د. محمد أبوالفضل بدران
د. محمد أبوالفضل بدران


يوميات الأخبار

صحوة الضمير المتأخرة

د.محمد أبوالفضل بدران

الأربعاء، 23 يونيو 2021 - 06:28 م

 

جمالات قررت أن تغيّر اسمها إلى «مادونا» و«خضرة» غيرّت اسمها إلى «نور» و«ليلى» غيرت اسمها إلى «شاكيرا»

أخيرا اعترفت ألمانيا وفرنسا بما فعلوه فى الدول التى استعمروها أو إن شئنا الدقة استخربوها والمجازر التى ارتكبوها ضد شعوب، فقد نشرت وسائل الإعلام فى يوم الجمعة ٢٨ مايو الماضى أن ماكرون يطلب من رواندا الصفح عن دور بلاده فى مذابح الإبادة الجماعية، التى ارتكبت ضد عرقية التوتسى عام ١٩٩٤ وحذت ألمانيا :وضع حجر أساس لدار عبادة مشتركة لليهود والمسيحيين والمسلمين فى برلين وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن ألمانيا تعترف: «ارتكبنا إبادة جماعية فى ناميبيا خلال الحكم الاستعماري»ومنحت ألمانيا ناميبيا مليار يورو لإعادة البناء والإعمار.وقد جاء هذا الاعتراف متأخرا بعد أن قتلوا وعذبوا وسجنوا شعوبا حرة واستعبدوها وإذا كانت الضمائر تصحو فحبذا لو صحت فى كل الجرائم دون انتقاء ولو أن جميع الشعوب المستعمِرة كشفت عن جرائمها السابقة واللاحقة فى أفريقيا وفى آسيا ولاسيما جرائمهم فى العراق وسوريا وفلسطين وفيتنام وكمبوديا وسائر بلاد الله.وعلى كل الشعوب المقهورة منها قديما وحديثا إظهار كشوف القتلى والجماجم والمسجونين والمعذَّبين، فإذا كان هؤلاء قد فارقوا الحياة فمن حق أبنائهم وأحفادهم أن يسمعوا اعتراف هذه الدول بجرائمها وبراءة هؤلاء فى الدفاع عن أوطانهم ضد هؤلاء الغزاة وأن يعطوا الدول المستعمرة خرائط الألغام التى تركوها شاهدة على جرائمهم وأن يُبَرئوا ضمائرهم بنشر الخرائط المسمومة التى تركوها حدودا وكأنها فوهة بركان بين دولنا تثور حِممُها أحيانا وتهدأ حينا، هل سيدفعون لنا المليارات من الدولارات حتى نقضى على الفقر الذى خلفوه لنا؟ وإذا كانوا يريدون الصفح فلن نطالبهم «بالقودة» وأن يأتوا حاملين أكفانهم لأن كل شعوبهم لن تكفى لو طالبنا بذلك وإنما عليهم أن يصلحوا ما خربوه وكفى والصلح خيرّ، وماذا عن الدول الأخرى؟ وماذا عن الجرائم التى تُرتكب الآن؟ هل ننتظر قرونا حتى يصحو ضمير العالم ويعتذر؟

حكاية جامع العُوَيْضات

فرحت كثيرا بتجديد مسجد العويضات قريتى الحبيبة التابعة لمركز قِفْط بمحافظة قنا على مقربة من النيل وإن كانت لا تطل عليه إلا من خلال نجع تابع لها وهو نجع البارود الذى قاوم الحملة الفرنسية وتجمع عنده أبناء المحافظة ليلقّنوا الحملة الفرنسية درسا لا تنساه أبد الدهر وتُغرق سفنهم وتقتل جنودهم لتتخذ المحافظة هذا اليوم عيدا قوميا لها، لا أحد لدينا يعرف منذ متى وُجدت هذه القرية؟ كل الأجيال تروى أن الأجداد وجدوها هكذا وكأنها منذ نزول آدم عليه السلام، ولأنها تقع فى مكان مرتفع فقد كانت مياه الفيضان تحوطها من معظم جهاتها ولا تدخلها المياه، وحينما كنا أطفالا نعوم فى مياه الفيضان التى كوّنت بحرا عميقا يحوط القرية، وأذكر أننى تَبِعْتُ أخى الأكبر محمود عندما خرج من بيتنا للسباحة، تبعته دون أن يدرى وعندما أبصرتُه يترك اليابسة وينزل إلى البحر سابحا مبتعدا عن شاطئ القرية حَسِبتُ الماء طريقا ولُعبة ونزلتُ إلى الماء ومشيتُ متجها نحوه، لم يرنى وعلا ضجيج الماء وأصوات أصدقائه فى الماء المتراكم بحرا فوق الأرض التى تلف القرية، ولأننى وجدت الماء حلوا فمشيت أكثر لأفأجا أننى نزلت تحت الماء وكدت أغرق لأنى لم أكن أعرف العوم حينها، ولولا إرادة الله أن أعيش لما امتدت يد رجل لا أعرفه حتى اليوم ألقى بنفسه فى البحر بملابسه وكان ماشيا بالصدفة ليلتقطنى من تحت الماء ويخرجنى إلى الشاطئ ويقوم بإسعافات الغريق، وأفتح عينيّ باكيا لأجد جَمْع الناس يتحلقون حولى ويخرج السابحون ليفاجأ أخى أننى الغريق الناجى ولله الحمد. عَود إلى الجامع، مَنْ اختط القرية قديما جعل الجامع فى حد القرية الشرقى تجاه القِبلة وترك ميدانا فسيحا أمامه يسمى «الَملَقَة» أى الملتقى وهو مكان لقاء أهل القرية ومكان عزائهم وأفراحهم، ربما كان المسجد مبنيا بالطوب اللبِن وجذوع النخيل ثم جُدد فى القرن الماضى وتم تجديده هذا الشهر ليُفتتح من جديد وقلتُ إذا فرحنا بتعمير المسجد فحبذا لو عمّرنا قلوبنا بالمحبة، فكل الشكر لكل من أسهم ماليا ومعنويا فى تعمير هذا المسجد الذى أرّخت تجديده بحساب الجُمّل، وهو حساب قديم يقوم على الأبجدية أبجد هوّز حطى كلمن...الخ وكل حرف له ما يقابله من الأرقام فإذا أخذت الحروف التى تلى مشتقات «أرّخ» وجمعتها رقميا أعطاك التاريخ سنة ٢٠٢١ ومما كتبته فى هذه المناسبة:

الله يُنزِلُ سائرَ الرحماتِ
فى جامعٍ قد حُفَّ بالنفحاتِ
وأُقيمَ فى أرضِ العويضاتِ التي
قد صانَها الرحمنُ بالبركاتِ
قد جدَّدوهُ فقلتُ أَرّخْ : «اكتبوا
بابُ القبولِ بمسجدِ العويضاتِ»٢٠٢١
واغفرْ إلهى لمنْ بنَى ولمن دعا
ولمن أقامَ فريضةَ الصلواتِ
ثم الصلاةُ على النبيّ وآلِهِ
عددَ السجودِ وسائر الركعاتِ
هذا حساب الجُمَّل وهو لكل حرف رقم فإذا جمعت حروف «اكتبوا باب القبول بمسجد العوضات» فإن مجموع أرقامهم ستعطيك سنة تجديد المسجد ٢٠٢١
وكانوا قديما يؤرخون به، حفظكم الله جميعا وقد حسبها عالم الرياضيات الحاج نصر الأنصارى الشاعر فوجدها مطابقة هذا العام.
ذكريات كروية
فى البيت المخصص لطلاب الماجستير والدكتوراه ببون ويقع فى شارع لينيه ويطل على أجمل حديقة فى بون وهى حديقة «هوف كارتن» التى تطل من الناحية الأخرى على نهر الراين، ومن الناحية الثالثة المبانى العتيقة بجامعة بون عندما كنتُ أدرس الدكتوراه آنذاك، وأما الناحية الرابعة فكانت لمبان حكومية حديثة. فى هذا المبنى ذو الطراز المعمارى الفريد نزلت، كان معظم الطلبة والطالبات من ولايات ألمانية خارج ولاية شمال الراين حيث تتبع مدينة بون، وبينما كنتُ أهمُّ بالخروج من المبنى صباحا فى 12يونيو 1990 بادرتنى زميلتى ريجينا على السلم: صباح الفراعنة قلت صباح الخير ثم قالت: سننزل جميعا إلى مسرح المبنى مساء لنشاهد مباراة مصر وهولندا اليوم... لا تقلق سأشجع مصر حتى لو لم تنتصر.. حظها سيء أنها وقعت مع هولندا، لم أشأ أن أدخل فى حوار معها لأن الوقت صباحا لا يسمح بالتباطؤ والتلكؤ، شكرتها وانصرفت للجامعة ولكن طوال الوقت أفكر كيف ستكون المباراة مساء؟.... يقع المسرح الصغير فى الطابق الثانى بالمبنى ويسع لمائة فرد بينما نحن فى المبنى ذى الأدوار الأربعة لا نتجاوز الخمسين، لكن ذهبت قبل الموعد فوجئت أن القاعة مملوءة تماما ونادى علىَ مارتن وهو شاب من ميونيخ يدرس الطب بجامعة بون وأحضر لى كرسيا لأشاهد المباراة وقال فى لكنة بارقة:
- كُن رياضيا وتقبّل النتائج بروح رياضية، ابتسمت وبدأت زميلتنا الإيطالية إيميليا ألفينو تشرح لنا ملعب ربنزو باربيرا، باليرمو بإيطاليا وتحولت بقدرة قادر من دراسة للألمانية بجامعة بون إلى معلقة رياضية متعصبة لبلدها إيطاليا ولا يخلق تعليقها من فكاهة، تقول: ها هى أمى فى الملعب إنها تشجع فى الشوط الأول مصر من أجل بدران وفى الشوط الثانى تشجع هولندا من أجل الشكولاته البيضاء، لكن المباراة بدأت، وبدأ الصمود المصرى أمام الأقدام الهولندية، كان الصمت مخيما على الجميع والأنوار خافتة، وفجأة تحولت القاعة إلى مشجعين لفريق الفراعنة بدأت أتمتم بأدعية فى سيرَّي، لم يقطعها سوى انتهاء الشوط الأول والنتيجة تعادل (صفر/صفر) وتحلق الجمع وكانت ريجينا أول من شجَع المصريين وقالت: لم أتخيل أن مصر تصمد شوطا كاملا أمام هولندا.. يا إلهي.. هل منحهم رمسيس أقدامه؟ وبدأ العجب والدهشة على الجميع، وأجمعوا أن أداء المنتخب المصرى أفضل من المنتخب الهولندي، لقد نسوا هولندا التى تبعد حدودها عدة كيلو مترات عن بون، صرتُ أكثر ثقة فى فريقنا، وأكثر فخرًا به، بدأ الشوط الثانى وفى الدقيقة 14 أدخل الهولنديون هدفا فى الشباك الفرعونية، وعمّ الصمت، لم يقطعه سوى اشتيفان الهولندى فرحًا، وسرعان ما ردت عليه إيميليا هل أنت موجود هنا؟ طننت أنك اختبأت بالهرم وهربت، وعاد الصمت حتى الدقيقة 38 التى أدخل فيها مجدى عبدالغنى هدف التعادل لتصيح القاعة وكأننا فى مقهى بالعتبة أو قنا، كانت الحناجر تهتف مصر.. مصر.. وراحت مارينا الفرنسية تزغرد فى أذنى زغرودة ذكرتنى بزغرودة فرح صعيدي... يا إلهى كم كانت ذكريات جميلة..
من جمالات إلى مادُونّا
فى مجالس الجامعة التى أحضرها نوافق على تغيير أسماء بعض الطلاب الذين رفعوا دعوى لتغيير اسمائهم بعد رفعهم دعاوى وصدور أحكام قضائية بتغيير أسمائهم مما يتطلب تغيير جميع شهاداتهم الدراسية وغير ذلك من الأوراق الثبوتية؛ ولا اعتراض على حرية الإنسان فى تغيير اسمه، فقد قلت فى إحدى قصائدى مِن قبل :
«فاختر اسمك
واحفر اسمك فى كفك
لا تترك قومك يختارونه
فسيفنى جسدك
وسيبقى اسمك
فلماذا تفنى أنت ويبقى ما اختاروه؟»
لكن لفت نظرى أن أسماء جميلة يود حاملوها تغييرها، فجمالات قررت أن تغيّر اسمها إلى «مادونا» و«خضرة» غيرّت اسمها إلى «نور» و«ليلى» غيرت اسمها إلى «شاكيرا» وهذه الأسماء التى تغيّرت هى أسماء جميلة ولكن كل واحد حر فى اسمه.
فى النهايات تتجلى البدايات
أنا أنسى
أنا يا صاحبى أنسى
وأنسى أننى أنسى
وإنسانى هو المشتقّ من نَسْيٍ،
فكنْ يا نسْيُ مُلتَمَسا
و عُدْ يا صاحِ بالذكرى
فيومى قد غدا أمْسَا
سأنسى أننى أنسَى

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة