الكاتب ميخائيل نعيمة
الكاتب ميخائيل نعيمة


نشوة المحبة

الأخبار

الأربعاء، 16 يونيو 2021 - 06:30 م

بقلم : ميخائيل نعيمة

إن ورقة صفراء على شجرة حياتكم ما كانت لتصفرّ لو لم تفطموها عن ثدى محبتكم، فلا تلوموا الورقة الصفراء، وإنّ غصناً ذاوياً ما كان ليذوى لو لم تحبسوا عنه غذاء المحبة، وإن ثمرة عفنة ما كانت لتتعفّن لو لم ترضعوها من صديد بغضائكم، فلا تلوموا الثمرة العفنة، بل الأحرى بكم أن تلوموا قلوبكم العمياء والشحيحة التى تؤثر أن توزع عصير الحياة بالتقتير على القليل وتحجبه عن الكثير غير عالمة أنّها تحجبه بذلك عن نفسها، ما من محبّة مستطاعة إلّا محبة الذات، وما من ذات حقّة إلّا ذات الله، التى هى الوجود بكامله، ما دام لكم فى المحبّة عذاب دمتم بعيدين عن ذاتكم الحقّة وعن مفتاح المحبّة الذهبى، فأنتم ما آلمتكم المحبّة إلّا لأنّكم تحبّون ذاتاً موهومة تتغيّر وتتنقّل كالظلّ، فمحبّتكم موهومة وهى كذلك تتغيّر وتتنقّل كالظلّ.


إن محبّة الرجل للمرأة والمرأة للرجل ليست بمحبّة، إنْ هى إلّا رمز بعيد إليها، كذلك ليست محبّة الوالدين للولد إلّا العتبة لهيكل المحبّة الأقدس، فإلى أن يصبح كلّ رجل حبيب كلّ امرأة والعكس بالعكس، وإلى أن يصبح كلّ ولدٍ ولداً لكلّ والد والعكس بالعكس، دعوا الرجال والنساء يتبجّحون بانجذاب اللحم إلى اللحم والتصاق العظم بالعظم من غير أن يتلفظوا باسم المحبّة القدوس، لأن فى ذلك تجديفاً وكفراً، ومن كان له عدوّ واحد كان بلا صديق واحد، إذ كيف للقلب الذى تسكنه العداوة أن يكون ميناءً أميناً للصداقة ؟.


كيف لمن فى قلبه بغضاء أن يعرف نشوة المحبّة ؟ فلو كان لكم أن تغذّوا جميع المخلوقات بعصير المحبّة ما خلا دويدة واحدة حقيرة لكان لكم فى تلك الدويدة وحدها ما ينغّص عليكم حياتكم على قدر كرهكم لتلك الدويدة، لأنّكم ما أحببتم إنساناً أو شيئاً إلّا أحببتم فيه ذواتكم، ولا كرهتم إنساناً أو شيئاً إلّا كرهتم فيه ذواتكم، كلّ ما تحبّون مرتبط بكلّ ما تكرهون ارتباطاً أوثق من ارتباط صدوركم بظهوركم. فلو صدقتم مع أنفسكم لكان عليكم أن تحبّوا ما تكرهون وما يكرهكم قبل أن تحبّوا ما تحبّون ويحبّكم وليست المحبّة بفضيلة. إنّها لضرورة أشدّ من ضرورة الخبز والماء والنور والهواء، فحذار أن يفخر أحد بمحبته، بل عليكم أن تتنفسوا المحبّة غير مفكرين بها وبمثل السهولة التى تتنفسون بها الهواء.


إذ ليست المحبّة فى حاجة إلى من يشيد بها ويرفعها، فهى ترفع القلب الذى تجده أهلاً لها، لا تطلبوا ثواباً للمحبّة، ففى المحبّة ثواب المحبّة، مثلما فى البغض عقاب للبغض،ولا تطلبوا حساباً من المحبّة، فالمحبّة لا تحاسب غير ذاتها. وهى لا تُدين ولا تستدين. ولا تشترى ولا تبيع، لكنّها إذا ما أعطت فكلّ ما لها، وإذا ما أخذت فكلّ ما لها، فأخذها إعطاء، وإعطاؤها أخذ، لذلك لا تزيد ولا تنقص بل تبقى كاملة اليوم وغداً وإلى آخر الدهر، ومثلما يُفرغ النهر العظيم ذاته فى البحر فيعود البحر ويملأه هكذا أفرغوا أنفسكم فى بحر المحبّة كيما تظلوا مترعين بالمحبة، إن حوضاً يستأثر بِهِبَةِ البحر يغدو حوضاً آسناً.


ليس فى المحبة من (أكثر) ولا من (أقلّ)، فساعة يخطر ببالكم أن تزِنوا المحبة أو أن تقيسوها تتسلل من قلوبكم تاركة وراءها ذكريات مُرّةً لا غير، لا وليس فى المحبة (الآن ) و(عندئذٍ) ولا (هنا) أو (هناك)، فكل الفصول فصول للمحبة وكل الأماكن مساكن لائقة بها، ولا تعرف المحبة تخوماً وحواجز، فالمحبة التى تقف حائرة أمام أى تخم أو حواجز ليست جديرة بعد باسم المحبة، ولكَم سمعتكم تقولون إن المحبة عمياء، وأنتم تعنون أنها لا ترى عيباً فى المحبوب. كلّا. ليست المحبّة بالعمياء، بل إن لها عيناً تخترق كل الحُجُب، ولذلك لا تبصر من عيوب على الإطلاق، وأنتم عندما تطهّر المحبّة أبصاركم لن تستطيعوا أن تروا شيئاً غير جدير بمحبتكم، إنما تبصر العيبَ عينٌ محرومة من المحبة وملأى بالعيوب، وما العيوب التى تبصرها غير عيوبها، المحبة تجمع والبغض يفرّق، حتى أجسادكم، على وهنها، ما كانت لتتفكك لو كان لكم أن تحبّوا كل خليّة من خلايا محبة متوازية، قوية، خالصة.


المحبة سلام نشوان بألحان الحياة، والبغضاء حرب صاخبة بصرخات الموت، فأيّ الاثنين تختارون : أن تحبوا فتكونوا فى سلام دائم ؟ أم أن تبغضوا فتكونوا فى حرب أبديّة ؟


من كتاب " مرداد "

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة