غلاف الطبعة الجديدة من نص دانتى الشهير "الكوميديا الإلهية"
غلاف الطبعة الجديدة من نص دانتى الشهير "الكوميديا الإلهية"


«العبث بالكوميديا الإلهية».. جدل في الوسط الثقافي بسبب طبعة عراقية ومترجم سوري

أخبار الأدب

الخميس، 17 يونيو 2021 - 06:38 م

كتب: محمد شعير
منذ أيام أصدرت دار المدى العراقية طبعة جديدة من نص دانتى الشهير "الكوميديا الإلهية" بترجمة المفكر المصرى حسن عثمان. وقد اختارت الدار أن تضع اسم المترجم الشاب معاوية عبد المجيد (1985) كمراجع للترجمة التى صدرت طبعتها الأولى عام 1955 فى دار المعارف، وهو ما أثار جدلا كبيرا فى الوسط الثقافى، خاصة مع إعلان إضافة أبيات جديدة للطبعة، وإدخال تحسينات على الترجمة، فضلا عن صدور الطبعة بدون إذن من ورثة المترجم حسبما قال أشرف كامل ابن شقيق حسن عثمان (1909-1973).. موضحا أن دار المدى لم تستأذن الأسرة قبل إصدار الطبعة، وأن عقد عثمان مع دار المعارف لا يعطيها حق منح دور نشر أخرى الإذن بإصدار أية طبعات خارج مصر، بدون الرجوع إلى الأسرة. 


تواصلت أخبار الأدب مع سعيد عبده رئيس مجلس إدارة دار المعارف، ورئيس اتحاد الناشرين المصريين، الذى أكد أن حسن عثمان أصبح فى "الحق العام" إذ مضى على رحيله خمسون عاما، ومن الممكن لأى دار نشر أن تقوم بطباعته مشيرا إلى أن عثمان توفى عام 1968. ولكن أشرف كامل أكد أن عمه توفى عام 1973 تحديدا فى 28 أكتوبر، وهو نفس اليوم الذى رحل فيه الدكتور طه حسين، وأن المعلومات المنشورة عنه فى مواقع الإنترنت ليست سليمة، إذ أنه من مواليد 1909 وليس 1892 كما كُتب على موقع ويكيبيديا. بالرجوع إلى سعيد عبده قال لنا إن دار المدى حصلت فى أكتوبر 2018 على حقوق إصدار طبعة واحدة، ولكن لا يوجد فى بنود العقد معهم ما يمنحهم حق حذف أو إضافة، وطلب مهلة لإرسال خطاب إلى دار المدى لمعرفة ما تم. 


بعد عدة أيام أعدنا الاتصال به فأكد أن دار المدى حصلت على حق إصدار طبعة توزع فقط فى العراق، وليس فى أى دولة أخرى، مع الالتزام بوضع اسم دار المعارف على الغلاف، وأن ما قامت به الدار مجرد مراجعة لغوية وتصحيح بعض الهنات الطباعية فى طبعة دار المعارف، وبالتالى معاوية عبد المجيد ليس أكثر من مصحح لغوى. سألناه: هل التصحيح اللغوى يستدعى وضع اسم المصحح على غلاف الكتاب بجانب مترجم كبير مثل حسن عثمان؟.. أجاب عبده: عدم وضع اسم المصحح على غلاف الكتاب مجرد عرف وليس قانونا، وإذا أرادت دار نشر ما وضع اسم المصحح لديها فلا يوجد غضاضة فى ذلك. لم يوضح رئيس اتحاد الناشرين لماذا لم تسع دار المعارف نفسها إلى تصحيح الأخطاء الطباعية فى طبعتها وترك الأمر لدار نشر أخرى.


حاولت أخبار الأدب التواصل مع إيهاب عبد الرازق القيسى مدير دار المدى للنشر ولم يرد على اتصالاتنا. أرسلنا إليه عدة أسئلة لاستيضاح الأمر، لكنه لم يرد أيضا على أى منها، ولكن حسب بروفايل دار المدى على "تويتر" نقرأ أن إعداد العمل للنشر استغرق ثلاث سنوات: «بعد ثلاث سنوات من إضافة المحذوف والتصحيح والتدقيق والمراجعة. (الكوميديا الإلهية) أحد أفضل الأعمال عبر تاريخ الأدب تصدر عن دار المدى بترجمة حسن عثمان الشهيرة، ومراجعة المترجم المبدع معاوية عبد المجيد عن الإيطالية».


**
أما المترجم معاوية عبد المجيد الذى قام بمراجعة العمل فأكد فى تصريحات صحفية له أن الطبعة الجديدة للترجمة تصدر عن دار المدى «بحلّة جديدة، وإخراجٍ عصرى، ومع إضافة المحذوف (بضعة أبيات من أصل خمسة عشر ألف بيت) بمتنٍ مستقلّ لا يؤثّر فى بنية الترجمة ولا يمسّ بها ولا يخلخل الشعر الدانتى. وقد تشرّفتُ شخصيًّا بالإشراف على هذا العمل العظيم ومراجعته، وتعلّمتُ الكثير أكثر ممّا كنتُ أتوقّع وأرجو، وبذلتُ ما أستطيع لترصُّد الهفوات المطبعيّة والإملائيّة وبضع ملاحظات لغويّة لا تنتقص من جهود الأستاذ حسن عثمان، بل تعزّزها وتثبت أنّه قادرٌ على أن يعلّمنا كلّنا اللغتين والأدب والنقد والترجمة والصبر والحكمة من مكانه البعيد وعبر الزمن».


يثير هذا التصريح أسئلة عديدة: هل تصحيح الهفوات المطبعية يبرر وضع اسمه مراجعًا؟ المراجعة فى عرف الترجمة يفهمه كل القراء على أنه تدقيق علاقة النص العربى بالأجنبى وليس أى شىء آخر، أما «الملاحظات اللغوية» فهى التحرير الذى يرفضه معاوية لنفسه إذ يؤكد فى العديد من حواراته الصحفية «حين أعمل وأترجم النص، أحرره عربيا، لا أنقله فقط إلى اللغة العربية. فأنا لا أريد أن يحرر النص أحدا بعدى، لأنه قد يغير أشياء فى النص وأكون أنا المسؤول عنها، أحتاج فقط إلى قارئ يدقق خلفى على بعض السهوات من أخطاء إملائية أو حتى جمل ركيكة». ويتحدث بثقة مبالغة: «المحرر قطعا يعنى أن يتدخل فى النص فيغيّره، وأنا أرفض أن يكون على ترجمتى محرر، لأن ترجمتى محررة وجيدا جدا، لأننى واثق تمام الثقة من نفسى، وأعتقد أن هذا رأى كل من يعرفوننى». هذه التصريحات تطرح سؤالا كيف يقوم معاوية بمراجعة وإضافة وتحرير عمل استقر فى الثقافة العربية، ولا يقبل وهو الشاب أن يقوم محرر أو مراجع بمراجعة ترجماته؟


ولكن هل تحتاج ترجمة حسن عثمان إلى أى تعديلات أو تحديث..من جانب معاوية الذى يؤكد فى أكثر من حوار أن «حسن عثمان هو أعظم المترجمين العرب على مر العصور، كانت ترجمته للكوميديا الإلهية سابقة لعصرها فعلاً».. ويصفه أحيانا بالفدائى «الذى أفنى أكثر من 15 عاما من عمره وهو يترجم هذا العمل، فالدكتور حسن الذى كان مختصا بالتاريخ ومناهج البحث التاريخى استطاع أن ينقل القيمة التاريخية للكوميديا الإلهية، كان دائما يضع الحواشى اللازمة، استطاع أن يستغل اختصاصه التاريخى فى ترجمة عمل عظيم مثل الكوميديا الإلهية». 


**
سألنا الدكتور حسين محمود أستاذ الأدب الإيطالى ومترجم كتاب «حياة جديدة» لدانتى أيضا: هل تحتاج ترجمة حسن عثمان للكوميديا الإلهية مراجعة جديدة؟ 


أجاب: «للكوميديا الإلهية ترجمات عديدة، منذ عام 1930، ولكن تظل ترجمة عثمان هى الأكمل والأدق، خاصة أن عثمان لم يكتف بمجرد الترجمة وإنما أضاف حواشى وهوامش لشرح كل شىء تعد أهم من الترجمة نفسها، ما يجعل الإضافة على ما قام به أمر مستحيل، كما أن ترجمته هى الوحيدة التى ترجمت من اللغة الأصلية مباشرة، إذ أن الكوميديا كُتبت بلغة كانت جديدة وقتها تجمع بين اللاتينية والإيطالية، لذا نقول إن دانتى هو أبو الإيطالية الحديثة، وبالتالى من يتصدى لمراجعة الترجمة عليه أن يجيد اللاتينية مثلما أجادها حسن عثمان».. ويضيف محمود: «هل يجيد معاوية اللاتينية؟ لا أدرى، ولكن أتصور أنه اعتمد على نصوص مبسطة مكتوبة بالإيطالية الحديثة وتقدم للشباب». يوضح محمود: «هناك أنشودة رقم (28) لم يترجمها حسن عثمان لأنها تتعلق بشخصيات دينية إسلامية، حتى الترجمات الأخرى التى جاءت بعده كانت مبهمة، غير مفهومة، لذا ربما كان من الأفضل ألا تترجم». 


حول أعراف الترجمة سألنا المترجم سمير جريس: «هل يمكن أن يضع اسمه مراجعا لترجمة كلاسيكة معروفة ومستقرة؟».


أجاب: «لن أفعل بالطبع، خاصة إذا كان المترجم السابق ليس حيا، فقد يعترض على مراجعتى أو اقتراحاتى ويرى أنها تفسد أسلوبه، لذا فالأفضل هو إعادة الترجمة، مع مقدمة تفصيلية عن الترجمات السابقة للعمل التى اطَّلعت عليها والفرق بينها وبين ترجمتى». 


جريس يعمل الآن على إعادة ترجمة نص شهير لكاتب ألمانى حصل على نوبل وسبق ترجمته أكثر من مرة، سواء عن لغات وسيطة أو عبر ترجمات كارثية، أو تضمنت أخطاء كثير.. يقول: «لذلك قررت إعادة الترجمة، هذا هو الحل الأسلم».


من جانبه فجر المهندس أشرف كامل أحد ورثة حسن عثمان مفاجأة بأن الجزء المحذوف (الأنشودة 28) من الكوميديا الإلهية كان عمه قد ترجمه ولكنه لم يُنشر، ولا يزال يحتفظ به، ضمن أوراق عديدة ومقالات غير منشورة، من بينها مسودات ترجمة الكوميديا الإلهية، ودراسات نقدية عن دانتى كتبها العم قبل رحيله مباشرة. لا يتذكر أشرف أن الحذف قد تم بناء على رغبة عمه أو رغبة دار النشر. وأضاف أشرف أنه «سوف يلجأ لاتخاذ إجراءات قانونية لوقف العبث بترجمة عمه، خاصة أن دار المعارف لم تستأذن الورثة أو تقوم بإعلامهم قبل الإقدام على هذه الخطوة». 

 

 المعروف أن حسن عثمان قضى أكثر من عشرين عاما فى ترجمة «الكوميديا الإلهية»، إلا أن اهتمامه بالعمل وصاحبه بدأ مبكرا جدا، حتى أن الإعداد للترجمة وحده استغرق ما يقرب من ثمانية عشر عاما، يكتب فى مقدمته للترجمة: «ترجع بداية معرفتى بدانتى وآثاره إلى سنة 1934، حينما كنت أدرس فى إيطاليا اللغة والأدب والفن والسياسة والتاريخ، كنا نجتمع كرفاق فى قاعة الدرس وخارجها لدراسة بعض آثاره وتذوقها».


وفى عام 1941 نشر عثمان بعض مقالاته عن دانتى مع شخصيات «الكوميديا» مع ترجمة بعض أبياتها، وعندما بدأ فى الترجمة سافر إلى إيطاليا وإلى كثير من الأماكن التى عاش فيها دانتى من أجل «أن أتعلم وأفهم وأتأمل» كما يقول. 

 

لم يحدث من قبل أن قامت دار نشر بما أقدمت عليه دار المدي، كل الأعمال الكلاسيكية الهامة ترجمت أكثر من مرة، مسرحيات شكسبير لها ما يقرب من سبع ترجمات مختلفة، لم يدعى أحد أنه سيقوم بتحرير ترجمة مطران خليل مطران مثلا، أو جبرا إبراهيم جبرا، إنما دائما نقرأ ترجمات جديدة، مع مقدمة يوضح فيها المترجم لماذا يقوم بترجمة العمل مرة أخرى، ويوضح أخطاء الترجمات السابقة. الأمر ذاته حدث مع رواية «عوليس» لجيمس جويس..التى ترجمت ثلاث ترجمات، لم يدعى صلاح نيازى أنه سيقوم بتحرير لترجمة طه محمود طه، بل قدم ترجمة جديدة، ولم يقم طه محمود طه نفسه بالإدعاء أنه سيحرر ترجمة محمد لطفي جمعة السابقة عليه، رغم انها ترجمة منقوصة وكان يمكن أن يبنى عليها ويوفر جهده ووقته. بل إن دار المدي نفسها أصدرت مؤخرا ترجمة جديدة لقصيدة ت . س إليوت الشهيرة «الأرض اليباب» انجزها فاضل السلطانى الذي كتب مقدمة هامة يوضح فيها أخطاء الترجمات السابقة عليه ولماذا تستحق هذه القصيدة ترجمة جديدة، رغم أن لها أكثر من عشر ترجمات سابقة.


ويظل السؤال قائما: ألم يكن من الأولى أن تقوم دار المدى بتقديم ترجمة جديدة لهذا النص بدلا من العبث به، وفى أحسن الأحوال انتحال جهد لم يقم به المراجع؟ أم أن الأمر لم يكن سوي لأسباب تسويقيه وتجارية بوضع اسم معاوية عبد المجيد بجوار حسن عثمان جذبا لقارئ جديد لا يعرف عثمان وإنجازته ودوره في الترجمة.. بينما يتابع ترجمات معاوية ذات الانتشار الواسع!
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة