سعدى يوسف
سعدى يوسف


البستان..

في رثاء الشاعر الأخير.. سعدي يوسف مراحل لوجودنا

أخبار الأدب

الأحد، 20 يونيو 2021 - 10:49 ص

ياسين النصير

لم‭ ‬تمر‭ ‬مرحلة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬سعدى‭ ‬يوسف‭ ‬الشاعر‭ ‬والإنسان‭ ‬حاضرا‭ ‬فيها،‭ ‬بالنسبة‭ ‬لى‭ ‬اجد‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬ضرورات‭ ‬وجودي،‭ ‬تعرفت‭ ‬عليه‭ ‬ونحن‭ ‬فى‭ ‬مراكز‭ ‬شرطة‭ ‬البعث‭ ‬فى‭ ‬البصرة،‭ ‬يحققون‭ ‬معنا‭ ‬على‭ ‬انتماءاتنا‭ ‬السياسية،‭ ‬كان‭ ‬يرتدى‭ ‬ربطة‭ ‬عنق‭ ‬حمراء،‭ ‬لما‭ ‬ذكرته‭ ‬بها‭ ‬ونحن‭ ‬فى‭ ‬باريس‭ ‬عام‭ ‬1995،‭ ‬ضحك‭ ‬وقال‭ ‬الشيوعية‭ ‬ترافقنا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ندعى‭ ‬ذلك،‭ ‬كانت‭ ‬معرفة‭ ‬عامة‭ ‬مع‭ ‬أى‭ ‬معتقل،‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬فى‭ ‬سنوات‭ ‬التفاهة‭ ‬القومية‭ ‬عام‭ ‬1963،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المعرفة‭ ‬البسيطة‭ ‬والعابرة،‭ ‬مدتها‭ ‬سويعات‭ ‬حيث‭ ‬اخذ‭ ‬سعدى‭ ‬لجهة‭ ‬لا‭ ‬اعرفها‭ ‬كما‭ ‬قادونى‭ ‬انا‭ ‬لجهة‭ ‬لا‭ ‬اعرفها،‭ ‬وكانت‭ ‬المعرفة‭ ‬الثانية‭ ‬يوم‭ ‬اشتغلنا‭ ‬سوية‭ ‬فى‭ ‬جريدة‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعى‭ ‬العراقى‭ "‬طريق‭ ‬الشعب‭" ‬معرفة‭ ‬عميقة‭ ‬ويومية‭ ‬سبقتها‭ ‬لقاءات‭ ‬عابرة‭ ‬فى‭ ‬دوائر‭ ‬العمل‭ ‬وفى‭ ‬منتديات،‭ ‬كان‭ ‬يومها‭ ‬عائدا‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬ووظف‭ ‬فى‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬مسئولا‭ ‬عن‭ ‬القسم‭ ‬الثقافى‭ ‬فى‭ ‬جريدة‭ ‬طريق‭ ‬الشعب،‭ ‬وميزة‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬انه‭ ‬قد‭ ‬أخذ‭ ‬على‭ ‬عاتقه‭ ‬قراءة‭ ‬انتاج‭ ‬شعر‭ ‬الشباب،‭ ‬وبالفعل‭ ‬مر‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬يده‭ ‬شعراء‭ ‬كثيرون‭: ‬هاشم‭ ‬شفيق‭ ‬وقد‭ ‬تأثر‭ ‬بسعدى‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬مخلص‭ ‬خليل،‭ ‬عواد‭ ‬ناصر،‭ ‬وآخرون‭ ‬ولكن‭ ‬المجمل‭ ‬مما‭ ‬ينشر‭ ‬فى‭ ‬الجريدة‭ ‬اليومية‭ ‬كانت‭ ‬إشاراته‭ ‬واضحة‭ ‬على‭ ‬القصيدة‭ ‬وعلى‭ ‬الشاعر،‭ ‬وإذا‭ ‬بنافذة‭ ‬تحرير‭ ‬صغيرة‭ ‬فى‭ ‬الجريدة‭ ‬تفتح‭ ‬الباب‭ ‬واسعا‭ ‬على‭ ‬التحاق‭ ‬الشعراء‭ ‬الشباب‭ ‬بالثقافة‭ ‬التقدمية‭ ‬وبخط‭ ‬الشعر‭ ‬الحديث،‭ ‬وكنا‭ ‬نحن‭ ‬محررى‭ ‬القسم‭ ‬الثقافى‭ ‬نتابع‭ ‬ما‭ ‬يحدثه‭ ‬سعدى‭ ‬فى‭ ‬حواراته‭ ‬اليومية‭ ‬مع‭ ‬الشعراء‭ ‬الشباب،‭ ‬وتعلمنا‭ ‬منه‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الشعر‭ ‬وما‭ ‬هى‭ ‬القصيدة،فقد‭ ‬يكون‭ ‬الشاعر‭ ‬شاعرا‭ ‬فى‭ ‬مقطع‭ ‬منها‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬شاعرا‭ ‬بقصيدة‭ ‬طويلة‭ ‬أو‭ ‬ديوان‭ ‬شعر،‭ ‬هذا‭ ‬المناخ‭ ‬النقدى‭ ‬الفاعل‭ ‬وسع‭ ‬مجال‭ ‬القصيدة‭ ‬وأنزلها‭ ‬إلى‭ ‬مرابعها‭ ‬اليومية‭ ‬وحياتنا‭ ‬البسيطة،كان‭ ‬يقود‭ ‬الشعراء‭ ‬والشعر،وكان‭ ‬فاعلا‭ ‬فى‭ ‬الاثنين،ودورى‭ ‬انا‭ ‬كان‭ ‬مراقبة‭ ‬مايحدثه‭ ‬سعدى‭ ‬فى‭ ‬الجو‭ ‬الثقافى‭ ‬لأحتذى‭ ‬حذوه‭ ‬فى‭ ‬مجالات‭ ‬اشتغالى‭ ‬فى‭ ‬المسرح‭ ‬وكتابة‭ ‬النقد‭ ‬الصحفي‭. ‬ماتزال‭ ‬هذه‭ ‬المحطة‭ ‬فاعلة‭ ‬فى‭ ‬مسارى‭ ‬النقدى‭ ‬فبعض‭ ‬ما‭ ‬تتعلمه‭ ‬يترسخ‭ ‬كأى‭ ‬ندب‭ ‬فى‭ ‬الجلد‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬سعدى‭ ‬حاضرا‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬مفاوز‭ ‬الطريق‭ ‬التى‭ ‬سلكتها‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬اختلافى‭ ‬الشخصى‭ ‬معه‭ .‬
لم‭ ‬يكن‭ ‬سعدى‭ ‬يوسف‭ ‬إلا‭ ‬شاعر‭ ‬الاختلاف،‭ ‬لمست‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬تعامله‭ ‬اليومى‭ ‬مع‭ ‬القصيدة‭ ‬الشابة‭ ‬ومع‭ ‬ما‭ ‬يكتب‭ ‬عموما‭ ‬فى‭ ‬صحافة‭ ‬الحزب‭ ‬اليومية،‭ ‬الاختلاف‭ ‬هنا‭ ‬يعنى‭ ‬أن‭ ‬المبدأ‭  ‬المختلف‭ ‬عليه‭ ‬أكثر‭ ‬المواقف‭ ‬صحيحة‭ ‬مما‭ ‬يدور‭ ‬حوله،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬إغناء،‭ ‬هكذا‭ ‬نما‭ ‬الشباب‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬الجدل‭ ‬اليومى‭ ‬خاصة‭ ‬ان‭ ‬خيرة‭ ‬المثقفين‭ ‬كانوا‭ ‬يعملون‭ ‬فى‭ ‬الصحافة‭ ‬الشيوعية،‭ ‬جاءوا‭ ‬لها‭ ‬وما‭ ‬يزال‭ ‬تراب‭ ‬سجون‭ ‬نقرة‭ ‬السلمان‭ ‬والحلة‭ ‬والرمادى‭ ‬والبصرة‭ ‬والكوت‭ ‬عالقه‭ ‬فى‭ ‬اهداب‭ ‬عيونهم‭ ‬،‭ ‬كانوا‭ ‬معنا،‭ ‬والحقيقة‭ ‬كانوا‭ ‬مع‭ ‬الحداثة‭ ‬النامية‭ ‬التى‭ ‬أرعبت‭ ‬البعث‭ ‬بعد‭ ‬سنتين‭ ‬من‭ ‬قيام‭ ‬الجبهة‭. ‬ان‭ ‬90%‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬العراقيين‭ ‬كانوا‭ ‬يساريين،‭ ‬هذا‭ ‬شيء‭ ‬مرعب‭ ‬لسلطات‭ ‬تعتمد‭ ‬الترغيب‭ ‬والترهيب‭ ‬حتى‭ ‬ضاقت‭ ‬سبلهم‭ ‬فى‭ ‬جذب‭ ‬الادباء‭ ‬الشاب‭ ‬عندما‭ ‬لم‭ ‬يجدوا‭ ‬مثل‭ ‬قامة‭ ‬سعدى‭ ‬يوسف‭ ‬ويوسف‭ ‬الصائغ‭ ‬وألفريد‭ ‬سمعان‭  ‬ومصطفى‭ ‬عبود‭ ‬وشمران‭ ‬الياسرى‭ ‬وفخرى‭ ‬كريم‭ ‬وعبد‭ ‬الرزاق‭ ‬الصافى‭ ‬وفاضل‭ ‬ثامر‭ ‬وياسين‭ ‬النصير‭ ‬وزهير‭ ‬الجزائرى‭ ‬وسلوى‭ ‬زكو‭ ‬وعشرات‭ ‬المبدعين‭ ‬والفنانين‭. ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬أغنى‭ ‬فترات‭ ‬حياتى‭ ‬التى‭ ‬مازالت‭ ‬أبعادها‭ ‬وأفكارها‭ ‬تعيش‭ ‬فى‭ ‬ثنايا‭ ‬كتاباتى‭ ‬وقلمى‭ ‬ومواقفى‭. ‬أشعر‭ ‬بامتنان‭ ‬كبير‭ ‬لدور‭ ‬سعدى‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬مؤسسى‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬ومدياتها‭ ‬اليومية‭.‬وكانت‭ ‬النتائج‭ ‬باهرة،‭ ‬عندما‭ ‬يضعف‭ ‬دور‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭ ‬ينهض‭ ‬المثقفون‭ ‬بالدور‭ ‬الوطني،‭ ‬هكذا‭ ‬اخذت‭ ‬طريق‭ ‬الشعب‭ ‬وكادرها‭ ‬الثقافى‭ ‬مهمة‭ ‬التنوير‭ ‬الفكرى‭  ‬والثقافى‭ ‬والسياسى‭.‬
ليست‭ ‬طريق‭ ‬الشعب‭ ‬وحدها‭ ‬هى‭ ‬الميدان‭ ‬الفاعل،‭ ‬كان‭ ‬سعدى‭ ‬وبحميته‭ ‬الشبابية‭ ‬وروحه‭ ‬اليقظة‭ ‬لايكتب‭ ‬قصيدة‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يمررها‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القراء،‭ ‬شهدت‭ ‬ذلك‭ ‬ونحن‭ ‬نعمل‭ ‬سوية‭ ‬فى‭ ‬دار‭ ‬المدى‭ ‬بدمشق‭ ‬يوم‭ ‬كتب‭ ‬قصائده‭ ‬الايروتيكا،‭ ‬وفى‭ ‬عمان‭ ‬يوم‭ ‬كتب‭ ‬روايته‭ ‬االدائرةب‭  ‬وبالرغم‭ ‬مما‭ ‬حدث‭ ‬بينى‭ ‬وبينه‭ ‬فى‭ ‬دمشق‭ ‬واضطررت‭ ‬لمغادرة‭ ‬دمشق‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬عمان‭ ‬أكن‭ ‬لسعدى‭ ‬مودة‭ ‬ليس‭ ‬لانه‭ ‬بصرى‭ ‬شربنا‭ ‬معا‭ ‬ماء‭ ‬البصرة‭ ‬العذب‭ ‬والمالح،ولا‭ ‬لأننا‭ ‬كنا‭ ‬منتمين‭ ‬لحزب‭ ‬مناضل،‭ ‬إنما‭ ‬للطاقة‭ ‬الروحية‭ ‬التى‭ ‬يبثها‭ ‬سعدى‭ ‬عندما‭ ‬يكتب‭ ‬قصيدة‭ ‬او‭ ‬يترجم‭ ‬كتابا‭ ‬او‭ ‬يكتب‭ ‬فصلا‭ ‬من‭ ‬رواية،‭ ‬أو‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬الشعر،‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬حاضرا‭ ‬فى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التشعبات‭ ‬اليومية‭ ‬ونحن‭ ‬فى‭ ‬عمان‭ ‬ودمشق‭ ‬وباريس‭ ‬ولندن‭ ‬وهولندا،‭ ‬كنا‭ ‬عندما‭ ‬نركن‭ ‬لأيامنا‭ ‬وما‭ ‬حملته‭ ‬من‭ ‬ذكريات‭ ‬مشتتة‭ ‬ومتعبة،‭ ‬نبتسم‭ ‬لأن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬فيها‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬مجانية‭ ‬المواقف‭. ‬كم‭ ‬انت‭ ‬كبير‭ ‬ياسعدى‭ ‬وكم‭ ‬انت‭ ‬ذاتى‭ ‬بحيث‭ ‬تضيّع‭ ‬مواقفك‭ ‬المهمة‭ ‬فى‭ ‬شطحات‭ ‬ذاتية‭ ‬خسرت‭ ‬فيها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬حضورك‭ ‬بيننا‭.‬
الذين‭ ‬يعرفون‭ ‬سعدى‭ ‬يوسف‭ ‬لن‭ ‬يكتبوا‭ ‬الآن‭ ‬شيئا‭ ‬ضده،‭ ‬هذا‭ ‬الطفل‭ ‬الكبير‭ ‬المشاكس،‭ ‬والذين‭ ‬لايعرفونه‭ ‬سيكتبون‭ ‬عن‭ ‬خيباتهم‭ ‬عندما‭ ‬كانوا‭ ‬يراهنون‭ ‬على‭ ‬ضعف‭ ‬قصيدته‭ ‬ويعتبرونها‭ ‬قمة‭ ‬فى‭ ‬الشعر،‭ ‬المواقف‭ ‬السلبية‭ ‬لا‭ ‬تنتج‭ ‬شعرا،‭ ‬خاصة‭ ‬فى‭ ‬مواقفه‭ ‬الأخيرة‭ ‬وهو‭ ‬يقف‭ ‬فيها‭ ‬مواقف‭ ‬لا‭ ‬يحسد‭ ‬عليها،‭ ‬لذلك‭ ‬صمت‭ ‬محبوه‭ ‬بينما‭ ‬نطق‭ ‬هتافوه‭ ‬،‭ ‬وهذه‭ ‬ظاهرة‭ ‬صاحبت‭ ‬الشاعر‭ ‬بدرشاكر‭ ‬السياب،‭ ‬الذين‭ ‬لايعرفونه‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نثره‭ ‬الضعيف‭ ‬وعدوه‭ ‬قمة‭ ‬فى‭ ‬الإبداع‭ ‬لأنه‭ ‬ضد‭ ‬الشيوعيين،‭ ‬هكذا‭ ‬راهنوا‭ ‬على‭ ‬قصائد‭ ‬ونثريات‭ ‬سعدى‭ ‬الضعيفة‭ ‬وعدوها‭ ‬قمة‭ ‬الإبداع،‭ ‬فكتبوا‭ ‬يمجدونه‭ ‬ضد‭ ‬مواقفه،‭ ‬ومن‭ ‬عرف‭ ‬السياب‭ ‬وسعدى‭ ‬تأمل‭ ‬فى‭ ‬الكتابة‭ ‬ولم‭ ‬يكتب،‭ ‬إلا‭ ‬نقدا‭ ‬معتبرا،‭ ‬شأن‭ ‬المبدعين‭ ‬فى‭ ‬العراق‭ ‬شأن‭ ‬الوضع‭  ‬الاجتماعى‭ ‬القلق‭.‬
فى‭ ‬لاهاى‭ ‬ونحن‭ ‬نحتفل‭ ‬بالذكرى‭ ‬السبعين‭ ‬لميلاد‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعى‭ ‬وكان‭ ‬هو‭ ‬ضيف‭ ‬الحفل‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬لندن،‭ ‬قال‭ ‬ولدت‭ ‬يوم‭ ‬ولد‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعى‭ ‬عام‭ ‬1934،‭ ‬ولكن‭ ‬ولادتى‭ ‬معه‭ ‬كمعايشة‭ ‬أبو‭ ‬هريرة‭  ‬لعلى‭ ‬بن‭ ‬ابى‭ ‬طالب‭. ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنهما‭ ‬عاشا‭ ‬الفترة‭ ‬نفسها‭ ‬إلا‭ ‬أنهما‭ ‬لايتفقان‭ ‬فى‭ ‬مواقفهما‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬محورية‭ ‬مثل‭ ‬قضايا‭ ‬العراق‭. ‬وكانت‭ ‬تجربة‭ ‬الجبهة‭ ‬مع‭ ‬البعثيين‭ ‬شاهدة‭. ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬الاختلاف‭ ‬يعنى‭ ‬ثبات‭ ‬المحور‭ ‬الذى‭ ‬يدور‭ ‬عليه‭ ‬الحوار،‭ ‬وهو‭ ‬الوطنية‭. ‬وتبقى‭ ‬آراء‭ ‬المحاورين‭ ‬عرضة‭ ‬للتغيير‭.‬
هناك‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬فى‭ ‬سعدى‭ ‬يوسف‭ ‬صورة‭ ‬للمثقف‭ ‬الذى‭ ‬تغيره‭ ‬الظروف‭ ‬فينساق‭ ‬إليها،‭ ‬ثم‭ ‬يندمج‭ ‬فيها،‭ ‬وفى‭ ‬جلسات‭ ‬كثيرة‭ ‬يتنصل‭ ‬عما‭ ‬قاله‭ ‬فى‭ ‬تحولاته،‭ ‬شتم‭ ‬من‭ ‬مد‭ ‬يد‭ ‬العون‭ ‬له‭ ‬فى‭ ‬محنه‭ ‬وسفرات‭ ‬عمره‭ ‬وتحولاته‭ ‬من‭ ‬بلدإلى‭ ‬بلد،ومدح‭ ‬بعض‭ ‬الجلادين،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬المضطربة‭ ‬تمحوها‭ ‬شاعريته‭ ‬وشعريته‭ ‬الوطنية،فقد‭ ‬كان‭ ‬مدرية‭ ‬للحداثة‭ ‬وطاقة‭ ‬لنهوض‭ ‬قصيدة‭ ‬غير‭ ‬المألوف‭ ‬فى‭ ‬اليومى‭ ‬والمألوف‭. ‬نم‭ ‬قرير‭ ‬العين‭ ‬يا‭ ‬أبا‭ ‬حيدر،‭ ‬لقد‭ ‬تركت‭ ‬إرثا‭ ‬ثقيلا‭ ‬على‭ ‬الثقافة‭ ‬أن‭ ‬تمتحن‭ ‬اتجاهاتها‭ ‬بما‭ ‬تركته‭.‬
تكون‭ ‬المواقف‭ ‬فى‭ ‬الثقافة‭ ‬العراقية،‭ ‬حادة،‭ ‬سواء‭ ‬مع‭ ‬الأصدقاء‭ ‬او‭ ‬مع‭ ‬غيرهم،‭ ‬وموقف‭ ‬سعدى‭ ‬الذى‭ ‬أخذ‭ ‬عليه‭ ‬حين‭ ‬ينتقده‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬سايكولوجيا‭ ‬عراقية‭ ‬تتسم‭ ‬بالحدة‭ ‬والمباشرة،‭ ‬وقد‭ ‬عشت‭ ‬مع‭ ‬سعدى‭ ‬سنوات‭ ‬عديدة‭ ‬لم‭ ‬أجده‭ ‬يوما‭ ‬رحيما‭ ‬بشاعر‭ ‬او‭ ‬كاتب‭ ‬او‭ ‬سياسي،‭ ‬خلق‭ ‬ليكون‭ ‬معارضا‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬انه‭ ‬يعمل‭ ‬ضمن‭ ‬فصيل‭ ‬القوى‭ ‬التقدمية،‭ ‬فى‭ ‬المنافى‭ ‬كان‭ ‬يقود‭ ‬الثقافة‭ ‬ويعارضها‭ ‬ايضا،‭ ‬كان‭ ‬يكتب‭ ‬ليلا‭ ‬ويمحو‭  ‬نهارا،‭ ‬يراجع‭ ‬مواقفه‭ ‬ولايقول‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬يؤمن‭ ‬به،‭ ‬لا‭ ‬اصدقاء‭ ‬حميمين‭ ‬له،‭ ‬كل‭ ‬صداقاته‭ ‬مواقف‭ ‬قابلة‭ ‬للإلغاء،‭ ‬حياته‭ ‬متأرجحة‭ ‬بين‭ ‬قصيدته‭ ‬ومواقفه،‭ ‬لم‭ ‬يحصل‭ ‬أن‭ ‬ضمن‭ ‬قصيدة‭ ‬له‭ ‬موقفا‭ ‬شخصيا‭ ‬دون‭ ‬إسناد‭ ‬بحادثة‭ ‬أو‭ ‬تاريخ،‭ ‬فهو‭ ‬موثق‭ ‬تجاربه‭ ‬ومواقفه،‭ ‬بعض‭ ‬شحنات‭ ‬قصائده‭ ‬يوميات،‭ ‬ومذكرات‭ ‬ومواقف،‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬يحشر‭ ‬نفسه‭ ‬فى‭ ‬الشخصيات‭ ‬وفى‭ ‬اللغة‭ ‬الشعرية‭ ‬وفى‭ ‬المواقف،‭ ‬ولم‭ ‬لا‭ ‬فسعدى‭ ‬مؤسسة‭ ‬ثقافية‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬يحل‭ ‬فى‭ ‬مكان‭ ‬حتى‭ ‬يعشوشب‭ ‬المكان‭ ‬بالأخضربن‭ ‬يوسف‭. ‬ما‭ ‬عشته‭ ‬معه‭ ‬فى‭ ‬عملنا‭ ‬المشترك‭ ‬فى‭ ‬المدى‭ ‬يمكنه‭ ‬ان‭ ‬يلقى‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬سلوكه‭ ‬اليومي،‭ ‬وكان‭ ‬الاستاذ‭ ‬فخرى‭ ‬كريم‭ ‬لا‭ ‬يناقش‭ ‬سعدى‭ ‬فى‭ ‬امر،‭ ‬كان‭ ‬يقول‭ ‬لنا‭ ‬سعدى‭ ‬هو‭ ‬مجلة‭ ‬المدى،‭ ‬وسعدى‭ ‬هو‭ ‬مسئول‭ ‬مجلة‭ ‬النهج‭ ‬وسعدى‭ ‬لايناقش‭ ‬فى‭ ‬أمر‭ ‬يخص‭ ‬النشر،‭ ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬مسئولا‭ ‬منح‭ ‬سعدى‭ ‬هذه‭ ‬الحرية‭ ‬غير‭ ‬الاستاذ‭ ‬فخري‭.‬
فى‭ ‬أول‭ ‬إصدارات‭ ‬المدى‭ ‬الأدبية‭ ‬وكانت‭ ‬أربعة‭ ‬كتب‭ ‬احتفلنا‭ ‬فى‭ ‬المدى‭ ‬بهذه‭ ‬الاضمامة‭ ‬من‭ ‬المنشورات،‭  ‬أربعة‭ ‬كتب‭ ‬وأربع‭ ‬شخصيات‭: ‬فتحى‭ ‬كريم‭ ‬وسعدى‭ ‬يوسف‭ ‬وانا‭ ‬والمصممة‭ ‬السورية‭. ‬شربنا‭ ‬نخب‭ ‬البداية،‭ ‬وطربنا‭ ‬للإنجاز‭ ‬وتلكم‭ ‬المسئول‭ ‬عن‭ ‬المستقبل،‭ ‬كان‭ ‬سعدى‭ ‬فى‭ ‬الصدارة‭ ‬التى‭ ‬يتولى‭ ‬بها‭ ‬قيادة‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬فى‭ ‬المنفى‭. ‬

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة