الرواية الوطنية
الرواية الوطنية


«الرواية الوطنية».. أدب الهوية والحرية

آخر ساعة

الأحد، 20 يونيو 2021 - 01:52 م

 

حسن حافظ

ظهرت الرواية العربية فى ظل لحظة تاريخية شهدت سيطرة القوى الاستعمارية الأوروبية على معظم الأقاليم العربية التى عانت ويلات الاحتلال الغاشم، فتلمست الرواية العربية أولى خطواتها فى جو التحرر الوطنى من الاستعمار الغربي، فلم يكن غريباً ازدهار الرواية الوطنية، باعتبارها المنبر الأمثل للتعبير عن قيمة التضحية لأجل الوطن، واستشراف زمن الحرية بعد كسر قيد الاستعمار ومعانقة الاستقلال.

مع استقلال مصر ودخولها فى الكثير من التحديات على مدار عقود، واكبت الرواية الوطنية هذه التحولات وعبّرت عن الروح الوطنية المصرية، حيث البطل الروائى يحمل على كاهله التعبير عن نضال الشعب المصري، وهو نموذج ازدهر فى معظم الدول العربية التى عاشت ظروفاً مشابهة.

بدأت الرواية تشق طريقها فى العالم العربى انطلاقا من مصر، التى شهدت النماذج الأكثر اكتمالا من الناحية الفنية، فى وقت كانت مصر تعانى تحت وطأة الاحتلال البريطاني، وفى تلك الأجواء كتب توفيق الحكيم أول رواية مكتملة فنياً «عودة الروح»، التى تعد من أوائل الروايات الوطنية عربياً، وانتهى من كتابتها عام 1927 ونشرها عام 1933، واستُقبِلت نقديا وجماهيريا بحفاوة كبيرة، وأثرت فى أجيال من المصريين، حتى أن الزعيم جمال عبدالناصر قرأ الرواية وتأثر بفكرة البطل المخلص الذى يحرّر مصر ويعيدها إلى سابق مجدها كما تذهب الرواية.

تأثر نجيب محفوظ بتوفيق الحكيم، وبدأ مشروعه الروائى بثلاث روايات عن تاريخ مصر القديم، فى نهاية الثلاثينيات وبداية الأربعينيات من القرن العشرين، وهى فترة المد الوطنى المصرى والحراك الذى قاده الطلبة والعمّال من أجل نيل الاستقلال، وفى تلك الأجواء ظهرت رواية «كفاح طيبة»، التى استلهمها من الواقع المعاش فى عصره، واستخدم الرواية لشحذ الهمم الساعية للاستقلال، وتكريماً لكفاح الشعب المصرى ضد الاستعمار البريطاني، فجاءت رواية وطنية تعكس هموم الوطن فى لحظة تاريخية معاصرة، لذا لم يهتم محفوظ بالدقة التاريخية فلم يكن هذا شاغله بقدر انشغاله بتعبير الرواية عن أزمة المجتمع المصرى فى مواجهة الاحتلال البريطانى ومساعى التحرر.

وبعد ثورة يوليو 1952، وتحقُق الاستقلال، واكبت الرواية الوطنية الروح الجديدة التى سادت فى المجتمع، فصدرت روايات «رد قلبي» ليوسف السباعي، و«فى بيتنا رجل» لإحسان عبدالقدوس، و«قصة حب» ليوسف إدريس، وهى روايات تدور حول كفاح الشعب المصرى ضد الاستعمار البريطانى وكيف نجحت الإرادة المصرية فى إجبار البريطانيين على الجلاء، وهى من أشهر الروايات الوطنية التى ظهرت بعد ثورة يوليو، واكتسبت شهرة إضافية بتحويلها لأفلام تعد من كلاسيكيات السينما المصرية، وتعتمد هذه الروايات فى الأساس على قصة حب بين بطل وبطلة الرواية، لكن حب الوطن يتدخل ليعلو على حب الأشخاص، ويظل هو الحب الأبقى والذى يضحى البطل بحبه الشخصى فى سبيله.

والملاحظ أن الرواية الوطنية واكبت التطورات التى مرت بها مصر فى عصر عبدالناصر، وهو عصر حافل بالتحديات والتغيرات، خاصة فى إطار المواجهة مع الكيان الإسرائيلي، فبعد هزيمة يونيو 1967، كتب الروائى فؤاد حجازي، الذى عاش تجربة أسر قاسية، روايته «الأسرى يقيمون المتاريس»، والتى عكست المشاعر الوطنية الغاضبة من الهزيمة، وكيف عاش الجنود مرحلة الأسر القاسية قبل العودة إلى الوطن ولا يحملون معه إلا الرغبة فى الثأر من الهزيمة وهو ما تحقق فى انتصار أكتوبر 1973، والذى فجر بدوره موجة من الروايات التى تواكب مشاعر النصر وحياة الجنود الذين ضحوا بحياتهم وقصص حبهم فى طريق استعادة أرض الوطن، فجسدت هذه الروايات مفهوم الوطنية والتضحية من أجل الوطن بشكل بارز.

وتعد «الرصاصة لا تزال فى جيبي» لإحسان عبدالقدوس أشهر نماذج روايات انتصارات أكتوبر، بداية من عنوان الرواية الذى جاء معبرا عن روح مصر التى لم تنكسر بعد هزيمة يونيو بل ظلت محتفظة بالسلاح وتنتظر لحظة الانتقام وهو ما تجلى فى انتصار أكتوبر، بينما فضَّل يوسف السباعى التركيز على بطولات المصريين فى حرب الاستنزاف عبر روايته «العمر لحظة»، فيما يعد جمال الغيطانى أحد أهم من كتبوا عن روح الشخصية المصرية فى حرب أكتوبر، خاصة أنه عمل محرراً عسكرياً خلال حرب أكتوبر، وقد كتب رواية «الرفاعي»، وقصته القصيرة «حكايات الغريب»، وهى أعمال تعكس بطولة المصريين فى صورة بطل واحد يعبِّر عن الروح الوطنية.

ورغم الريادة المصرية، فإن الرواية الوطنية عرفت طريقها إلى مختلف الأٌقطار العربية بسبب تشابه الظروف فيما يتعلق بالتحرر من الاستعمار، ومشكلات ما بعد الاستعمار التى واجهتها الشعوب العربية، إذ يقدم الروائى عبدالرحمن منيف، فى خماسية «مدن الملح»، عمله الروائى الأشهر، تأريخا وحفرا فى هوية المجتمع السعودي، باحثا عن معالم الوطن عبر ترحال تاريخى على مدار القرن العشرين، بينما مزجت الجزائرية أحلام مستغانمى بين الوطنية والرومانسية فى عملها الأشهر «ذاكرة الجسد»، عبر البطل الذى شارك فى حرب الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، ويمثل الوطن الذى يبحث عن هويته فيما بعد الاستقلال، أما اللبنانى جبور الدويهى فيقدم فى رواية «عين وردة» عبر أسرة الباز صورة مصغرة للوطن اللبنانى الذى يعانى أزمات تبدو بلا حل تعصف بمكونات الوطن الهش، كما قدّم التونسى محمد العروسى المطوي، رواية «التوت المر»، التى تتحدث عن المجتمع التونسى ومقاومة المحتل الفرنسي.

واكتسبت الرواية الوطنية مساحة أخرى فى الأراضى الفلسطينية بفعل استمرارية الاحتلال الإسرائيلي، فكتب غسان كنفاني، الكثير من الروايات التى تعبر عن آلام الوطن الجريح وشتات شعبه بين أرجاء العالم المختلفة، كما فى روايته «عائد إلى حيفا»، وعمله الاستثنائى «رجال فى الشمس» الذى يقدم فيه مأساة اللاجئ الفلسطينى الباحث عن الوطن، بينما كتب الفلسطينى إبراهيم نصرالله، مشروعه الروائى الضخم «الملهاة الفلسطينية»، الذى يضم 12 رواية تغطى نحو 250 سنة من تاريخ فلسطين، وتعطى هذه السلسلة الروائية المنفصلة فى أحداث كل رواية، رؤية عميقة للقضية الفلسطينية وجذورها.

ويعد يوسف القعيد أحد أبرز كتاب الرواية الوطنية، إذ قدم فى روايته «الحرب فى بر مصر» قراءة معمقة لروح مصر والتغيرات التى شهدتها البلاد، عبر التلاعب فى الأوراق الرسمية لإشراك ابن رجل فقير فى قرية مصرية فى الحرب بدلاً من ابن العمدة، وقال القعيد لـ»آخرساعة»، إن فكرة الرواية تعبر عن روح مصر الأصيلة وكيف أن أبناء البلد الأصلاء هم من يتصدرون الصفوف دوما دفاعا عن الوطن.

من جهته، يرى الدكتور شريف الجيار، أستاذ النقد والأدب المقارن بجامعة بنى سويف، أن الرواية الوطنية تمثل أحد الأنماط التخيلية السردية التى تعظّم النموذج البطولى لدى إحدى شخصياتها، حتى يقود أمة ضد محتل أو مستعمر، وهو ما جسدته الرواية المصرية والعربية عبر عقود طويلة، لا سيما فى أعمال توفيق الحكيم فى روايته «عودة الروح»، ونجيب محفوظ فى «كفاح طيبة»، التى أسقطت فكرة انتصار الفراعين على الهكسوس، على انتصار البطولة المصرية على المستعمر البريطانى فى أوائل القرن العشرين، كما نجد مجموعة من الخطابات الروائية التى دعمت هذا التوجه الوطنى فى الرواية، مثل «رد قلبي» ليوسف السباعي، و»العسكرى الأسود» ليوسف إدريس، و»فى بيتنا رجل» لإحسان عبدالقدوس، و»شرق المتوسط» لعبدالرحمن منيف، وغيرها من الروايات التى أكدت أن الشخصية المصرية والعربية لا تؤمن إلا باستقلال الأوطان.

وأشار إلى أن «هذه الأنماط التخيلية الروائية تتجلى فى لحظات الارتباك، لا سيما الارتباك السياسى على وجه التحديد، عندما يشعر المبدع أن هناك خطرا داهما يهدد وطنه، كأن يتحرك لاستلهام أنماط بطولية لتحفيز أمته على النهوض مرة أخرى والوقوف أمام المحتل والمستعمر، وهو ما شاهدناه فى أعمال نجيب محفوظ، وفى كتابات جمال الغيطاني، خاصة بعد 1967، والذى عبر عن الأزمة ثم الانتصار فى أكتوبر 1973، والتركيز على تضحيات الجندي، وذلك لتحفيز الشعب خاصة فئات الشباب على الانتماء وربطهم بقضايا الوطن، وإعطاء فرصة للأجيال القادمة لمعرفة تاريخهم وأبطالهم»، ولفت إلى أن هناك ظاهرة تقديم أعمال درامية استنادا إلى كتابات روائية مثل أعمال صالح مرسي، خاصة «رأفت الهجان» و»دموع فى عيون وقحة»، وفى السنوات الأخيرة مسلسل «الاختيار»، من ثم نرى أن فكرة الرواية الوطنية مستمرة فى مختلف أشكال الإبداع العربى لتقديم النموذج الذى نأمل أن يتمسك به الشباب للدفاع عن الوطن وهويته.

وحول مواكبة الإنتاج الروائى للأحداث التى شهدتها مصر منذ ثورة يناير 2011 ثم مرورا بثورة 30 يونيو 2013، وما تلاها من أحداث، قال الجيار: «أعتقد أن ما مرت به مصر خلال تلك الفترة، سيأخذ وقتا طويلا حتى تختمر الأحداث لدى المؤلفين من كتاب الرواية والقصة والمسرح، لأن الكتابة الإبداعية تحتاج إلى وقت ليستوعب الكاتب والمجتمع ما حدث، وحتى الآن لا نرى عملاً ناضجا عبر عما حدث فى التاريخ السياسى والاجتماعى المعاصر لمصر بداية من 2011.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة