عمرو الخياط
عمرو الخياط


نقطة فوق حرف ساخن

٣٠ يونيو.. ما وراء الثورة

عمرو الخياط

الجمعة، 25 يونيو 2021 - 08:42 م

 

ضمن أحد تعريفات الثورة أنها الخروج على الوضع الراهن وتغييره بدافع يحركه عدم الرضا، هكذا غالبا ما تكون الثورات إلا أنها فى معظم الأحوال تنتهى لحالة من الحركة العشوائية تقود إلى سيناريوهات المصائر المجهولة، التى قد تؤدى إلى ردة ثورية تنتج أوضاعا أسوا مما كانت الجماهير تريد تغييرها.
وحدها ثورة ٣٠ يونيو ولدت ناضجة منذ اللحظة الأولى، لم تعرف فترات المراهقة السياسية ولم تتورط فى أوهام الرومانسية الثورية، بل خرجت إلى النور محمولة على سواعد الأب الشرعى لها فلم تكن أبداً لقيطا سياسيا بل كانت ثورة الدولة وثورة الإنقاذ الوجودى، وبينما كان الشعار من قبل «الثورة مستمرة»، فإن ثورة يونيو كان شعارها المستديم «الدولة مستمرة».
منذ  بدايتها كانت «٣٠ يونيو» مدركة لهويتها وأهدافها، فلم تتورط فى أى لحظة فى خطيئة فقدان السيطرة على المد الثورى، بل نفذت خريطة ثورية زمنية لم تكن لتبدأ إلا إذا أخضعت الثورة ذاتها لإرادة الدولة ولم تستعل عليها.
لقد كان السؤال الثورى المحورى لحركة ٣٠ يونيو هو ما الذى وراء الثورة؟، لماذا قامت، وكيف ستحقق ما قامت من أجله؟.
حالة الإدراك الثورى أنتجت إدراكاً فورياً للأهداف ولآليات تحقيقها قادت إلى حالة توحد جماهيرى مع المؤسسات الوطنية من أجل تحقيق الآتى: 
>> التصدى للإرهاب الذى انطلق بشراسة نحو كيان الدولة المصرية.
>> الإقناع بالعدالة الثورية لـ٣٠ يونيو خاصة بالمحافل والأروقة الدولية.
>> الخضوع لإجراءات تثبيت أركان الدولة.
هكذا امتلكت ثورة ٣٠ يونيو أدواتها واحترفت استخدامها بعد أن ترفعت عن الاستغراق فى جمع الغنائم الثورية، واتخذت من الدولة قبلة ترضاها.
إدراك ٣٠ يونيو لحقيقة كونها وسيلة حتمية من أجل الإنقاذ اختصر زمنا من التخبط السياسى أو الصراعات المخلفة عمدا، هذا الإدراك الثورى جعلها «ثورة الإخلاص» والترفع عن الأهواء الشخصية، ولذلك ظلت محتفظة بقيمتها فى وجدان المصريين، إلا أن حركتها الثورية توقفت حيث بدأت الدولة دورها المؤسسى المنضبط بقواعد القانون والدستور، فتأكد المعنى أن ما وراء الثورة كان جزءا من فلسفتها الأولى.
أفرزت هذه الفلسفة إرادة جماهيرية ومؤسساتية للانتقال اللحظى من مرحلة المد الثورى إلى مرحلة البناء مباشرة.
لقد كسرت ٣٠ يونيو مفهوما جماهيريا تقليديا جعل تلك الجماهير أسيرة لسنوات لمفهوم إدراكها لما لا تريد لكنها تظل حائرة لإدراك ما تريد وكيف تحققه.
لكن ثورة الدولة كانت مدركة ومصرة على مراحلها المتعاقبة إنقاذا وتثبيتا وبناء، فنفذت تلك المسارات تنفيذا متوازيا فى نفس التوقيت مستمدة ذلك من قوة ذاتية منحت الدولة حقا حصريا للتشغيل والإدارة الرشيدة لما بعد الحالة الثورية.
لقد بدأت الثورة مرحلة فورية جديدة بعدما منحت الدولة إذنا وتفويضا بالإدارة، لكن ذلك ليس معناه توقفا للحركة الجماهيرية بل حتمية انتقالها من مرحلة الفعل الثورى إلى مرحلة الفعل المؤسسى المتمثل فى مسئوليات قانونية محددة لن تحقق نتائجها إلا بأداء جميع الأطراف لأدوارها العملية، دون التورط فى الاعتقاد الخاطئ بأن الحالة كانت مقتصرة على أدوار ثورية غالبا ما تكون مغلفة بشعارات رومانسية قد تتسبب فى صدام مع حالة ما بعد المد الثورى، خاصة إذا ظل البعض أسيرا ومنتظرا فى مرحلة الحصول على مكافأة مشاركته فى إنقاذ وطنه!
ما وراء ٣٠ يونيو قيمة عظيمة بحجم عظمة هذه الدولة التى استولى على حكمها فى لحظة غيبوبة فكرية تنظيم عصابى إرهابى، ارتكب كل الفواحش الوطنية ومارس التخابر قبل وأثناء وبعد الوصول إلى الحكم.
فإذا كان هناك من أصابه الملل أو التذمر بعد أن أرست ثورة الدولة الوطنية قواعدها، فإنه لا يمكن وصفه إلا ببعض التوصيفات المحددة، فهو إما قد كان مشاركا فى قطيع ثورى توهم أنه يدرك ما لا يريد دون بذل عناء البحث عما يريد، أو أنه كان يمارس التنزه الثورى وإرادته قد عقدت العزم على عدم تحمل المسئولية، أو ربما غير مدرك لفلسفة ٣٠ يونيو لأنه يعانى أساسا من قصور فى إدراك القيمة الحقيقية للدولة الوطنية المصرية، ومن الممكن أن يكون معتقدا بأن العمل الثورى هو قيمة فى ذاتها لا تستوجب عناء التفكير فى مرحلة ما بعد الثورة، وكيف ستدار آثارها وتداعياتها على مؤسسات الدولة؟!.
جميع الفرضيات السابقة ليس لها فرصة لاعتذارات مقبولة، لأن من تلا بيان الثالث من يوليو باسم الشعب المصرى أعلن عن خارطة طريق محددة الخطوات، ثم استجاب للنداء بالنزول لغمار الانتخابات فجاء مكلفا باستحقاق دستورى مستند لشرعية قانونية مقيدة وليست ثورية مطلقة.
فقبل التكليف ليستقبل مسئوليته التاريخية كمن قذفت الدولة فى وجهه ككرة لهب مستعرة تكاد تكون عملية الإمساك بها شبه مستحيلة، وليس هناك خيار لإفلاتها، ولكن المسئولية الوطنية لا يمكن أن تتيح خيارا لتجاهل قسوة آلام ألسنة اللهب المنبعثة من دولة كانت مشتعلة، كما أن الضمير الوطنى لا يقبل حملات الجلد لمن أسرع نحو وطنه لإطفاء النيران التى أحاطت بسرادقه من كل اتجاه بينما هناك من احترف النظريات والتنظير الذى منحته فرصة التقهقر السياسى إلى الخلف فلم يعد يشعر بحرارة اللهيب فظن أن النيران قد خبت وأن الأمور على ما يرام بفعل شعاراته الثورية وليس بفعل رجل الإطفاء الذى أصابته وعثاء النيران ولايزال يمارس عمليات التبريد التى تقضى على أى فرصة لانبعاث اللهب.
 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة