أحمد حلمي في فيلم أسف علي الأزعاج
الأدوار المركبة.. تأسف على الإزعاج
الثلاثاء، 29 يونيو 2021 - 12:50 م
إشراف : ريزان العرباوى
طبيب نفسي مصاب بعقد نفسية ، فتاة تعاني من اضطرابات وسلوك غير سوي يدفعها لإيذاء من حولها والاستمتاع بآلامهم, عاشق يصل لمرحلة الجنون والهوس بمن أحب, صاحب أموال ونفوذ مصاب بداء العظمة والتسلط, طالب يعاني من انفصام في الشخصية وغيرهم.. كلها شخصيات مركبة – سيكوباتية - تحمل انفعالات متناقضة تلهم صناع الفن وتجذب الجمهور وتمنح الفنان فرصة لإخراج طاقات تمثيلة مختلفة قد تشكل علامة فارقة في مشواره الفني, فقد حازت مواضيع علم النفس والإضطرابات النفسية اهتمام مؤلفين الدراما وتم تسليط الضوء على هذا النمط من الأدوار في مجموعة مختلفة من الأعمال الفنية.
ولكن إلى أي مدى يعد هذا النمط مطلوبا دراميا, وما تأثيره النفسي على الفنان والمتلقي؟ ، وهل هناك قاعدة معينة يجب على الفنان أن يتبعها لبناء أسس معايشته لتلك الشخصيات المعقدة لتفادي تأثيرها السلبي سواء على الفنان نفسه أو على المتلقي؟
سؤال أجاب عليه د. يسري عبد المحسن - أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة - قائلا: “أولا لابد من دراسة الشخصية جيدا وأبعادها النفسية والتعمق في الإطلاع بعلم النفس، ليساعد ذلك الفنان على التصرف بمكنونات الشخصية وتحديد نوعية المرض النفسي لإتقان ردود أفعاله وتصرفاته, فعلم النفس يساعد الفنان على تحليل الشخصية التي سيقدمها في قالب درامي، وفهمها، ليتمكن من تجسيدها بشكل مقنع، وإن لم يفعل ذلك سيكون متصنعا في الأداء, فثقافة علم النفس تعد من العناصر الأساسية للفنان، لأنه مجال مرتبط بكل العلوم وكل تفاصيل الحياة, كذلك يجب استشارة مختصين في المجال النفسي إن كان الموضوع معقدا والشخصية بها ألغاز وأمور خفية حتى تقترب الشخصية من الواقع بعيدا عن تجسيدها بشكل هزلي أو مبالغ فيه وتجنب الوقوع في أخطاء علمية قد ينعكس تأثيرها بشكل سلبي على الفنان والمتلقي, فالفن من الأدوات التي تساهم في تشكيل الوعي لدى الأفراد وهناك مجموعة من الدراسات أكدت على أن هناك خلايا تنشط في المخ خلال مشاهدت الأفلام فالمشاهد يضع نفسه محل الأبطال ويشعر بحالة من التماهي مع العمل وشخوصه.. ثانيا فيما يخص السيناريو يجب أن يكتب بصيغة تتماشى مع حقيقة المرض النفسي، فتناول تلك الأنماط فنيا له شق إيجابي، وهو توعية الناس تجاه المرض النفسي وخطورته”.
ويتابع قائلا: “ثأثر الفنان بالشخصية ومدى سيطرتها عليه بعد انتهاء العمل يتوقف على مدى خبرة الفنان نفسه وطول مدة عمله في الفن فالمتمكن من عمله وصاحب الخبرة هو الذي يتقمص الشخصية وقت التصوير فقط، وبعد الإنتهاء من الدور يعود لطبيعته, أما من لا يمتلك الخبرة فمن الممكن أن تؤثر تلك الشخصيات عليه نفسيا وقد تتسبب له في الإصابة بأمراض عضوية وهذا التأثير على حسب شخصية الفنان ومدى استعداده أو تقبله للمرض وعلى الفنان أن يساعد نفسه بعد الإنتهاء من التصوير بالإختلاط بأهله وأصدقائه ليخرج من الشخصية سريعا وحتى لا يكون فريسة سهلة للعزلة النفسية”.
«مناهج متعددة»
وعن سبب إقبال صناع الفن لتناول الأمراض النفسية والأدوار المركبة التي تحمل عدد من الانفعالات المتناقضة، وإلى أي مدى هي مطلوبة دراميا يقول الناقد عصام زكريا: “الأدوار المركبة موجودة طوال الوقت، لكن بشكل متفاوت أشبه بالموجات، فلا توجد أداة قياس معينة لتحديد المطلوب والغير مطلوب دراميا، لكنها مسألة تحسم حسب احتياج العمل والفكرة الأساسية له، وأحيانا على حسب المزاج العام للجمهور, أما بالنسبة لتقمص الفنان للشخصية المعقدة وتأثيرها النفسي المنعكس عليه، فهي تخضع حسب منهج وطريقة الفنان في التمثيل، وأحد هذه المناهج يعتمد على التقمص الداخلي، وهو منهج قد يشكل خطورة على الفنان ويتسبب في اجهاده نفسيا وجسديا, فيجب على من يتبع هذا المنهج أن يكون ذو خبرة كافية تؤهله للخروج سريعا من الشخصية أو أن يدرب نفسيا تحت إشراف مختصين في علم النفس أومع (كوتش) تمثيل يدرب الممثل على الدخول في الشخصية والخروج منها سريعا, وتعد أحد أدوات الممثل المحترف ومطلوبة بشكل كبير، خاصة في المسرح لطبيعته التي تتطلب القدرة السريعة في الاندماج بالشخصية والخروج منها بسهولة”.
ويضيف: “تميز عدد من الفنانين بأداء هذه الأدوار، وكان لكل منهم طريقة ومنهج مختلف, فمحيي إسماعيل انتهج الطريقة المسرحية الخارجية، وينتمي إلى هذه المدرسة أيضا السوري باسل خياط، أما أحمد زكي فأتبع طريقة التقمص الداخلي للشخصية، وأرى أن جميلة عوض أيضا تفوقت في دور الفتاة التي تعاني بعض المشاكل النفسية لأنها مدربة جيدا تحت إشراف مختصين، وعلى النقيض هناك من يؤدي بشكل مبالغ فيه يصل إلى حد الأداء الكاريكاتيري المفتعل، فيبتعد عن المنطق والواقع, وبالرغم من أن هذه الشخصيات قد تبدو صعبة ومعقدة في الأداء لدى البعض، لكن الحقيقة أنها من أسهل الأنماط التمثيلية، لأنها تحتاج إلى قدر كبير ومباشر من التعبير وأداء مبالغ فيه، عكس الشخصيات العادية التي تتطلب قدر معين ومحسوب بدقة من التعبير والإنفعالات”.
«مستشار نفسى»
يتفق الناقد الفني طارق الشناوي أيضا على ضرورة الإستعانة بمستشار نفسي وأهمية دراسة الفنان للشخصية وتحديد أبعادها النفسية ويقول: “عند التطرق للشخصيات التي تعاني من الأمراض والإضطرابات النفسية لابد من الإلمام بكل تفاصيلها والحرص على الالتقاء بشخصيات من الواقع قدر الإمكان لمراقبة تصرفاتها عن قرب وتحقيق المصداقية في الأداء وأتذكر أثناء دراستنا في معهد السينما كنا نقوم بزيارات لمستشفى الأمراض العقلية وكان د. حسين عبد القادر - رحمه الله - وهو ممثل وأستاذ في علم النفس يهتم بتدريس هذا الجزء والإلتقاء بالمرضى النفسيين عن قرب، فهي مسألة غاية في الأهمية لمن يعمل بهذه المهنة، فالدراسة الجيدة خطوة هامة في احترافية التمثيل التي تجنب الفنان الإصابة بحالة من الإكتئاب، فبعض الفنانين قد يصلوا لمرحلة عميقة من التقمص بشكل يصعب عليه الخروج من الشخصية بسهولة, وأحمد زكي على سبيل المثال عندما قدم فيلم (زوجة رجل مهم) كان يعاني من مشاكل في القولون وأخبرني أن الطبيب لم يحدد سبب عضوى لشكواه وأرجع السبب لتأثره الشديد بالشخصية”،ويضيف الشناوي: “بالنسبة للمتلقي، فلا أعتقد أن لتلك الأدوار تأثير نفسي سلبي ينعكس على المشاهد، لكن قد يتأثر بالممثل ويتعاطف معه، فتعمل السيكودراما على إزالة الستار عن المشكلات والقضايا النفسية المعقدة التي يعيشها بعض الأشخاص، وتهدف إلى إيجاد حلول لها وإخراج الشخص من عزلته النفسية وتعمق استبصار الإنسان بذاته، لذلك أرى أن الفن وعلم النفس وجهان لعملة واحدة”.
«أداء متقن»
هذا النمط من الأدوار المركبة جذب عدد من الفنانين منهم محيي إسماعيل الذي برع في تقديم الأدوار الصعبة المركبة وتجسيد صراعات الإنسان النفسية فأصبح متخصصا في تلك الأدوار، وأطلق عليه لقب “رائد السيكودراما”, فقدم دور طالب جامعي معقد نفسيا من خلال فيلم “خلي بالك من زوزو” وأعتبر نقلة حقيقة في حياته، واستطاع أن يلفت الأنظار إليه ويثبت إمتلاكه لموهبة فنية مميزة، ليختاره المخرج حسام الدين مصطفى لدور شاب مصاب بالصرع في فيلم “الإخوة الأعداء” جسد الدور بشكل إحترافي جعل الرئيس الراحل أنور السادات يسأله عند لقائه “هل تعاني من الصرع فعلا؟”.
ويقول محيي إسماعيل: “أعطي للشخصية ولا أخذ منها، ودراستي للفلسفة ساعدتني على الفهم الكامل للجوانب النفسية للشخصية, فالنفس البشرية مليئة بالتناقضات والمتاهات، وليس لكل منا القدرة على فهمها والغوص بداخلها، إلا من كان لديه الموهبة أولا، ونماها بالعلم والدراسة”، تميز السوري باسل خياط بتقديم أدوار مركبة ومرهقة نفسيا خلال مشواره في الدراما المصرية ولقبه البعض بـ”الجوكر”, فتمكن من لفت الأنظار إليه من خلال شخصية “يوسف” الطبيب النفسي المصاب بعقد نفسية ينتقم من النساء وتظهر جوانب الشر في شخصيته من خلال مسلسل “حرب أهلية” الذي تم عرضه في شهر رمضان الماضي، من بطولة يسرا وأروى جودة وإخراج سامح عبد العزيز وتأليف منة القيعي وأحمد عادل, قدم أيضا دور الشرير “السيكوباتي” شديد الذكاء صاحب الخطة الموضوعة بعناية لتدمير شخص يقع عليه الاختيار خلال أحداث مسلسل “30 يوم” الذي شارك في بطولته آسر ياسين, فجسد شخصية “طارق” طبيب نفسي يستقبل في عيادته “توفيق المصري” فيجرى عليه تجربة نفسية بهدف تحطيمه على مدار 30 يوما, المسلسل تأليف مصطفى جمال هشام وإخراج حسام علي.
نالت جميلة عوض إشادة عن دورها في مسلسل “حرب أهلية” حيث جسدت شخصية “تمارا” إبنة يسرا التي تواجه مشاكل نفسية كثيرة بسبب طريقة تربيتها، فتشهد حياتها تحولات عديدة، جميلة مرت بضغوط نفسية أثناء التصوير مما سبب لها آلام في المعدة من التوتر.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة