أ.م.د السيد علي أبو فرحة
أ.م.د السيد علي أبو فرحة


التنسيقية.. من أدبيات السياسة لممارساتها: قراءة مغايرة لمساحات التفاعل بين المجتمع والدولة المصرية

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 14 يونيو 2021 - 09:50 م

بقلم/ أ.م.د السيد علي أبو فرحة - عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين.

كشف العقد الماضي عن تشوهات معتبرة في ممارسة السياسة في المنطقة العربية، وهي التشوهات التي اتسعت تداعياتها السلبية لتمتد في اتجاه إعادة قراءة – بل وإعادة النظر أحياناً- في أدبيات العلوم السياسية الرائدة عامة، وحقل النظم السياسية المقارنة على وجه الخصوص، ولعل الهزة التي شهدتها المجتمعات والسياسة العربية في بداية العقد الفائت إنما مردها في الأساس لغياب أو عدم فعالية أحد أهم محددات النظم السياسية المقارنة، والتي تدور حولها كثير من الأدبيات الرائدة في علم السياسة، وهي "التنظيمات الوسيطة" القادرة على ملء المساحات بين الدولة والمجتمع، بما يضمن كفاءة الدولة في الاضطلاع بوظائفها، وما يترتب على ذلك من تدعيم قيم المواطنة من ناحية، وسلامة وتماسك المجتمع، وما يترتب على ذلك من حماية الأمن القومي ومقدرات الدولة ناحية ثانية، فلم يخل حديث لرواد علم السياسة الأوائل عن أهمية التنظيمات الوسيطة ومحورياتها في النظام السياسي- أي نظام سياسي- وذلك بصرف النظر عن الخلفية الأيديولوجية سواء الليبرالية أو الاشتراكية أو غيرهما، فهي تارة تُسمى "النظرية الكوربوراتية" باعتبار مثل تلك التنظيمات إنما هي قنوات الاتصال الرئيسية– المقبولة من الجماهير والمعترف بها من الدولة - لنقل مطالب القاعدة الجماهيرية إلى النخبة الحاكمة من ناحية، ثم إعادة نقل استجابات تلك النخبة لهذه المطالب في صورة قرارات وغيرها، كما يُسميها آخرون بـ" المجتمع المدني" الذي يهدف لملء المساحات التي تنسحب منها الدولة بما يحافظ على أداء الوظائف التي يحتاجها المجتمع والمواطن.

ولعل جمود مثل تلك التنظيمات الوسيطة وعدم فعاليتها أو ضعف أدائها أو تحولها بصورة أو بأخرى لصورة من صور "الزبونية السياسية" في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، أدى لحزمة من التداعيات المترابطة والمركبة على المجتمع المصري بدرجة أو بأخرى، أول تلك التداعيات هو جمود قنوات الاتصال الشرعية – أي التنظيمات الوسيطة الموجودة بالفعل في المجتمع المصري- وعدم قدرتها على الوفاء باحتياجات المواطنين صعوداً، أو نقل استجابات النخبة السياسية لمثل تلك الاحتياجات هبوطاً، وهو ما نتج عنه اتساع الهوة بين المجتمع والدولة في مصر، وقد نتج عما سبق ثالث تلك التداعيات وهي نشوء كيانات وتنظيمات أُخرى خارج إطار النظام السياسي أو تسعى للخروج منه، فيما عُرف حينها بالحركات الاجتماعية الجديدة سواء في أوروبا الشرقية في مطلع الألفية، أو مصر في نهاية العقد الأول من تلك الألفية.

أما آخر تلك التداعيات المعتبرة هو انعكاس تلك التداعيات على مفهوم الأمن القومي المصري، حيث أن اتساع الهوة بين المواطن والدولة وما شهدته من ممارسات مشوهة قد انعكست بجلاء على اضطلاع كل من الدولة والمواطن بدوره في حماية الأمن القومي المصري، ويُشير مفهوم الأمن القومي في أحد شروحه إلى أنه "قدرة الدولة على تأمين استمرار قوتها الداخلية والخارجية في مختلف المجالات، وتعزيزها، وهو ما أفسح المجال بصورة أو بأخرى لمفسدي الأوطان وإرهابيي المجتمعات بالتسرب إلى الجبهة الداخلية طمعاً في تحقيق أجندات أقل ما تُصف به أنها مشبوهة وممولة.

ومع قدرة الدولة المصرية على محاربة الإرهاب والقضاء عليه، ومن ثم استعادة الاستقرار من محاولات اختطاف الشعب المصري بل والوطن، تبلورت إرادة القيادة السياسية وانعكست في جهود الدولة المضنية للبحث عن سبل تدعيم هذا الاستقرار، واستدامته، وهي الجهود التي تلاقت مع طموح وإخلاص مواطنين مصريين وأحلام شباب مؤثر وفاعل في دوائره ومحيطه، فوُلدت "تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين" كنسق اجتماعي سياسي فاعل يستفيد من عقبات الماضي القريب، ويعبر الأطر المؤسسية المتهالكة أو المهترئة لكثير من المؤسسات الوسيطة، ويتغلب على تحديات الواقع الراهن، أملاً في مستقبل أفضل لهذا الوطن يُمكن فيه الشباب التمكين الداعم للمجتمع والدولة، وليس الوقوف عند حدود الممارسة الظاهرية له فقط.

بدأت التنسيقية كنسق مترابط بين حفنة متباينة المشارب، متفقة المآرب، فهي متباينة المشارب الأيدلوجية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية والجغرافية داخل القطر المصري، ولكنها متفقة على مآرب وحيد هو تنمية السياسة بما يحمي الدولة ويصون المجتمع، وفي غضون ثلاثة أعوام اكتسبت تجربة التنسيقية من ثقة الدولة والمجتمع سوياً، وما أحدثته من زخم مجتمعي وحراك صحي لجميع الفواعل الاجتماعية والسياسية، فأضحت التجربة محل تقدير القاصي والداني، المتفق معها والمختلف، حيث أنتجت تلك التجربة عددا من التداعيات الصحية للنظام السياسي بمكوناته المختلفة والمجتمع المصري.

أول تلك المكتسبات هو استعادة مساحة الثقة بين المجتمع والدولة، وثانيها توسيع قاعدة التمكين للشباب بصفاته المختلفة الحزبية والمهنية والجهوية، أما ثالث تلك المكتسبات فبناء قناة اتصال واضحة وراسخة وعصرية بين الجماهير والنخبة المصرية، ورابعها هو العمل على استدامة تلك الثقة والتواصل بين مختلف مكونات المجتمع والدولة في مصر، أخيراً إن تلك التجربة الشبابية الرصينة إنما تمثل نموذجاً معتبراً للممارسة السياسية التي تتسم بالبساطة والفعالية وعمق التأثير من ناحية، وتنبئ بالاقتداء بها محلياً وإقليمياً ولربما دولياً.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة