رجائى عطية
رجائى عطية


مدارات

إطراء النفس

رجائي عطية

الجمعة، 11 يونيو 2021 - 07:18 م

 

بدا لى من تأمل أحوال الناس، أن المبالغة فى النظر إلى الذات شىء فطرى، يرجع فى ظنى إلى أن شعور الآدمى ابتداءً وانتهاءً هو شعوره بذاته ونفسه .. وأن هذا الشعور أساس لشعوره بكل ما عداه .. حتى شعوره بوجود الخالق عز وجل .
 ويبدوأن كل ما اكتسبه ويكتسبه الآدمى مؤقت مرتبط بزمن وظروف . لأن ما نكتسبه فيه دخل قليل أو كثير للمخيلة . والمخيلة لا تعمل خارج الزمن والظروف، سواء أكان عملها  واعيًا أوغير واع، إراديًا أو غير إرادى . ولولا الوعى واستعداده  للنمو والحافظة وقدرتها على الاختزان، والمخيلة ووثبها على الزمن والمكان  ونشاطها الذى لا ينقطع فى الحلم واليقظة، ولولا اختلاف الأعمار والأجناس ودرجات الاستعداد لا نقضى كل ما يكتسبه بسرعة كما ينقضى كل ما يكتسبه أى من تلك الأحيـاء الأخرى التى ليس لأجناسها وأنواعها عدد . ولعل هذا هوسرّ عدم المبالاة الذى يقابل به عالم الأحياء جميع ما حققه الآدمى وما بناه وما عرفه وما يحاول أن يحققه أويبنيه أو يعرفه، مما نسميه خيرًا أو شرًا، جميلاً أو قبيحًا، منفردًا أومجتمعًا !       
 ونحن نحب إطراء أنفسنا لأننا نحب أن نعيش . ونعجب بعملنا إعجابـًا شديدًا إذا ظننا أننا أحسناه أو أتقناه  ـ وهوظن قد يكـون خاليًا مـن الأساس، لا يستند إلى دراسة أو مقارنة موضوعية جدية .. كم منا هام إعجابًا وتيهًا بنفسه، لأى عمل أجراه، أومقال دبجـه، أو لوحة رسمها، أومعزوفة لحنها، أو خطبة عصماء ألقاها، أو حديقة زرعها وشذبها ونسقها، وقد يمتد التيه بالذات وبإنتاجها وأعمالها إلى السفاسف والتفاهات !! يتجاهل المعجب التائه بذاته وما يصنع، أعمال ألوف المحترفين والموهوبين، ويفترض أن من حقه أن يعجب بنفسه وعمله هذا الإعجاب المرضى لأنه تجاوز فى تقديره لنفسه معايير الآدميين العاديين .. وهذا خيال ووهم يصوره كل منا لنفسه ـ على هواه !!.. لا يلتزم فيما يضفيه على نفسه من أمجاد ـ بما هومقرر فى معايير وأصول وأعراف أهل العلوم والفنون والآداب والصناعات الذين يمارسـون هـذه الأنشطة علـى الـدوام أوعلـى وجـه الاحتراف، فيتقيدون بمستوى لا ينزلون عنه من الخبرة والمعرفة والمهارة ! 
 لا نهاية لميادين العلم والمعرفة، لأنه لا نهاية لآمال الآدمى فى عقله وسعيه، ولا نهاية لعقل الآدمى وسعيه لأنه لا نهاية لآماله فيما هو أفضل مما بين يديه .. لا يتوقف الآدمى عن الأمل، مستقبله هوأمله، وأمله هو مستقبله .. من يدرك « الأمل » ودوره، يدرك أن حياة الآدميين لا تتكرر فى قوالب وأنماط ثابتة إلاّ إذا انطفأت فى الآدمى جذوة الأمل أوانقلبت آماله سلبية محصورة فى إبعاد ما يكذب أويدحض ما معنا من الحاضـر، واستبعاد ما يوقظنا إلى ما فى حاضرنا من قصور أوغلـط أو تهافت أوخيبة أوانحـراف .. فـلا شىء أفضل مما نحن فيه، وليس فى الإمكان أبدع مما كان !!! 
 حياة الآدمى الواعية على هذه الأرض، حياة تتألف دائمًا من عالمين لا غناء لأحدهما عن الآخـر : « عالم الآمال »، وهوعالم أساسى للآدمى يشحنه بوقود الحياة، ويلزمه لاستمرار رغبته فى الحياة، من التفاؤل والاستبشار وحسن الظن وحسن النية، و«عالم الواقع» الخشن الجامد، العابس أوالخالى أحيانًا من اللين ومن العواطف، الذى يشعر الآدمى من آن لآخر بضآلته وعجزه وحتمية زواله، وربما صادر على آماله، أوردها إلى الحدود المعقولة التى توافق ظروف الزمان والمكـان ومـا قد تتأبى به على طموحه وآماله الشخصية !.. « عالم الأمل » ـ لا يعنى الهروب المخدور من الواقع ولا بناء قصور الوهم والخيال فى الهواء، ولا هوأمل العاشقين الذى صاغه بيرم التونسى وغنته أم كلثوم : 
 «بالأمل أسهر ليالى، فى الخيال أبنى العلالى» .. 
 وإنما هوشعلة تضىء روح الآدمى وتدفعه إلى الأمام والجد فى أنشودة الحياة طلبًا للنور والجمال والكمال والحق ! 

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة