آثار التعذيب على جسد قوت عبدالجليل
آثار التعذيب على جسد قوت عبدالجليل


فضيحة بيت الطاعة

رجل يحبس زوجته فى جحر للأرانب 18 شهراً

آخر ساعة

الأحد، 13 يونيو 2021 - 12:22 م

 

قراءة: أحمد الجمَّال

تحفل أعداد أميرة المجلات "آخرساعة" منذ عقود طويلة بموضوعات شائقة، ربما طاولها غبار الزمن، لكنها لا تزال تحمل رائحة العبق، وحين يقع تحت يدك عدد عتيق منها فهو بمثابة كنز يلقى هالة ضوء على مرحلة مهمة من تاريخ الصحافة، بل وتاريخ مصر عموماً فى ذلك الوقت. وفى السطور التالية نستعرض «كنوز الأميرة» وما فيها من صفحات الماضى الجميل منذ أعوام وأعوام قبل أكثر من نصف قرن من الزمان.

قبل نحو 55 عاماً، وقعت جريمة بشعة هزت الرأى العام فى مصر.. فقد قام رجل بحبس زوجته فى المكان المخصص لتربية الأرانب لمدة عام ونصف العام، عقاباً لها لأنها طلبت الطلاق بعد المعاملة السيئة التى تعرضت لها منه ومن أمه وشقيقته، إلى أن تدهورت حالتها الصحية تماماً وكادت تموت داخل هذا المكان المظلم الذى لم يكن سوى «بيت الطاعة»!

وخلال الأسبوع الماضي، طفت قضية «بيت الطاعة» إلى السطح مجدداً، لكن شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، أوضح فى تصريحات تلفزيونية أنه «لا يوجد بيت طاعة فى الشريعة الإسلامية»، لافتا إلى أن من أهم ما أكده العلماء فى فقه المرأة إلغاء ما يعرف ببيت الطاعة إلغاء قانونياً قاطعاً لا لبس فيه ولا غموض لما فيه من إهانة للزوجة»، منوها بأن العلماء نبهوا إلى أن ما يسمى ببيت الطاعة لا وجود له فى الشريعة الإسلامية.

وفى السطور التالية، نعيد نشر أبرز ما جاء فى التقرير الذى أعده الكاتب الراحل محمد عبدالحميد فى «آخرساعة» عام 1966، تحت عنوان «فضيحة بيت الطاعة»:

صورة بشعة من التعذيب يمارسها حســــان عبـــدالقوى مــــع زوجته قوت عبـــدالجــليـــل.. لقـــد طلبهـــا فـــى بيت الطاعة، ثم حبسها فى مكان لتربية الأرانب لمدة سنة ونصف سنة تقريباً. وطوال هذه الفترة كان يتعاون مع أمه وأخته فى تعذيبها بالضرب والكى بالنار والخنق ومنعها من الطعام.

الزوجة تتحول إلى حطام.. إلى هيكل بشرى حتى أن وزنها أصبح الآن ٣٥ كيلو.. البوليس يضبط أدوات التعذيب، والنيابة تحول المجنى عليها إلى الطبيب الشرعي، والزوج وأمه يُقبض عليهما تحت التحقيق.

الزوجة ترقد الآن فى مستشفى أبوحمص.. الناس فى محافظة البحيرة، خصوصاً فى مركز أبوحمص لا تصدق ما حدث لقوت عبدالجليل.

ولكن آثار التعذيب تدين الزوج الذى نزع من قلبه الرحمة والإنسانية ولبس ثوب الشيطان، ليقوم بهذه التصرفات البشعة التى يهتز لها جسد الإنسان.. عندما يظهر الكى بالنار والضرب بالعصى وشد الشعر بكل وضوح على جسد الزوجة، وهى راقدة تبكى ليل نهار.

الزوج ينكر، والحقيقة لا تزال حائرة وغير مستقرة عن الأسباب التى جعلته يقوم بهذا التعذيب.

قصة الرجل الذى طلب زوجته فى بيت الطاعة، ثم حوّل البيت إلى مكان ذبح فيه كرامة وإنسانية الزوجة بشكل لم يسبق له مثيل.

أحلام عروس

القصـــة تبــــدأ فى الشــــهور الأخــيرة من عام ١٩٦٣.. قرية الزوجة قوت عبدالجيل تستعد لتوصيلها إلى بيت زوجها حسان عبدالقوى بقرية «المجاهدين».. طبل وزمر.. وزغاريد.. وزفة تسير على الطريق الزراعى الموصل بين القريتين. وتنتقل قوت إلى منزل زوجها.. وتحمل معها السرير والدولاب.. وكل ما تحتاجه العروس فى الريف.

كانت تحلم كأى فتاة بالزوج، والبيت الذى تصبح سيدته، والأولاد الصغار الذين يملأون عليها حياتها، ولكن لم يمض عليها شهر، حتى وقف كل شيء فى عقلها.

كانت غريبة فى بيتها.. فقدت الأمل فى أن تصبح سيدة البيت الصغير.. فقدت الأمل فى السعادة.

لقد تدخلت أم الزوج فى كل شيء.. فى الكبيرة والصغيرة.. ورضيت بالواقع.. ولكن الواقع كان يكبر.. وينمو بشكل كبير.. وبدأ الخلاف.. وكان سببه أن أم الزوج بدأت فى ضربها.. بدأت فى إذلالها.

وشكت لزوجها.. وطلبت منه وضع حد لهذه الحياة التى لا ترى فيها يوم راحة. ولكن الزوج لم يكن محسنا معها. واستطاعت الأم أن تكسب ابنها فى صفها.. ومرت ثمانية أشهر، حتى أصبحت الحياة لا تطاق عندما انضمت أخت الزوج إلى أمها وأخيها، وكونوا رابطة هدفها تعذيب الزوجة.

ولم تفلح محاولات الصلح.. وذهبت الزوجة إلى بيت أهلها فى عزبة الشجر، بعد أن تركت زوجها فى قرية المجاهدين. وطال غياب الزوجة عند أهلها.. فرفعت دعوى نفقة على الزوج.

وهنا ثارت كرامته، فكيف ينفق على زوجة ليست فى بيته، علما بأنه لم يثر عندما شاهد تعذيب أمه وأخته فيها.. على جسدها قبل أن تغادر بيته.

ورفع دعوى طاعة عليها، فحكمت له المحكمة بالطاعة، وسارت الزوجة على الطريق الزراعى مرة أخرى.. لكن فى طريق العودة إلى بيت الزوج.. وكان يحرسها رجال البوليس.. ليتم التسليم.. حتى يأخذها الزوج فى البيت الذى طلبها فيها للطاعة.

إلى هنا يبدو كل شيء طبيعياً للغاية.. وأقفل الزوج باب البيت عليها.. ولم تكن تتصوَّر أن هذه هى النهاية.. نهاية اتصالها بالعالم الخارجي.. وبكل شيء.

والحديث هذه المرة للزوجة.. إنها تحاول أن تذكر كل شيء.. كل ما حدث بعد أن أقفل عليها الباب.

تقول: كنت أعرف أننى سأضرب.. سأهان.. سأنام على الأرض.. لن يرانى أحد من الجيران.. ثم تصمت.. وتبكي.. وتهز السرير الذى تنام عليه فى المستشفى.

وطلب الدكتور أورنيك أرتين الذى يقوم بعلاجها، أن نتركها بعض الوقت لتسترد بعض قوتها ليتم الحديث..

وتابع حديثه عنها: عندما حضرت إلينا فى الأسبوع الأول من الشهر.. كانت منهارة تماما.. لا تقوى على السير.. تتنفس بصعوبة.. ضعف عام.. والحبس الطويل فى الظلام أثر فى أعصابها.. كان وزنها عندما حضرت ٣٥ كيلو فقط.. أما جسدها فقد شهد أنواعا من التعذيب لم يسبق لها مثيل.. آثار الحروق فى كل مكان.. آثار قيود الحبال حول يديها.. ورجليها.. وظهرها.. لدرجة أننا وجدنا صعوبة فى مد رجليها عندما تنام.. كانت تتخذ وضع الطفل فى بطن أمه وهى تنام.. ولكن بمرور الأيام والتدليك تمكنا من إعادتها إلى وضعها الطبيعي.. ومن يوم دخولها حتى الآن وهى تحت رعاية طبية خاصة.. ونقوم بتغذيتها بكميات مضاعفة.

ضربونى

وعــــدنا مــــن جـــديد إليـها.. وبـــدأت تتكلم: ضربوني.. ربطونى بالحبل.. جوزى وأمه وأخته.. وجابوا العصى ونزلوا ضرب لدرجة إن دمى ساح وأغمى عليّ، وبعدين لقيت نفسى فى خُن الأرانب.. متر فى متر.. زعقت لحد ما صوتى راح.

كان الصبح هوه يروح الغيط.. أمه تسحبنى وتضربني.. وتحمى قطع حديد وتلسع جسمي.. كنت أشم ريحة جلدى وهو بيتشوي..

كانت أمه تقول لي.. إن صوتك ارتفع هخلص عليكي.. وعندما يحضر زوجى يسحبنى من الخُن ويضربنى ويعذبني.

وتكمل حديثها: كنت أقعد أياما من غير أكل.. كانوا يحضرون لى ماء الغسيل بالصابون لأشربه.. والماء المتخلف من شرب الطيور.. صوتى راح.. جسمى انهد.. وسلمت أمرى إلى الله.. بعد أن طال العذاب.. وطال الضرب.. كان موت.. موت.

وفى القرية تحدثنا إلى أهل الزوجة، الذين أكدوا أنهم حاولوا الوصول إليها طوال هذه الفترة لكن تم منعهم، إلى أن تم إبلاغ الشرطة التى تدخلت وأنقذت الزوجة وبدأت النيابة التحقيق. ويقول فاروق الرحماني، وكيل نيابة أبوحمص، إن هذه القضية مثيرة جداً، فلم يكن يتصور زوجاً بهذه الوحشية القاتلة، ولا بد من وضع حد لمشكلة بيت الطاعة، لأنه إهانة لإنسانية الزوجة، ويوجد من الأزواج من يستغلها لتعذيب الزوجة.

 («آخرساعة» 20 أبريل 1966)

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة