إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد


مصر الجديدة:

اكتشاف الكتّاب

إبراهيم عبدالمجيد

الخميس، 17 يونيو 2021 - 06:43 م

قديما كنا نسمع عن اكتشاف كاتب لموهبة جديدة فى عالم الأدب والكتابة. على سبيل المثال تردد زمان أن صلاح جاهين هو مكتشف سيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودي. وكان فى التليفزيون برامج تفتح المجال لكتّاب شباب جدد نراهم فيها أول مرة. فاجأنى قارئ بسؤال لماذا لا تكتشف لنا كاتبا جديدا، وأنت الكاتب المعروف والمتابع للحياة الثقافية. رددت عليه أن العالم الآن متسع للكتاب الجدد أكثر من أيامنا. ولم أتحدث معه عن التفاصيل. لقد غادرت الإسكندرية للإقامة الدائمة بالقاهرة، فى منتصف السبعينيات من القرن الماضي، حتى أستطيع أن أقدم ما أكتبه بنفسى إلى الصحيفة أو المجلة. لم يكن البريد يسعفنى ولا التليفونات العادية، ولا إنترنت ولا فاكسات. كما كانت الثقافة الجماهيرية، ومازالت كذلك، بها نوادى أدب، كانت تسمى قديما جماعات أدبية فى كل البلاد والقرى، يتجمع فيها الكتّاب الجدد ويستطيعون أن يستضيفوا كتّابا مشاهير من القاهرة، يعرضون عليهم انتاجهم وأحيانا ينشرونه لهم. كما كان بهاء طاهر على سبيل المثال لديه برنامج فى البرنامج الثانى الإذاعى، البرنامج الثقافى الآن، كل يوم ثلاثاء، يستقبل فيه أعمال الكتّاب الجدد ويذيعها بصوته، وكنت أنا وغيرى من بعض هؤلاء. أذكر أننا فى قصر ثقافة الحرية بالإسكندرية، حين استضفنا الدكتور عبد القادر القط، أعجبته قصة لي، ونشرها فى مجلة «المجلة» عام 1971، وكان رئيسا لتحريرها خلفا ليحيى حقى. غيرى كثيرون حدث معهم ذلك. الآن اختلف الزمان فصارت هناك مواقع الكترونية كثيرة جدا، يمكن أن تنشر لمن لا يعرفهم أحد. كما أن الكتابة صارت إغراء للكثيرين، يكتبون إلى درجة مذهلة، وساعدت كثير من دور النشر على نشر ما يصل إليها، وفى أكثره عادى جدا، لا تفرق فيه بين القصة والمقال والخواطر والأخبار. كان يمكن بقليل من التريث، أن يكون ما تنشره أفضل، لكن فيما يبدو صار الإحباط مصدرا للشكوى، فارتدت ثوب الفن المخادع. لا أعرف لماذا صارت الكتابة مغرية إلى هذا الحد، لدرجة أن دخل فيها كل عابر طريق يعجبه رصيف القصة أو الرواية. حتى الشعر الذى هو جوهرة لا يدخلها إلا من هو مهيأ له لم ينج، وإن كان بدرجة أقل. أنا فى حيرة شديدة. لكنى لا أنسى فى التسعينيات من القرن الماضي، حين طلب منى الدكتور سمير سرحان، أن أكون مستشارا لقراءة ما يصل إلى الهيئة، من روايات وقصص وشعر، وكانت المكافأة ثلاثمائة جنيه عن كل كتاب. كيف بعد شهر اعتذرت قائلا له من كل عشرين كتابا أجد واحدا يصلح، وهكذا سأفقد قدرتى على الكتابة الجيدة من كثرة ما أقرأ من رداءة. كان مدهشا له أن أتخلى عما لايقل عن ثلاثة آلاف جنيه فى الشهر، حين اقرأ عشرة كتب مثلا، فما بالك بثلاثة آلاف جنيه فى التسعينيات. لكنى فعلا وقتها أحسست أنى سأفقد قدرتى الأدبية، وستصيبنى عدوى الرداءة. زمن الميديا الآن ليس بحاجة لاكتشاف الكتاب لغيرهم. المسألة صارت أكثر اتساعا، وصار الكتاب الموهوبون هم الغرباء وسط هذه الجيوش من الكتّاب. نحن نعيش فى عصر الصفحات المدفوعة مسبقا للإعجاب، والصفحات الخاصة، تصل «لايكات» الإعجاب فيها إلى آلاف، وكذلك التعليقات على عمل تافه. انتهى زمن اكتشاف الكتاب لغيرهم. المهم ألا يتم النسيان للكتاب الحقيقيين، وأن يدرك الموهوبون الآن، أن المعركة ليست بينهم، فقد انتهى زمن صراع الأجيال، وتشتد المعركة بين الرداءة الطاغية والجيد من الأعمال. لذلك يدهشنى جدا صراعات الكتاب الموهوبين مع بعضهم، التى طبعا لا تظهر فى الميديا، لكن تتردد فى الجلسات الخاصة. أحد أسباب الرداءة ليس عدم اكتشاف الكتاب الموهوبين، لكن كثرة الاكتشاف لغير الموهوبين ولا حل قريبا يبدو لى.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة