سبتة ومعبرها البرى عند مدينة الفنيدق المغربية
سبتة ومعبرها البرى عند مدينة الفنيدق المغربية


ضمن أراضٍ رفضت إسبانيا مغادرتها بعد الاستقلال

«سبتة» المغربية.. خلف أسوار الاحتلال

آخر ساعة

الأحد، 13 يونيو 2021 - 11:52 ص

رشيد غمرى

عادت «سبتة»، لتتصدر مشهد العلاقات المتراوحة بين المغرب وإسبانيا، بعد الاجتياز الجماعى لآلاف المهاجرين غير الشرعيين إلى شبه الجزيرة المحتلة، ما أدى لأزمة دبلوماسية، تقاطعت أيضا مع خلافات حول قضية الصحراء. وتعتبر "سبتة" أحد الجيوب التى احتفظت بها إسبانيا فى المغرب، رغم استقلاله قبل 65 عاماً، وتشمل مليلية، ومجموعات من الجزر الصغيرة قبالة السواحل المغربية. ورغم حرص المغاربة على استعادتها، فإن القضية تقع ضمن مناطق شد وجذب معقدة بين الدولتين، وترتبط بمصالح وحسابات إقليمية ودولية، كما تتشابك مع ملفات الصحراء المغربية، والهجرة غير الشرعية، ومكافحة الإرهاب، واستغلال الثروات البحرية، فضلا عن الشراكة المغربية الأوروبية المميزة، وكلها أوراق مهمة لفهم المواقف المعلقة بين الجانبين.

تتمتع "سبتة" بموقع استراتيجى مميز على مضيق جبل طارق، وهى شبه جزيرة تتصل بالأرض المغربية عند مدينة "الفنيدق"، ويفصلهما سور حدودى، ومعبر برى. أما "مليلية" فهى أيضاً شبه جزيرة، بالقرب من مدينة "الناظور" ومن الحدود الجزائرية. وكان يفترض أن يستعيدهما المغرب بموجب استقلاله عن الانتدابين الإسباني، والفرنسى عام 1956، لكن إسبانيا رفضت الانسحاب من المنطقتين الاستراتيجيتين، بالإضافة إلى عدد من الجزر الصغيرة. ويرجع احتلال سبتة ومليلية إلى عام 1514 على يد البرتغال، والتى خضعت فى وقت لاحق للتبعية الإسبانية، فاكتسبت مستعمراتها، ومنها "سبتة".

ورغم حصول البرتغال على استقلالها عام 1668 فإنه بموجب معاهدة لشبونة تنازلت عن "سبتة"، وغيرها من المناطق المغربية المحتلة لصالح إسبانيا.

ضريبة الموقع

موقع "سبتة" المميز على بوابة البحر المتوسط عرضها للغزو طوال التاريخ، كما كانت معبراً للهجرات، وجسراً للتلاقح بين أوروبا وأفريقيا. المنطقة التى لا تزيد مساحتها على عشرين كيلومتراً مربعاً، كانت المكان الذى اتخذه طارق بن زياد، لتجميع جيشه قبل العبور إلى الأندلس. وبقيت جسراً بين جناحى الدولة على ضفتى المتوسط طوال عهدى المرابطين والموحدين. وحتى قبل الحقبة الإسلامية، خضعت "سبتة" للاحتلال المتكرر من الفينيقيين والرومان وقبائل الفاندال والبيزنطيين والقوط.

الوضع الحالى لها، هو وقوعها تحت السيادة الإسبانية، مع تمتعها بنوع من الحكم الذاتى منذ عام 1995، بقرار من البرلمان الإسباني، وهو ما لا يعترف به المغرب، والذى يفصله عنها جدار مزدوج من الأسلاك. ولكنه لم يمنع وقوع اقتحام جماعى من قبل مهاجرين أفارقة، عام 2005، اضطرت معه القوات الإسبانية والمغربية لمجابهته بالقوة. والعملية الأخيرة التى قام بها الآلاف من راغبى الهجرة، ليست الأولى، لكن الظروف التى أحاطت بها أدت إلى تصعيد الأزمة بين البلدين. وفى الأحوال العادية، يشهد المعبر البرى دخول وخروج المئات من المغاربة كل يوم للعمل، والتبضع. ولدى المغاربة المقيمين فى "تطوان" و"الفنيدق" وبعض مناطق الشمال المجاورة مثل "مارتيل" و"المِضْيَق"، ما يطلقون عليه "باسبور سبتة"، وهو فى الحقيقة ليس سوى جواز السفر المغربي، لكن إسبانيا تسمح بمقتضاه لأبناء هذه المناطق بالدخول إلى "سبتة"، التى يعتبرها الاتحاد الأوروبى ضمن حدوده الجنوبية. وفى فترات التوافق، يشهد المعبر تساهلاً فى عبور البضائع، يقوم عليه اقتصاد غير رسمى، يعتمد على غض الطرف من الجانبين. ويعتبره البعض مصدراً للرزق، لكن يراه آخرون خطراً على الصناعات الوطنية المغربية، وضرراً بالغاً بالاقتصاد. 

ملفات متشابكة

جهود المغرب لاستعادة أراضيه، لم تتوقف طوال عقود. وشهدت القضية عدة مواجهات منها احتجاجات واسعة فى كل من "سبتة" و"مليلية" وقعت عام 1985 بسبب قانون طالب المغاربة من سكان المنطقتين بتسجيل أسمائهم كأجانب على أراض إسبانية، كما لم تتوقف المناوشات المتعلقة بالمنطقتين ومحيطهما، ومنها ما حدث عام 2002 عندما قامت القوات الإسبانية بطرد الشرطة المغربية من جزيرة ليلى فى مضيق جبل طارق، والتى تبعد عن الشاطئ المغربى بمائتى مترا فقط. كما ندد المغرب بالزيارة التى قام بها ملك أسبانيا السابق خوان كارلوس إلى سبتة عام 2007، واعتبروها استفزازية. ولا يكف المغرب عن مخاطبة إسبانيا والمجتمع الدولى طالبا التفاوض لإنهاء الاحتلال.

لكن المراقبين للوضع يعرفون أن إدارة الملف محكومة بعدة اعتبارات. منها انحياز دول الاتحاد الأوروبي، والغرب عموماً لإسبانيا، ومساندتها المطلقة فى هذه القضية، حتى أن الأمم المتحدة لم تدرجها كأرض محتلة، كما أن المغاربة لا يرغبون فى فتح جبهتين فى وقت واحد، حيث يمنحون الأولوية لقضية الصحراء المغربية. ويبدو أن هذا أحد أسباب عرقلة حل المشكلة فى الجنوب، حتى لا يتفرغ المغرب لاستعادة أراضيه المحتلة فى الشمال. ولهذا ليس بغريب أن تتقاطع القضيتان خلال مراحل التصعيد بين الدولتين، فالعلاقات التى شهدت توترا فى الفترة الأخيرة، ازدادت تأزما باستقبال أسبانيا سرا لرئيس حركة البوليساريو، باسم مستعار، وبأوراق وصفها المغاربة بالمزورة. واحتجوا على الأمر، واصفين إياه بأنه إيواء لشخص يحمل السلاح ضد المغاربة، ما يتنافى مع الشراكة وحسن الجوار. ومن جانبهم برر الأسبان الأمر، بأنه تم لأسباب إنسانية تتعلق بتقديم العلاج للرجل. ولكن انكشاف حقيقة أن الأمر تم بشكل سري، وبعمليات تدليس، أوقع أسبانيا فى الحرج، خصوصا أن "غالى" مطلوب أمام القضاء الإسبانى فى اتهامات تتعلق بالإرهاب والإبادة الجماعية والقتل والتعذيب والإخفاء القسرى، وهى تهم موجهة من قبل أفراد يحمل بعضهم الجنسية الإسبانية، بالإضافة لجماعات حقوق الإنسان فى الصحراء المغربية، ولذلك اعتبرت إسبانيا أن عبور ما قدر بثمانية آلاف مهاجر لأسوار "سبتة" فى يوم واحد، قد نتج عن تساهل وغض للطرف من قبل المغاربة، وعلى الفور أرسلوا بتعزيزات إضافية لحماية الحدود، وقد تعاون المغرب بشأن إعادة أكثر من ثلثيهم إلى الأراضى المغربية.

المهاجرون غير الشرعيين، إحدى الأوراق ضمن حالة الشد والجذب بين الدولتين، فالمغرب يضم أعداداً من الأفارقة الذى يدخلون لأغراض التجارة والسياحة، وبعضهم يبقى على أمل العبور إلى أوروبا، ومثلهم يوجد آلاف المتسللين للغرض نفسه. وتبذل المملكة جهودا كبيرة لمنعهم من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر أراضيها. كما قامت بتسويات لأوضاع بعضهم عامى 2014، 2016 وسمحت لهم بالإقامة والعمل بطريقة شرعية، لكن المتسللين أكثر من قدرة المغرب على الاستيعاب. وهم يقطعون رحلات سرية طويلة على الأقدام الحدود الجنوبية للبلاد إلى الشمال، وبعضهم يضطر للتسول من مدينة إلى أخرى، وهكذا يرى المغاربة أنهم يتحملون فوق طاقتهم فى هذا الملف.

شد وجذب

الخــارجـــية المغــربيــة عــبَّرت علــى لســان وزيرها ناصر بوريطة عن رفضها الاتهامات الإسبانية بالتقصير والابتزاز فى قضية المهاجرين، كما نددت باستقبال "غالي". وبعد استدعائها إلى بلادها للتشاور، طالبت السفيرة المغربية فى مدريد "كريمة بن يعيش" أسبانيا باحترام روح الشراكة الاستراتيجية، وتطبيق القانون الإسبانى على غالي، خصوصا أن بعض ضحاياه يحملون جنسيتها. كما رفضت مجمل تصريحات الخارجية الأسبانية حول الأزمة، وقضية الصحراء. وكانت أسبانيا قد رفضت فى وقت سابق اعتراف الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب بالسيادة المغربية على الصحراء، وهو ما كان أحد أسباب تفاقم الأزمة. وعلى المستوى الشعبى عبر المغاربة عن استيائهم من الموقف الأسباني، واستنكر الكثيرون عبر مواقع التواصل الاجتماعى أن تكون بلادهم مطالبة بحراسة أرض مغربية لصالح من يحتلها، قاصدين "سبتة".

ورغم الحملة الإعلامية الأسبانية ضد المغرب، فإن أصواتا داخل أسبانيا ارتفعت مطالبة بعدم استفزاز المغرب، وبالسعى لاستعادة علاقات طيبة معه، فبالإضافة للشراكة الاقتصادية المميزة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، بذل المغاربة جهودا كبيرة فى ملف مكافحة الإرهاب، والتعاون الأمنى مع دول الاتحاد. ونجح على صعيد الوقاية من أعمال إرهابية عديدة على الأراضى الأوروبية، وفى تتبع الجناة، آخرها ما أعلنه الأمن المغربى أبريل الماضى عن معلومات قدمها للفرنسيين، أحبطت عملا إرهابيا على أراضيهم. وكذلك عملية رصد "أبو عبدالرحمن المغربي" القيادى فى تنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين"، فى "مالي"، فضلا عن تحديد مكان منفذى هجمات مدريد التى راح ضحيتها العشرات، وساعدوا أيضا فى تفكيك عدة شبكات فى بلجيكا. 

ورغم تجاهل الأوروبيين لحقوق المغرب فى سبتة ومليلية، وعدم مساندته فى ملف الصحراء، فإن الملف الأخير حظى باختراقات مهمة بعد اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء ديسمبر الماضي، وإصدار خريطة أمريكية للمغرب تتضمن صحراءه. وقام حزب "الجمهورية إلى الأمام" الذى يتزعمه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بافتتاح فرع له فى مدينة "الداخلة" الساحلية، ثانى أكبر مدن الصحراء، كقاعدة لمخاطبة جمهوره فى جنوب المغرب، وغرب أفريقيا. وهو ما اعتبر خطوة تمهيدية نحو الاعتراف بمغربية الصحراء. وفى أسبانيا نفسها طالب وزير الخارجية الأسبانى الأسبق خوسيه مانويل جارسيا مارجالو بلاده بإعادة النظر فى موقفها من قضية الصحراء. وحذر من مخاطر إنشاء دولة وهمية بها. وقال إن بلاده لا تستوعب التغير الذى حدث بشأن القضية، وأن عبارة "استفتاء تقرير المصير" اختفت من قرارات الأمم المتحدة منذ عام 2003.

المملكــة المغـــربيـة الـتى ناضلـــت لتحـــرير أراضيها طوال ما يزيد على خمسة قرون، تسعى الآن للمطالبة بحقها فى استعادة ما تبقى من ثغورها، وهى مضطرة للتعامل مع عدة ملفات صعبة، كما تراعى مقتضيات شــراكــتها مـــع أوروبــــا، ولذلك تتخـــــذ مــن التفاوض خيارا لحل قضاياها المعلقة.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة