شاطئ إدوار الخراط..
شاطئ إدوار الخراط..


شاطئ إدوار الخراط..

الإسكندرية تكرم عاشقها

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 28 يونيو 2021 - 02:38 م

الإسكندرية : أحمد سليم

ربما لا يعرف كثير من الوافدين إلى شاطئ سيدى بشر الاسم الجديد المكتوب على  بوابة الدخول الآن.. «إدوار الخراط»، ربما لا يعرفون أنه كان يجلس هنا فى الأماكن نفسها يتأمل عيون من سبقوهم ويكتب ما يدور بقلوبهم. يتابع فى صمت أمواج البحر المتلاطمة حتى تلهمه الحكاية ويدونها ليخلد مدينته التى عشقها..
كتب إدوار الخراط العديد من الروايات عن الإسكندرية منها «يا بنات إسكندرية، وسكندريتى» وعشرات القصص القصيرة التى كانت الإسكندرية مسرحا لأحداثها، وفى «ترابها زعفران» روايته الأشهر كتب الخراط طرفا من طفولته وصباه فى المدينة التى عشقها، كتب عن تفاصيل حياة المجتمع السكندرى بطوائفه وطبقاته، إسكندرية الثلاثينيات والأربعينيات فترة الفوران الثورى إبان الحرب العالمية الثانية وما صاحبها من تغيرات اجتماعية حادة عصفت بالكثير من الثوابت، كانت بمثابة مرثية لأطلال الطفولة والصبا والشباب التى تقوضت.
نراه شابا يتأمل البحر وأفقه الغامض، امتداد لا نهاية له «الشاطئ طويل هش مشدود، ملقى بين الفراغ والملء، خصر هضيم ضامر مسحوب، قابل للانكسار فى أية لحظة، فى أية بقعة، لا بؤرة له يتكثف ورائها ويحميها بنطاق وراء نطاق من الحواجز الواقية، خط متموج يقع على حرف هوة لا قرار لها، متلاطمة، وخادعة عندما تهدأ، لأنها دائما مهددة بالعصف وضاربة بحبال الماء، سحرها جذاب لا يقاوم، وجمالها لا يمكن أبدا الإحاطة به ولا الانتهاء من تملى مفاتنه، قوية الأذرع ممدودة إلىَّ تدعونى دعاء لا أعرف كيف أصده، دعاء فى الاستجابة له وقوع القضاء الذى لا مرد منه. على هذه الحافة الهشة القلقة، بين الحياة والعدم، وطنى الذى لا أعرف كيف أستقر إليه».
ونراه طفلا على شاطئ سيدى بشر يلعب على الرمل المبلل الذى يخبطه الموج ويتراجع عنه، يصنع قوالب من الرمل الطرى المتماسك، مصنوعة فى علبة كبريت فارغة، ويحفر حفرة ضيقة لا تلبث أن يطمرها الموج «أخلع الشورت والقميص وأرميهما، مع الفوطة والبرنس على الرمل، وألعب عند حافة البحر حتى يصل الماء إلى أعلى صدرى ولا أدخل كثيرا. وكان ابن عمتى بقطر هو الوحيد الذى أحس بالأمان معه فى البحر، كان يسبح إلى الداخل ثم يعود إلى، وكنت ألعب وحدى بينما هو فى البحر».
ليته كان موجودا الآن ليرى ملاعب طفولته وقد باتت تحمل اسمه!
قبل أسابيع فوجئ أهل الإسكندرية بتغيير أسماء بعض الشواطئ إلى أسماء شخصيات ربما لم يسمعوا عنها من قبل وتساءلوا عن سر التسمية، ما دفع الإدارة المركزية للسياحة والمصايف بالإسكندرية للرد على هذه التساؤلات عبر الصفحة الرسمية بموقع التواصل الإجتماعى فيس بوك لتوضح أن الأسماء الجديدة هى لأبطال لهم قصص ملهمة وتستحق أن تخلد الإسكندرية أسماءهم لكى يعرفهم الجميع، مثل البطل إسحاق حلمى أول مصرى يعبر المانش، وإيناس حقى أول سباحة مصرية تفوز بلقب بطلة العالم الأولى فى سباحة المسافات الطويلة للفتيات فى فرنسا سنة 1955.
ربما لا يعرف كثير من الوافدين إلى شاطئ سيدى بشر الاسم الجديد المكتوب على  بوابة الدخول الآن.. «إدوار الخراط»، ربما لا يعرفون أنه كان يجلس هنا فى الأماكن نفسها يتأمل عيون من سبقوهم ويكتب ما يدور بقلوبهم. يتابع فى صمت أمواج البحر المتلاطمة حتى تلهمه الحكاية ويدونها ليخلد مدينته التى عشقها.
وربما أيضا تحوم روحه فوق الشاطئ الذى بات يحمل اسمه الآن بمنطقة سيدى بشر يرقب العيون والقلوب التى جاءت كى تلقى بحكاياتها إلى أمواج البحر الواهنة حين تلامس أطراف أقدامهم ثم تعود محملة بها إلى جوف البحر حيث مخزن الأسرار.
مشروع ضخم
تغيير الأسماء لم يكن ارتجاليا، ولكن جاء وفق تقارير لجنة ضمت متخصصين فى مجالات مختلفة هى من اقترحت الأسماء ضمن مشروع كبير تقيمه محافظة الإسكندرية بالتعاون مع الجامعة الألمانية فى القاهرة.
قال الدكتور على سعيد، مدير متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية وعضو لجنة الهوية البصرية التى كلفت بمتابعة المشروع وتقديم المقترحات مع الجامعة الألمانية، إنهم عملوا على مدار شهور طويلة على هذا المشروع، لافتا إلى أنه لا يقتصر فقط على تغيير أسماء بعض الشواطئ لتصبح بأسماء أعلام ولكن يشمل أيضا بعض الميادين والشوارع الرئيسية وكذلك تغيير شعار الخط الخاص بمحافظة الإسكندرية، مشروع ضخم مستلهم من روح المدينة وشارك فيه متخصصين من مجالات مختلفة.


وأضاف سعيد فى تصريح لـ «أخبار الأدب» إن اللجنة عكفت على تحديد أسماء شخصيات برزت فى مجالات مختلفة مثل سيف وأدهم وانلى وسيد درويش وإدوار الخراط وغيرهم فى مجال السباحة وكان الهدف من ذلك هو تعريف المواطن العادى بهؤلاء الأعلام.
وأشار إلى أن المشروع أيضا يشمل وضع لوحات تعريفية بكل شخصية من الشخصيات وأسباب تسمية المكان باسمه، كى يتمكن المواطن من معرفة هؤلاء الشخصيات ويعرف أيضا أن الإسكندرية مدينة قدمت للعالم رموز كبيرة.
وكشف «سعيد» أنه تم عمل قائمة كبيرة بأسماء الشخصيات المؤثرة فى الإسكندرية وسيتم تنفيذ المشروع تباعا، لافتا إلى أن الجامعة الألمانية هى التى ستشرف على التنفيذ بالتعاون مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.
تكريم مستحق
بدء تنفيذ المشروع لاقى ترحيب كبير من المثقفين والأدباء فى الإسكندرية، حيث اعتبروها خطوة مهمة لتعريف الجمهور بالأدباء والفنانين.
وقال الشاعر أحمد فضل شبلول، إنها خطوة جميلة «كنا نرى الشواطئ بالأرقام مثل سيدى بشر 1و 2 و 3، لافتا إلى أن مثل هذه الخطوة ستدفع الكثير للبحث عن الشخصيات الموجودة وبالتالى يقرأون أعمالهم».
ولفت شبلول إلى مشروع «عاش هنا» الذى تنفذه هيئة التنسيق الحضارى فى القاهرة، وهو نوع من التكريم للأسماء التى عاشت فى تلك البنايات، موضحا أنها خطوة جيدة وفى انتظار المزيد من هذه المشروعات.
بدوره ثمن الأديب منير عتيبة الخطوة بقوله: «هى فكرة مهمة جدا لأن أسماء الأماكن حتى لو لم يبحث عنها المواطن العادى لمعرفته فمع التكرار تصبح علما للمكان»، لافتا إلى وجود بعض الشوارع والميادين تحمل أسماء شخصيات أجنبية لم يقدموا لمصر سوى الاستعمار وعلى سبيل المثال ميدان فى منطقة كفر عبده يحمل اسم «الليمبى».
وأوضح عتيبة أن هذه الخطوة ستساهم فى التعريف بالشخصيات التى أثرت الحياة الثقافية والأدبية فى مصر للمواطن العادى، ونوع من التكريم لعطاءه أيضا، مؤكدا أهمية إعادة النظر فى أسماء الكثير من الشوارع والميادين التى تحمل أسماء مستعمرين.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة