صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


رفعت الجلسة

استغاثة.. فى منتصف الليل

الأخبار

الخميس، 17 يونيو 2021 - 09:27 م

كان صوتها مليئا بنبرات الرعب، لا تستطيع أن تخرج الكلمات لشدة الكرب الذى يحاصرها، عندما سمعتها أدركت أنها تصارع الموت، فكثرة الاستغاثات تنم على أن هناك مكروها قد وقع لها، لكنها فجأة تماسكت، لتخبرنى أنها تبحث عمن ينقذها من زوجها الذى سرق أبناءها ولا تعرف أين مكانهم منذ عام.

فى منتصف ليل الجمعة الماضى كان هاتفى على موعد باتصال من رقم غريب، وكعادتى لم أرد من أول مرة، حتى كرر نفس الرقم الاتصال، بعدها قررت أن استجيب، وبمجرد أن فتحت "الهاتف" كانت دعوات الاستغاثة تلاحقنى من سيدة أرجوك أنا لم أر أبنائى منذ عام، لقد سرقهم زوجى وهرب، أنا حبيسة منزل أهلى، فهم صعايدة ولا أستطيع حتى أن أخرج من المنزل فهذا فى تقاليدهم "عار" وجزاؤه القتل.

هدأت من روعها، طلبت منها أن تتأكد أننى الشخص الصحيح الذى أرادت التواصل معه، لكنها سرعان ما أخبرتنى أنها تعرف مع من تتحدث، وهى قارئة جيدة لصفحة "رفعت الجلسة".

لم أستطع أن أكمل الحديث معها، ما استطعت فعله أننى هدأت من روعها كثيرا، وطلبت منها أن تتواصل معى صباحا فى العمل حتى أستطيع أن أسمعها جيدا وأنقل استغاثتها إلى المسئولين على أمل أن يعود أولادها إليها قريبا، وافقت لكنها أخبرتنى أنها ستتواصل عبر هاتف آخر، نظرا كما أخبرتنى للظروف التى تعيشها حاليا وهو ما يستوجب أن تكون حذرة حتى تصل رسالتها إلى المسئولين ويتم إنقاذها.

فى الثانية عشرة ظهرا، كان الهاتف الغريب يرن، أجبت من أول مرة، فأدركت أنه نفس الصوت الذى استغاث بى منتصف ليل أمس، لتبدأ هذه السيدة سرد قصتها ومأساتها للقراء والمسئولين.

تقول السيدة "ح.م" تزوجت وعمرى 18 عاما من شاب كان زميلى فى الأكاديمية الخاصة، أحببته، وأحبنى، أنا من مدينة الأقصر وهو كذلك، لكن أهله قرروا منذ 5 سنوات العيش فى محافظة أسيوط بسبب عمل والده هناك، لذلك انتقلت معه إلى أسيوط، عشت عامين فى سعادة، حتى تحول زوجى إلى وحش كاسر، أدمن المخدرات وتاجر فيها، أصبح زوجا لا يطاق، يسهر ليلا ويعود نهارا، أنجبنا طفلين، ثم الثالث والرابع والخامس، وزوجى على هذا الوضع، تائه لا يدرك أية مسئولية، أما أطفالى فقد أغلقت عليهم باب منزلى، وسارعت إلى تعليمهم حتى أصبحوا من أوائل المدارس.

أكثر ما كان يؤلمنى ذلك الشاب الوسيم الذى تزوجته وهو يافع مليء بالحيوية والنشاط، حوله رفقاء السوء إلى صنم لا يبالى بشيء، يخرج تأثير هذه السموم على جسدى وجسد أبنائى، عندما يعود ليلا يصرخ فيوقظ أطفاله، ثم يضربهم وبعدها يمارس هواياته المفضلة معى.. لقد حولنى إلى حيوان، ضرب وإهانة وإجبار على تقبيل قدميه والسهر حتى الصباح من أجل إنعاش عقله الفاقد للهوية.

كان لدى أمل أن يتغير هذا الزوج، لكن القدر كان له رأى آخر، لقد أصبح زوجى مطاردا من الشرطة، فسمعته معروفة فى المنطقة، لذلك بحثت عن عمل بعد أن غاب زوجى عن المنزل عاما كاملا لا نسمع إلى صوته عبر الهاتف، لقد كان وقتها رجلا بلا هوية، فكان يحرضنى على الهرب بأولادى إلى بيت أبى، وعلمت بعد ذلك أن شقيقته أرادت الاستيلاء على الشقة، لذلك قررت البقاء فى المنزل، والبحث عن العمل، أنا أحسن التحدث والكتابة بالانجليزية، عملت فى الترجمة عبر الإنترنت، تحصلت على رزق وفير أعاننى على استكمال تربية أولادى.

.. لكن كان لزوجى أخوة أشرار، إنها شقيقته الكبرى، التى زرعت السم فى عقله، فحرضته على خطف أبنائه والتكفل هى بتربيتهم، حتى وضعت له الخطة، ونفذها بحذافيرها، استغل تواجدى خارج المنزل، اتصل بابنتى الكبرى، طلب منها أن تحضر أشقاءها إلى أسفل العقار فهناك هدايا كثيرة أحضرها لهم، بعدها قام باختطافهم وذهب إلى مكان غير معلوم..، عاما كاملا وبالتحديد فى 25 مايو الماضى لم أر أولادى ولا أعرف أين مكانهم حتى الآن.

أكثر ما يقيد حريتى أننى عندما عدت إلى بيت أبى فى محافظة الأقصر استغيث به من زوجى الذى اختطف أولادى، لم أجد منه إلا شدة وعنفا، فقد أخبرنى أن زوجى اتصل به، وأعلمه كذبا أنه طلقنى، وهذا لم يحدث، لذلك عندما وصلت إلى المنزل أغلق علىّ باب حجرتى، وحرمنى من الخروج، فالمرأة المطلقة فى نظر والدى محرومة من كل الحقوق، حتى أدركت أن ذلك الأب الذى يصلح بين الناس خشى من تهديدات الزوج الفاقد لهويته وعقله من أنه سيخبر الناس كذبا أنه طلقنى من أجل سوء سلوكى.

منذ هذا الاتصال المشئوم بين زوجى وأبى والذى لم أحضره، وأنا أعيش هنا فى أحد بيوت الصعيد حبيسة الأدراج أموت كل يوم حسرة على أبنائى، ليس هناك أحد استغيث به بعد الله، الكل تخلى عنى، والدى خشى على سمعته فاختار الصمت طريقا للنجاة، وأشقائى انشغلوا بأسرهم وارتضوا الاستسلام، أما أنا، مازلت أعافر، أبحث عن أبنائى حتى فى جدران هذه الحجرة التى لا أخرج منها إلا لقضاء حاجتى، عاما كاملا وأنا منعزلة عن الجميع، أموت كل يوم وليس هناك أحد أستغيث به.. أقولها بأعلى صوت أنا حبيسة فى منزل والدى، لا حول لى ولا قوة، أولادى سرقهم أبوهم وأخفاهم فى مكان لا أعلمه، وعندما أطالب بحقى فى البحث عن أولادى مع القضاء والشرطة يهددنى والدى بالقتل.

نهاية.. انقذونى من هذه الجدران التى تعيقنى فى البحث عن أولادى، اعطونى الحرية حتى أذهب إلى كل شارع وزقاق فى نواحى المحروسة اتفقد أثر أبنائى.. أنا أموت هنا، وأولادى يوما عن يوم ينسون ملامحى، على العقلاء أن يقنعوا والدى بالعفو عنى، وعلى مؤسسات حقوق المرأة أن تحضر إلى منزلنا للبحث عن حقوقى، أنا مواطنة قبل أن أكون أما.

انقذوا‭ ‬هذه‭ ‬الأم‭.. ‬المجلس‭ ‬القومى‭ ‬للمرأة

الاتصال بيننا، كان يحمل كثيرا من قصص المعاناة التى عاشتها هذه الأم، ورغم أنها تحفظت على نشرها، كان الوضع سيصبح فى يد الأجهزة الأمنية.. لذلك أضم صوتى إلى صوتها وادعو مؤسسات الدولة أن تنقذ هذه الأم من بطش الوالد، وظلم الزوج.

لقد أعطتنى هاتفها، وهى فى انتظار من يتواصل معى من مؤسسات حقوق المرأة وبالأخص فرع المجلس القومى للمرأة بمدينة الأقصر للحصول على هاتفها، والتدخل لإنقاذها من الحبس بين جدران منزلها، ثم البحث عن حقوقها بعودة أبنائها إليها.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة