الرئيس الصينى جين بينج ونظيره الأفغانى
الرئيس الصينى جين بينج ونظيره الأفغانى


بعد قرار بايدن بإنهاء أطول حرب خاضتها أمريكا

الصين فى أحضان أفغانستان

آخر ساعة

الأحد، 27 يونيو 2021 - 10:32 ص

 

دينا توفيق

فى 13 أبريل الماضي، أعلن الرئيس "جو بايدن" عن انسحاب جميع القوات الأمريكية المتبقية من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر القادم.. ويأتى هذا الإعلان مع ذكرى مرور عشرين عامًا على هجمات الحادى عشر من سبتمبر؛ التى على إثرها أعلنت الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب وبدأت الحرب الأفغانية التى أطاحت بحكم طالبان وطردت تنظيم القاعدة من هناك مؤقتًا.. عقدان من الزمن، تحولت فيهما الحرب إلى كابوس يؤرق الأمريكيين؛ خسائر فى الأرواح فى صفوف الجيش الأمريكى والأفغانى بالإضافة إلى الوفيات "غير المباشرة" الناجمة عن الفقر والمرض، والعواقب الاجتماعية والاقتصادية لحرب وصلت كلفتها إلى تريليونى دولار.. ولكن هل سيكون الانسحاب نهاية للوجود العسكرى فى أفغانستان، وماذا يعنى القرار بالنسبة للصين؟.

عند إعلان بايدن عن خطته للانسحاب، التى بدأت فى التنفيذ وفقًا لقائد القوات الأمريكية والقوات المتحالفة فى أفغانستان الجنرال "سكوت ميللر"، قال الرئيس الأمريكى إن واشنطن بحاجة إلى مواجهة الصين، التى حددها البنتاجون مؤخرًا على أنها "التهديد" الأكبر للبلاد. وبالنظر إلى موقع أفغانستان فى آسيا الوسطى وحقيقة أنها تشترك فى حدود قصيرة مع إقليم "شينجيانج" الصيني، ومع إدراج الجيش الأمريكى فى عقيدته رسميًا ضرورة التحضير لـ"صراع القوى العظمى"؛ ستحتفظ الولايات المتحدة بلا شك على الأقل بوجود وكالة الاستخبارات المركزية فى البلاد، بالإضافة إلى الطائرات بدون طيار وشبكات التجسس؛ غير أن قرار بايدن ينص على سحب 2500 جندي، ولكن البنتاجون لديه بالفعل حوالى ألف جندى آخرين على الأرض أكثر مما أُقر علنًا، ينتمون إلى القوات الخاصة تحت قيادة وزارة الدفاع الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية، بالإضافة إلى أكثر من 16 ألف متعاقد أمريكى يمكن الاستعانة بهم لتدريب القوات الحكومية الأفغانية. ويشير المحلل المتخصص فى العلاقات الدولية فى أكاديمية شنجهاى للعلوم الاجتماعية "سون تشي" إلى أن "الانسحاب من أفغانستان يسمح للولايات المتحدة بتعزيز وجودها العسكرى فى منطقتى آسيا والمحيط الهادئ والمحيط الهندي، بهدف احتواء الصين"، لذلك فمن المحتمل أن تزيد واشنطن من نشاطها العسكرى فى بحر الصين الجنوبى وشبه جزيرة الصين والهند الصينية.

وكان الميزان السياسي- العسكرى للحرب، الذى أراق أنهارا من الدماء وأحرق موارد هائلة، كارثيا على الولايات المتحدة، باستثناء المجمع الصناعى العسكرى الذى حقق أرباحًا طائلة منه. وكتبت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية قائلة إن "طالبان، التى أصبحت أقوى، بسيطرتها على جزء كبير من البلاد؛ تعتقد أنها قد فازت بالفعل بصفقة سلام وأن لها اليد العليا." وهنا يكمن الخطر فى أن الانسحاب من أفغانستان، قد يؤدى فى النهاية إلى سقوط كابول فى أيدى طالبان، وسيُنظر إليه خارج الولايات المتحدة على أنه فشل شبيه بفشل فيتنام؛ وهو إعادة لسقوط سايجون فى شمال فيتنام عام 1975. وفى هذه المرحلة، يقترح وزير الخارجية الأمريكى "أنتونى بلينكن" وآخرون من إدارة بايدن أن تعترف واشنطن رسميًا بحركة طالبان وتمولها، وبذلك قد يحكمون بصورة أقل قسوة مما يُخشى منه بعد توليهم السلطة الجزئية أو الكاملة، من أجل الفوز بالاعتراف والدعم المالى من القوى العالمية.

ويعد الهدف الرسمى للخطة الاستراتيجية الجديدة هو "منع أفغانستان من الظهور كقاعدة إرهابية لتهديد الولايات المتحدة". بقى الهدف الحقيقى كما كان قبل عشرين عامًا، أن يكون لواشنطن وجود عسكرى قوى فى هذه المنطقة على مفترق طرق بين الشرق الأوسط ووسط وجنوب وشرق آسيا؛ إنها منطقة ذات أهمية استراتيجية أساسية خاصة تجاه روسيا والصين. ومنذ عام 1996 إلى عام 2001، دارت العلاقات بين الولايات المتحدة وأفغانستان حول خطوط الأنابيب المقترحة لنقل النفط والغاز من حوض بحر قزوين على طريق يتجاوز روسيا وإيران والصين. وحينها، عمل كل من "زلماى خليل زاد"، المبعوث الأمريكى الدائم للمنطقة، و"حميد كرزاي"، أول رئيس لأفغانستان تدعمه الولايات المتحدة، فى شركة النفط العملاقة "يونوكال".

والآن مع اقتراب انسحاب القوات الأمريكية، عقدت الجولة الرابعة من الحوار الثلاثى بين وزراء خارجية الصين وأفغانستان وباكستان لمعالجة المخاوف التى يشكلها الانسحاب. من المؤكد أن أفغانستان تحتاج إلى دعم المجتمع الدولي، ولاسيما الجهات الفاعلة الإقليمية التى منحتها مصالح استراتيجية واقتصادية وأمنية فى البلاد، ما سيدفع القوى المتنافسة، ولا سيما روسيا والصين، على اختبار إدارة بايدن.

ويرى أحد الباحثين فى المعهد الملكى للخدمات المتحدة "رافايلو بانتوتشي" أن قرار بايدن بمغادرة أفغانستان يمثل تحديًا وفرصة للصين؛ على صعيد الفرص، تتخلص الصين من القلق بشأن القواعد العسكرية الأمريكية بالقرب من حدودها. وعلى جانب التحدي، فإنه يترك سؤالاً مفتوحًا حول من سيتعامل مع عدم الاستقرار الذى قد ينمو فى أفغانستان. ووفقًا لبيان وزارة الخارجية الصينية الصادر فى أبريل 2020، فإن موقف الصين المعلن رسميًا بشأن أفغانستان هو أن "الصين تحترم دائمًا اختيار الشعب الأفغانى لمسار التنمية الخاص به، ومساندته لمواصلة دعم عملية السلام والمصالحة فى البلاد". وبالنظر إلى طموحات الصين ومتطلباتها من الطاقة، يمكن تحديد مصالحها فى أفغانستان على النحو التالي؛ تريد بكين حراسة حدودها والسيطرة على انتشار التطرف فى شينجيانج، وتمديد مبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI) إلى أفغانستان لتسهيل الاتصال بآسيا الوسطى، ما يساعدها فى تحقيق نفوذها الإقليمي.

وتناقش الصين دمج أفغانستان فى الممر الاقتصادى بين الصين وباكستان (CPEC)  وخيارات بما فى ذلك ربط الممر عبر السكك الحديدية إلى قندهار والطريق السريع كابول - بيشاور. فيما تراقب الشركات الصينية بحذر الموارد الطبيعية فى أفغانستان التى تقدر بنحو تريليون دولار. وفى عام 2007، تم توقيع صفقة بقيمة 3٫4 مليار دولار (لمدة 30 عامًا) كحق انتفاع بين أفغانستان وشركتين مملوكتين للحكومة الصينية؛ شركة مجموعة المعادن الصينية (MCC) وشركة "جيانجشي" المساهمة لتعدين النحاس  (JLC) لمنجم "ميس آيناك"، وهو ثانى أكبر منجم للنحاس فى العالم.

وتشعر الصين بالقلق إزاء الوضع الأمنى فى أفغانستان ولا تريد أن تصبح الأخيرة ملاذاً آمناً لمسلحى جنوب ووسط آسيا، الأمر الذى قد يهدد استقرارها فى مقاطعاتها الغربية. ووفقًا لصحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست"، قال محللون إن بكين قد تفكر فى إرسال قوة حفظ سلام إلى جانب مساعدات إنسانية وفقًا لبنود ميثاق الأمم المتحدة لضمان أمن ومصالح الشعب والشركات الصينية، بعد انسحاب القوات الأمريكية. وشوهد اهتمام الصين الممتد بأفغانستان عام 2014 عندما عينت بكين مبعوثًا خاصًا لأفغانستان (لأول مرة)، تحت إشراف وزارة الخارجية.

 وفى عام 2015، عرضت الصين لأول مرة التوسط فى الجهود لإشراك حركة طالبان الأفغانية فى "عملية السلام". وبدأت الصين وساطة بين ممثلين عن أفغانستان وباكستان وطالبان فى إطار "منتدى السلام والمصالحة". كما نشطت بكين فى تقديم المساعدة العسكرية لكابول؛ بين عامى 2016 و2018، قدمت أكثر من 70 مليون دولار من المساعدات العسكرية للحكومة الأفغانية لتدريب القوات؛ فى محاولة لتكثيف جهود مكافحة الإرهاب ومنع دخول الدولة الإسلامية "داعش" إلى الصين، وساعدت أفغانستان فى تشكيل "لواء جبلي" فى ممر واخان بالقرب من مقاطعة باداكشان شمال البلاد، وتم التدريب فى الصين وكان هدف اللواء هو مواجهة الهجمات المحتملة من قبل القاعدة والدولة الإسلامية. 

وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، اتسعت مشاركة الصين من كونها لاعباً اقتصادياً غير مبالٍ إلى توسيع التعاون فى الأمن ومكافحة الإرهاب والتعامل مع تحديات فيروس كورونا ودعم اتصال أفغانستان بالدول المجاورة من خلال مبادرة الحزام والطريق. وبالنظر إلى الحقائق الحالية، من المرجح أن تكون بكين ثانى أهم لاعب أجنبى فى أفغانستان (بعد باكستان)؛ وعلى الرغم من التباطؤ الاقتصادى بعد جائحة كوفيد-19، يبدو أن بكين لديها شهية كافية للحفاظ على الاستثمارات التى تلبى أهدافها الاستراتيجية؛ كما أن استعداد الصين لتقديم المساعدة العسكرية من خلال المعدات والتدريب وما إلى ذلك، هو أمر جذاب لأفغانستان، التى تطمح إلى الحشد العسكري.

وحتى وقت قريب، حافظت بكين على سياسة مستقلة فى أفغانستان، لكن يبدو أنها الآن تفضل نهجًا متعدد الأطراف من أجل حماية استثماراتها المالية وضمان عوائد اقتصادية واستراتيجية نظرًا للوضع الأمنى المعقد. ولكى تستفيد الصين من مصالحها الاقتصادية وتجعل الممر الاقتصادى الصينى الباكستانى طريقًا تجاريًا ممكنًا وهامًا لربط أسواق آسيا الوسطى وأوروبا بالصين؛ يجب أن تحافظ دولة أفغانستان على السلام والاستقرار من أجل المصالح الاقتصادية المتبادلة.

ونشرت وكالة بلومبرج الأمريكية مقالًا افتتاحيًا بعنوان "انسحاب بايدن من أفغانستان هو ضربة للصين"، يرى فيه الكاتب الهندى "بوبى جوش" بأن البلاد قد تنزلق قريبًا مرة أخرى فى حرب أهلية شاملة، ما سيهدد مبادرة الحزام والطريق، بعد أن تصبح ملاذًا للجهاديين. فيما ترى مجلة «the geopolitics» أنه مهما حدث، باستثناء نشوب حرب أهلية، ستظل الصين راسخة فى أفغانستان. لا أحد يتوقع أن تحل الصين محل الولايات المتحدة من الناحية العسكرية، لكن آسيا الوسطى قد تأمل فى أن تلعب بكين دورًا أكثر تقدمًا وأهمية فى أفغانستان، وهو دور يساعد بالفعل فى استقرار وتهدئة الوضع، بدلاً من المراقبة أثناء الانهيار.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة