هالة العيسوى
هالة العيسوى


الورقة الأخيرة فى «دبلوماسية» السد

هالة العيسوي

الأربعاء، 16 يونيو 2021 - 07:30 م

 

مازال الكثيرون يتساءلون عن الدوافع الحقيقية لتعنت آبى أحمد فى مسألة السد. قبل أقل من عام كتبت فى هذا المكان عن وسيلة آبى أحمد فى الهروب من أزماته السياسية إلى الأمام أى النزوع إلى التشدد والتعنت غير المبرر. مع ذلك لا ينبغى النظر إلى أزمة السد باعتبارها صنيعة آبى أحمد فقد ورث القضية الكنز من حكومة ميليس زيناوى رئيس الوزراء الأسبق، ويستغلها الآن لصالحه بعد انقلاب الحال من حائز على جائزة نوبل للسلام إلى حاكم يشار إلى نظامه بأصابع الاتهام بانتهاك حقوق الإنسان وارتكاب جرائم تطهير عرقى ضد قومية التجراى وتزامن كل ذلك مع اقتراب معركته الانتخابية بعد أقل من أسبوعين.
ولأن موضوع السد قضية قومية لدى الإثيوبيين بعد أن أجبرت الحكومات السابقة الشعب على المساهمة فى تمويله وفرضت الدولة «ضريبة السدود» على رواتب الموظفين المدنيين فى الأعوام ما بين 2012 إلى 2015 وطالبت الشركات المحلية بزيادة تبرعاتها، والبنوك بضمان قروض الحكومة بشروط تفضيلية هددت سيولة المصارف واستقرارها. وأصدرت سندات للمغتربين الإثيوبيين بسعر فائدة مغرى بنسبة تتراوح بين 5 و6 فى المائة، وأجرت اليانصيب لتمويل السدود وحتى تنظيم المسابقات الرياضية. بعد كل هذه الإجراءات لن تتوفر له قضية تحظى بالالتفاف الشعبى مثل الإصرار على السد لإثبات مصداقية وجدوى هذا العبء الذى تحمله المواطنون وعانت منه خزينة البلاد.
لقد ورث آبى أحمد كنزًا آخر من العلاقات والاستثمارات الخارجية التى يظن انها تؤمن له دعمًا دوليًا ماديًا وسياسيًا يحميه من أى حملات ضغط أو هجمات على السد فقد حصلت إثيوبيا من الصين على سبيل المثال فى عام 2013 على قرض بقيمة 1.2 مليار دولار لبناء شبكة كهربائية وبنية تحتية لنقل الكهرباء من السد فى جميع أنحاء البلاد. وفى عام 2019، أعلنت عن قرض آخر بقيمة 1.8 مليار دولار لنفس الأغراض. ربما تجنبت الصين الاستثمار المباشر فى بناء السد، لكن جزءًا كبيرًا من القرض الصينى تم استخدامه لإكمال بنائه، حيث فازت العديد من الشركات الصينية الكبرى بمناقصات تتعلق بتشغيله.
كذلك فازت شركة ويبيلد الإيطالية بعقد لبناء البنية التحتية الرئيسية للسد، وفازت الشركة الألمانية فيوت هيدرو بعقد تركيب التوربينات لتشغيل محطات الطاقة بالاشتراك مع شركة جنرال الكتريك الأمريكية وشركة ألستوم الفرنسية، وتعمل عشرات الشركات الإسرائيلية فى إثيوبيا. وهناك مهندسون وممثلون إسرائيليون يحتلون طابقًا كاملاً فى وزارة المياه فى البلاد وقامت إسرائيل بتركيب صواريخ سبايدر للدفاع عن السد من الهجمات الجوية وفقًا لتقارير نشرت فى وسائل الإعلام الإثيوبية.
وقد دفع انخراط الصين العميق فى إفريقيا بشكل عام وإثيوبيا بشكل خاص إدارة ترامب إلى تشجيع الشركات الأمريكية على الاستثمار فى إثيوبيا والموافقة على قرض بقيمة 2.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولى لإثيوبيا فى عام 2019. لم يكن القصد من هذا القرض تمويل السد، ولكنه حرر الكثير من أموال الدولة الأخرى المخصصة للتطوير لاستخدامها فى السد.
الآن، بعد أن فشل الاتحاد الأفريقي، لم يتبق فى المسار الدبلوماسى لحل أزمة السد الإثيوبى سوى التطلع إلى دور أمريكى فاعل للضغط على أديس أبابا أو إقناعها بالحسنى بالالتزام القانونى أو على الأقل الإبطاء فى ملء السد. ينطلق هذا التطلع من توجه إدارة بايدن لتركيز جل اهتمامها على المنافسة مع الصين ورغبتها فى قطع طريق التمدد الصينى الذى اقتحم القارة الأفريقية باستثماراتها وكانت الممول الرئيسى للسد الإثيوبي، أما التعويل على لغة الأخوة القومية والصداقة، فلا طائل منه لأن المصالح تتصالح.
 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة