نصر أكتوبر
نصر أكتوبر


خبراء استراتيجيون يروون الحكاية:

«المارد المصرى» ينفض «الغبار».. ويرفع راية النصر

آخر ساعة

الأحد، 06 يونيو 2021 - 10:17 ص

محمد ياسين

المصريون شعب لا يعرف الانكسار أو الهزيمة، فعلى مدى التاريخ أثبت المواطن المصرى أن معدنه نفيس، وأنه ضد الكسر، حتى فى أحلك الظروف وأصعبها، بل إنه مع كل أزمة أو موقف يمر به يزداد عزيمة وقوة.. فى هذا التحقيق يروى خبراء استراتيجيون حكاية "المارد المصري" الذى نفض غبار الهزيمة واستمر فى كفاحه إلى أن رفع راية النصر، ولايزال يؤدى دوره فى مرحلة بناء الدولة المصرية حتى الآن.

لو مرت ظروف "يونيو 1967" على أى شعب فى العالم لأخذ أعواما بل عقوداً لينهض مُجدداً، لكن الجندى المصرى ومن ورائه كل مواطن فى هذا البلد العظيم، كان قوياً ومثلاً أعلى فى الشجاعة، فلم يمر سوى 25 يوماً على تلك النكسة حتى لقّن المحتل الإسرائيلى درساً فى "رأس العش".

وبعد 40 يوماً فقط، وتحديداً فى 14 يوليو، ضربت قواتنا الجوية مراكز سيطرة وتحكم لإسرائيل داخل سيناء، ثم فى 21 أكتوبر كان فرح القوات البحرية بإغراق المدمرة الإسرائيلية "إيلات"، قبل إغراق الغواصة "داكار" يوم 24 يناير 1968.

فى أقل من سبعة أشهر انتفض المصرى كالمارد وأصبح نداً قوياً، فكان جيل أكتوبر ومن بعده بدأت مصاعب ما بعد الحرب واسترداد كامل الأرض بالمحاكم الدولية ولم يتنازل المصرى عن شبر واحد من أرضه.

وحديثاً، كانت معركة طرد "الإخوان المسلمين" بثورة عظيمة قام بها المصرى فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ليثبت للعالم أن مصر للمصريين، ولا يستطيع أحد أن يملى على المصريين قراره، وإنما قراره من داخله، فكانت ثورة 30 يونيو، وبعدها تحمل المصرى الإصلاح الاقتصادى وغلاء الأسعار واثقاً فى قيادته، حتى بدأت الدولة تنتعش اقتصادياً، وبدأ المصرى جنى ثمار الإصلاح الاقتصادي، فمصر قوية مادام شعبها قوياً.

يقول اللواء ناجى شهود، مدير المخابرات الحربية الأسبق المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، إن ما حدث فى 5 يونيو 1967 لم يكن خافياً على العالم كله، بل كان خافياً على العرب فقط، فقد اكتشفوا أنهم هم من خُدِعوا، فمنذ نشأة إسرائيل وقرأت أوروبا بروتوكولاتهم، وفهمت ما يرتب له اليهود من استعمار والسيطرة على أوروبا، وقررت أن تكون المنطقة العربية هى المستباحة فأدركت مصر أن ما تم من احتلال سيناء كان تحت سمع وبصر الدول الكبرى، واستنكروا طلب مصر السلاح بحجة أنهم سيحلون الأزمة من دون حرب أو سلاح، وهم يعلمون أن حل المشكلة بطرق سلميِّة معناه ضياع سيناء.

ومن هنا قرَّرت الدولة المصرية أنه لا حل لها إلا بالشعب المصرى والمقاتل المصرى، من دون الاستعانة بالدول الكبرى، وأن الذى سيعيد سيناء المحتلة هو الجندى المصرى، وقيّمت مصر الموقف تقييماً شاملًا، فكان الموقف الاقتصادى وقتها فى منتهى السوء والموقف النفسى أيضاً، فتيقن الجميع أنه لا بديل عن تحرير سيناء إلا بالعمل العسكرى.

ولأجل ذلك اتحدت كل قوى الدولة الشاملة لاستعادة الأرض، فجيل أكتوبر ليس فقط أبناء الجيش المصرى المشاركين فى الحرب، لكنه الشعب كله، هو جيل أكتوبر الذى شارك فى استعادة أرض الفيروز.

لقد رفض المصريون الهزيمة وسياسة الأمر الواقع، فتم تقوية الدفاعات ومنع العدو من الاستفادة من النصر الذى حققه واعتباره أمراً سياسياً واقعاً، وأدرك الشعب المصرى أن المعركة ممتدة، فهى ليست معركة حربية فقط، بل معركة سياسية واجتماعية واقتصادية طويلة الأمد.

يتابع اللواء شهود: كانت كلمة السر فى ذلك الوقت هى التلاحم بين الشعب المصرى والحكومة والجيش فى عام 1973، فلم تظهر وقتها تيارات معارضة، بالإضافة إلى المقاومة الشعبية التى حرست الأهداف القومية لمصر، ويجب أن نتعلم من تهيئة الشعب المصرى وحالته النفسية لعدم الانكسار، مثلما يحدث الآن من حروب الجيل الرابع التى يتم تنفيذها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فقد كانت إسرائيل تستغل الإشاعات وأطلقت الحروب النفسية من خلال مقولات رنانة لم تجد صداها فى أُذن الشعب المصرى، مثل أكذوبة "الجيش الإسرائيلى الذى لا يُهزم، وأن القوات الجوية الإسرائيلية هى الذراع الطولى وأن من يفكر فى عبور قناة السويس ستتحول لكتلة من اللهب المشتعل، ومن يفكر فى فتح ثغرة فى خط برليف يحتاج لقنبلة نووية، ولكن المصريين لم يتأثروا بهذه الإشاعات وقرروا تحرير الأرض وخوض الحرب منفردين.

يواصل: كل مصر فى ذلك الوقت كانت بمثابة مسرح للعمليات، بعد أن احترمت الحكومة ذكاء شعبها وأعلنت له الأمور بمنتهى الوضوح، وراهنت الدولة على الإنسان المصرى، فتم تجهيز المقاتل المصرى واقتحام قناة السويس بـ12 موجة عبور، وكل الشعب كان مجهزاً لهذه المرحلة.

ويضيف شهود: مع قرار ترحيل الخبراء السوفييت فى يوليو 1972 تصور الجميع أن شهادة وفاة مصر أصبحت وشيكة، بل إن دولاً أخرى رسمت حدودها الشرقية وخليج السويس وسيناء مع إسرائيل ومن روح شعب مصر، لكن هذا الشعب اتضح أنه يجيد كتابة شهادة ميلاد جديدة لنفسه كل يوم، وأنه شعب لا يُقهر ولا يموت ولا ينكسر.

فبعد النكسة بـ25 يوماً كانت معركة "رأس العش" ودمر فيها مركبات ومعدات إسرائيلية، ثم 14 يوليو استطاعت القوات الجوية أن تهاجم مراكز القيادة داخل سيناء، ثم فى 21 أكتوبر تمكنت القوات البحرية من إغراق المدمرة إيلات التى كانت تعربد فى المياه الإقليمية المصرية، حتى أنه تم تدميرها بلنشات صغيرة، ثم فى 24 يناير 1968 تم إغراق الغواصة "داكار"، ثم كان تفكير إسرائيل فى فرض سياسة الأمر الواقع فقامت بتصنيع حفار فى كندا لنهب البترول المصرى من خليج السويس، فقام المصريون بتلغيمه وإغراقه بعملية مخابراتية، ولم تفكر إسرائيل فى ذلك الأمر مجددا، لأنها أيقنت أن الشعب المصرى لا يموت ولا ينكسر، وبعدها بثلاث سنوات فى 30 يونيو 1970 كان بناء حائط الصواريخ الذى نجح فى إسقاط طائرات الفانتوم وفوجئت إسرائيل ببناء الحائط وعلى ضوئه تم تنفيذ حرب 1973 وتأمين الداخل فى سيناء بعمق 13 كيلومتراً، ولم يجرؤ وقتها أى طيار إسرائيلى على الاقتراب منها وسمعنا الطيارين الإسرائيليين وهم يقولون لبعضهم فى إشارات لاسلكية "لا تقتربوا من القناة فإنها الجحيم".

وتابع: إن الجندى المصرى هو من اقتحم خط بارليف بصدره حاملا الصواريخ على كتفه، فقد تم تدريب المقاتل المصرى وإخراج كل إمكانياته، فالمصرى هو القيمة والقامة، والآن هناك محاولات جديدة لكسره. وكان الرهان على من يقف خلف السلاح وهو المقاتل المصرى، ومصر ذاكرت التاريخ جيدا واستوعبت كلمات موشيه ديان وزير الدفاع الإسرائيلى، فعندما سُئل فى مؤتمر صحفى وقيل له: "إن ما فعلته فى 1967 هو نفس ما فعلته إسرائيل فى 1956 ألم تخشَ أن تفشل؟" فقال: "إن العرب لا يقرأون وإذا قرأوا لا يفهمون وإذا فهموا فهم سريعا ما ينسون"…  فاستوعبنا الأمر، وحلّلت مصر المجتمع الإسرائيلى اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ودينيا، وتم اختيار يوم 6 أكتوبر لشن الحرب على إسرائيل وكُللت المعركة بالنصر.

فيما يقول اللواء سمير فرج، الخبير الاستراتيجى، إن الشعب المصرى طوال الـ40 سنة الماضية أعطى القدوة والمثل لشعوب العالم، فبعد حرب 1967 استطاع النهوض وبدأ سريعاً حرب الاستنزاف حتى العبور العظيم فى حرب أكتوبر 1973 وتلاها بعدها معركة سياسية حتى استطاع استرداد كامل الأرض.

وتابع: "بعد ذلك جاءت حرب المصريين فى عام 2013 ضد جماعة الإخوان، واستطاع الشعب التغلب عليهم ولفظهم فى ثورة ٣٠ يونيو، حتى كانت معركة التنمية فى السنوات الست الأخيرة من خلال الإصلاح الاقتصادى، ثم تطوير قدرات القوات المسلحة، وبعدها ترسيم الحدود مع الدول المجاورة، ثم معركة الإصلاح الداخلى من خلال المشروعات القومية مثل الدلتا الجديدة، واستصلاح 400 ألف فدان فى سيناء، ومدينة الأثاث فى دمياط، والعاصمة الإدارية الجديدة، وغيرها الكثير، بالإضافة لمظلة التأمين الصحى التى كانت حلما لكل المصريين.

وفى وسط كل هذه المعارك الداخلية والإصلاحات التى تتم داخل الدولة بدأت مصر استعادة ريادتها أفريقياً بعد أن كانت عضويتها مجمدة فى الاتحاد الأفريقى حتى تولت رئاسته فى عام 2019 وعادت أفريقيا إلى مصر".

ويضيف فرج أن مصر تتعرض للعديد من التهديدات الإرهابية، ونجحت فى القضاء على الإرهاب الممنهج فى أرض الفيروز من خلال الكثير من العمليات، التى كان آخرها العملية الشاملة فى سيناء، بالإضافة إلى تطهير جبل الحلال الذى كان بؤرة للإرهاب.. وتخوض مصر الآن معركة الحفاظ على حقوقها فى مياه النيل بالإضافة إلى تأمين الاتجاه الاستراتيجى الغربى فى ليبيا، وتأمين شرق البحر المتوسط من خلال الحفاظ على المياه الاقتصادية وتأمين حقول الغاز الطبيعى وأيضا الاتجاه الشرقى وتأمين قناة السويس وأبرز النجاحات التى تمت هى إحداث التهدئة بين إسرائيل وحماس فى غزة، ومما يدل على استعادة مصر ريادتها فى الشرق الأوسط والمنطقة كلها كانت مكالمة الرئيس الأمريكى جو بايدن للرئيس السيسى مرتين وشكره له.

ويجب أن نرفع القبعة للشعب المصرى لتحمله الصعاب فى التنمية الاقتصادية من غلاء للأسعار وتعويم الجنيه، ووقوف الشعب مع الجيش ومساندته له، فهو يقف الآن خلف زعيمة ويؤيده، وبصمود الشعب المصرى وتلاحمه تزداد قوة مصر فى الفترة القادمة.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة