حاتم زكريا
حاتم زكريا


فى المليان

مـصـر تتعامل مـع قـضية سـد النهضة كدولة عريقة لها ارتباطات إقليمية ودولية

الأخبار

الخميس، 03 يونيو 2021 - 06:59 م

جاءت تصريحات أبى أحمد رئيس الوزراء الإثيوبى هذا الأسبوع لتضع مزيداً من مواد الاشتعال على الزيت فى قضية سد النهضة.. وهى القضية التى تحتاج منا جميعاً التصرف بشيء من العقلانية والمنطق إذا كانت هناك رغبة جادة فى إيجاد حلول تخمد النيران وتحد من العند و» لعب الأطفال « الذى يتخذه أبى أحمد أسلوباً لإثبات وجوده !!.. 
وكان السفير أحمد حافظ المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية المصرية أعلن يوم الاثنين الماضى رفض مصر ما جاء فى تصريحات رئيس الوزراء الاثيوبى أبى أحمد حول نية بلاده بناء عدد من السدود فى مناطق مختلفة من البلاد.. وأكد المتحدث الرسمى أن هذا التصريح يكشف مجدداً عن سوء نية « أديس أبابا « وتعاملها مع نهر النيل وغيره من الأنهار الدولية التى تتشارك فيها مع دول الجوار وكأنها أنهار داخلية تخضع لسيادتها ومسخّرة لخدمة مصالحها.. وقال أحمد حافظ إن مصر لطالما أقرت بحق جميع دول حوض نهر النيل فى إقامة مشروعات مائية واستغلال موارد النهر فى تحقيق التنمية لشعوبها الشقيقة، إلا أن هذه المشروعات والمنشآت المائية يجب أن تقام بعد التنسيق والتشاور والاتفاق مع الدول التى تتأثر بها وفى مقدمتها دول المصب. وأشار المتحدث الرسمى إلى أن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبى ما هى إلا استمرار للنهج الإثيوبى المؤسف فى إثارة القلاقل والنزاعات والذى يضرب عرض الحائط بقواعد القانون الدولى واجبة التطبيق والتى تنظم الانتفاع من الأنهار الدولية، وهى التى تفرض على إثيوبيا احترام حقوق الدول الأخرى المتشاطئة لهذه الأنهار وعدم الإضرار بمصالحها..  وتصريحات أبى أحمد من وجهة نظرى ليست تصريحات مثيرة للجدل فقط ولكنها تعطى انطباعاً مؤكداً بأننا نتعامل مع شخصية تهوى إثارة المشاكل بدليل ما حدث منه تجاه مواطنيه فى تيجراى دون الدخول فى متاهات علم النفس الاجتماعى وغيرها..
وهذه التصريحات تقودنى أنا شخصياً إلى كلمات نارية تكررت وزاد لهيبها أرسلها لى أحد زملاء الدراسة الجامعية وهو زميل أعتز به اعتزازاً خاصاً، وذلك بعد مقالى السابق الذى جاء تحت عنوان « العلاقات المصرية الأمريكية تتخذ مسارا إيجابياً «.. وكان كل ما أراد قوله بعفويته الجميلة. وأنا أعرف عنه وطنيته الملتهبة، إنه لا يهمه حديثى عن غزة أو ليبيا ولا أمريكا بايدن، وإن كل ما يشغل باله فى نومه ويقظته هو موضوع سد النهضة والذى أسماه « سد الخراب « وطلب من أولى الأمر أن يحرروا النيل من أسره..
ولا شك أن كلمات زميلى العزيز أعادتنى عشرات السنين إلى الوراء عندما كنا نتعامل مع الأشياء من ظاهرها ونتفاعل معها بعفويتنا الشابة المنطلقة بلا حواجز أو منطق أحياناً..
كما أن القيادة السياسة المصرية الحالية تتحمل فوق الطاقة فى التعامل مع قضية سد النهضة فى ظل تواجد شخص مثل أبى أحمد على رأس السلطة التنفيذية فى إثيوبيا، وعدم وضوح الرؤية أمام الحكم السابق فى السودان فى بداية التعامل مع هذه القضية..
وأود أن أقول لزميلى العزيز، وأوضح له عدة أشياء سبق أن أشرت إليها فى مقالات سابقة.. بداية أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس جمهورية مصر العربية فى معظم أحاديثه ولقاءاته على الأهمية التاريخية والإستراتيجية لعلاقات مصر الأفريقية وإعتزازها بانتمائها الأفريقى.. ووضحت هذه الرؤية فى الفترة التى تولى فيها الرئيس رئاسة الاتحاد الأفريقى، ومن كلماته التى لا ينساها الجميع قوله إننا عازمون على الإسهام الفاعل فى قضايا الدول الأفريقية فى مواجهة التحديات المتربصة بنا لا سيما الإرهاب والجريمة المنظمة والأوبئة وتدهور البيئة والتغيرات المناخية..
وفى موضوع سد النهضة فقد أكد الرئيس السيسى أن حقوق مصر المائية « خط أحمر «.. ولم يقصد الرئيس أننا سنعلن الحرب على أديس أبابا إذا لم تذعن لطلباتنا فوراً.. ولكن الرئيس تعامل كرجل دولة مع هذه المشكلة الصعبة بمنطق وبتواصله مع كل بلاد العالم مؤكداً للجميع أكثر من مرة إنه إذا كان سد النهضة يمثل لهم قضية تنمية ونحن لسنا ضدها فإن مياه النيل تمثل لنا قضية وجود..
ولأننا من دول الحضارات الإنسانية والتاريخية الكبرى المعدودة فى العالم، وموقعنا يفرض علينا القيام بأدوار محددة فإننا لا يمكن أن نتخلى عن واجباتنا فى التعامل مع أشقائنا فى فلسطين وليبيا والسودان، ومع دول العالم فى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية..
ولأن العالم أصبح قرية كونية متشابكة فكان طبيعياً أن تتحرك مصر على كافة المسارات وتدعم مواقف أشقاءها فى العالم العربى وأفريقيا.. وكان حضورها على المستوى الرئاسى فى مؤتمرين بباريس يومى 17 و18 مايو الماضى الأول لدعم المرحلة الانتقالية فى السودان والثانى لقمة تمويل الاقتصاديات الأفريقية بدعوة من الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون..
كما أن مصر–ورغم مشاغلها ومتاعبها–لا يمكن أن تتخلى عن الشعب الفلسطينى والتدخل لإنقاذ إخوتنا فى غزة وإيقاف الحرب الشاملة التى تشنها إسرائيل ضدهم. وتم فتح معبر رفح وأرسلت المساعدات العينية وتبرعت مصر بـ 500 مليون دولار للمساهمة فى إعادة إعمار غزة.. إنهم يمثلون الجبهة الشرقية لمصر على حدود سيناء..
وكان للدور الكبير الذى بذلته مصر فى وقف إطلاق النار تأثيره الكبير على الفلسطينيين فى غزة والضفة الغربية.. ولإدراك العالم والولايات المتحدة على وجه الخصوص بدور مصر الإستراتيجى والمحورى فى المنطقة فقد كان مهما أن يتواصل الرئيس الأمريكى بايدن مع الرئيس السيسى أكثر من مرة آخرها الأسبوع قبل الماضى.. ومن بين الملفات التى ناقشها الرئيسان ملف سد النهضة وأكد الرئيس السيسى تمسك مصر بحقوقها المائية، وأوضح الرئيس بايدن تفهم واشنطن الكامل للأهمية القصوى لتلك القضية للشعب المصرى..
نعم نحن معك زميلى العزيز.. لن نتخلى عن حقوقنا المائية.. وفى نفس الوقت يجب ألا نفرط فى واجباتنا تجاه الأشقاء وتجاه أنفسنا وحماية حدودنا الشرقية والغربية..

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة