيركبير على التكلفة والأسعار المحلية. . والسؤال المثار الآن: هل كانت الزيادات السعرية الأخيرة فى أسعار الحديد متماشية مع زيادات تكلفة الخامات؟ والاجابة على هذا السؤال تتطلب بعض التفاصيل الرقمية، فأولا بالنسبة لأسعار الحديد كان متوسط سعر البيع لجميع المنتجين عند أقل حد له فى أغسطس2020 هو 9،450 آلاف جنيه لسعر المصنع شامل ضريبة المبيعات بينما متوسط السعر الأن (24 مايو) هو 14،245 ألف جنيه، أى أن أسعار بيع المصانع شهدت ارتفاعات بلغت فى مجملها 4820 جنيه (51%) .

وفى المقابل شهدت أسعار خام الحديد والخردة والبيليت وهى جميع مدخلات الإنتاج لصناعة حديد التسليح فى مصر − زيادات كالتالي: ارتفع خام الحديد عند أقل نقطة له العام الماضى من95 دولارا الى 224 دولارا للطن الآن بزيادة 129 دولارا (136%).

ونظرا لأن المصانع المتكاملة تستخدم طن ونصف من الخام لإنتاج طن حديد تسليح تصبح الزيادة فى تكلفة الخام 193.8 دولار بما يعادل 3045  جنيه بالإضافة الى ذلك فان الخردة زاد سعرها من 208 دولارات الى 509 دولارات للطن (145%) الآن، وبزيادة 301 دولار، ونظرا لأن كل طن حديد يستهلك طناً و200 كيلو من الخردة تصبح الزيادة فى تكلفة الخردة 361 دولارا أى 5682 آلاف جنيه، كما ارتفع سعر البيليت من 336 دولارا إلى 703 دولارات(109%) وبفارق 367 دولارا ما يعادل 5776 آلاف جنيه، وذلك وفقا لمؤشرات الأسعار العالمية المنشورة من "فاست ماركتس".

لهذا يتضح لنا ان الزيادات فى الاسعار العالمية لمدخلات صناعة الحديد والصلب الأساسية تراوحت ما بين 109% و 136%، بينما أسعار الحديد زادت فى مصر خلال نفس الفترة بنسبة 51% فقط، علما بأن هذه المدخلات تمثل 70% إلى 85% من تكلفة الانتاج، لهذا فإن الزيادة النسبية فى اسعار حديد التسليح بمصر تعد اقل من الزيادات فى الاسعار العالمية لمدخلات صناعة الصلب من خام حديد او خردة او سبائك..

والنقطة الأخيرة التى يجب إيضاحها هى أن منظومة أسعار الخامات العالمية وأسعار البيع المحلية تسير دائما بنفس الاتجاه وبنفس المعدلات تقريبا، لأن السوق بها من الآليات لعمل التوازن وضبط الإيقاع، حيث تعكس الأسعار اتجاهات التكلفة، كما أن هناك شفافية الكاملة لتحركات أسعار الخامات العالمية التى يعلم بها العملاء فى نفس الوقت التى تنشر فيه، بحيث يصبح الجميع على علم باتجاهات السوق العالمية فى حينه.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة