هشام مبارك
هشام مبارك


احم احم !

محمد السيد .. لم يكن أبدا «أخرس» !

هشام مبارك

الأربعاء، 02 يونيو 2021 - 08:31 م

وددت لو قبلت يد كل واحد من هؤلاء الجنود، الذين إن كانوا مجهولين بالنسبة للقراء فهم معروفون تماما لدينا فعلى أكتافهم وبمجهوداتهم الجبارة تظهر جريدتنا «الاخبار» لحضراتكم فى موعدها.

لا يقل دور أى واحد منهم عن دور أى زميل من الصحفيين، كل ما هنالك أن دورهم الذى يقومون به يأتى بعيدا عن دائرة الضوء رغم أن كل واحد منهم يمثل لكل منا دائرة ضوء متكاملة بدونها يصعب علينا جدا أن نصل للقراء فى الموعد الذى يناسبهم.

وددت قبل أن أموت لو مررت عليهم جميعهم فى أماكنهم وقبلت يد كل واحد من هؤلاء سواء فى الإدارة أو فى المطابع أو فى التوزيع أو فى الخدمات المعاونة أو فى ذلك القسم الذى يعد من أهم أقسام إنتاج الجريدة وأقصد به قسم الكومبيوتر وهو القسم المسئول عن تجهيز الصفحات على الشاشات قبل إرسالها للمطبعة فى صورتها النهائية لتبدأ دورتها الأخيرة بين أنامل رجال المطبعة الذين يقومون بدورهم بتسليمها للتوزيع المسئول عن الوصول بجريدة الأخبار إلى كل شارع فى مصر وخارجها.

طبيعة قسم الكومبيوتر تجعل التعامل المباشر بين الزملاء فيه وبين الصحفيين أكثر من غيرهم من الأقسام. لذا ومع مرور الوقت تجعل كل العاملين فى هذا القسم على علاقة أخوة وصداقة مباشرة مع جموع الصحفيين فى الأخبار. نقضى معهم وبينهم يوميا وقتا أطول بكثير ممن نقضيه فى بيوتنا وسط أبنائنا فيتحول الكل إلى أسرة واحدة حقيقية تجمعهم الأحزان قبل الافراح فإذا كان فرح أحدهم أو احد أبنائهم وجدت الجميع من رئيس مجلس الإدارة وحتى أصغر عامل يتسابقون للحضور،أما إذا غاب أحد منهم فالمصاب مصاب الكل، والجميع يعزى بعضهم بعضا.

قبيل نهاية شهر رمضان الماضى رحل عن دنيانا واحد من هؤلاء الزملاء الذين عاشرتهم عشرات السنوات فى قسم الكمبيوتر، وأقسم أنى رغم كل هذه العشرة لم أكن أعرف أن اسمه الرسمى محمد السيد محمد حسن إلا عندما قرأت نعيه فى الجريدة فقد كانت شهرته واسمه الذى نعرفه به محمد الأخرس. حيث كان من أصحاب الهمم الذين حباهم الله بإرادة فولاذية جعلته قادرا على مسايرة التطور السريع فى ذلك القسم رغم ظروفه الخاصة.

كانت شهرته محمد الأخرس ولم يكن أبدا بأخرس. فإذا كان العمى هو عمى القلب والبصيرة وليس العين وكذلك الأخرس أو الابكم الذى انعقد لسانه عن الكلام إما لانه مولود بتلك الصفة أو فقدها نتيجة مرض او حادث او اى سبب آخر. هذا التعريف لا ينطبق أبدا على محمد الأخرس الذى لم يكن ابدا أخرس انعقد لسانه عن الكلام، فمن الذى قال إن اللسان فقط هو القادر على الكلام أو التعبير، ومن الذى قال أن لغة الكلام هي فقط حروف تتراص بجانب بعضها لتكون كلمة ثم عبارة ثم حكاية كاملة؟ نعم لم يكن محمد السيد ابدا أخرس أبكم إلا عن الكلام البذىء حيث لم يصدر منه أبدا أى إساءة فى حق أى زميل وقد تعاملت معه سنوات طويلة، كان يفهم ماذا اريد من مجرد نظرة وكان يلتهم ما أقوله له قبل أن أنطقه وهو يركز معى بنظراته الذكية المتحمسة والمتقدة دوما. ناهيك عن كرم أخلاقه ليس فقط فى إصراره على استضافتى بالشاى والقهوة بل كان يتنازل لى فورا عن كرسيه ليجرى هو يمينا وشمالا فى صالة الكمبيوتر ليأتى لنفسه بكرسى آخر.

هذه الكلمات ليست رثاء لمحمد السيد الذى طالما تحمل منى عن طيب خاطر كل ما كنت أقوم به من تعديلات وتبديلات على بروفة المقال ولكنه جهد المقل المعترف بقلة جهده واعتراف متأخر بالجميل له ولزملائه الأعزاء، ليتنى كنت قد قبلت يدك يا محمد قبل رحيلك وليتنى كنت قد قبلت يد كل واحد من هؤلاء الزملاء الذين سبقونا إلى الدار الآخرة ولعلى أفعل فى الجنة بإذن الله.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة