الفيلم الامريكي "اوسلو"
الفيلم الامريكي "اوسلو"


زوجان من النرويج كانا السبب

«أوسلو».. فيلم جديد يكشف تفاصيل المفاوضات السرية بين إسرائيل ومنظمة التحرير

الأخبار

الأحد، 20 يونيو 2021 - 07:36 م

 

كتب: خالد محمود

لم يكن يدرى صناع الفيلم الامريكى «اوسلو« عندما حددوا موعد طرحه،الاسبوع الماضى، انه جاء فى وقته تماما،خاصة فى ظل صعود توتر الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ودخوله مرحلة جديدة ليؤكد توحد الفن مع الاحداث الكبرى التى ينهل منها ثم يلهم.

فالفيلم الرائع الذى قدمته HBO للمخرج بارترليت شير والكاتب جى تى روجرز،لم يكشف فقط المفاوضات السرية التى دارت عام 1993 فى لحظة واحدة من الزمن لصراع دام عقودا،بل ويدعو إلى اوسلو جديدة بعدما تاهت معالم الاتفاقية الاولى وتلاشت نتائجها مع الايام.

يروى العمل نبض القصة الحقيقية،السرية سابقًا،لمفاوضات القنوات الخلفية غير المتوقعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية للتمهيد لاتفاقات أوسلو المحورية والتاريخية للسلام فى التسعينيات،والتى استمرت على مدى ستة أشهر تقريبًا ويستعرض الفيلم عبر ايقاع لاهث لكنه يدعو للتأمل كيف تم ذلك إلى ان تتوج المفاوضات بمصافحة ياسرعرفات واسحق رابين فى مؤتمر صحفى بحضور بيل كلينتون مع العلم بأن الامريكيين ليس لهم علاقة بتلك الاتفاقات.

يكشف الفيلم ان المنظمين الفعليين لمحادثات السلام الخلفية بين الإسرائيليين والفلسطينيين زوجان نرويجيان،هما مونا جول دبلوماسية نرويجية والتى جسدتها ( روث ويلسون ) وتيرى رود لارسن رئيسًا لمركز أبحاث وعالم اجتماع ولعب دوره ( أندرو سكوت )،حيث استطاعا ان يجمعا اربعة رجال من فلسطين وإسرائيل فى غرفة مباحثات سرا فى اوسلو للتحدث وجهًا لوجه من اجل اتفاقية سلام ومناقشة خلافاتهم ومحاولة تسوية الصراع بين البلدين،تجادلوا،تناحروا،تناولوا الطعام وشربوا معًا،وضحكوا،وتفاهموا،لم تكن هذه هى الطريقة العادية للتفاوض،لكنها نجحت.

جاء من منظمة التحرير الفلسطينية أحمد قريع (سليم داو) وزير المالية فى منظمة التحرير الفلسطينية وحسن عصفور (وليد زعيتر) لم يتغير هذان الشخصان أبدًا،ولكن مع تقدم المحادثات،كان الممثلون الإسرائيليون يتقدمون فى الرتبة. فى البداية كان هناك يائير هيرشفيلد (دوفال جليكمان) ورون بونداك (روتم كينان)،اقتصاديان من جامعة حيفا. جاء بعد ذلك أورى سافير (جيف ويلبوش) من وزارة الخارجية الإسرائيلية. عندما أصبحت الأمور جادة حقًا،جاء المحامى جويل سينجر (إيجال ناؤور) للاعتراض على الصياغة الواردة فى الوثائق وتعديلها.

فى البداية ظهر موقف طاقم الشخصيات الإسرائيلي والفلسطينى فى صراع متذايد باستمرار بأجنداتهم الأكثر تعقيدًا. وكثيرًا ما يتراجعون لتمزيق المسودة الأخيرة أو يصفع أحدهم الآخر،المستشار القانونى الإسرائيلى جويل سينجر،اكد ان ما تسعى إليه الدولة اليهودية هو «أن تعترف بشرعية وجودنا»،بينما يصر وزير مالية منظمة التحرير الفلسطينية أحمد قريع على أن يقبل الطرف الآخر منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها صوت رسمى للشعب الفلسطينى،هذا ليس بالأمر الهين،كما توضح «أوسلو»،حيث كانت إسرائيل تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية وترفض فعليًا التعامل مع ممثليها.

فى اللحظات الأخيرة من المفاوضات كان شيمون بيريز (ساسون جاباي) على الهاتف مع منظمة التحرير الفلسطينية. وورد ذكر ياسر عرفات عدة مرات.
الفيلم مقتبس من مسرحية جيه تى روجرز»..أوسلو..دبلوماسية القناة الخلفية انقطعت بفعل ذكريات الماضي» عن وقت كانت فيه مونا وتيرى فى غزة وكانا شاهدين على عملية القتل هناك..وهى مشاهد الفلاش باك التى كشفت مأساة الطفلين،وحفزت الزوجين النرويجيين على تبنى فكرة المفاوضات.

كان توقيت الفيلم والأحداث الأخيرة بين إسرائيل والفلسطينيين فى غزة صدفة،ومع ذلك،قد تشعر بالحزن الشديد لأنه بعد 28عامًا من هذا العمل الدبلوماسى غير العادى،لا يزال الناس يقتلون بعضهم البعض هناك،هكذا كان يأتينا المشهد من حين لأخر،لقد تغير الكثير ولم يتغير الكثير،وهذا ما يجعل موضوع الفيلم مهما ومثيرا للشجن،كما ان اسلوب التشويق كان مهما ومؤثرا خلال المشاهدة لقصة نعرف نهايتها،لكنه يقدمها بشكل رائع عن كيفية تكاتف طرفين متعارضين معًا بمساعدة غير متوقعة.

قدم الممثلان روث ويلسون وأندرو سكوت،دوريهما بعمق كبير وهما يجسدان الزوجين اللذين لعبا دورًا محوريًا فى تسهيل المحادثات السرية بين إسرائيل وفلسطين وكيف تعاملا بين مجموعة الشخصيات المشاركة فى المناقشات،كانت بينهما كيمياء خاصة أثناء تخطى التوتر فى تداخل الحياة المهنية والشخصية لهما،لا سيما فى التعبير عن القلق والضيق والابتسامة المشوبة بالحذر عند احراز تقدم،نجح الاثنان فى جعل الجمهور يشعر بالشيء نفسه أيضًا،وهذا يعود لقدرة الممثلين على وضع كل مشاعرهم على المحك بالسماح للمشاهدين بالشعور بالضغوط التى شعرت بها الشخصيات فى الوقت الفعلى للمفاوضات.

فيما جسد جيف ويلبوش دور أورى سافير،المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية،ووليد زعيتر فى دور حسن عصفور،منسق منظمة التحرير الفلسطينية،وقدما عرضا قويا وجاذبا،كان أداء «زعيتر» كواحد من الفلسطينيين مؤثرا بشكل لا يصدق،خاصة مع مدى حماسته ووطنيته،كما كان «ويلبوش «قادرًا على الانتقال بسلاسة بين المشاعر مستخدما لغة الجسد للتعبيرعن شخصيته وما يحمله من أفكار.

لم يتعرض الفيلم بشكل كبير لحياة هذه الشخصيات خارج غرفة التفاوض،وهو ما جعل السيناريو المحكم ينجح فى طرح فكرته واشراك المشاهد ولهثه مع تلك المفاوضات وتوترها وهو ابرز مافى الفيلم،حيث تتناوب المناقشة فى القاعة بين لحظات التفاهم والكراهية والسخرية والنكات احيانا،مما يضفى طابعًا إنسانيًا على المجموعة.

لا يختار فيلم «أوسلو» بالضرورة جانبًا أو يحاول جذب الجمهور إلى وجهة نظر طرف،لكنه أيضًا لا يمنع الشخصيات من التحدث بحقائق قاسية ومشاركة الواقع المرير الذى يعيشون معه،فى موازنة بين رسالة أمل مع نظرة واقعية،فقرب النهاية عندما يوقع الطرفان على شروط الاتفاقية،فإن الفيلم حريص على عدم الدفع بنهاية سعيدة،و تُظهر لنا ألاحداث أنه من الممكن أن يجتمع الجانبان،لكنها تؤكد أيضًا أن ما سيحدث بعد ذلك ليس مضمونًا،حيث تغطى اللقطات الإخبارية الحقيقية المدرجة فى مشهد النهاية بعض الآثار المأساوية لاتفاقات أوسلو وتسلط الضوء على هشاشة وعد السلام.

فالقصة التى جاءت فى الوقت المناسب والأداء القوى لا يزالان يجعلان الأمر صعبا ومحتملا من جديد،لقد تركتنا تفاصيل «أوسلو» فى حالة توتر،نفكر فيما يمكن أن يحدث بعد ذلك فى ظل المشهد الحالى.
بشكل عام،يعد أوسلو فيلمًا مفيدًا وغنيًا بالمعلومات،وهو وثيق الصلة بشكل خاص بالأوقات التى نعيشها اليوم. يمكن أن يثقف المشاهدين أو يمنحهم فهمًا أفضل للعلاقة المشتركة بين إسرائيل وفلسطين،على الرغم من أننا نؤكد أنه من المهم عدم اعتبار الفيلم حقيقة تاريخية. فى حين أن هذا العمل هو مجرد إعادة سرد لشيء حدث فى الماضى،إلا أنه يساعد أيضًا فى إظهار وجهات نظر مختلفة حول كيفية تأثير ذلك على أحداث اليوم.

ربما حان الوقت لعقد اجتماع آخر بين مسؤولين من إسرائيل وفلسطين مثل سلسلة المفاوضات غير الرسمية التى جرت فى أوسلو،النرويج،فى عام 1993
يجرب المخرج بارتليت شير فى اول اعماله الروائية الطويلة العديد من الحيل-بما فى ذلك استخدام مرشحات الكاميرا ومشاهد المشى والتحدث فى الهواء الطلق وفلاش باك على غرار اضطراب ما بعد الصدمة الذى يتكرر طوال الوقت-لجعل الأمور تبدو سينمائية أكثر.

لقد شاهد الجمهور بالفعل الكثير من هذه الخيارات-وأكثرها شيوعًا هو مشهد الفلاش باك،حيث تجلس منى خلف سيارة مقلوبة وتشهد المواجهة بين «صبيين»،جندى إسرائيلى شاب وناشط فلسطينى خائف بنفس القدر. عند مشاهدة الفيلم،يجعلك ترغب فى الوصول إلى تلك المصافحة الشهيرة بين رابين وعرفات-وأيًا كان المعادل المعاصر لمثل هذه الاتفاقيةبارتليت شير يعتقد أن رسالة الفيلم لها صدى أكبر. وقال «إن الاختلافات الدينية والثقافية والسياسية لن يتم تجاوزها أبدًا إذا لم يتمكن الخصوم من إيجاد طريقة لإجراء حوار بناء

وهى أن هناك عنصرين لصنع السلام. الأول هو الدخول إلى غرفة والدعوة للحوار ومحاولة حل المشاكل. والآخر هو أن يتقدم القادة الحقيقيون وأن يكونوا مستعدين لبذل جهود شجاعة من أجل السلام. إذا كان هذان المكونان موجودان،فيمكنك التقدم، آمل أن يساعد هذا الفيلم الناس على فهم التاريخ بشكل أفضل وفهم من أين نشأ هذا الموقف. لن أقول إن اتفاقيات أوسلو هى الحل للمشكلة المعقدة التى نواجهها الآن. كانت مجرد بداية تحول لم يتحقق للأسف.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة