نوال مصطفى
نوال مصطفى


حبر على ورق

إبراهيم عبد المجيد

نوال مصطفى

الأربعاء، 16 يونيو 2021 - 07:34 م

هناك شخصيات تفرض حضورها على الحياة، تصبح - ربما دون أن تقصد- كالشمس ترسل بخيوطها الذهبية إلى من حولها، تحدث تأثيرًا يحرك السكون، يلهم، يحفز، يشيع حالة من البهجة، يغرينا بأمل غامض يلوح فى الأفق.
الأديب ابراهيم عبد المجيد أحد هؤلاء. التقيته فى البداية عبر كتاباته النابضة بالحياة، فاستوقفنى صدقه الفني، والنفس الإنسانى الواضح فى أعماله. ثم جمعتنا لقاءات ومناسبات أدبية عديدة، لمست خلالها بساطة شخصيته، وكم التصالح الجميل القائم بينه وبين نفسه، إلى جانب روح المرح، ولسعة السخرية المحببة فى حكاياته، ونوادره التى يحكيها بحس أدبى شائق، وجذاب.
يشاء القدر- بعد ذلك بسنوات- أن تجمعنا لجنة تحكيم فرع الرواية فى مسابقة «إبداع» التى تقيمها وزارة الشباب والرياضة منذ تسعة أعوام كأعظم عمل تقوم به الوزارة، وهو اكتشاف كنوزنا الحقيقية ممثلة فى شباب يفرح حقًا فى كل فروع الفنون، الثقافة، والأدب. قربت تلك التجربة بيننا، وعرفته بصورة أعمق.. أحس أحيانا أنه طفل يغضب بسرعة، يثير حالة من الصخب والتوتر إذا حدث شيء لا يعجبه، أو صادف تصرفاً لا يرضيه، وقتها كنا نسارع أنا وزميلنا الثالث فى لجنة التحكيم الدكتور حسين حمودة «الهادئ الخلوق» لتهدئته، فنفاجأ إنه هدأ وابتسم ابتسامة صافية، تملأ وجهه، بل الأكثر من ذلك يبحث بنفسه عن الموظف أو الشاب الذى أغضبه، ليعتذر له بنفسه لأنه انفعل بصورة مبالغ فيها، ولا ينصرف قبل أن يصالح الشخص الذى أثاره، وأخرجه من «الموود».
حوالى عشرين رواية، عشر مجموعات قصصية، مئات المقالات الصحفية والحوارات التليفزيونية هى حصيلة الإنتاج الأدبى للمبدع القدير إبراهيم عبد المجيد حصل عنها على عدد كبير من الجوائز داخل وخارج مصر. لكنه يعتز اعتزازاً خاصاً بجائزة نجيب محفوظ للرواية، التى أنشأتها الجامعة الأمريكية بالقاهرة. حصل عليها عن رواية «البلدة الأخرى» عام 1996، وفى نفس العام حصل على جائزة معرض القاهرة الدولى للكتاب لأحسن رواية عن «لا أحد ينام فى الإسكندرية» عام 1996، كذلك حصل على جائزة الدولة للتفوق فى الآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 2004، وجائزة الدولة التقديرية فى الآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 2007. جائزة كاتارا 2015 وجائزة الشيخ زايد 2019.. رغم كل الجوائز المهمة والترجمات التى حظت بها أعماله الروائية إلى الإنجليزية، الفرنسية، والألمانية، تراه إنسانا فى قمة التواضع، يتعامل مع الصغير قبل الكبير باحترام وتقدير وإنسانية رفيعة المستوى.
قصة حياته نفسها رواية درامية شيقة، وجميلة. رواية الشغف فى أقصى درجاته، والجنون فى أجمل صوره. فقد ولد فى مدينة الإسكندرية، وحصل على ليسانس الفلسفة من كلية الآداب بجامعة الإسكندرية فى عام 1973، ثم اتجه إلى القاهرة ليلتحق بعمل فى وزارة الثقافة، ويتولى فيها العديد من المناصب على مدى رحلة حياته. لكن الوظيفة لم تكن تستهويه على الإطلاق، وله عشرات القصص الكوميدية عن كيفية الزوغان من المسئوليات الوظيفية التى تسرق الوقت، لصالح عشقه الوحيد: الأدب. كان يتعامل مع الوظيفة باعتبارها مجرد عمل ومصدر رزق، ويعترف بكل صراحة بأنه لم يخلص إلا للكتابة.. لذلك كتب ابراهيم عبد المجيد كثيرا وصدرت له العديد من الروايات منها: «البلدة الأخرى، لا أحد ينام فى الإسكندرية، بيت الياسمين، طيور العنبر، اﻹسكندرية فى غيمة، العابرة، فى كل أسبوع يوم جمعة، عتبات البهجة وقطط العام الفائت، السيكولوب. وغيرها».. ورغم كل هذا الزخم الإبداعى فى حياته لم يهتم بالظهور الإعلامى، أو الشهرة. لا يسعى إلى شيء إلا لقائه بالورق والقلم. وجلسات الأدباء على مقاهى وسط البلد قبل زمن الكورونا، وحصار الأحزان على رحيل أقرب الأصدقاء، وأحبهم إلى قلبه.
لذلك تسللت موجات الحزن إلى سطوره خاصة فى كتاباته الأخيرة وأحدثها بعنوان «الهروب من الذاكرة» الصادر عن دار المتوسط للنشر، وسيكون جديد إبراهيم عبد المجيد فى معرض القاهرة الدولى للكتاب الذى سوف تشهده عاصمة المعز فى 30 يونيو الحالى. شكرا أديبنا القدير الذى اصطحبنا لندخل معه «عتبات البهجة» كما علمنا كيف نهرب من الذاكرة لعلنا نستريح!.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة