إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد


مصر الجديدة :

الألــــم

إبراهيم عبدالمجيد

الخميس، 24 يونيو 2021 - 09:31 م

للألم أوجه كثيرة أصعبها هو الألم الروحي، الذى يمشى مع الإنسان لسنوات طويلة، ولا يستطيع أن يبوح به إلى أحد. البوح طريقة من طرق إزالة الألم، لكنه يستمر مادام لا يزال مصدره. يتنقل الإنسان فى حياته بين كثير من حالات الألم الروحي، أحيانا تكون سنوات، وأحيانا شهورا، وأحيانا ليوم واحد. لا أنسى مشهد ساعة الإفطار فى شهر رمضان الكريم منذ سنوات طويلة، وشاب يقف فى الشارع يقول لزوجته الشابة «علشان خاطر ابننا ارجعي، أنا ربنا حيفرجها عليّ، وحاقدر أجيب لكم أكل وشرب زى ما انتم عايزين» وهى ترفض العودة، ثم أسرعت وقد تركته يبكي. كان يبكى كما أكاد أبكى أنا الآن، وأنا أكتب وأحس به رغم السنين. ولا أنسى يوما فى السبعينيات، وأنا عائد إلى بيتى فى حدائق القبة ذلك الوقت، بعد منتصف الليل ماشيا فى شارع الملك الخالى، وكيف قابلت امرأة فى حوالى الستين من العمر تصرخ» يارب يارب يارب مالناش غيرك». مثلهما كثيرون قابلتهم صدفة فى الحياة، ولا أحد منهم حين وقفت أمامه قال لى شيئا مما يؤلمه، بل مشى حزينا فى طريقه لا يراني. الأزمات المالية هى مصدر من مصادر الألم الروحى الكبير للآباء والأمهات، أكثر كثيرا جدا مما هى للشباب العزاب، وهى للأسف لا تنتهي. تنتهى بالنسبة لشخص لكنها تسكن بيوت الآخرين. قصص الحب حين تفشل تكون من أكبر مصادر الألم، وأكثر الناس مرّ بها، فالحب الأول الذى لا يُنسى، كثيرا ما يكون اكذوبة، لكن الألم يقل حين تتجدد القصة مع آخر أو مع أخرى. قابلت بعض الأصدقاء زمان كانوا يقومون بفكرة البديل بعد أن تفشل قصص حبهم، واندهش وما ذنب البديلة التى ستفشل قصة حبها. كنت أدرك أنهم لم يكونوا يحبون حقا، فالحب يمنع المحب من الانتقام من الحبيب أو غيره، فكيف تتسبب بعد ضياع ما تسميه حبا، فى ألم حبيب آخر لا ذنب له إلا أنه صدقك. الألم أيضا حين يدخل المرض بيتك ويطول بمن تحب، وتكون أنت الذى عليك مراعاة المريض كل يوم، ولا ينقذك إلا تدخل الله فيرفع روح المريض إليه، وما تلبث أن تمضى فى الحياة، رغم أنى رأيت الكثيرين يلحقون بأحبتهم بعد الموت. زوجات وأزواج كثيرون عاشوا فى ألم بعد فراق الزوج أو الزوجة، ولم يجدوا ملاذا إلا الصعود معه أو معها قبل أن يمرّ العام. تفاصيل كثيرة وتجليات كثيرة للألم يمكن الاسترسال فيها، لكن فى النهاية تدرك أن الألم هو قطار الموت مهما قلّت سرعته. هكذا تبدو الحياة قطارا مسرعا أو بطيئا لكن محطاته هى الألم. يوما ما كنت أكتب خطابات أتحدث فيها عن آلامى لأتخلص منها، ثم أمزقها، والآن ظهرت الميديا وكثيرون يبدون عليها صورا من آلامهم، لكنى لا أفعل مثلهم، كما أنى لم أعد أكتب الخطابات، رغم أن الألم لا يبتعد عني. علمتنى الحياة أن كل دعوات الخلاص من الألم لا قيمة لها أمام ارادة الله. هو وحده الذى يحمل همّك. لذت دائما بكلمة أبى رحمه الله « يحلّها من لايغفل ولا ينام، وتبات نار تصبح رماد» التى ترددت كثيرا على لسان مجد الدين، الشخصية الرئيسية فى روايتى «لا أحد ينام فى الإسكندرية». أراحتنى كثيرا فى حياتى لكن للأسف كلما مرّ الزمن، تأكد لى أن الألم هو كما قلت قطار الموت الذى لا نراه، ولا نعترف به من فرط رغبتنا فى الحياة الكاذبة. ربما خفف الله عنى أيضا بما أكتبه. بل كانت بعض رواياتى نجاة من الألم، لكن ماذا لو كانت مرَّت الحياة دون ألم أو كتابة، هل كان سيشعر أحد ؟

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة