د. حاتم زغلول خلال حواره مع «الأخبار»
د. حاتم زغلول خلال حواره مع «الأخبار»


اشتريت الآخرة بالعودة إلى مصر.. والإقامة بالمناطق الشعبية الأقرب لقلبى

مطور«الواى فاى» لـ«الأخبار»: أنا رائد الاتصالات السريعة

حازم بدر

الإثنين، 21 يونيو 2021 - 08:40 م

"نلتقى فى مكتبى بنهاية شارع فيصل".. قالها لى د. حاتم زغلول، مطور خدمة الواى فاى السريع، وأنا أتواصل معه عبر "الواتس آب" لتحديد موعد لإجراء الحوار.

كان حجم الجوائز التى حصل عليها الرجل، والمكاسب المادية التى تحصل عليها من اختراعاته والشركات التى كان يمتلكها فى كندا، حيث كان يقيم، قبل أن يقرر العودة لمصر والإقامة فيها منذ عام 2008، كافيا لأن يلقى ظلالا من الشك فى قلبى بأنى أتحدث مع الشخص الخطأ، فالشخص الذى قرأت عنه وأنا أعد للحوار ليس أقل من أن يتخذ له مكتبا فى أحد الأحياء التى يقطنها الأثرياء، ولكنه يقول لى فى نهاية شارع فيصل!.. زادت شكوكى عندما وجدت نفس الانطباع عند زميلى المصور الذى رافقنى خلال الحوار، عندما قال لى إن حجم وقيمة الإنجاز الذى يدفعنا لإجراء الحوار مع الرجل، ربما لا يتسق مع المكان الذى يوجد به المكتب، وتعمقت هذه الشكوك أكثر وأكثر عندما وجدت نفسى عند الذهاب إلى العنوان الذى أرسله لي، داخل ورشة فى أسفل إحدى العمارات فى شارع داخلى متفرع من شارع فيصل الرئيسي.. "هل هذا مكتب د. حاتم زغلول؟!".. قلتها لأحد المتواجدين فى الورشة، وأنا أتوقع إجابة صادمة ربما تدفع زميلى المصور ليقول لي: " مش قلتلك مش ممكن مطور خدمة الواى فاى السريع يبقى هنا"، وقبل أن ينطق الرجل، وقعت عينى على شخص يتحدث فى الهاتف المحمول، وبالتدقيق فى ملامحه أدركت بسبب مشاهدتى لصوره فى المواقع العلمية التى كتبت عن أبحاثه واختراعاته، أنه هو الشخص المقصود.. ورغم يقينى أنه هو الشخص المقصود، أعادنى الرجل إلى حالة الشك مرة أخرى، عندما طلبت منه الجلوس فى مكان مناسب لإجراء الحوار، فطلب منا أن نتبعه إلى مكتبه بالطابق الخامس فى عمارة بشارع فيصل الرئيسي، لنفاجأ بمكان مُترب ربما لم يفتح منذ شهور، وبعد أن قمنا بتنظيف المقاعد التى سنجلس عليها بدأت الحوار ولا يزال الشك يتملكني، وقلت لنفسى ربما أجد فى حديثه ما يطمئن قلبي، عملا بمقولة سقراط الشهيرة " تكلم حتى آراك".. وإلى نص الحوار.

المصرى‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬أوروبيين‭.. ‬ ومعظم‭ ‬جوائز‭ ‬نوبل‭ ‬تذهب‭ ‬للشخص‭ ‬الخطأ

البيروقراطية‭ ‬تقتل‭ ‬البحث‭ ‬العلمى‭ .. ‬وتغلبت‭ ‬عليها‭ ‬بالتركيز‭ ‬على‭ ‬البرمجة

نهزم‭ ‬أنفسنا‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬عقدة‭ ‬الخواجة‮»‬ والمصريون‭ ‬‮«‬دينامو‭ ‬العالم‮»‬

‮«‬التابلت‮»‬‭ ‬مستقبل‭ ‬التعليم‭ .. ‬وأعمل‭ ‬على‭ ‬برامج‭ ‬بديلة‭ ‬للمدرس

- عندما تواصلت معك أثار دهشتى وجود مكتبك فى شارع فيصل، والذى لا يتسق مع حجم الجوائز والمكاسب التى حصلت عليها، وأصبحت أكثر دهشة بسب هذا المكان الذى نجلس فيه الآن.. هل تحب أن تعطينا تفسيرا لذلك؟

يومئ بالموافقة قبل أن يقول وقد كست الابتسامة وجهه: أنا بطبيعتى أحب المناطق الشعبية، فقد ولدت وعشت حتى سن الرابعة والعشرين فى منطقة إمبابة، وعندما عدت من كندا عام 2008، أقمت فى إحدى الفيلات فى كمبوند شهير بطريق مصر اسكندرية الصحراوى، ولأسباب شخصية أردت أن أغير المكان الذى كنت أقيم فيه، فاستأذنت صديقا لى كان يملك شقة فى فيصل أن أقيم فيها لمدة يومين حتى أدبر حالي، فأعجبتنى الإقامة فى فيصل، وقررت أن استمر فى هذا المكان منذ عام 2017.

- وما الذى أعجبك فى فيصل ولم تجده فى الكمبوند الشهير؟

يشير إلى أحد المخترعين الذى كان يجلس معنا أثناء اجراء الحوار، قبل أن يقول: أحد أهم أنشطتى فى مصر هو مساعدة المخترعين، مثل هذا الشاب الذى سيسهل عليه لقائى هنا، وليس فى طريق مصر اسكندرية الصحراوى، كما أنى بطبيعتى وبحكم النشأة أحب الجلوس مع الناس البسيطة، وأستطيع هنا ان احصل على كافة احتياجاتي، بينما كنت وأنا أقيم فى الكمبوند الشهير أطلب السائق ليحضر لى أى شيء حتى لو كان بسيطا.

عودة نهائية

- ولماذا تركت كندا، التى حصلت على جنسيتها، وتم تقليدك بأرفع جوائزها، وأسست فيها عده شركات، وقررت العودة لمصر مجددا؟

تظهر مسحة من الحزن على وجهه قبل أن يقول: عندما عدت إلى مصر فى 2008 لم أكن أنتوى الإقامة الدائمة، ولكن ما حدث أن أشقائى أبلغونى أن والدتى وكانت وقتها فى التسعين من عمرها، مريضة مرضا شديدا، وربما لن أتمكن من رؤيتها مجددا، فقلت لنفسى إنى حققت كل شيء فى الدنيا من حيث النجاح والثروة، وأنه آن الأوان لأشترى الآخرة وأعود لمصر وأهتم بأمى حتى تلقى الله سبحانه وتعالى. وكان فى تصورى ووفقا لحالتها الصحية، انى سأمكث معها عاما على أقل تقدير، ولكن الله أمد فى عمرها ست سنوات أخرى، كنت خلالها قد تكيفت مع الإقامة فى مصر مجددا، فقررت العودة النهائية، وقمت بتمليك تسع شركات كنت أمتلكها فى كندا للموظفين، ونقلت نشاط شركتين إلى مصر.

- بما أنك عدت إلى مصر فى 2008، فهذا يعنى أنك عاصرت كافة التحولات التى حدثت بداية من ثورة 25 يناير 2011، ومرورا بما أعقبها من تخبط وعدم استقرار، وانتهاء بـ 30 يونيو، فكيف شاهدت هذه الأحداث؟

تعود الابتسامة إلى وجهه ليقول: من المصادفات الغريبة، أننى فى كل هذه الأحدث كنت فى مهام عمل خارج مصر، ولكننى أستطيع بحكم إقامتى فى مصر منذ عام 2008، القول إن 25 يناير كانت حركة شبه شعبية لها أغراض، وإن مصر تشهد بعد 30 يونيو تحسنا كبيرا يجعلها فى تقدم، والسبب أن هناك استقرارا بات واضحا، وتحركات تحدث فى كل اتجاه، وطرقا أصبحت أحسن حالا.

أزمة البيروقراطية

- وماذا عن البحث العلمي.. هل أصبح هو الآخر أفضل حالا؟

يرد بدون تردد وقد أخفى هذا السؤال ابتسامته: للأسف لا يزال البحث العلمى كما هو لم يتغير.

- لماذا؟

التقدم فى البحث العلمى يقاس بالوقت بين الفكرة والتطبيق، ففى أمريكا يصل هذا الوقت إلى ست ساعات، ويزيد فى كندا إلى يومين أو ثلاثة، لأنه لا توجد لديها الكثير من الخامات اللازمة، وكنا ننتظر بعض الوقت للحصول عليها، وفى الصين يقال لك : قل لنا فكرتك لنبحث فى أدراجنا إن كانت فقد نفذت أم لا، لأن لديهم ثقة ان كل الأفكار تم تنفيذها، وفى مصر يمكن أن تعجز عن تفيذ فكرتك، لأن الخامات المطلوبة لم تخرج من الجمارك، فلا يزال البحث العلمى يعانى من البيروقراطية الشديدة.

- ولماذا لم تعد لكندا بعد وفاة والدتك وقررت التعايش مع هذه البيروقراطية؟

يشير بثلاث من أصابعه قبل أن يقول بلهجة متحمسة: هناك ثلاثة أسباب، الأول أنى قررت عند الإقامة فى مصر العمل على إنتاج البرمجيات، التى لا تحتاج إلى خامات تعطل العمل، وهناك سبب ثانٍ، هو أن الأيدى العاملة هنا رخيصة جدا، ففى كندا مثلا، إذا أردت تحويل فكرة إلى منتج، قد تحتاج إلى 60 ألف دولار، ولو أردت فعل نفس الشيء فى مصر، فلن تحتاج أكثر من 4 آلاف جنيه، وأحد الأسباب الرئيسية لهذا الفارق الكبير فى تكلفة هو العمالة الرخيصة، والسبب الثالث أنى شديد الاقتناع بالعقلية المصرية، فأنا على استعداد للتخلى عن 10 أوروبيين، واستبدالهم بمصرى واحد.

- ألست مبالغا فى هذه النسبة "10 مقابل واحد"؟

تزداد لهجته حماسا وهو يقول: معلش أنا عندى "عنصرية عكسية"، فالعقلية البيضاء هى عقلية محدودة، تحب العمل إلى درجة أنك تستطيع أن تصفهم بأنهم "عبيد شغل"، ولكنهم عبيد شغل عندما تكلفهم بمهمة واحدة، فإذا قلت له مثلا قس لى حجم طاقة هذا الموتور، يستطيع أن يؤدى ذلك بكفاءة، لكن لو كلفته بمهمة أخرى مع هذه المهمة، فتأكد أنه سيخفق فى إحداهما، وذلك على عكس المواطن المصرى الذى يستطيع أن يؤدى أكثر من مهمة، وهذا يرجع إلى أن العقلية التى لا تعرف سوى لغة واحدة، تكون محدودة، بينما العقلية التى تجيد أكثر من لغة، فهى عقلية أكثر استيعابا، لأنه ثبت علميا أن تعدد اللغات يفتح المزيد من الطرق فى المخ، فيكون أكثر استيعابا.

العقلية البيضاء

- ربما لا يتسق كلامك هذا مع كون الجوائز العالمية فى العلم مثل جائزة نوبل، تذهب لعلماء "العقلية البيضاء" على حد وصفك؟

ترتسم على وجهه ابتسامة ساخرة دون أن يتخلى عن لهجته المتحمسة وهو يقول: كثير من جوائز نوبل تذهب إلى الشخص الخطأ صاحب الجهد الأقل، فالإنجاز العلمى يأتى من مجموعة بحثية يديرها الأوروبي، والذى تذهب له الجائزة، مع أن 90 % من الجهد بذله أعضاء المجموعة البحثية، الذين إن بحثت عن أصولهم ستجد بينهم جنسيات أخرى، وأعيش الآن فى قصة تؤكد هذا المعنى، فلى صديق يقوم بإعداد الدكتوراة فى فنلندا، وكلما وقفت أمامه مشكلة يتصل بى كى أساعده فى حلها، وعندما سألته عن الدور الذى يقوم به مشرف الرسالة، قال لى إن قدراته محدودة جدا.

- أستطيع تفهم "عنصريتك العكسية" كما وصفتها، إذا صح وصفك إعلاميا بـ "مخترع الواى فاى"، وهو الوصف الذى تشكك فيه كل من عرف أنى سألتقيك فى مكتب بنهاية شارع فيصل، فهل مبدئيا هذا الوصف دقيق؟

يطلق ضحكة عالية أعقبها بقوله: ليس دقيقا أنى مخترع الواى الفاى، ولكن الدقيق أنى مخترع الواى فاى السريع، وكل التكنولوجيا المحمولة للاتصالات السريعة مثل الفور جى "4G" والثرى جى "3G".

- كيف؟

عندما بدأت مع صديقى الأستاذ بكلية الهندسة جامعة القاهرة ميشيل فتوش العمل فى هذا الاتجاه عام 1991، كانت الاتصالات وقتها تعمل على نقل من 1 إلى 2 مليون معلومة فى الثانية بتكنولوجيتين مختلفتين، وكان يتعين عليك كمستخدم أن تعرف ما هى التكنولوجيا التى ستستخدمها، وهذا أمر مربك للغاية، بينما عملت أنا وصديقى فى هذا الوقت على نقل 100 مليون معلومة فى الثانية، ونجحنا فى ذلك، وهناك فرق كبير فى السرعة بين 100 مليون و1 أو 2 مليون، وبالمناسبة لم تكن التكنولوجيات التى سمحت بنقل من 1 إلى 2 مليون معلومة، هى الأولى فى مجال الواى فاى.

قصة الواى فاى

- أفهم من كلامك أن تكنولوجيا الواى فاى قديمة؟

يومئ بالموافقة قبل أن يقول: هذه التكنولوجيا بنيت فى الأساس على فكرة قدمتها الممثلة الأمريكية ذات الأصول النمساوية هيدى لامار للجيش الأمريكي، الذى رد عليها بأنها فكرة غير قابلة للتطبيق، وكان ذلك تمويها من الجيش الذى كان يستخدمها فى اتصالاته، وكان لدى الروس تكنولوجيا مماثلة، وعندما أصبحت هذه الاختراعات معروفة وغير سرية، سمحت هيئة الاتصالات الأمريكية عام 1983باستخدامها فى الاتصالات ولكن فى إطار عدد محدود من الموجات، ومنذ ذلك الوقت بدأ عمل "الواى الفاى"، ولكن أقصى سرعة ممكنة، كانت هى 2 مليون معلومة فى الثانية فقط.

- وما علاقة ممثلة باختراع كهذا فى مجال الاتصالات؟

الأمر جاء عن طريق الصدفة البحتة، حيث كانت تستمع إلى لحن لأحد الملحنين، فسألته عن هذا اللحن، فقال لها أنه لا أحد يعرفه سوى أنا والبيانو، فسألته عن كيفية إعداده، فقال لها إنه يعده باستخدام معادلة رياضية تعتمد على تباديل وتوافيق بين النوت الموسيقية، فأدركت حينها من سابق معرفتها بنظام الموجات المستخدم فى الجيوش، لأن زوجها السابق، كان يعمل على تطوير أسلحة للنازيين، وكانوا يشتكون له من شوشرة على الموجات التى يتم بها توجيه صاروخ الطوربيد للسفن، أنه يمكن تطبيق نفس الأمر فى إرسال المعلومات عبر موجات تتبدل كما يفعل هذا الملحن مع النوت الموسيقية، وقدمت الفكرة برسم تفصيلى للجيش الأمريكي، وهذه الممثلة تعاونا معها وكانت لى قصة معها.

- وما قصتك معها؟

فى عام 1997 كانت الشركة التى دشنتها أنا وميشيل فتوش فى مجال تكنولوجيات الاتصالات السريعة قد بدأت تكبر، وجاءت لى فكرة استغلال اسم وصور هيدى لامار تسويقيا، لاسيما بعدما قرأت تقرير أنها تعيش فى ظروف غاية الصعوبة وأصبحت فقيرة للغاية، وتواصلت مع ابنها الذى أحبطنى وقال إنها سترفض، لأنها ستعتبر ذلك نوعا من المساعدة وهى عزيزة النفس جدا، فألححت عليه، فأعطانى وسائل الاتصال بأحد جيرانها الذى كرر علىّ نفس الكلام، فقلت له سأرسل لها عقدا دعوها تقرأه، فإن راق لها، لا أريد إلا توقيعها، وكانت تفاصيل هذا العقد أنى سأعطيها 9 أسهم فى شركتى وكل 3 أشهر سأشترى منها سهماً مقابل 25 ألف دولار، بإجمالى مبلغ 250 ألف دولار، ووافقت على هذا العرض.

- وهل مجرد استخدام اسمها وصورتها يستحق كل هذه المبالغ؟

ترتسم على وجهه ابتسامة عريضة قبل أن يقول: ياه !! لقد كسبنا كثيرا من استغلال اسمها وصورتها، فقد كانت فى شبابها ممثلة فاتنة شديدة الجمال، ولها محبون حول العالم، وكانت تأتينى اتصالات من كل دول العالم تسأل عنها.

- إذن كما فهمت منك، فإن هذه التقنية وجدت منذ الأربعينيات بفضل الممثلة الأمريكية، ثم سمحت أمريكا فى عام 1983 باستخدامها فى الاتصالات ولكن فى إطار عدد محدود من الموجات، وكانت أقصى سرعة لها 2 مليون معلومة فى الثانية، وجاء التطوير الذى قمت به أنت وميشيل فتوش، فما هى قصة هذا التطوير وتفاصيله؟

يطلق تنهيدة عميقه استعداد لحديث طويل قبل أن يقول: فى عام 1990 طلبت منى الشركة التى أعمل بها فى كندا تعريف نظام اتصالات مناسب للجيل الثانى من المحمول، وبعد أن استعرضت فى تقريرى كل التكنولوجيات المتاحة وقتها قلت لهم أن جميعها غير مناسبة، لأنها فى رأيى تقوم بتشويق المستخدم دون أن تشبع رغباته، فهى تساعده على تشغيل الفيديو، ولكن البطىء والتقطيع الذى يحدث لا يجعله يستكمل الفيديو، فقيل لى وقتها إن هذا هو المتاح، وطلب منى عدم الانشغال بهذا الأمر مجددا، ولكنى كنت مهموما بفكرة الاتصالات السريعة، وكنت على تواصل دائم مع صديقى ميشيل فتوش، حيث كان يجمعنا نفس الاهتمام، وفى إبريل من عام 90 اتصل بى ميشيل، وأخبرنى أنه وجد تكنولوجيا يمكن أن تكون فعالة فى الاتصالات السريعة، ولكنى لم أستوعب من خلال حديثه التليفونى تفاصيلها ومميزاتها، فاتصل بى فى إبريل من عام 1991، وقال لى إن صداقتنا ستنتهى إذا لم أسافر إلى مصر لأجلس معه ويعرض على فكرته بشكل تفصيلى وجها لوجه.

ويصمت لوهلة يلتقط خلالها الأنفاس قبل أن يقول: خلال 20 دقيقة كنت قد استوعبت هذه التكنولوجيا الجديدة، والتى تعتمد على تقنية الموجات المتعامدة، وهى تقنية اخترعت عام 1957، ودرست للاتصالات السريعة، ولكن كانت هناك مشكلتان لم تجعلا العالم يفكر فيها كحل للاتصالات السريعة، وقد قدمنا حلا لهاتين المشكلتين، بالإضافة إلى مشكلة ثالثة، توصلنا لها عن طريق الصدفة وقمنا بحلها أيضا، وكان حل هذه المشكلات هو الأساس للواى فاى السريع وكافة الاتصالات المحمولة السريعة التى يستفيد منها العالم الآن.

- هذا الإنجاز الذى يجعلك رائدا للاتصالات السريعة فى العالم، لماذا لم يصدق كل من عرف أنى سألتقيك، أن مواطنا مصريا يمكن أن يكون صاحب هذا الإنجاز.. هل نحن لا نثق فى أنفسنا؟

يصمت لوهلة قبل أن يقول بنبرة صوت لا تخلو من الحزن: هناك أكثر من سبب، أولها أنه لا احترام لنبى فى بلده، والسبب الثانى هو عقدة الخواجة، فالمستعمر لم يغير من هويتنا، ولكنه غير من طريقة تفكيرنا، فتعمق لدينا فكر أن كل ما يأتى من الغرب جيد، مع أن كل ما ينتجه الغرب هو من أفكار مسروقة، فأنا أسمى حضارتهم بـ "حضارة الشوكة والسكينة"، فهم يبهرونك من الخارج، ولكن الحقيقة أن المظهر الخارجى الجذاب يخفى خلفه تحيزا وعنصرية وعدم موضوعية، فيقولون مثلا عن العرب والمسلمين، إنهم لا يحترمون حقوق الإنسان، مع أن ستالين قتل 20 مليونا من شعبه، كما قتل فى الحرب العالمية الثانية قرابة 64 مليونا.

سلاح الأفكار

- إذا كانت هذه فكرتك عن الحضارة الغربية، فكيف استطعت أن تتكيف معها وتحقق ما توصلت إليه من إنجازات؟

بابتسامة واثقة يرد على الفور: بسلاح الأفكار كان سهل على أن أنجح وأتفوق عليهم ويصبحوا أكثر حرصا منى على الاستمرار معهم، وبالمناسبة الأفكار لا تولد، وكل ما أفعله هو تباديل وتوافيق بين الأفكار الموجودة، لأخرج بفكرة جديدة، فالاختراع الخاص بتطوير (الواى الفاى) هو تجميع لأكثر من فكرة، وأستطيع أن أفككه لك، وأقول لك من أين تعلمت كل فكرة، والمصريون عموما بارعون فى ذلكس.

- ولماذا لا نثق فى قدراتنا.. ألا ترى أننا بذلك نهزم أنفسنا ؟

يومئ بالموافقة قبل أن يقول: نعم نحن نهزم أنفسنا، وكانت لى مناقشة مع زميلى الدكتور ياسر أبو مصطفى، وهو رائد الذكاء الاصطناعى فى العالم، حيث زرته فى معهد كالتك بأمريكا عام 1985 ودار بيننا حوار قلت له فيه: هذه أول مرة نجلس معا نتحدث فى العلم، ولم نكن نفعل ذلك وقت الدراسة بالكلية عندما كنا نتنافس على المركز الأول، فقال لى إن ذلك يرجع لأصولنا كحضارة قائمة على الزراعة باستخدام مياه النيل، فهذا يجعل الجار يراقب جاره، لأن حصوله على مياه أكثر من حقه، يعنى أنه يسرق حقه فى الرى، بينما فى أمريكا حيث الاعتماد على الأمطار فى الزراعة التى تصل للجميع بالتساوى، لا يجعل لديهم هذه الروح، فيصبحون أكثر تعاونا، بينما نحن لا نؤمن بالتعاون، ولذلك نبرع فى الألعاب الفردية ولا نحقق نجاحا فى الجماعية.

- وكيف نغير هذا الوضع الذى اتفقنا أنه يجعلنا نهزم أنفسنا؟

تخرج الكلمات من فمه سريعة قائلا: نغيره بالإعلام، وأقصد بالإعلام هنا كل وسائل الإعلام من صحف وتليفزيون وراديو، وقبل ذلك الأفلام، فهى الأهم من وجهة نظرى، وهى وسيلة غائبة فى مصر.

- تقصد بـ "الغياب"، أنها لا تؤدى الدور المنوط بها؟

بالطبع، فنحن لدينا أفلام، ولكنها أفلام تشجع على العنصرية والبلطجة، بينما لو شاهدت فيلما أمريكيا ستجد أنه يعلى من قيم الولاء والانتماء والوطنية لدى الأطفال، عندما تجد مثلا فى أحد الأفلام طفلة بعمر 14 عاما أنقذت الرئيس الأمريكي.

ونحن لدينا قصص لمصريين أصحاب إنجازات عالمية لو تم تناولها فى أفلام، ستصبح أفلاما ناجحة، فزميلى ياسر أبو مصطفى الذى حدثتك عنه منذ قليل هو رائد الذكاء الاصطناعى فى العالم، وهناك أيضا الدكتور أحمد سلام، وهو أول من قام بتعريب برنامج الورد، فالمصريون بدون تحيز هم "دينامو العالم"، ففى كل فريق بحثى متميز فى العالم ستجد مصريا بين أعضائه، لا يحصل على كثير من الشهرة، ولكنه هو الشخص الذى يتحمل عبء العمل، لقدرته على القيام بأكثر من مهمة.

سوء النظام التعليمي

- هل النماذج التى أشرت إليها تعد شهادة لقدرة التعليم المصرى على تخريج عباقرة مثل هؤلاء أم أن المسألة تتعلق بالقدرات الفردية؟

بلهجة لا تخلو من الحزن يقول: كان قادرا، ولكنه خلال السنوات الأخيرة يتجه للأسوأ.

- ومن المسئول عن ذلك؟

بلا شك فإن فترة حكم مبارك قضت على التعليم فى مصر، ويكفى لإثبات ذلك، أن تعرف مثلا أن الرئيس السادات فى آخر سنوات حكمه قابلنا كأوائل كلية الهندسة.

- وما مظاهر التدمير التى حدثت فى عصر مبارك؟

 استشرت ظاهرة الدروس الخصوصية، التى غيبت دور المدرس، فقديما كان الضرب بالمدرسة لأن الطالب لم يستوعب، ولكن الآن أصبح الضرب لأن المدرس غاضب لعدم حصول الطالب على الدرس الخصوصى عنده.

- ولكن أغلب أوائل الثانوية العامة يحصلون على دروس خصوصية؟

يرد بنبرة ساخرة: ولهذا السبب لم تعد مخرجات الجامعة بجودة الماضي، ففى الماضى كان التدريس بالجامعة جيدا، لأن الطالب كان جيدا، ففى كلية الهندسة مثلا كان 5 % من الدفعة يحصلون على امتياز، و10 % يحاولون أن يحصوا على امتياز، اما الآن، فنسبة 1% فقط هى التى تحصل على امتياز، و1 % فقط يحاولون أن يصلوا إليهم.

- وهل ترى أن نظام التعليم الحديث الذى يعتمد على التابلت الذى تتبناه مصر الآن قادر على إصلاح الأوضاع؟

التابلت هو مستقبل التعليم، ولكن المشكلة ان النظام التعليمى الذى يعتمد عليه، يستخدم مدرسا غير مؤهل فى الأساس لأن يكون مدرسا إلا ما رحم ربي، ونسبتهم لا تزيد على 1 %، لأنهم جميعا تخرجوا من نظام تعليم فاشل، وإصلاح مثل هذا الوضع يحتاج إلى 10 أعوام على الأقل، وليس عامين، ومشكلة وزير التعليم الحالى أنه وعد بما لا يستطيع تحقيقه، وهو سرعة التنفيذ خلال عامين.

الذكاء الإصطناعي

- وهل يمكن تحقيق سرعة التنفيذ فى تطوير التعليم؟

تظهر ملامح الحماس على وجهه قبل أن يقول: يمكن تحقيقه إذا حل الذكاء الاصطناعى محل المدرس، وتكون وظيفة المدرسة فقط ممارسة الأنشطة المختلفة حتى لا يفقد الطالب ميزة الاختلاط التى تؤثر على مهاراته الاجتماعية.

- وكيف يحدث ذلك؟

كل العلم موجود على الإنترنت، والذكاء الاصطناعى يستطيع توصيله للطالب، فعندما تعطى (التابلت) للطالب يستطيع الذكاء الاصطناعى معرفة اتجاهاته، فمثلا لو كان أول ما سيدخل عليه الطالب هو أفلام الكارتون، يستطيع الذكاء الإصطناعى أن يستخدم ما يحبه الطالب فى تعليمه، وبهذا الأسلوب فى التعليم تستطيع فى سن مبكرة اكتشاف قدرات الطلاب ومعرفة مثلا من المؤهل ليكون جراح مخ وأعصاب، رغم أنه مثلا ربما لا يكون متفوقا فى النحو.

- وهل استخدام الذكاء الاصطناعى فى التعليم مطبق بالغرب؟

ترتسم على وجهه علامة الدهشة قبل أن يقول متسائلا: هيطبقها ليه.. وهو عنده نظام تعليمى جيد، الذين لا يملكون نظام تعليمى جيد، هم الذين يحتاجون لمساعدة الذكاء الاصطناعي.

- وهل هذه الفكرة عملية وقابلة للتطبيق أم أنها تبدو نظرية؟

بثقة تبدو واضحة على وجهه يقول: الموضوع سهل جدا، وأنا أعمل الآن على برامج من هذا النوع، بل وسأفجئك بأنى أعمل على برامج للذكاء الاصطناعى المستخدم فى التعليم تستطيع معرفة برج الشخص بمجرد النظر إلى وجهه، ويتم تصميم نظام تعليمى يلائم الشخص استنادا إلى برجه، فمثلا أصحاب برج الدلو يمليون إلى حب التحدى، وهؤلاء تحتاج إلى أن تتحداه عند صياغة النظام التعليمى الملائم له.

- ولكن الأبراج ترتبط فى الأذهان بأنها نوع من الدجل؟

تصبح دجلا عندما تقول للشخص إنك ستقابل اليوم فلان الفلانى وستكسب مبلغا من المال، ولكن ربطها بالسمات الشخصية علم.

- لا أفهم ما هى علاقة شخصيتى بموعد ميلادى الذى يتحدد على أساسه البرج الذى أنتمى إليه؟

يبتسم قبل أن يقول: سأرد على سؤالك بسؤال آخر، وهو ما علاقة القمر بالمد والجزر، فالمعروف أنه فى أوائل الشهر العربي، وفى أيام 13 و14 و15 عندما يكون القمر مكتملا، تحدث ظاهرة المد والجزر التى تؤثر على حركة المياه فى البحار، وهل تعرف أنها تؤثر على حركة المياه فى وسط الدماغ، فتسبب إحساسا عاليا بالنشاط والحركة، لذلك فإن الشرطة فى الغرب تنشط خلال هذه الأيام، لأن الجرائم تزداد خلالها، وقد ثبت علميا أن الصيام يقلل من المياه فى تلك المنطقة، وربما يفسر ذلك سنة الصيام فى تلك الأيام.

- معنى ذلك، أن كل طالب سيكون له نظام تعليمى خاص به؟

انت لن تفعل شيئا، الكمبيوتر هو الذى سيفعل، الموضوع غير مربك وبسيط جدا.

وكيف سيتم تقييم الطالب؟

- أنت لا تحتاج لتقييمه، أنت تعرف الطالب أفضل من نفسه وأهله، ففى النظام التقليدى المدرس قد يشرح مرة واثنتين وثلاثا ثم يقرر أن هذا الطالب غير قادر على الاستيعاب، لكن فى الذكاء الاصطناعى المحاولات لا تنتهى حتى يدرك الكمبيوتر أن الطالب مثلا سيفهم فى المرة الثلاثين عندما يتم تبسيط المعلومة بشكل معين، وبالتالى سيتم التعامل مع هذا الطالب وفقا للخبرة التى كونها الكمبيوتر.

امتلاك المعلومات

- أشعر من حديثك أن البرمجة ستدخل فى كل مجالات الحياة؟

يومئ بالموافقة قبل أن يقول: كنت فى محاضرة مهمة مؤخرا، وقال أحد المحاضرين عبارة مهمة جدا، وهى أن الدولة التى لن تملك معلوماتها خلال خمس سنوات لن تكون موجودة.

- وماذا تقصد بامتلاك الدولة لمعلوماتها؟

معلوماتنا بين آبل وجوجل، فكل ما نفعله فى حياتنا لدى هاتين الشركتين، فجوجل على سبيل المثال لا تخدم إلا نفسها وأجهزة المخابرات والمعلنين، وكل ما تتيحه لك كمستخدم هو خدمة البحث، حتى تعرفك أكثر من خلالها، ولذلك مثلا عندما أعمل على بحث معقد ولا أريد أن يتسرب لا أستخدم الكمبيوتر الشخصى الخاص بي، واستخدم كمبيوتر شخص آخر حتى لا يعرفوا توجهاتي.

- وكيف نمتلك معلوماتنا؟

بأن يكون لدينا برامجنا الخاصة ومحركات البحث الخاصة بنا، ومواقع التواصل الاجتماعى الخاصة بنا، أسوة بما تفعل بعض الدول الآن مثل الصين.

- وهل ترى أن بإمكاننا تحقيق ذلك؟

يرد على الفور: ولِمَ لا، فمصر تسير الآن على الطريق الصحيح، وحجم الإنجاز السريع الذى يحدث الآن واضح جدا ولا تخطئه العين.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة