إنسان نياندرتال - موقع sci-news
إنسان نياندرتال - موقع sci-news


حكايات| البشر الآخرون.. كيف قاد عنف الإنسان لـ«الانقراض الجماعي»؟

محمد رمضان

الجمعة، 25 يونيو 2021 - 11:24 ص

قبل مئات الآلاف من السنين كان إنسان (نياندرتال)، ذلك الصياد ذو الجسم الممتلء، قد تكيف مع الأجواء الباردة في أوروبا، بينما أبناء عمومتهم الغامضون (دينيسوفان) يسكنون آسيا، وثالثهما الإنسان (الروديسينسيس) في وسط إفريقيا.

 

ومع توالي الاكتشافات، تبين أن الإنسان المنتصب الأكثر بدائية عاش في إندونيسيا، لكن كل هذه الأنواع البشرية دخلت في دوامة الانقراض الجماعي قبل 10 آلاف عام، بحسب دراسات عالمية مختلفة.

 

لكن الأمر المحير أنه لا توجد كارثة بيئية واضحة كالانفجارات البركانية أو تغير المناخ أو تأثير كويكب قد تقف خلف هذا الانقراض الجماعي، أما المثير أن توقيت الانقراضات يشير إلى أنها كانت ناجمة عن انتشار نوع جديد من البشر.

 

اقرأ أيضًا|  بأي لغة كلم الله نبيه موسى؟.. ليست «العربية»

 

وفق تقرير لموقع (sci-news) فإن انتشار البشر المعاصرين خارج إفريقيا تسبب في الانقراض الجماعي السادس، وهو حدث استمر لأكثر من 40 ألف عام يمتد من اختفاء ثدييات العصر الجليدي إلى تدمير الحضارة للغابات المطيرة، ويبقى السؤال: هل كان البشر الآخرون هم أول الضحايا؟

 

 

تصنف البشر على أنها كائنات خطرة بشكل فريد، فقد ظل الإنسان يصطاد في الماموث الصوفي وكسلان الأرض حتى انقضرت جميعا، كما تم تدمير السهول والغابات من أجل الزراعة، وجرى تعديل أكثر من نصف مساحة اليابسة على كوكب الأرض، وهو ما قاد في النهاية إلى التغير المناخي.

 

ولعل الأكثر خطورة بين البشر أنفسهم هو صراعهم على الموارد والأرض، والتاريخ مليء بأمثلة لأشخاص حاربوا وشردوا وسحقوا مجموعات أخرى لنزاع على الأراضي، بداية من تدمير روما لقرطاج إلى الاستعمار البريطاني لأستراليا، فضلا عن عمليات إبادة جماعية وتطهير عرقي في البوسنة ورواندا والعراق ودارفور وميانمار.

 

هنا يمكن القول أن القدرة على الإبادة الجماعية والميل إلى الانخراط فيها جزء جوهري وغريزي من الطبيعة البشرية، وليس هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن الإنسان الأول العاقل كان أقل عنفًا وتعصبًا أو أقل إقليمية (يكتفي بمحيطه).

 

 

لقد رسم المتفائلون الصيادين الأوائل على أنهم متوحشون مسالمون ونبلاء، وآمنوا في الثقافة وليست الطبيعة البشرية هي التي تخلق العنف، لكن الدراسات الميدانية والحسابات التاريخية وعلم الآثار تظهر جميعها أن الحرب في الثقافات البدائية كانت شديدة وواسعة الانتشار وقاتلة.

 

كانت أسلحة العصر الحجري الحديث مثل الهراوات والرماح والفؤوس والأقواس، جنبًا إلى جنب مع تكتيكات حرب العصابات مثل الغارات والكمائن فعالة بشكل مدمر، كما كان العنف هو السبب الرئيسي للوفاة بين الرجال في هذه المجتمعات، وشهدت الحروب مستويات إصابة الفرد أعلى من الحربين العالميتين الأولى والثانية.

 

وتظهر العظام والتحف القديمة أن هذا العنف قديم، فكينويك مان البالغ من العمر 9000 عام وهو من أمريكا الشمالية لديه رأس رمح مغروسة في حوضه. ويوثق موقع ناتاروك الذي يبلغ عمره 10000 عام في كينيا المذبحة الوحشية التي راح ضحيتها ما لا يقل عن 27 رجلاً وامرأة وطفلاً.
 

 

وتُظهر الهياكل العظمية لإنسان نياندرتال أنماطًا من الصدمات تتماشى مع الحرب، لكن من المحتمل أن الأسلحة المتطورة أعطت الإنسان العاقل ميزة عسكرية، وربما تضمنت ترسانة الإنسان الأول أسلحة مقذوفة مثل الرمح ورمي العصي والهراوات.

 

يؤكد نيك لونجريتش، كبير المحاضرين في علم الحفريات وعلم الأحياء التطوري بجامعة باث البريطانية أن لوحات الكهوف والمنحوتات والآلات الموسيقية تشير إلى شيء أكثر خطورة بكثير وهي قدرة متطورة على التواصل، أي قدرة الإنسان الأول على التعاون والتخطيط والاستراتيجية والتلاعب والخداع.

 

وتُظهر الحفريات أنه في غضون بضعة آلاف من السنين من وصولنا، اختفى إنسان نياندرتال، وتثبت آثار الحمض النووي له في بعض سكان أوراسيا أنه انقرض، ويبقى السؤال: لماذا قضى أسلافنا على أقاربهم مما تسبب في انقراض جماعي - أو ربما بشكل أكثر دقة  إبادة جماعية؟

 

وتمكن الإجابة في النمو السكاني؛ حيث يتكاثر البشر أضعافا مضاعفة، مثل جميع الأنواع، وتضاعف أعداد البشر تاريخيا كل 25 عامًا دون رادع. 

 

ببساطة فإن زيادة النمو، أو نقص الغذاء الناجم عن الجفاف، أو فصول الشتاء القاسية أو الإفراط في حصاد الموارد من شأنه أن يؤدي حتماً القبائل إلى صراع على الغذاء وأراضي للبحث عنه، أي أن الحرب أصبحت ضابطًا على النمو السكاني.

 

وفي عام 2016، اكتشف علماء في منطقة تسمى ناتاروك تبعد 30 كيلومترا إلى الغرب من بحيرة توركانا بشمال كينيا حفريات تخص 27 شخصا من العصر الحجري الذي شاعت خلاله حضارة الإنسان الذي عاش آنئذ على الصيد وجمع الثمار.

 

وعثر على حفرية رجل لا تزال ترقد بجمجمتها صفيحة حادة من الزجاج البركاني الأسود الذي يسمى أوبسيديان ووجدت جروح برجل آخر ناجمة عن ضربتين في الرأس ربما كانتا بهراوتين ما أدى إلى تهشم جمجمته. وعثر أيضا على امرأة في شهور الحمل الأخيرة يبدو أنها كانت مقيدة الأيدي والأقدام، وأصيب الضحايا أيضا بجروح ناجمة عن تعرضهم للضرب بأجسام حادة في العنق والجمجمة والأيدي والركب والضلوع.

 

 

وعن ذلك، تحدثت مارتا ميرازون لار عالمة الأحياء القديمة بجامعة كمبردج قولها إن هذه الشواهد توضح أن هؤلاء الأشخاص كانوا يصيدون الحيوانات والأسماك ويجمعون الثمار القابلة للأكل وقد تعرضوا للذبح في هجوم عمدي على أيدي مهاجمين ربما كانوا من منطقة أخرى.

 

وقالت ميرازون لار "إنه اعتداء بدني وحشي قاتل بنية قتل هؤلاء الأفراد ممن كانوا قد أبدوا دفاعا أو شنوا هجوما مضادا أو ربما كان لا يعنيهم أمرهم في شيء سواء كان رجلا أم امرأة في شهور حملها الأخيرة وسواء كانوا صغارا أم كبارا".

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة