نوال مصطفى
نوال مصطفى


حبر على ورق

الكتاب الممنوع

نوال مصطفى

الأربعاء، 02 يونيو 2021 - 08:21 م

تحتاج الثورات العظيمة إلى أقلام عظيمة تعبر عنها، تحكى بسلاسة وتشويق أحداثها الدرامية، وترسم باحتراف ملامح أبطالها الأصليين. هذا ما فعله الكاتب القدير مصطفى أمين عندما سجل بقلمه أحداث ثورة 1919  فى حوالى ألف صفحة، كانت موضوع رسالته للماجيستير فى جامعة (جورج تاون) بالولايات المتحدة ثم ترجمها إلى العربية لينشرها فى حلقات بـ «أخبار اليوم» عام 1963.

بدأ نشر الحلقات، لكنها توقفت بأمر عال بتحريض من مراكز القوى المحيطة بالرئيس جمال عبد الناصر، رغم أن الرئيس هو من سمح فى البداية بنشرها عندما استأذنه مصطفى أمين. لم يتوقف الأمر عند هذا، بل وصل إلى منع طبع الحلقات فى كتاب بعد أن تعاقد عليه مصطفى أمين مع دار المعارف!

لكن الكتاب صدر بعدها بثمانى وعشرين سنة وبالتحديد عام 1991  من «كتاب اليوم» وكان رئيس تحريره هو الكاتب الأديب جمال الغيطانى رحمه الله. صدر فى جزءين بعنوان «الكتاب الممنوع.. أسرار ثورة 1991». وفى هذا الكتاب يطل عليك كاتب بديع، بارع، يتمتع بحس صحفى عابر للقارات والأزمنة.

كتب مصطفى أمين عن سعد زغلول بإحساس مختلف عن كل الأقلام العظيمة التى كتبت عنه وثورته الخالدة فى الوجدان المصرى. فقد صدر عشرات الكتب عن سعد زغلول وثورة 1991 بأقلام كبار القامة عبد الرحمن الرافعى ودكتور حسين مؤنس ودكتور محمد أنيس ومكى الطيب شبيكة ومحمد عبد الفتاح أبو الفضل وعبد العظيم أنيس، لكن كتاب مصطفى أمين نفذ إلى أعماق شخصية زعيم الأمة، واكتشف الخبايا والأسرار التى لم يصل إليها أحد. والسبب فى هذا أنه تربى فى بيت سعد زغلول هو وشقيقه التوءم على أمين، كان سعد خال أمهما، وتبناها بعدما توفى والداها.

شهد وهو طفل صغير اجتماعات مركز قيادة الثورة، كما قاده شغفه إلى العثور على مذكرات سعد زغلول بخط يده، وكذلك مذكرات قادة الثورة. يحكى مصطفى أمين عن طفولة سعد ولدا مرحبا به جاء من زيجة ثانية لوالده تمنى فيها أن يرزق بولد، فكان سعدا. أما سنوات التكوين فقد شهدت شابا مستنيرا مؤمنا بدور المرأة، مؤكدا على أن أمه هى التى جعلته يحترم هذا الدور ويثمنه، لأنها كانت كاملة العقل والدين، وهذا ما دفعه لأن يطلب من زوجته صفية زغلول قيادة الحركة الوطنية عندما نفاه الانجليز فى جزيرة سيشيل.

من أجمل ما جاء فى الكتاب الممنوع أن ثورة 19 لم تكن لمقاومة الاحتلال البريطانى فقط، بل كانت ثورة اجتماعية أيضا، فقد اختار سعد زغلول الأفندية ليكونوا وزراء، وقد كانت الوزارة فى مصر مقصورة على الباشوات وكان سعد يباهى بأنه زعيم أصحاب الجلاليب الزرقاء، وأن حكومته هى حكومة الرعاع. وأطلق على وزارته وزارة الشعب. وكانت أول حكومة مصرية تعلى شأن النقابات العمالية وكافة النقابات.

هناك حكاية لا تخلو من طرافة عن محاولة الانجليز احتواء سعد زغلول وذلك بتنصيبه ملكا على مصر بشرط أن تستمر الحماية البريطانية وأن تنفصل مصر عن السودان. لكن سعد علق على ذلك قائلا: أفضل أن أكون خادما لبلادى المستقلة على أن أكون سلطانا فى بلادى المحتلة. وحكاية «أغنية يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح» التى أبدعتها وذلك ردا على منع نشر وإذاعة اسم سعد فى أى صحيفة أو إذاعة. والمقاومة الشعبية الرائعة التى نفذت فكرة كتابة اسم سعد على كل ورق البنكنوت المصرى أو الأجنبى. وأصبح ورقة العملة التى تخلو من كلمة «يحيا سعد» غير معترف فى تعاملات التجار وأولاد البلد.

الكتاب الممنوع كتاب يأخذنك إلى عالم مشحون بالإثارة، المغامرة، الشجاعة، وحب الوطن كتبه مصطفى أمين بحبر قلبه فوصل إلى قلوب الملايين.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة