الدكتور عباس شومان
الدكتور عباس شومان


المهر حق للمرأة والتيسير من مقاصد الشريعة الإسلامية

إيمان عبد الرحمن

الأربعاء، 16 يونيو 2021 - 06:33 ص

أكد الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر السابق وعضو هيئة الفتوى أن من وسائل التكريم للمرأة في الإسلام وجوب مهر لها على زوجها، ويثبت هذا المهر عند إجراء العقد، فإن دخل بها أو مات قبل أن يدخل بها استحقته كاملًا كما تم الاتفاق عليه بينه وبين وليها، وإن اختلفا وطلقت قبل الدخول استحقت نصفه، ويثبت هذا المهر وإن لم يشرط عند العقد، حيث يكون للمرأة مهر مثيلاتها من بنات عمِّها ونحوهنَّ ممن هنَّ على مستواها من الجمال والعلم. 

وشدد شومان على أن هذا المهر هو حق مستحق للمرأة ما دفعه الزوج قد سقط عنه، وما أبقاه في ذمته مؤخرًا فهو دين في رقبته؛ طالما كان مقصودًا ومطلوبًا وليس شرطًا جزائيًّا كما هو الغالب في حالات الزواج ؛ حيث اعتاد الناس اشتراط هذا الذي يسمونه مؤخرًا حتى لا يقدم على تطليقها، فإن كانت النيَّة كذلك فهو ليس من المهر بل بمثابة الشرط التعويضي لا تستحقه إلا إن طلقت، أمَّا إن كان مقصودًا كمهر حقيقي للزوجة غاية الأمر أنه أخر على الزوج لضيق ذات يده عند الزواج ليدفعه حين ميسرة؛ فيكون دينًا في ذمته، ويجب عليه أن يدفعه لها متى تيسر حاله، ولا علاقة له حينئذ بالطلاق.

وأشار الدكتور عباس شومان إلى أنه فى حالة وفاة الزوج فإنَّ هذا المؤخر الحقيقي تستوفيه أرملته من تركته قبل قسمتها ثم تأخذ نصيبها من التركة بعد ذلك، والمهر الذي تستحقه المرأة لا حد لأعلاه في شريعتنا بل يجوز أن يبلغ ما يبلغ متى تراضيا عليه، وذلك لقوله – تعالى -:{ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا }[سورة النساء آية 20]، وقد احتجت امرأة من المسلمين بهذه الآية حين أراد سيدنا عمر – رضي الله عنه – أن يجعل حدًّا أعلى للمهور لا يطلب من راغب الزواج أعلى منه، حين رأي الناس يغالون في المهور ،لِمَا في المغالاة من تعسير زواج الشباب والفتيات، ولكن حين احتجت المرأة بهذه الآية، وقالت: كيف يعطينا الله وتمنعنا؟ عدل عن ذلك ولم يحدد حدًّا للمهور، ومع أن تحديد الأمور بحد لا تزيد عليه قد يصادف مشكلة من حيث الاستلال عليه ؛ ولذا لم يقل به مذهب من مذاهبنا الفقهية، إلا أن الجميع يستحبون تيسير المهور لما في ذلك من تيسير أمر الزواج على الشباب، والملاحظ أنه مع مرور الأزمنة تتصاعد تكاليف الزواج، ويبالغ أولياء النساء في مهور بناتهم من باب الوجاهة الاجتماعيَّة، وحتى لا يقال إنَّ فلانًا زوج ابنته بمهر قليل، وكأنَّ مسألة المهر أصبحت ثمنًا للفتاة التي يتزوجها الفتى، والأمر ليس كذلك على الإطلاق.

وأكد شومان أن المهر أمر شرفي من باب التفريق بين عقد الزواج المحترم، والعلاقة التي تنشأ بعيدًا عن نطاق العقد الشرعي، وليس ثمنًا لا للمرأة ولا للاستمتاع بها، فالاستمتاع بالمرأة أثر من آثار العقد وليس بسبب المهر، بدليل أنَّ المرأة من حقها أن تستمع هي الأخرى بالزوج ولا يلزمها دفع مهر بل المهر على الرجل. 

ودليل رمزيَّة المهر وأنَّه لا علاقة له بالقيم والأثمان، أنَّه يجوز بالإجماع أن يكون شيئًا يسيرًا حتى ولو كان خاتمًا من حديد، وجميعنا يعلم قصة المرأة التي جاءت تعرض نفسها على رسولنا – الكريم - ليتزوج بها من دون مهر؛ حيث كان يجوز له ذلك دون سائر المسلمين، وحين لم يرغب فيها وأبدى أحد صحابته رغبته في الزواج منها وكان فقيرًا ، طلب منه رسولنا أن يبحث عن شيء يكون مهرًا لها، حتى لو كان  خاتمًا من حديد وليس من ذهب ولا فضة ، وحين لم يستطع الرجل أن يجد هذا المهر القليل للغاية زوجه رسولنا المرأة على أن يعلمها ما يحفظ من كتاب الله؛ ولذا فلا خلاف بين الفقهاء أيضًا أنه لا حد لأقل المهر بل ما ترتضيه الفتاة ووليُّها فهو مهر صحيح ولو كان غاية في القلة.

وأضاف شومان أن تيسير المهور في ظلِّ الحالة الاقتصادية الصعبة وارتفاع تكاليف الزواج الأخرى يوافق مقاصد شرعنا الحنيف، وهي ثقافة يجب نشرها بين الناس لكبح جماح الارتفاع التصاعدي المبالغ فيه، والمرهق جدًّا للأغنياء فضلًا عن متوسطي الحال والفقراء، فما نسمع عنه من مبالغات في اشتراط المهر تتجاوز عدة ملايين لاسيما في المؤخر، بالإضافة إلى قائمة منقولات يتفنن أولياء المرأة في حشوها بما هو موجود وربما مثله مما لاوجود له، هي من الأمور غير المطلوبة شرعًا، وهي على خلاف ما يعتقده أولياء المرأة قد تكون المعول الأول لهدم هذا الزواج وليس ضمانة استمراره، فالشاب الذي يبدأ حياته الزوجيَّة مكبَّلًا بديون الجهاز وتجهيز مسكن الزوجية على قلة دخله الذي قد لا يكفي لتكاليف معيشته من إيجار واستهلاك كهرباء وماء، ناهيك عن نفقات قوته وزوجته وكسوتهما...في وقت عليه أن يسدد في كل شهر قسطًا أو أكثر، ونفس الشيء يعاني منه أهل زوجته فمع تواضع معيشة الكثيرين يجدون أنفسهم مضطرين لتجهيز ابنتهم بما يفوق قدراتهم؛ فيلجؤون إلى الاقتراض الذي يعجزون عن الوفاء به في آجاله، إضافة إلى تكاليف مبالغ فيها تتعلق بحفلة العرس ينتقدها بعض الحضور مهما تكلفت، ودراسة تجريها أي جهة من الجهات أو مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني؛ ستثبت أن كثيرات من القابعات خلف القضبان مدينات بديون ليست بالكبيرة بلغة الأرقام وقيمها الشرائية، لكنها بالنسبة للمدينة كالجبال العظيمة، و هي عبارة عن أقساط أجهزة جهزت بها ابنتها ثم عجزت عن سدادها، فما كان من التاجر إلا أن قدم إيصالات الأمانة والكمبيالات أو الشيكات التي لديه ليحكم عليها بالسجن، وبكلِّ تأكيد لن تشعر ابنتها العروس بأي سعادة وقد سجنت أمها بسببها.

والأدهى والأمر أنَّ هذا يمثل ضغطًا نفسيَّا على زوج ابنتها أمام أهله ،حيث إنَّ حماته سجينة؛ دون أن يتذكروا أنها سجنت ليجد ابنهم الغسالة والثلاجة والتلفزيون، هذا إن كانت العروس لم تنتقل إلى وسطها بدعة تعديد الأجهزة من النوع الواحد، ولست أدري ماذا تفعل عروس بثلاجتين وغسالتين، وأدوات مطبخ تكفي لتشغيل مطعم في وقت مطبخ العروس تصعب الحركة فيه إذا وضعت فيه ثلاجة؟ ولست أدري متى تستخدم العروس وعريسها تلال البطاطين التي حبست من أجلها أم العروس؟ ولست أدري في أي مكان تقتني العروس ما ابتدعه بعض أهل الريف من تحميل بعض حيوانات كبقرة أو جاموسة مع العفش كهدية من والدها؟

 وشدد الدكتور عباس شومان على إن الأعراف البالية التي اعتادها الناس من المغالاة في المهور، والتباري بين الناس في الزيادة عليها حتى يضرب بهم المثل، ولو كان ثمنه السجن بالدين في النهاية ، يجب أن يتخلى عنها الناس؛ ليعيش الزوجان بما يرزقهما الله من مال دون عناء الديون التي هي هم لهما ولأهلهما بالليل ومذلة بالنهار، وسرعان ما يتناساها الناس، ولا يشكرون لمن تحملها بل ينتقدوهم في أنفسهم أو في أحاديثهم مع الآخرين موجهين لهم الاتهام دون أدنى تعاطف مع الغارم أو الغارمة.

فمن أراد السعادة في زواجه فليتبع الهدي النبوي فيبحث عن ذات الدين:" فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ " ومن أراد السعادة لابنته أو أخته فليقبل لها زوجًا يتمتع بالخلق والتدين الصحيح:" إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ".

أمَّا المبالغة في المهور وتكبيل الزوج بالملايين فلن يحقق دوام السعادة لابنتهم إن كان من اختاروه لا يرعى الله فيها، فما أسهل عليه من التضييق عليها؛ حتى تطالبه بالخلاص متخلية عن حقوقها بالكامل فرارًا من جحيم العيش معه، بخلاف من تربى تربية حسنة ويخشى الله، فإنه سيتذكر أنَّ أهل زوجته لم يرهقوه، ولم يكلفوه فوق طاقته عند الزواج، ووثقوا في ذمته وأمانته، فسيشكر لهم هذا ويحسن عشرة ابنتهم؛ إكرامًا لهم حتى لو كان منها بعض الهفوات، كما أن الجري وراء الأعراف البالية وتحميل النفس أكثر مما تحتمل تجهيزًا وعرسًا لن يحقق أي سعادة لا للزوج ولا لزوجته؛ بل ربما تجر تبعاته إلى بغض الزوجيَّة والسعي للخلاص منها.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة