إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد


مصر الجديدة

نجيب شهاب الدين لغز الاستمرار فى الحياة

إبراهيم عبدالمجيد

الخميس، 03 يونيو 2021 - 07:43 م

توفى منذ أيام الشاعر نجيب شهاب الدين عن عمر ناهز السبعة وسبعين عاما. من يعرفه ويعرف قصته من الجمهور؟ لا أحد. من قرأ شعره؟ لا أحد. انفجر الفيس بوك بكلمات عظيمة لمن رأوه فى مصر أو خارجها فى روسيا، أو الاتحاد السوفييتي، حيث كان متزوجا من سيدة فرنسية وأنجب منها. كلنا عرفناه من خلال أغنية غناها ولحنها الشيخ أمام هى «يا مصر قومى وشدى الحيل» منذ السبعينيات أيام الشباب. وكلنا تقريبا نسينا أن الأغنية له، وتصورناها فى البداية لأحمد فؤاد نجم كما تصورها كثيرون جدا. قليلون من عرفوا أنه صاحب الأغنية. قليلون جدا جدا عرفوا أنه صاحب الأغنية الأخرى «سايس حصانك» التى نادرا ما كانت تأتى إلى الأذهان. حكايات متناثرة لبعض من قابلوه انتهت كلها إلى أنه فضّل أن يعيش وحيدا سواء فى القاهرة ثم فى بلدته «البتانون». كثيرون أيضا قالوا إنهم كانوا يذهبون إليه. أنا لا أشكك فى أى مما قيل لأنى أعرف صدق الكثيرين وعدم حاجتهم للاختراع، لكنى أبتعد عن الجميع وأسأل السؤال العجيب. كيف أمضى نجيب حياته لا ينشر شعره فى كتاب؟. لقد قابلت وقرأت عن الكثيرين الذين ابتعدوا عن الحياة واختاروا الوحدة. لكن أكثرهم كان يذهب إلى الانتحار إن لم ينتحر مبكرا. نجيب شهاب الدين لم نقرأ له شيئا منشورا فى مجلة أو فى كتاب لحوالى أربعين سنة. التقيته مرات قليلة قياسا على عدد السنين التى عرفته فيها. أى منذ نهاية السعبينات. لم يكن عابسا ولم يكن يبدى ضيقه من أى حديث حوله إلا كلمة ينصرف عنها إذا قالها، بل كثيرا ما كان يلعب الطاولة على مقهى البستان. كم سنة مرت على ذلك؟ ربما عشرون سنة واختفى. أو على الأقل لم أعد أراه صدفة فى أيّ مكان. كان سؤالى لنفسى بعد موته هو كيف استمر فى الحياة دون أن يكتب. وهل أغنية أو اثنتين للشيخ إمام تكفيان زادا له فى الحياة؟. كنت على يقين أنه يكتب، لكنى لم أكن أراه لأساله. وحتى حين رأيته صدفة بعيدا عن المقهى فى إحدى ندوات المجلس الأعلى للثقافة لم أسأله، لأننى كنت أعرف أن السؤال لا معنى له. شاعر أو كاتب يعنى أن تكتب. كما كنت أعتبر عدم قراءتى لما يكتبه قصورا مني، ومن ثم لا يجب أن أغضبه بالسؤال. لكنى عرفت مما قيل أنه لم ينشر شيئا. ظل عندى اقتناع أنه كان يكتب حتى لو لم ينشر، لأن عدم الكتابة لموهوب كبير، ومنذ وقت مبكر كما بدا لنا، يعنى أن لا ينسحب من بين الكتاب فقط، لكن من الحياة نفسها. كثيرون حقا قالوا إنهم كانوا يزورونه فى البيت فى البتانون. وسمعت حكايات أخرى لم يكتبها أحد عن ضيقه ببعض الناس لا أحب الدخول فيها، لكن الجميع تحدثوا عن حبه لهم. لم لا وهو الرقيق المشاعر المستغنى عن كل مظاهر الحياة التى رآها كاذبة؟ المهم هو السؤال الذى قفز إلى روحي. فى أيّ مكان يجد من يريد ما كتبه نجيب شهاب الدين لطبعه فى كتاب. ناشر قال إن لديه ما ينشره، ولا أظن أن لديه كل ما كتبه، وإلا لماذا لم ينشره فى حياته؟. ما كتبه نجيب ولابد تركه فى مكان ما يحتاج كثيرا من الاستقصاء. وعلى من يريد أن ينشر شعره التواصل مع ورثته، ليس للنشر فقط لكن للوصول إلى مخابئ شعره إذا جاز التعبير. نريد أن نرى ما كان سببا لنجيب شهاب الدين، رغم أيّ انسحاب واكتئاب، فى الاستمرار فى الحياة. أجل. سيعيننا نحن أيضا على الاستمرار.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة