عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

أزمة القراءة لدى أمة «اقرأ» ما هو التفسير ؟

الأخبار

السبت، 12 يونيو 2021 - 06:15 م

تصح القراءة فى عالمنا العربى وسيلة لتقييم درجة الوعي، ومحرارا لقياس مستويات التفاعل والمشاركة فى النقاش العام المرتبط بتطورات الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية. والواضح أن أزمة القراءة على امتداد خريطة الوطن العربى تعكس فى العمق أزمة ثقافية مستفحلة، وتكشف عن انسداد مشارب كسب المعارف وامتلاك مناهج التحليل، التى تجعل من المواطن العربى شخصا فاعلا فى محيطه العام، خصوصا ما يتعلق بقدرته على التداول فى الشؤون العامة والمشاركة فى صناعة القرارات التى تهمه كشخص أولا، وتعنيه كمواطن عليه حقوق وواجبات المواطنة الكاملة.
الإحصائيات التى وفرتها منظمات متخصصة، خصوصا منظمة اليونسكو التى ترصد أوضاع الثقافة والقراءة بصفة خاصة فى مختلف ارجاء المعمور، تكشف عمق الأزمة واستفحال مظاهر العجز والقصور فى هذا الصدد البالغ الأهمية والتعقيد، ذلك أن الخريطة الجغرافية العربية الممتدة من المحيط الأطلسى إلى المشرق العربى لا تنتج طول سنة كاملة إلا أقل من 5000 كتاب، بقدرة انتاجية لا تتعدى بضعة آلاف من النسخة الواحدة بسبب ضيق مسالك النشر والتوزيع، وأن معدل القراءة لدى المواطن العربى لا يتجاوز ست دقائق فى السنة، وأن 80 شخصا يقرأون كتابا واحدا سنويا، وأن الطفل العربى لا يقرأ سوى سبع دقائق فى العام الواحد. ويتجلى تدنى هذه المعدلات من خلال مقارنة بسيطة مع ما أكدته نفس هذه التقارير بالنسبة إلى ما هو عليه الحال فى أقطار أخرى، حيث تنتج الولايات المتحدة وحدها ما يفوق 300 ألف كتاب سنويا، بمعدلات طبع وتوزيع جد مرتفعة بسبب تطور سبل وآليات النشر والتوزيع، وأن معدل القراءة بالنسبة للطفل الأمريكى الواحد يصل إلى ست دقائق فى اليوم. كما تؤكد هذه البيانات أن شخصا واحدا فى الدول الأوروبية يقرأ 35 كتابا فى السنة الواحدة، وأن فردا واحدا فى دولة الكيان الإسرائيلى مثلا يلتهم بالقراءة 40 كتابا فى العام.
إن قراءة أولية لهذه الإحصائيات تبين أن دولة واحدة فى حجم الولايات المتحدة الأمريكية تنتج من الكتب أضعاف ما تنتجه جميع الدول العربية ستين مرة، وأن المواطن الأوروبى يقرأ ما يقرأه المواطن العربى فى سنة كاملة فى أقل من يوم واحد، وأن هذه الإحصائيات تؤكد أن الثقافة المحصلة من القراءة بالنسبة للمواطن الأوروبى تعادل ما يحصله 2800 مواطن عربى.
الأكيد أن تفسيرات حالة نفور المواطن العربى من القراءة كثيرة ومتعددة، ولكن يقع الإجماع على الاختلالات الكبيرة فى منظومات التعليم فى جميع الدول العربية، تعليم يحبس التلميذ والطالب فى مناهج الحفظ والاستظهار، ويقتل فيهما ملكات البحث عن المعارف فى الكتب والمؤلفات، ويعدم فيهما مناهج التحرى والتدقيق، ويقتل فيهما روح المقارنة والنقد، وبذلك فإن تفوق التلميذ والطالب فى مساره التعليمى فى البلدان العربية يتوقف على قدرته على حفظ أكبر قدر من النصوص، وليس على قدرته على تنمية معارفه وتطوير فكره بواسطة القراءة. ولأن التعليم فى الوطن العربى لا يزال يعتبر وسيلة وحيدة للتوظيف ولضمان الشغل فى المستقبل، وليس وسيلة لتأهيل الفرد ليصبح فى المستقبل مواطنا يملك تقرير مصيره بيده. وليس غريبا فى ضوء كل ذلك أن يحتل التعليم فى جميع البلدان العربية مراتب جد متأخرة فى تصنيف مختلف المنظمات الدولية والإقليمية المتخصصة، لأنه تعليم يكرس التخلف عن الملاءمة مع تطورات سوق الشغل، وعن التحولات العميقة الجارية فى العالم.
و طبعا، ليس التعليم المتهم الوحيد عما آلت إليه أوضاع القراءة فى الدول العربية، بل من باب الموضوعية القول إن الأسباب عديدة ومركبة، وهى فى حاجة ماسة للدراسة والتحليل لإجلاء مكامن الخلل الرئيسية، كما هو الشأن بالنسبة لدور الأسرة الذى يعزل الطفل عن محيطه الثقافي، وعن الزحف الخطير لوسائل التواصل الحديثة التى تحولت إلى وسائل للانفصال الاجتماعي، وليست وسائل للتواصل الاجتماعى، والعجز الكبير المسجل فى قدرة العالم العربى على مسايرة هذا الزحف على مستويات التربية والتعليم والإعلام، ناهيك عن أسباب أخرى ترتبط بتخلف البنيات الثقافية والإعلامية العربية، خصوصا ما يتعلق بالتجهيزات الأساسية فى هذه المجالات، من بنايات وإمكانيات مالية، ومسالك النشر والتوزيع، وغيرها كثير. وأيضا ما يهم طبيعة السياسات العمومية المتبعة فى القطاعات الثقافية فى مجموع هذه البلدان، والتى تدفع بكل ما هو ثقافى ومعرفى إلى المراتب المتأخرة، وتكرس النفور العام من جميع التعبيرات الثقافية من أدب وفكر وسينما ومسرح وقراءة.
إن المسألة تبدو فى مظهرها أزمة قراءة مستفحلة، ولكنها فى عمقها أزمة ثقافية مستعصية على الفهم لها علاقة مباشرة بوعى المواطن، وبقدرته على أن يكون مواطنا فاعلا فى محيطه العام، محصنا بوعى فكرى ونضج معرفى يمكنه من التمييز فى اختياراته السياسية بالخصوص، ويؤهله للمشاركة الفعلية والإيجابية فى الحياة العامة.
نقيب الصحافيين المغاربة

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة