مسلمون يصلون داخل الكنيسة
مسلمون يصلون داخل الكنيسة


الأزهـر والكنيسة.. صمــام أمان الوطن

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 20 يونيو 2021 - 01:06 م

كتب: حسن حافظ

فى عز الأزمات ومع توقعات بانهيار مصر كدولة وشعب، سواء بفعل هزيمة أو فتنة، كان الشعب المصرى يكتب فصلاً جديداً من فصول الانتصار بالإرادة، فرغم رياح التشدد ظلت سفينة الوطن تبحر وسط الموج العالى لا تعرف الغرق، كانت الدفة دوما بين الأزهر والكنيسة اللذين عملا معاً على التصدى لمحاولات التفرقة وإغراق البلاد فى بحر الفتنة، فى ثورة 1919 ظهرت مصر بعنصريها وحدة واحدة، وفى ثورتى يناير ويونيو ترسخ المشهد، وتجلت الحكمة فى إحباط مخطط الإخوان لإحراق الوطن برماد الكنائس، فعادت الأخيرة بعد زوال الغمة لسابق عهدها تجاور المساجد، ليشهدا معاً على فصل من فصول الإرادة المصرية وفلسفة الانتصار على مخططات لم ترد الخير للمصريين.
فى أعقاب فض اعتصام رابعة، 14 أغسطس 2013، قررت جماعة "الإخوان" الإرهابية إحراق مصر انتقاما من الشعب الذى ثار وأطاح بالرئيس الإخوانى محمد مرسى، كانت خطة الجماعة واضحة حرق أكبر قدر ممكن من الكنائس وإلحاق الأذى بالمسيحيين على أمل إغراق مصر فى الفتنة الطائفية، لكن وعى المصريين أفشل المحاولة فى مهدها، فالأزهر قاد فتاوى تحريم حرق الكنائس، والكنيسة القبطية استوعبت الموقف وخطورة الموقف فاصطفت خلف الوطن فمات المخطط فى مهده سريعا، وأعيد بناء الكنائس المدمرة بسواعد رجال القوات المسلحة، فى مشهد كرس تلاحم عناصر الوطن لتجاوز المحنة والأزمة وعدوان فصيل شارد عن حظيرة الوطن.
أزمة حرق الكنائس لم تكن الوحيدة التى انتصر فيها عنصرا الأمة المصرية، ولم تكن المشهد الوحيد الذى يكرس بشكل عملى مقولة "عاش الهلال مع الصليب"، فتجاوز هذه الأزمة التى لم يمر عليها سبع سنوات، وإن كانت الأقرب إلى عهدنا والأذهان، تأتى كصفحة جديدة فى كتاب ضخم من المواقف النضالية للأزهر والكنيسة فى التاريخ المصرى الذى رسخ وجودهما كقلعتى الدفاع عن مصر وشعبها، وضربا معا أروع الأمثال على مدار عقود فى الانحياز لمصالح شعب وادى النيل.
الأزهر بنى سمعته الوطنية ليس فقط على جهوده التعليمية بل فى حماية مصر من التتريك وصيانة العربية، بل وقاد التيار الوطنى ضد الاحتلال العثمانى، وكما شارك وبقوة فى ثورتى القاهرة الأولى والثانية ضد الاحتلال الفرنسى، كما شارك رجال الأزهر فى عمليات التحديث التى أطلقها محمد على باشا فى النصف الأول من القرن التاسع عشر، بحسب رصد حلمى النمنم فى كتابه "الأزهر الشيخ والمشيخة"، كما شارك الأزاهرة فى الثورة العرابية ضد الاحتلال الإنجليزى الذى بدأت طلائعه تطل على مصر، لذا ترسخ الأزهر فى الذهنية المصرية كأحد معاقل الدفاع عن الوطنية المصرية ضد مختلف أشكال الاستعمار العثمانى والفرنسى والإنجليزي، ولا ينسى أحد مشهد اعتلاء جمال عبد الناصر لمنبر الأزهر لإعلان المقاومة ضد العدوان الثلاثى 1956، وكيف خطب وهو أعزل بين أفراد شعب مسلح اتحد تحت مظلة الأزهر على هدف مقاومة العدوان البريطانى الفرنسى الإسرائيلي.
إذا قفزنا إلى العصر الحاضر سنجد الأزهر يقف ضد محاولات الفتنة الطائفية التى بدأت تطل برأسها القبيح على مصر منذ نهاية السبعينيات، ووقف الأزهر بعلمائه ضد تيار التكفير الذى نبت فى حدائق الشيطان، فدخل رجال الأزهر فى معارك بجوار المثقفين والمفكرين لمواجهة الفكر المتطرف خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات وصولا إلى تدشين شيخ الأزهر أحمد الطيب برفقة البابا شنودة لبيت العائلة فى العام 2011، لمحاربة الفتنة وإطفاء نهارها فى المهد، ثم قاد الطيب محاولات إيجاد مشترك وطنى بين مختلف القوى الوطنية فى أعقاب ثورة يناير 2011، وانتهت بتوقيع عدد من الوثائق الوطنية التى تلتزم بقداسة وحرمة الدم والعرض، كما شارك شيخ الأزهر فى المشهد الوطنى الجامع فى يوم 3 يوليو 2013، بجوار بابا الإسكندرية ومختلف القوى المدنية خلف المشير عبدالفتاح السيسى لإعلان انتصار إرادة الشعب المصري.
ويرى الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر، أن الإيمان بالدولة الوطنية والدفاع عن مصالحها فى مواجهة الأخطار التى تحيط بها كان من أهم أهداف الأزهر على مدار تاريخه، وأضاف لـ "آخرساعة": "الدفاع عن الوطن من الأصول الراسخة فى الدين، لذا تجد أن رجال الأزهر الشريف كانوا دوما فى طليعة الصفوف دفاعا عن مصر وأمنها وحريتها وشعبها، فخلال كل المواقف التاريخية الكبرى تجد أن الأزهر ورجاله حاضرون، وفى مقدمة الصفوف يتقدمون، وهذا لأنهم يدركون أن التمسك بالدولة الوطنية هو حبل النجاة للجميع، فلم يعرف عن الأزهر يوما أن خرجت منه أفكار تدعو للتطرف وتدمير الدول، بل على العكس كان الأزهر دوما ينحاز لمواقف تعزز من وحدة الوطن وهو ما يظهر فى قيادة شيوخ الأزهر لثورات القاهرة ضد الغزو الفرنسي، والمشاركة فى مظاهرات ثورة 1919"


ربما يكون المشهد الأبرز لدور الأزهر الوطنى ما حدث فى ثورة 1919، وهو ما يظهر فى الفيلم الوثائقى "عمائم لله والوطن والحرية"، والذى صدر عن المشيخة فى 2019، بمناسبة الذكرى المئة للثورة، إذ تحول الجامع الأزهر إلى معقل تجمع الثوار بعد القبض على الزعيم سعد زغلول ورفاقه ونفيهم خارج البلاد، وكان الثوار يبيتون داخل الجامع وينطلقون منه فى تظاهرات تعم القاهرة كلها، وداخل أروقته انصهرت عناصر الأمة المصرية، فهذا القمص مرقص سرجيوس، يرابط داخل جامع الأزهر لأكثر من ثلاثة شهور، يخطب من فوق المنبر فى الثوار ويحثهم على الدفاع عن الوطن، ويدعو لتحرير البلاد من الاستعمار، يشاركه فى ذلك الشيخ مصطفى القاياتي، فى مشهد كرس الهوية المصرية التى تتخطى الأديان، فـ "الدين لله والوطن للجميع".
مواقف الأزهر تناغمت مع مواقف الكنيسة القبطية، التى شاركت فى الكثير من الأحداث المفصلية فى تاريخ الوطن، فلا أحد يستطيع أن ينسى موقف البابا بطرس السابع، الذى رفض فى مطلع القرن التاسع عشر عرض الحماية الروسية على الكنيسة القبطية، بينما رفض البابا كيرلس الخامس، عرض الحماية من قبل الإنجليز، أما البابا كيرلس الرابع، فكان يتمسك بمظلة الوطنية الجامعة لذا حض الأقباط على التجنيد باعتبارهم أبناء الوطن ولا فرق بينهم عن إخوتهم المسلمين، وهو ما تجلى فى مشهد ثورة 1919، عندما هتف الجميع "عاش الهلال مع الصليب" واتحدت دماء الشهداء من المسلمين والمسيحيين فداء للوطن واستقلاله.
وساندت الكنيسة الوطن فى الخروج من محنة هزيمة يونيو 1967، إذ أعلن البابا كيرلس السادس دعم الدولة والمجهود الحربى لاستعادة الأرض المحتلة، فيما زار البابا شنودة الجبهة ودعم المجهود الحربى الذى قاد إلى انتصار أكتوبر المجيد، عندما اختلطت دماء المصريين بلا فرق بين المسلم والمسيحى على أرض سيناء الطاهرة، ثم اتخذ البابا شنودة قراره بوقف زيارة القدس حتى يتم تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي، فنال عن جدارة لقب "بابا العرب".
وانحازت الكنيسة للوطن فى مواجهة الإرهاب الذى طال الجميع، فحقد جماعات التكفير لم يفرق بين مسلم ومسيحى، فهى جماعات تقوم على كراهية كل ما هو مصرى، ونجحت الكنيسة فى تفويت الفرص أمام هذه الجماعات لإشعال نار الفتنة لتأكل الأخضر واليابس فى مصر، وتجلى هذا الموقف بأوضح ما يكون عندما هاجمت عناصر إخوانية عشرات الكنائس فى أغسطس 2014، إذ أطلق البابا تواضروس مقولته الشهيرة "وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن"، ليؤكد أن بقاء الوطن أهم من دور العبادة، فكانت كلمته معبرة عن روح وطنية أصيلة تستوعب خطورة اللحظة وضرورة الخروج منها بروح النصر.
ويرى الدكتور كمال زاخر، المفكر القبطي، أن القضية يجب النظر إليها من خلال منظور أن الأزهر والكنيسة جزء أصيل من مؤسسات الدولة المصرية ويعبران عن قطاع عريض من المصريين، وأضاف لـ "آخرساعة": "الكنيسة والأزهر فى مواقفهما يعبران عن قاعدة عريضة من المصريين ولا يعبران عن المؤسسات، فهى مواقف تعبر عن مواقف جموع الشعب المصرى باعتبارهما جزءا أصيلا من الدولة الوطنية، وهذه المواقف لا اختيار فيها فإما أن يبقى الوطن وإما أن يتفتت كما حدث مع العديد من الدول حولنا، فكان قرار الأزهر والكنيسة هو القرار الوحيد الذى تمليه المصلحة الوطنية دوما سواء فى مواقفهما التاريخية أو المواقف التى عاصرنا أحداثها فى السنوات القليلة الماضية".
وتابع زاخر: "عندما نتحدث عن مواقف الأزهر والكنيسة الوطنية فنحن نتحدث فى الواقع عن مواقف الشعب المصرى بجناحيه المسلم والمسيحي، فمواقف المؤسستين عند إعادة النظر فيها سنجد أنها تعبر عن نبض الشارع الحقيقي، فنحن نتحدث عن أقدم مؤسستين فى الدولة واحدة عمرها ألفا عام والأخرى عمرها ألف عام، فخلال هذه القرون راكمت كل مؤسسة خبرة فى التعبير عن الإرادة الشعبية ورسخت ارتباطها بالوطن وليس بالأنظمة السياسية، فعندما تجد أن النظام السياسى يتجه بالدولة إلى الضياع كما هو وضع نظام مرسى فإنها تنحاز لصف الشعب والوطن ضده، وعندما تجد أن النظام يعبر عن تلاحم القوى الشعبية كان دعم الدولة وهو ما يحدث حاليا".

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة