د. مصطفى عبد المعطى خلال حواره مع «الأحبار»
د. مصطفى عبد المعطى خلال حواره مع «الأحبار»


بعد فوزه بجائزة النيل..

مصطفى عبدالمعطي لـ«الأخبار»: يكفيني الفوز بجائزة تحمل اسم مصر

د. طارق عبدالعزيز

الخميس، 24 يونيو 2021 - 08:57 م

لأكثر من 60 عامًا داعب خياله صورة الإنسان المصرى القديم وكان هو محور خطوطه التعبيرية، وخلال تلك السنوات أصبح المصرى هو قضيته وشغله الشاغل.. كيف يصوره ويتأمله مستقبلًا؟ هذه السنوات تمثل مشوار د. مصطفى عبد المعطى فى محراب الفن التشكيلى، وتقديرًا لهذا المشوار منحته الدولة جائزة النيل فى الفنون.

والفنان عبد المعطى تخرج فى الدفعة الأولى بقسم التصوير بكلية الفنون الجميلة 1962، وحصل على الماجستير عام 1972، ودرجة الأستاذية فى الفنون من أكاديمية سان فرناندو جامعة مدريد، ودبلوم التصوير الجدارى من أكاديمية سان فرناندو جامعة مدريد إسبانيا 1977، ودبلوم الترميم فى التصوير الزيتى من نفس الجامعة عام1977، عمل بالثقافة والمشرف العام على المركز القومى للفنون والآداب (المركز القومى للفنون التشكيلية حاليًا)، ثم وكيلا أول لوزارة الثقافة ورئيسًا للأكاديمية المصرية للفنون بروما من 1988 حتى 1996، ويعمل حاليًا أستاذا متفرغا بقسم التصوير بكلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية.

أنشأ قاعة النيل (قصر الفنون) عام 1984، وبينالى القاهرة الدولى 1984، ومجمع محمود سعيد بالإسكندرية، ومتحف الفن المصرى الحديث بالقاهرة عام 1985، كما أقام الكثير من المسابقات منها: مسابقة مختار فى النحت، مسابقة التصوير الجدارى، ومن أهم الجوائز التى حصل عليها: جائزة الدولة التقديرية فى الفنون عام 2001، وجائزة النيل للمبدعين فى الفنون عام 2020..  وعلى مدار ثلاث ساعات حاولت أن أقترب من هذا العالم وأتلمس تاريخه ورحلته الإبداعية، وقصدت أن يكون حوارى معه فى مرسمه الخاص بحى جانكليس بالإسكندرية فى محاولة للاقتراب منه ومن عالمه الفنى، فهو يطرح باستمرار قضاياه التشكيلية بمفهومه ورؤيته الخاصة التى جعلته يحتل مكانة بارزة بين أبناء جيله.

الفن التشكيلى يحصد 3 جوائز للنيل «متتالية» ولم يلفت نظر برامج التوك شو!

أدين بالفضل للإنسان المصرى القديم
تنافس عمر خيرت معى على الجائزة وأول من هنأنى

بداية سألته: ماذا تعنى لك جائزة النيل وهل هذه أهم جائزة فى مشوارك؟

نعم هى أهم جائزة بعد حصولى على التقديرية عام 2001، ويكفى أنها جائزة باسم مصر، وتعتبر تتويجا لمشوارى الطويل، وهذا تقييم يحدثنى ويحدث جموع الفنانين: انه برغم الظروف الصعبة التى تمر بها بلدى والعالم أجمع، إلا انها لاتنسى مبدعيها فى كل المجالات، واعتبر الجائزة شيئا استثنائيا وهو احتفاء بكل التشكيليين، ويكفى أن أقول لك إن هذه ثالث سنة على التوالى يحصل الفنان التشكيلى على جائزة النيل من بين جموع المبدعين فى مختلف المجالات.
عمر خيرت هنأنى 

هل كنت تتوقع التتويج بالجائزة هذا العام؟

لم أتوقع، لكن أنا رشحت بالفعل أكثر من مرة ومن عدة جهات، وهذا العام تم ترشيحى من قبل رئيس الجمعية الأهلية للفنون الشعبية، والحقيقة لم يطلبوا منى أى أعمال فنية لترفق بورق الترشح، لكنهم طلبوا منى تقديم السيرة الذاتية فقط، وأود أن أوضح أنه بصرف النظر عن فوزى بالجائزة، فليس بالضرورى أن يكون الفائز هو الفنان الأفضل، فمصر مكتظة بالفنانين والمبدعين فى مختلف المجالات الذين يستحقون التكريم، لكن بالتأكيد هى جائزة واحدة كل عام، وكنت أنا الفائز هذه المرة، واعتبر هذا تكريما رفيعا للتشكيليين بشكل عام.

أول تهنئة وصلتك من من؟ 


أول تهنئة كانت من د. أحمد مرسى رئيس الجمعية الأهلية للفنون الشعبية، ثم د. إيناس عبد الدايم وزير الثقافة، والفنان فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق، والعديد من الأساتذة والزملاء والتلاميذ.

لمن تهدى الجائزة؟

أهديها لكل فنان تشكيلى جاد، فهذا تكريم لهم جميعًا من الدولة، وليس لشخصى فقط.

هل تعلم أن الفنان عمر خيرت هو الذى كان ينافسك على الجائزة؟

علمت بعد ذلك.. وهو فنان جميل ورائع، وهنأنى عقب إعلان النتيجة وهذا ليس بجديد على فنان بهذا الحجم.. والحقيقة هو أيضًا يستحق الجائزة.. وبالصدفة أنا مصور وهو موسيقي، والموسيقى هى أقرب فن للتصوير.

التوك شو فى غفلة!

تطورات وانشاءات عديدة تشهدها مصر فى هذه الآونة على يد الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى يؤمن بدور ورسالة الفنون.. كيف تراها؟

أوافقك، وأضيف انه لولا اهتمام الدولة بالإبداع والمبدعين بشكل عام فى نفس الوقت الذى تبنى وتشيد وتطور، ستجد أن الانسان هو أول من سيهدم ذلك لعدم إيمانه بالإبداع، ولكن أنا أطالب بأن يكون الاهتمام أوسع وأشمل وأن يكون الاعلام مسئولًا أيضًا عن تبنى الابداع والثقافة، ويجب أن ندرك أن غياب المبدعين عن الإعلام وتثقيف الجمهور خلّف لنا نوعية جديدة علينا أمثال حسن شاكوش، فيجب على وسائل الاعلام الرسمية أن تهتم بالفنون الرفيعة من خلال بعض القنوات الثقافية كالمسرح والشعر والموسيقى والفن التشكيلى، ويجب أن يعلن عن وقت إذاعة ذلك وليس بالصدفة اشاهد برنامجا أو مسرحية أو ندوة، وأتساءل: لماذا لم نشاهد فنانا تشكيليا ضيفًا على أحد برامج التوك شو الجماهيرية..ليعلم الجمهور ماهية هذا الفن الرفيع؟

موكب المومياوات أبهر العالم فى تحد جديد رغم ظروف الوباء التى شلت معظم دول العالم.. ما تحليلك؟

الموكب كان رائعًا فى كل شىء، التصوير والاخراج والحركة والأداء والإضاءة.. ولكن يجب أن نعلم أن موكب المومياوات لم يكن الاهتمام به صدفة، المصريات فى العالم كله لها صدى غير طبيعى، ونحن لانراه هنا جيدًا، لكن عندما تتجول فى دول العالم وتسمع ما يقولونه عن عظمة الحضارة المصرية ستشعر بالفخر، فهم يدرّسون الدرس الأول فى أوربا وأمريكا فى مدارس الأطفال عن الحضارة المصرية، وأذكر لك موقفًا عندما كنت أعمل بقطاع الفنون، واثناء رحلتى إلى أمريكا وجدت الكثير من العائلات الأمريكية لها تقاليد خاصة تجاه ضيوف البلد، حيث تسجل تلك العائلات اسمها لدى الدولة وتعرب عن استعدادها لاستضافة ضيوف البلد لمدة 3 أيام، وكنت أنا ضيفا على إحدى الأسر، وكان من ضمن أفراد الأسرة بنتان صغيرتان فى سن 13 سنة، ووجدت فى حجرتيهما 5 كتب كبيرة عن المصرى القديم والحضارة المصرية، ورأيتهما ينتظراننى بشغف لسؤالى عن الحضارة المصرية ومحتوى الكتب، وأتمنى أن أجد ما شاهدته هناك فى كل بيت مصرى.. لنزرع الانتماء فى أطفالنا.

تكريم فاروق حسنى

مصر تستعد لأكبر حدث عالمى وهو افتتاح المتحف المصرى الكبير الذى أطلق شرارته الفنان فاروق حسنى، كيف ترى هذا اليوم؟ 

المتاحف العالمية الكبرى مثل متحف اللوفر على سبيل المثال أعظم جناح بها هو الجناح المصرى القديم، وهو فعليًا أهم جناح فى كل المتاحف الأخرى، وآن الأوان أن يكون فى مصر أعظم متحف للآثار فى العالم، وبإذن الله سيكون المتحف الكبير درة المتاحف فى العالم لموقعه الفريد ومحتوياته النادرة التى تحكى عظمة الحضارة المصرية.

هل توافقنى الرأى أنه آن الأوان لتكريم الفنان فاروق حسنى بهذه المناسبة ؟

أتفق معك تمامًا فى فكرة تكريم هذا الفنان بوسام خاص، فله الفضل بعد الله فى هذا الحدث، والحقيقة هو مبدع تشكيلى ومبدع ثقافى، ولا ننسى أنه صاحب فكرة متحف الحضارة أيضًا، والحقيقة أن فكرة المتحف الكبير وحدها تستحق أن يكرم عليها تكريمًا خاصًا.. ونقول له شكرًا.

لا أوافق على عودة «الراهبة»!

هل متحف الفن المصرى الحديث الذى أنشأته عام 1985 يليق بتاريخ مصر التشكيلى حاليًا؟ أم نحتاج لمتحف جديد على غرار المتحف المصرى الكبير؟


بالتأكيد نحتاج لمتحف اخر، والحقيقة ان المتحف الحالى لم يكن متحفًا من البداية ولم ينشأ لهذا الغرض، لكن كان هذا المبنى ضمن أرض المعارض القديمة، وبعد اقامة اخر معرض به للهيئة المصرية العامة للكتاب، طالبت من وزير الثقافة آنذاك محمد عبد الحميد رضوان بأن نأخذ المكان ونجهزه ليكون متحفًا، فلا يليق أن يكون المتحف فى موقعه الحالى وكان بإحدى الفيلات فى ميدان فينى، ووافق الوزير، وأيضًا وافق على طلبى بتخصيص مبنى آخر ليكون مقرًا لنقابة التشكيليين بديلًا للمقر الذى كان بمتحف المنسترلى بالمنيل، وتم عرض ذلك على رئيس الجمهورية حسنى مبارك وقت وضع حجر الأساس لبناء دار الأوبرا، ووافق الرئيس على الطلبين.

هل نحتاج لسياسة جديدة فى المعرض العام .. خاصة ان هناك مشاكل مستمرة من النظام الحالى رغم الجهود المبذولة من قطاع الفنون التشكيلية؟

المعرض يحتاج إلى لجنة فرز منتقاة من كبار الفنانين المشهود لهم بالكفاءة، وليس بالضرورى أن يكونوا من الأكاديميين، ويجب أن تضم اللجنة على الأقل اثنين من النقاد القائمين على الحركة التشكيلية، وهذا موجود فى معظم دول أوربا، وعلى الجانب الآخر أطالب الأساتذة بأن يحسنوا اختيار الأعمال التى يتقدمون بها للمعرض.

فاروق حسنى قال لى إن الأفضل ألا تعود لوحة الراهبة من أمريكا .. ما رأيك؟

أنا أتفق معه، فقد زرت مقرات عديدة للسفارات المصرية بالخارج ووجدت فى بعضها نسخا رديئة من الأعمال الفنية، وهذا لا يليق بالفن المصرى، وبالتالى يجب أن تعرض فى سفاراتنا أصول وليس نسخا لأنهم هناك يقدرون الفن التشكيلى، وخاصة أن المترددين على السفارات المصرية شخصيات كبيرة وتأخذ انطباعا عن الفن التشكيلى المصرى من هذه الأعمال المعروضة.

فوضى ثقافية!

ماذا ينقص العملية الإبداعية فى مصر؟

نحتاج إلى توفير خامات الرسم والفنون بشكل عام بأسعار مناسبة، وللأسف الدولة تعتبر أن أدوات الرسم رفاهية، وهذا ليس بصحيح، فنحن فى حاجة لفتح الاستيراد لتلك الأدوات وليس غلقها ليكون هناك أكثر من عرض، وأذكر أن الكلية كانت تسلمنا الورق والألوان مجانًا وأنا طالب لتشجعنا على الابداع.

هناك تقصير من الاعلام تجاه الفن التشكيلي .. ما تفسيرك؟

الاعلام هو السبب فى هذه الفوضى الثقافية، الاعلام يركز فقط على المطربين والممثلين، وتناسى متعمدًا باقى أعضاء العملية الابداعية.. وهذا تسبب فى تشوه وتهميش الفن التشكيلى الذى يعد ركنًا أساسيًا فى كل شىء.

لماذا لا يحصل الفنان التشكيلى على وضعه رغم انه محور أساسي فى عمليات البناء والتطوير؟

فى إيطاليا على سبيل المثال الشوارع والمؤسسات الحكومية والخاصة من الضرورى أن تجد فى كل منها فنانًا تشكيليًا، فى الشارع يكون مسئولًا عن المظهر العام ووضع الاعلانات ولا يجوز أن يطلى كل مالك منزل بلون ما دون الرجوع إليه ليظهر الشارع فى أبهى صورة، والمؤسسات والشركات يكون فى كل منها فنان تشكيلي يعمل مستشارًا فنيًا ويساهم فى وضع اللمسات فى أركان المؤسسة ويتم استشارته فى مثل هذه الأمور، والحقيقة أنا شاهدت فى روما القوة فى تنفيذ ذلك ورأيت احد المحلات تجاوز بفترينة محله لمسافة 10 سم فقط، وقامت الحكومة بهدمها فورًا بعد انذاره.. لذا أطالب الدولة بتدريس التذوق الفنى فى مراحل التعليم المختلفة من المدرسة وحتى الجامعة.

نظام  فاشل

هل ترى ان نظام امتحانات قدرات الفنون الحالى يفرز المواهب أم يقضى عليها؟

أرى أن نظام امتحانات القدرات الحالى نظام فاشل ويجب العمل على تغييره فورًا، لأنه لا يفرز الموهوبين بكل تأكيد، لأن الامتحان الحالى لا يظهر لى قدرات الممتحن ومدى موهبته، ويجب أن يكون الاعتماد فى القبول بكليات الفنون على الموهبة أولًا وليس المجموع، لإننا بهذه الطريقة سنفقد المواهب الحقيقية.

ما تعليقك على ما يحدث فى نقابة التشكيليين والهجوم المستمر على النقيب؟

أتعجب كثيرًا مما يحدث فى نقاباتنا، وأطالب الفنانين بأن يدعموا النقيب والمجلس، فالجمعية العمومية من اختارتهم ومن حقهم أن يأخذوا فرصتهم كاملة ويجب علينا جميعًا أن ندعمهم لأن نجاحهم نجاح لنا جميعًا والفشل سيعود علينا جميعًا أيضًا، ومن لديه أفكار للنهوض فليتقدم بها أو ينتظر ويترشح فى الدورة القادمة.

من من الأساتذة له فضل عليك؟

الإنسان المصرى القديم له الفضل الأول، ثم الأساتذة الكبار أمثال: أحمد عثمان، محمود سعيد، حامد عويس، حامد ندا.

رسالة تحب أن توجهها.. لمن ستكون وما محتواها؟

أوجهها لكل فنان وأقول له: عليك أن تجتهد وتبحث كثيرًا، ولا تسع للحصول على جائزة لأن هذا ليس له علاقة بالفن، بالتأكيد الجائزة ستصل إليك دون أن تسعى إليها.
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة