جمال فهمى
جمال فهمى


من دفتر الأحوال

رأى «سيمون» فينا

جمال فهمي

الثلاثاء، 15 يونيو 2021 - 06:43 م

فى مثل هذه الأيام قبل نحو 11 سنة نظم المجلس الأعلى للثقافة الذى كان يترأسه آنذاك الصديق الدكتور عماد أبو غازى (وزير الثقافة الأسبق)، ندوة علمية ضخمة عن “السان سيمونيين” أى أتباع تلك المدرسة الرائدة فى الفكر الاجتماعى الحديث المنسوبة للمفكر الفرنسى الكبير “سان سيمون” (1760 ـ 1826).
هذا المفكر وأفكاره التى يُطلق عليها الاشتراكية الخيالية، تمييزا لها عن الاشتراكية العلمية التى تقوم على نظريات وتحليل طبقى واقتصادى منضبط لقوى المجتمع سعيا وراء نظام اقتصادى واجتماعى يحقق هدف العدالة بين مكونات الجماعة البشرية، فقد كان سان سيمون، كما أمثاله من المفكرين (كالانجليزى “روبرت أوين” والفرنسى الآخر “شارل فورييه”) المهمومين بقضية الخلاص من الظلم والاستغلال الذى يعانى منه أغلبية البشر، لكنهم اكتفوا بالتبشير بقيم ومُثل عليا ذات طابع عمومى اعتبروها تحقق هدف شيوع العدل بين الناس.
غير أن أكثر ما ميز أفكار سان سيمون وجعلها تكتسب بريقا خاصا وتأثيرا قويا فى القرنين الثامن والتاسع عشر، هو تمجيدها للعلم كأساس لتطور المجتمع الإنسانى، وهذا يفسر المشاريع العلمية والهندسية الضخمة (خصوصا هنا فى مصر) التى انخرط فيها أتباعه وأهمها مشروع شق قناة السويس الذى حمله واحد من هؤلاء السانسيمونيين هو فردينان ديليسيبس وعرضه فى البداية على محمد على والى مصر آنذاك، لكن الأخير رفضه لأسباب لها علاقة على الأرجح بخوفه من تهييج أطماع الدول الاستعمارية الكبرى فى مصر، فانتظر ديليسيبس حتى رحل محمد على وارتقى سعيد باشا سدة حكم البلاد فأقنعه بالمشروع.
إذن فقد كان ولع سان سيمون بالعلم والمشاريع الصناعية والإنشائية الضخمة ركنا أساسيا ومحوريا من أركان أفكاره ومن ثم أفكار ونشاطات أتباعه على تنوعهم واختلاف نوازعهم السياسية وتوجهاتهم، وربما لهذا السبب، فضلا عن النشاط الفكرى والعملى الضخم الذى مارسه السان سيمونيون فى مصر والشرق العربى عموما خلال القرن التاسع عشر، هو واحد من أهم أسباب قيام المجلس الأعلى للثقافة بتنظيم الندوة السابق الإشارة إليها.
قبل أيام كنت أنقب فى محتويات مكتبتى فظهرت أمامى أوراق من هذه الندوة التى شارك فيها نخبة من المفكرين المصريين والعرب والأجانب، وبينما أمر بنظرى على سطور هذه الأوراق استوقفنى نص مدهش جدا مقتطع من أحد مؤلفات سان سيمون المنشور فى العام 1802 تحت عنوان “رسالة من قاطن فى جنيف إلى معاصريه”، إذ يقول سان سيمون فى ذاك المقتطع حرفيا:
“.. إن إدخال العلوم الوضعية إلى أوروبا عن طريق العرب، أدى إلى توفير الأساس لثورة مهمة بالنسبة لمعارفنا الخاصة، ونظرياتنا العامة خصوصا فى جانبها النقدى.
والحال أنه ما كاد العرب يبدأون، فى المناطق الأوروبية التى استولوا عليها، بإقامة مدارس تلقين العلوم التجريبية المبنية على الملاحظة العيانية، حتى انبثق تيار عام يقود العقول المميزة كافة نحو هذا الضياء الجديد. وعلى الفور قامت مدارس فى أرجاء أوروبا الغربية كلها، فأنشئت المراصد وصالات التشريح ودواوين التاريخ الطبيعى فى إيطاليا وفرنسا وانجلترا وألمانيا.. إن تفوق الوضعى على الحدسى، والفزيائى على الغيبى كان ملحوظا منذ البداية، حتى من جانب الكنيسة لدرجة أن عددا كبيرا من رجال الدين اتجهوا إلى استكمال دراستهم فى قرطبة (بالأندلس) حيث درسوا علوم الطب والفلك على أيدى أساتذة عرب..”.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة